هوكستين عدَّ مساندة «حزب الله» لـ«حماس» جزءاً من عملية «طوفان الأقصى»

سأل عن الرئاسة اللبنانية ودعا المعارضة للحوار مع بري

بري مستقبلاً هوكستين في بيروت (أ.ب)
بري مستقبلاً هوكستين في بيروت (أ.ب)
TT

هوكستين عدَّ مساندة «حزب الله» لـ«حماس» جزءاً من عملية «طوفان الأقصى»

بري مستقبلاً هوكستين في بيروت (أ.ب)
بري مستقبلاً هوكستين في بيروت (أ.ب)

الجديد في الزيارة الثالثة للوسيط الأميركي أموس هوكستين لبيروت يكمن في مقاربته للمرة الأولى الملف الرئاسي، ولو من باب الأسئلة التي طرحها على رئيسي المجلس النيابي نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ونواب المعارضة، في سياق الاستفسار عما إذا كانت هناك معطيات لتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، ما يعني أنه أضاف انتخابه للمهمة التي بدأها منذ زيارته الأولى للبنان، والتي جاءت فور بدء الاجتياح الإسرائيلي لغزة رداً على عملية «طوفان الأقصى» التي قامت بها حركة «حماس» ضد المستوطنات الإسرائيلية الواقعة في نطاق غلاف غزة، وتلازمت مع مبادرة «حزب الله» إلى مساندتها في تصدّيها للعدوان الإسرائيلي.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر سياسية واسعة الاطلاع، أن الوسيط الأميركي تطرّق إلى الملف الرئاسي على هامش مهمته المتمثلة بتفضيل الحل الدبلوماسي على العسكري لوقف المواجهة العسكرية بين «حزب الله» وإسرائيل، وذلك من خلال توفير الأجواء السياسية المواتية لتطبيق القرار الدولي 1701.

وبحسب المعلومات، فإن هوكستين سأل بري عما آلت إليه الاتصالات الرامية لإخراج الاستحقاق الرئاسي من التأزم بانتخاب رئيس للجمهورية، وكان جوابه أنه دعا الكتل النيابية للحوار منذ أغسطس (آب) الماضي، تحت قبة البرلمان، «لعلنا نتوصل إلى توافق من شأنه أن يسهّل انتخابه، لكن لم نلق التجاوب المطلوب».

وأضاف بري أن هناك مبادرة جديدة، و«كنت أول من رحب بها»، في إشارة إلى المبادرة التي أطلقتها كتلة «الاعتدال الوطني»، وتعمل على تسويقها نيابياً، و«أنا أنتظر ردود الفعل عليها، وأترقب ما ستؤول إليه ليكون في وسعي أن أبني على الشيء مقتضاه».

توافق بين بري وهوكستين

واللافت في معرض الحديث عن الملف الرئاسي، كما تقول المصادر السياسية، أن بري وهوكستين توافقا على عدم ربط انتخاب الرئيس بالحرب الدائرة في غزة، أو تلك المشتعلة في جنوب لبنان، مع أن الوسيط الأميركي تطرق إلى اللجنة «الخماسية» ودورها في مساندة الكتل النيابية لتسهيل انتخاب الرئيس، مشدداً، في الوقت نفسه، على أهمية تزخيم الحوار النيابي الذي من شأنه أن يدفع باتجاه لبننة الاستحقاق الرئاسي، و«نحن من جانبنا - كما نُقل عنه - ندعم الدور الذي تقوم به الخماسية».

وكشفت المصادر نفسها عن أن انتخاب الرئيس حضر في اجتماع الوسيط الأميركي بنواب المعارضة، التي أبدت خشيتها، على حد قول أحد النواب ممن شاركوا في اللقاء، من وجود مقايضة بين تطبيق القرار 1701 وانتخاب رئيس تعود فيه كلمة الفصل لـ«حزب الله»، وهذا ما استبعده هوكستين.

وقالت إن الوسيط الأميركي استمع إلى وجهة نظر المعارضة حول عدم تلبيتهم دعوة بري للحوار، فيما تتعامل بإيجابية مع المبادرة التي أطلقتها كتلة «الاعتدال» لتحريك انتخاب الرئيس، بخلاف تعاطيها مع دعوة بري للحوار، بذريعة أنه يربط دعوة المجلس للانعقاد لانتخاب الرئيس بالاتفاق مسبقاً على اسمه.

