«وحدة الظل» الحارس الخفي للمحتجزين الإسرائيليين... ماذا نعرف عنها؟

ما هي «وحدة الظل» الموكل إليها حراسة المحتجزين الإسرائيليين؟ (إكس)
ما هي «وحدة الظل» الموكل إليها حراسة المحتجزين الإسرائيليين؟ (إكس)
TT

«وحدة الظل» الحارس الخفي للمحتجزين الإسرائيليين... ماذا نعرف عنها؟

ما هي «وحدة الظل» الموكل إليها حراسة المحتجزين الإسرائيليين؟ (إكس)
ما هي «وحدة الظل» الموكل إليها حراسة المحتجزين الإسرائيليين؟ (إكس)

في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن انهيار المحادثات التي استضافتها القاهرة بين حركة «حماس» ووسطاء؛ بهدف التوصّل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، ولإيقاف القتال قبل أن يحل شهر رمضان، كشفت «رويترز» أن إسرائيل قاطعت المحادثات؛ لأن «حماس» رفضت طلبها بتقديم قائمة بأسماء الرهائن الذين ما زالوا على قيد الحياة جميعاً.

وتضغط «حماس» وفصيلها المسلح «كتائب القسام» بالورقة الأكبر لديها للوصول إلى مطالبها بعد 150 يوماً على حرب غزة، وهي ورقة «المحتجزين الإسرائيليين». تخفيهم عن الأعين والرادارات بعهدة وحدتها الأكثر سرية: «وحدة الظل»، في وقت صعب فيه الاختباء والاحتماء. وتقول إسرائيل إن 136 من الرهائن ما زالوا محتجزين في القطاع الفلسطيني.

لكن رب سائل يقول: كيف استطاعت «وحدة الظل» الحفاظ على حياة هؤلاء الرهائن، وكيف تمكنت من إخفائهم؟ آلة القتل الإسرائيلية تشنّ حرباً لا هوادة فيها على القطاع الصغير، المحاصر منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وتطارد الغزيين في أنحاء القطاع، وكلما انحسرت الرقعة الجغرافية صارت مهِمة التخفّي والهروب أصعب، إلا أن «وحدة الظل» أُنشئت لتتمكّن من أن تكون شاذة عن القاعدة.

عناصر من كتائب القسام (الإعلام العسكري لكتائب القسام)

فما هي «وحدة الظل»؟

«وحدة الظل» هي إحدى أشدّ وحدات «كتائب القسّام» سرية واحترافية، ومهمتها الوحيدة هي الحفاظ على حياة الأسرى الإسرائيليين لدى «كتائب القسّام»، والتغطية على أماكنهم، وتضليل مخابرات الجيش الإسرائيلي، بحسب الكتائب. وتتكتم «كتائب القسام» بشكل كبير عليها؛ بسبب حساسية المهمة التي أُسست من أجلها، وفقاً لها. كما توكل مهمة الإشراف على «وحدة الظل» إلى القائد العام لـ«كتائب القسام» محمد الضيف.

لماذا أنشأت «كتائب حماس» «وحدة الظل»؟

وأُنشئت «وحدة الظل» التي توصف بأنها «وحدة مهام خاصة» بعدما تمكّنت «القسام» بمشاركة فصائل فلسطينية أخرى من خطف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في يونيو (حزيران) 2006، بحسب مقطع فيديو بثّته «قناة الأقصى» الفضائية التابعة لحركة «حماس» في غزة. آنذاك، وُكّلت «وحدة الظل» مهمة تأمين الجندي الأسير جلعاد شاليط وكُلّفت مهمة الحفاظ عليه حياً، وتضليل أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية، ومنعها من الوصول إليه أو اغتياله. وظلت «وحدة الظل» سرية حتى مطلع عام 2016، حيث تم الكشف عنها من خلال مقطع فيديو، أي بعد 10 أعوام من تأسيسها. وحينها، سمح الضيف بالتعريف بجزء من طبيعة عملها. لكن إلى الآن لا يُعرف عدد أفرادها. ونجحت الوحدة في أول مهمة لها، إذ استطاعت الاحتفاظ بشاليط لـ5 سنوات، ومبادلته في صفقة «وفاء الأحرار» بأكثر من ألف أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية.