ولفت النائب في المعارضة، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، إلى أن محور الممانعة ليس في وارد الانفتاح على الخيار الرئاسي الثالث، وهو لا يزال يتمسك بدعم ترشيحه لرئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية، ويرفض استبعاده من المنافسة الرئاسية، بالتلازم مع استبعاد منافسه الوزير السابق جهاد أزعور لمصلحة انتخاب رئيس توافقي يقف على مسافة واحدة من الجميع، ويتمتع بالمواصفات التي حددتها «الخماسية».

لكن الوسيط الأميركي لمح إلى أن بري لم يقفل الباب أمام البحث عن مرشح توافقي، ونصح بضرورة الحوار معه كونه يبدي مرونة وانفتاحاً. وأكد، كما نقل عنه أحد النواب، أن هناك ضرورة لانتخاب الرئيس، وعدم ربطه بالحرب المتنقلة بين جنوب لبنان وغزة، وهذا يتطلب من الكتل النيابية التعاون على قاعدة تقديم التسهيلات المطلوبة لإنهاء الشغور الرئاسي.

إلا أن استحضار الوسيط الأميركي للملف الرئاسي، من خارج جدول أعمال المهمة الموكلة إليه بإعادة الهدوء إلى جنوب لبنان، انسحب أيضاً، ولو بصورة عابرة، على الورقة الفرنسية التي تقدمت بها باريس لإعادة الهدوء إلى الجنوب، مكتفياً بالقول إن باريس تشاورت مع واشنطن بخصوصها، من دون أن يستفيض في التعليق عليها.

هوكستين: الهدنة في غزة قد لا تنسحب على لبنان

وفي هذا السياق، توقفت المصادر أمام قول هوكستين، رداً على سؤال، إن الهدنة في غزة قد لا تنسحب تلقائياً على لبنان، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن ما قصده من وراء قوله هذا يكمن في أن واشنطن ترى أن مساندة «حزب الله» لـ«حماس» هي جزء من عملية «طوفان الأقصى» التي قامت بها ضد المستوطنات الإسرائيلية في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وبكلام آخر، فإن إسرائيل، كما يقول الوسيط الأميركي، تنظر إلى مبادرة «حزب الله» بإشعال الجبهة الشمالية على أنها مرتبطة بأمن المستوطنات الواقعة على تخوم الحدود اللبنانية، وبالتالي، تصر على عدم ربط المواجهة مع الحزب باجتياحها غزة رداً على عملية «طوفان الأقصى».

لذلك، تصر إسرائيل، بحسب قول هوكستين، على ربط وقف العمليات العسكرية على امتداد حدودها مع لبنان بتجاوب «حزب الله» مع الجهود الرامية لتطبيق القرار 1701، بمعزل عما سيؤول إليه الوضع على الجبهة الغزاوية، وهذا يعني، من وجهة نظر الذين واكبوا لقاءاته في بيروت، أن ليس هناك ما يُلزم إسرائيل بتوسعة الهدنة في غزة لتشمل لبنان؛ لأن ما يهمها هو إعادة المستوطنين إلى أماكن سكنهم الأصلية، بالتوازي مع إعادة النازحين اللبنانيين إلى قراهم وبلداتهم.

وعليه، فإن عودة الاستقرار إلى الجنوب تبدأ من لبنان، وإن مجرد ربطها بغزة يعني التمديد للمواجهة العسكرية بدلاً من الدخول في مفاوضات غير مباشرة ترعاها واشنطن لتهيئة الأجواء أمام الشروع بتطبيق القرار 1701 وعدم تجزئته، استجابة لرغبة الوسيط الأميركي باعتماد الحل الدبلوماسي، لقطع الطريق على إسرائيل لتوسعة الحرب جنوباً بذريعة إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل 8 أكتوبر الماضي.

ويبقى السؤال: كيف سيتعاطى «حزب الله» مع الوساطة الأميركية؟ وهل يوافق على فك ارتباط الجنوب بغزة أم أن الوضع فيه سيبقى مفتوحاً على كل الاحتمالات، وأولها ارتفاع منسوب المواجهة العسكرية؟ وهذا ما يفتح الباب أمام استمرار تبادل الحملات السياسية بين محور الممانعة والمعارضة التي تتشدد بتطبيق القرار 1701، وتصر على أن يبقى قرار السلم والحرب بيد الدولة، وعدم استخدام الجنوب منصة لخدمة أجندات خارجية قد تأخذه إلى المجهول، وتستدرج مواجهات مع إسرائيل غير محسوبة، بدلاً من الانخراط في الجهود الرامية لإخراج لبنان من دائرة الخطر التي يتخبط فيها حالياً.