جلعاد شاليط (سي إن إن)

كيف تعمل «وحدة الظل»؟

وتعتمد «وحدة الظل» أساليب تمويه وتضليل ومراوغة عالية الدقة والتعقيد، فمثلاً استطاعت الانتقال بشاليط من داخل قطاع غزة إلى داخل الحدود المصرية تحت المراقبة الإسرائيلية، من دون أن تتمكّن إسرائيل من تحديد موقعه، بحسب تقارير فلسطينية.

من «صفقة شاليط» إلى «طوفان الأقصى»

تمكّنت «وحدة الظل» من إخفاء الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عن الموساد لنحو 5 أعوام، حتى أجبرت إسرائيل على إنجاز صفقة تبادل «وفاء الأحرار»، المعروفة أيضاً بـ«صفقة شاليط»، وتحرر على أثرها 1050 أسيراً وأسيرة من السجون الإسرائيلية، وفق تقرير لـ«وفا». وفي عام 2014، أُوكلت لـ«وحدة الظل» مهمة احتجاز 4 أسرى إسرائيليين، بينهم جنديان أسَرتهما «كتائب القسام» خلال الحرب الإسرائيلية الثالثة على غزة عام 2014، وتسميها الكتائب «معركة العصف المأكول»، إضافة إلى اثنين آخرين دخلا غزة في ظروف غامضة فأسَرتهما «كتائب القسام»، بحسب مقطع فيديو تبنته الوحدة حينها. وبعد معركة «طوفان الأقصى» التي شنّتها «حماس» على إسرائيل يوم السابع من أكتوبر، كانت مسؤولية «وحدة الظل» حراسة وتأمين ما بين 200 و250 أسيراً إسرائيلياً والحفاظ على حياتهم.

نساء في «وحدة الظل»

وخلال أول صفقة لتبادل الأسرى، التي جرت بعد التوصل لهدنة إنسانية، خرج عناصر «وحدة الظل» عند الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم الجمعة بشكل مفاجئ عبر سيارات داكنة الزجاج وفاجأوا سيارات الصليب الأحمر الدولي في مكان لم يكن متفقاً عليه من قبل، حيث تمّ تسليم الأسرى الإسرائيليين والتايلانديين إلى الصليب الأحمر الدولي.

ملامح أنثوية تظهر على بعض عناصر كتائب القسام خلال صفقة تبادل الأسرى (الإعلام العسكري لكتائب القسام)

تداول عدد من النشطاء الفلسطينيين، في قطاع غزة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، صوراً للحظة تسليم «كتائب القسام» عدداً من الرهائن الإسرائيليين إلى طواقم الصليب الأحمر الدولي عند معبر رفح الحدودي، مشيرين إلى أن من بين عناصر الفصيل الفلسطيني المسلح نساء. وقالت وسائل إعلام آنذاك إن ملامح بعض عناصر «وحدة الظلّ» كانت أنثوية، مرجحة أن تكون الوحدة تضمّ عناصر نسائية مهمتها الاهتمام بالنساء الأسيرات. وقالت الأسيرة الإسرائيلية المفرج عنها لأسباب إنسانية من غزة بعد 15 يوماً من أسرها، يوخباد ليفشيتس، إنها تلقت والأسرى الآخرون معاملة جيدة. وأضافت: «كانت هناك نساء يعتنين بالأسيرات لأنهن أعرف بحاجاتهن، واهتمت (القسام) جيداً بالنظافة وبصحة الأسرى».