مقالات ذات صلة

بري لـ«الشرق الأوسط»: ننتظر اقتراحات ملموسة... والـ1701 وحده المطروح

المشرق العربي نبيه بري والمبعوث الأميركي آموس هوكستين في بيروت (أ.ف.ب)

بري لـ«الشرق الأوسط»: ننتظر اقتراحات ملموسة... والـ1701 وحده المطروح

نبيه بري يقول لـ«الشرق الأوسط» إنه «لم يتبلغ شيئاً رسمياً» عن إحياء مساعي وقف النار... ومعلومات عن اعتراضه على رقابة بريطانيا وألمانيا على الـ1701.

ثائر عباس (بيروت)
المشرق العربي نازحون لجأوا إلى دير الأحمر من بعلبك بعد اشتداد القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)

الشتاء يفاقم معاناة النازحين في لبنان

تتفاقم معاناة النازحين، كلما انخفضت درجات الحرارة، حيث تفتقد غالبية مراكز الإيواء لمستلزمات التدفئة الضروريّة

حنان حمدان
المشرق العربي قرية لبنانية مُدمَّرة كما بدت في صورة من جبل أدير بشمال إسرائيل يوم الاثنين (رويترز)

فصل الشتاء يعوق الحرب في لبنان ولا يوقفها: التأثير الأكبر على المعركة البرية

تتفاوت حدّة المواجهات بين إسرائيل و«حزب الله» اللذين سيكونان أمام تغيرات في الطقس مع بدء فصل الشتاء الذي لا يوقف المعركة إنما يعوقها.

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي دخان يتصاعد فوق ضاحية بيروت الجنوبية بعد ضربة إسرائيلية (رويترز) play-circle 00:39

غارات إسرائيلية عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية

شن الطيران الحربي الإسرائيلي، الثلاثاء، 13 غارة على ضاحية بيروت الجنوبية، بعد أن استبعد وزير الدفاع الإسرائيلي أي وقف لإطلاق النار في لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي صورة مركبة للرئيس المنتخب دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ف.ب)

«صفقة نتنياهو»: السيادة على المستوطنات مقابل إنهاء الحرب

تُعِدّ حكومة نتنياهو خطة استراتيجية لإجهاض حل الدولتين بفرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء واسعة من الضفة الغربية وقطاع غزة وتعزيز الاستيطان.

نظير مجلي (تل أبيب)

فنانون لبنانيون يكافحون الحرب ويواصلون الإبداع

أطفال نازحون ولاجئون يحضرون حفلاً خيرياً حيث تؤدي المغنية اللبنانية جوي فياض والموسيقي أوليفر معلوف وسط الأعمال العدائية المستمرة بين «حزب الله» والقوات الإسرائيلية في بلدة ضبية - لبنان 9 نوفمبر 2024 (رويترز)
أطفال نازحون ولاجئون يحضرون حفلاً خيرياً حيث تؤدي المغنية اللبنانية جوي فياض والموسيقي أوليفر معلوف وسط الأعمال العدائية المستمرة بين «حزب الله» والقوات الإسرائيلية في بلدة ضبية - لبنان 9 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

فنانون لبنانيون يكافحون الحرب ويواصلون الإبداع

أطفال نازحون ولاجئون يحضرون حفلاً خيرياً حيث تؤدي المغنية اللبنانية جوي فياض والموسيقي أوليفر معلوف وسط الأعمال العدائية المستمرة بين «حزب الله» والقوات الإسرائيلية في بلدة ضبية - لبنان 9 نوفمبر 2024 (رويترز)
أطفال نازحون ولاجئون يحضرون حفلاً خيرياً حيث تؤدي المغنية اللبنانية جوي فياض والموسيقي أوليفر معلوف وسط الأعمال العدائية المستمرة بين «حزب الله» والقوات الإسرائيلية في بلدة ضبية - لبنان 9 نوفمبر 2024 (رويترز)

بينما تشنّ إسرائيل هجوماً عسكرياً دامياً على وطنه لبنان في حربها مع «حزب الله»، تساءل الفنان شربل صموئيل عون عن دور الفن ومكانته في بلد يجتاحه الصراع.