الأسيرة المفرج عنها يوخباد ليفشيتس (رويترز)

كيف يتم اختيار الأعضاء؟

في عام 2016، عندما أخرج «تلفزيون الأقصى» معلومات عن «وحدة الظل» إلى العلن، قالت «كتائب القسام» إن اختيار أفراد هذه الوحدة يخضع لمعايير صارمة، ويخضعون لتدريبات خاصة من شأنها رفع قدراتهم، ومساعدتهم على تنفيذ المهام التي توكل لهم. وأشارت «القسام» إلى أن آلية اختيار أعضاء وحدة الظل تتم بعناية فائقة من الألوية والتشكيلات القتالية للكتائب كافة، وفق معايير دقيقة وصفتها بـ«ميزان من ذهب»، حيث يتم إخضاعهم لاختبارات عدة، مباشرة وغير مباشرة، ويخضعون لتدريبات خاصة لرفع قدراتهم الأمنية والعسكرية. ولخّصت هذه المعايير والمواصفات فيمن يتم اختياره بالتالي: «يتمتع بانتماء عميق للقضية الفلسطينية، ورغبة عالية في التضحية والفداء، وقدر عالٍ من الذكاء وحُسن التصرف في أوقات الأزمات والطوارئ، وقدرة عالية على استشعار المخاطر. ويتمتع بالسرية والكتمان وكراهية الثرثرة، ويتمتع بقدرات أمنية وعسكرية بمواصفات فريدة».


مقالات ذات صلة

مقتل 7 بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم

المشرق العربي جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

مقتل 7 بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم

قال تلفزيون فلسطين إن سبعة أشخاص قتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم السبت.

«الشرق الأوسط»
المشرق العربي طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

إسرائيل تقصف وتقتل وتُدمر ما تبقّى تحت سيطرتها بغزة

خلال ساعات ليل ونهار السبت، استخدمت القوات الإسرائيلية الطائرات الحربية تارةً والعربات المفخخة تارةً أخرى، لقصف وتدمير ما تبقى من منازل وبنى تحتية داخل قطاع غزة

المشرق العربي على اليمين صورة لمريم إبراهيم قبل الإصابة في الحرب... ويساراً صورة لها بعد الإصابة (وسائل إعلام محلية - إ.ب.أ)

نجاح عملية معقّدة لفتاة فقدت جزءاً من جمجمتها في حرب غزة

نجت فتاة من غزة كانت تعاني من إصابة في جمجمتها، جراء شظية إسرائيلية، بعد جراحة تمت لها في الأردن.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (د.ب.أ)

وزير الخارجية المصري يدعو إلى نشر قوة استقرار دولية في غزة «بأسرع وقت»

أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي اليوم (السبت) أنه ينبغي نشر قوة دولية لإرساء الاستقرار في غزة على طول «الخط الأصفر» للتحقق من وقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (الدوحة - القاهرة)
شؤون إقليمية المستشار الألماني فريدريش ميرتس يصل إلى مطار براندنبورغ في برلين (أ.ب)

وسط توتر بسبب حرب غزة... ميرتس في أول زيارة لإسرائيل لتعزيز العلاقات

يسعى المستشار الألماني فريدريش ميرتس خلال زيارته الأولى إلى إسرائيل، السبت، التي تستمر حتى الأحد، إلى تعزيز العلاقة «الخاصة» بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (برلين)

مقتل 7 بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم

جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
TT

مقتل 7 بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم

جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

قالت قناة «الأقصى» الفلسطينية إن 7 أشخاص لقوا حتفهم بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم السبت.

ولم تذكر القناة أي تفاصيل أخرى على الفور.

وفي وقت سابق اليوم، أفادت إذاعة «صوت فلسطين» بمقتل شخص وإصابة ثلاثة آخرين برصاص الجيش الإسرائيلي في شمال غربي قطاع غزة.

جنود من الجيش الإسرائيلي يقفون فوق دبابة متمركزة بالقرب من الحدود مع قطاع غزة (أ.ف.ب)

على الصعيد الآخر، ذكر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، أن قواته أطلقت النار على عدد من الأشخاص قال إنهم «اجتازوا الخط الأصفر وشكلوا تهديداً فورياً عليها»، مشيراً إلى أن القوات قتلت ثلاثة «لإزالة التهديد».

ومنذ بدء وقف إطلاق النار الهش، أفرجت «حماس» عن جميع الرهائن الأحياء وعددهم 20، وسلمت 27 جثة مقابل الإفراج عن نحو ألفي معتقل وسجين فلسطيني لدى إسرائيل.

ورغم تراجع وتيرة العنف، تواصل إسرائيل قصف غزة وتدمير ما تقول إنه بنية تحتية تابعة لـ«حماس». وتتبادل الحركة وإسرائيل الاتهامات بانتهاك الاتفاق.


التعاون الاقتصادي بين لبنان وإسرائيل: مبادرة ملغومة بتوقيت حساس

دبابات إسرائيلية تناور قرب الحدود مع لبنان (أرشيفية - رويترز)
دبابات إسرائيلية تناور قرب الحدود مع لبنان (أرشيفية - رويترز)
TT

التعاون الاقتصادي بين لبنان وإسرائيل: مبادرة ملغومة بتوقيت حساس

دبابات إسرائيلية تناور قرب الحدود مع لبنان (أرشيفية - رويترز)
دبابات إسرائيلية تناور قرب الحدود مع لبنان (أرشيفية - رويترز)

يشكّل إعلان إسرائيل عن استعدادها لفتح قنوات تعاون اقتصادي مع لبنان، بالتزامن مع تكليف الرئيس اللبناني جوزيف عون للسفير السابق في واشنطن سيمون كرم ترؤس الوفد اللبناني في لجنة «الميكانيزم»، محطة جديدة في مسار المواجهة المعقّدة بين بيروت وتلّ أبيب.

وبينما تبدو خطوة إسرائيل مجرد انفتاح اقتصادي، إلا أنها «تحمل في جوهرها رسائل سياسية ملغومة بتوقيت حسّاس جداً»، حسبما تقول مصادر لبنانية، و«تندرج ضمن مسعى إسرائيلي لإعادة رسم مشهد إقليمي يتيح لها الظهور بمظهر الساعي إلى الاستقرار، مقابل تحميل لبنان ولا سيما (حزب الله) مسؤولية استمرار التوتر».

ولا يعكس الموقف الإسرائيلي بالنسبة للبنان تغيّراً فعلياً في السلوك، أو المقاربة، بقدر ما يشكّل محاولة لتسويق صورة سياسية يريدها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مرحلة دقيقة داخلياً، وإقليمياً. وتقول المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «إسرائيل، التي تواصل عملياتها العسكرية في لبنان براً وبحراً وجواً، لا تبدو مستعدة لاتخاذ خطوات عملية، بل تكتفي بإشارات مرونة محسوبة، تؤسّس بمفهومها لمرحلة تفاوض محتملة حين تنضج الظروف، وتتقاطع الحسابات الإقليمية».

الغاز والنفط

ويشكّل موقع لبنان الجيوسياسي نقطة جذب إقليمية لإسرائيل، وكل دول المنطقة، رغم قدراته الاقتصادية المحدودة. ويقول مصدر رسمي لبناني لـ«الشرق الأوسط» إن تل أبيب «لا تسقط من حساباتها إمكانية التعاون في مجال الطاقة والغاز، لا سيما بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي وقعته مع لبنان في العام 2022، حيث تسعى لإعطاء انطباع بأن شرق المتوسط يمكن أن يتحوّل إلى منطقة تبادل اقتصادي».

رئيس الحكومة نواف سلام خلال استقباله وفد مجلس الأمن الدولي في بيروت يوم الجمعة الماضي (إ.ب.أ)

ويلفت المصدر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن إسرائيل «تولي أهمية قصوى للتعاون في البنى التحتية الحدودية، مثل إدارة الموارد المائية، خصوصاً أن طمعها بمياه لبنان تاريخي، كما تتطلع إلى ربط أسواق المنطقة ببعضها، خصوصاً إذا فُعّل مشروع ممرات النقل الإقليمي».