وقال عون، وهو رسام ونحات يمزج بين فنون متعددة ويبلغ من العمر 45 عاماً: «الفن هل بيظل إله محل في هيك أزمة؟»، حسب وكالة «رويترز» للأنباء.

الفنان اللبناني شربل صموئيل عون يحمل قطعة فنية غير مكتملة بورشته في بلدة الفنار - لبنان 8 نوفمبر 2024 (رويترز)

وتاريخياً، لعب لبنان دوراً محورياً في المشهد الفني بالعالم العربي وكان بمثابة مركز نابض بالحياة للفنون البصرية والموسيقى والمسرح ويمزج بين المؤثرات التقليدية والمعاصرة.

والآن يعبّر الفنانون اللبنانيون في أعمالهم عن الإحباط واليأس الذي يشعرون به منذ الهجوم الإسرائيلي على وطنهم قبل عام والذي أسفر عن مقتل أكثر من 3200 شخص، معظمهم منذ سبتمبر (أيلول) الماضي.

وتعكس أعمال عون بشكل مباشر الأزمات المتتالية التي يمر بها لبنان. فقد بدأ في عام 2013 جمع التراب من مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان لرسم سلسلة من اللوحات متعددة الطبقات قبل أن ينتقل إلى استكشاف وسائل أخرى.

الفنان اللبناني شربل صموئيل عون يعمل على قطعة فنية باستخدام الغبار المخلوط بالراتنج في بلدة الفنار - لبنان 8 نوفمبر 2024 (رويترز)

ويقول الفنان عون إن الظلام واليأس الناجمين عن الحرب والركام الذي خلَّفته حملة القصف الإسرائيلي المكثفة في جنوب لبنان وشرقه والضاحية الجنوبية لبيروت أحييا رغبته في العمل بالتراب.

وقال: «يا بتوقفي كل شيء، يا إنه بالشيء إللي باقيلك فيه معنى شوي بتكفي».

وتم إلغاء معرضين له بسبب الحرب. وبينما كان يعيش في السابق على الدخل الذي يجنيه من فنه، يعتمد الآن على بيع العسل من منحل أسسه في البداية مشروعاً لصنع أعمال فنية من شمع العسل.

وقال: «لم يعد بإمكاني الاعتماد على سوق الفن».

الفنان اللبناني شربل صموئيل عون يرتدي بدلة تربية النحل أثناء حضوره مقابلة مع وكالة «رويترز» في بلدة الفنار بلبنان 8 نوفمبر 2024 (رويترز)

وأُغلقت صالات العرض في مختلف أنحاء بيروت خلال الأشهر القليلة الماضية، وقال أصحابها لوكالة «رويترز» إنه لا يوجد طلب على شراء الأعمال الفنية في هذا التوقيت. ونقل متحف سرسق الشهير في لبنان، وهو متحف للفن الحديث، معروضاته إلى مخزن تحت الأرض.

المغنية والموسيقية اللبنانية جوي فياض تحمل غيتارها بالاستوديو الخاص بها في مزرعة يشوع - لبنان 6 نوفمبر 2024 (رويترز)

وعانت المغنية والموسيقية اللبنانية جوي فياض من التأثير النفسي للصراع الذي جعل من الصعب عليها أداء عروضها منذ أشهر عدة.

وقالت: «هذا الشيء عمل شوي (حدودا) للإبداع تبعي، وبالتالي (انغلقت) شوي على حالي، ما بقى فيني أعطي غيري ولا أعطي حالي كمان».

أطفال نازحون ولاجئون يحضرون حفلاً خيرياً حيث تؤدي المغنية اللبنانية جوي فياض والموسيقي أوليفر معلوف وسط الأعمال العدائية المستمرة بين «حزب الله» والقوات الإسرائيلية في بلدة ضبية - لبنان 9 نوفمبر 2024 (رويترز)

ووجهت طاقتها في المقابل إلى كتابة الأغاني. وعادت مجدداً لتأدية عروض في الفترة الماضية بالغناء للأطفال النازحين واللاجئين في لبنان خلال حفل خيري أقيم في شمال بيروت.

وأضافت: «بتخيل أحلى شعور كان برجع أحسه بعد فترة طويلة إني أشوفهم كلهم مبسوطين... وعم بيغيروا جو وينبسطوا من بعد فترة صعبة أكيد»، خصوصاً لمن اعتادوا على سماع صوت القصف بدلاً من الموسيقى.