ويشدد المصدر الرسمي على أن «أي تعاون اقتصادي بين دولتين في حالة نزاع مستمر يتطلب أولاً وقفاً دائماً لإطلاق النار، يتبع بترتيبات أمنية واضحة، ثم فتح قنوات اتصال رسمية، مقرونة بضمانات دولية، لذلك تبقى المبادرة الإسرائيلية مجرّد خطوة يحاول نتنياهو استثمارها في الداخل، ليظهر للمجتمع الإسرائيلي أنه انتزع مكاسب مهمّة في بداية مرحلة التفاوض مع لبنان».

رسالة سياسية

وينظر الخبراء إلى المبادرة الإسرائيلية على أنها رسالة سياسية موجّهة إلى الخارج أكثر مما هي طرح اقتصادي قابل للتطبيق. ويرى الباحث في الشؤون الجيوسياسيّة الدكتور زياد الصائغ أن إسرائيل «تسعى إلى الاستثمار في الموقف الأميركي السّاعي إلى تطبيق عملاني لمقرّرات مؤتمر شرم الشيخ، ولقاءات الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض، بما يعني الذهاب أبعد من وقف القتال».

ويؤكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن إسرائيل «تعتبر أن السلام من البوّابة الاقتصادية هو الأنجع لتجاوز الصراعات، لكنّ هذا أقرب إلى الفولكلور، لا سيّما مع استمرار احتلال إسرائيل لأراضٍ لبنانيّة»، ويشدد الصائغ على أن «الاستعجال، ورفع منسوب ما جرى في لجنة الميكانيزم قد يأخذ طابع جسّ النبض أيضاً لمدى استعداد لبنان للذهاب بعيداً في المفاوضات، وهذا أيضاً يشكّل محاولة غير ناضجة الظروف».

سفينة عسكرية إسرائيلية تبحر بجوار منصة إنتاج حقل ليفياثان للغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط (أرشيفية - رويترز)

لكن الاستعجال الإسرائيلي للتعاون الاقتصادي مغاير تماماً للمشهد اللبناني، باعتبار أن الذهاب نحو هذا الخيار أشبه بالمغامرة، ويؤكد الصائغ أنّ «ملف لبنان التفاوضيّ يبدو ضبابيّاً حتى السّاعة، ولو أنّ سقفه اتفاقيّة الهدنة الموقعة ما بين لبنان وإسرائيل في العام 1949 برعاية الأمم المتحدة، لكن من الواضح أنّ السفير سيمون كرم، وبخبرته الواسعة ووضوحه السّيادي، سيفتح الطريق أمام بناء عناصر هذا الملف من المسار السياسي، إلى الدبلوماسيّ، إلى القانونيّ، إلى ذاك المرتبط بالقرار 1701».

ويذكّر بأن لبنان «جزء من الإجماع العربي، وملتزم بسقف المبادرة العربية للسلام، وكل ما يُساق خارج ذلك يبقى من قبيل التمنّيات، أو التوقّعات، لكن من الواضح أنه لا عودة عن قرار تجفيف الصراعات والحروب في الشرق الأوسط».

طاقة وسياحة

إضافة إلى ذلك، يطرح تركيز الحكومة الإسرائيلية على المجال الاقتصادي علامات استفهام في ظلّ محدودية الدور الاقتصادي للبنان في المنطقة، ولا يستبعد الصائغ أن «تسعى إسرائيل إلى تعاون اقتصادي مع لبنان على المستوى النفطي، أو السياحي، أو الصناعي، خصوصاً في ظلّ الحديث عن فكرة إنشاء منطقة اقتصاديّة على حدود لبنان الجنوبيّة، انطلاقاً من المبادرة الأميركية». لكنّه شدد على أن ذلك «لا يستقيم قبل حوار دبلوماسيّ بطابع سياسي، ويبدو مستحيل المنال في هذه المرحلة، خصوصاً مع استمرار احتلال إسرائيل للنقاط الخمس، وعدم إنجاز تسوية تحريرية لمزارع شبعا، وبدء إعمار الجنوب، توازياً مع تحقيق بسط الدولة اللبنانية سيادتها حصراً على كامل أراضيها بقواها الذاتيّة». وختم الصائغ بالقول إن «ذلك كلّه يبقى مضبوطاً تحت سقف اتفاقية الهدنة 1949».


إسرائيل تقصف وتقتل وتُدمر ما تبقّى تحت سيطرتها بغزة

طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تقصف وتقتل وتُدمر ما تبقّى تحت سيطرتها بغزة

طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

تسعى إسرائيل قبيل الانتقال للمرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مع مساعي الوسطاء، خصوصاً الولايات المتحدة، للانتقال إليها في أقرب فرصة ممكنة، إلى تدمير ما تبقّى في المناطق الخاضعة لسيطرتها داخل قطاع غزة، والتي تُقدر بنحو 53 في المائة من المساحة العامة للقطاع.

وينص وقف إطلاق النار في مرحلته الثانية، حال نُفّذ وفق الاتصالات المتسارعة في الأيام الأخيرة، على انسحاب آخر للقوات الإسرائيلية من داخل قطاع غزة، مع الحفاظ على بقائها في مناطق أخرى قد تصل إلى نحو ما مساحته 20 في المائة من مساحة القطاع.

وخلال ساعات ليل ونهار السبت، لم تنفك القوات الإسرائيلية باستخدام الطائرات الحربية تارةً، ومن خلال العربات المفخخة تارةً أخرى، بقصف وتدمير ما تبقى من منازل وبنى تحتية، سواء داخل الخط الأصفر المشار إليه ضمن اتفاق وقف إطلاق النار بوصفه خط انسحاب أولياً، أو على جانبه من داخل المناطق الخاضعة لسيطرة حركة «حماس».

أطفال يستعدون للدخول إلى صفوفهم في مدرسة للأونروا تعيش فيها عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

ولوحِظ خلال الأيام الثلاثة الماضية تكثيف الغارات الجوية وعمليات النسف، حتى داخل مدينة رفح التي تُسيطر عليها القوات الإسرائيلية منذ أكثر من عام ونصف العام، وكذلك شرق مدينتَي خان يونس وغزة. كما امتدت هذه العملية، من مساء الجمعة حتى ظهر السبت، إلى مناطق واقعة شرق وشمال جباليا وبيت لاهيا شمالَ قطاع غزة. وتسببت إحدى عمليات النسف في منطقة زايد ببيت لاهيا، ليلاً، في وقوع انفجار ضخم سُمِع دويه في جميع أنحاء قطاع غزة، ووصل صداه حتى جنوب تل أبيب.

وتعمد إسرائيل إلى تدمير ما تبقى من مبانٍ ومنازل في تلك المناطق، بهدف حرمان سكانها من العودة إليها بعد الانسحاب منها، في عملية تدمير ممنهجة، انتهجتها بشكل كبير خلال الحرب التي استمرت عامين على قطاع غزة.

ووفقاً لمصادر ميدانية تحدّثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي لم تكتفِ بعمليات القصف والنسف للمنازل والمباني داخل مناطق سيطرتها، بل عملت على استخدام العربات المفخخة، وإدخالها إلى مناطق غرب الخط الأصفر -مناطق سيطرة «حماس»- وذلك تحت نار القصف المدفعي، وإطلاق النار من المسيرات، لتصل إلى مناطق سكنية بهدف تدميرها بشكل كامل.

وأوضحت أن ذلك تزامن أيضاً مع عمليات توغّل ازدادت حدّتُها في الأيام الأخيرة، ولا سيما شرق مدينة غزة، وتحديداً في حييّ الشجاعية والتفاح. وأشارت إلى أن الآليات الإسرائيلية توغّلت مسافة لا تقل عن 350 متراً خلف الخط الأصفر، واقتربت من شارع صلاح الدين الرئيسي عند الحيَّين، ما يعني أنها باتت تفرض سيطرة شبه كاملة عليهما.

خيم النازحين وسط الدمار الذي أحدثه القصف الإسرائيلي جواً وبراً في مدينة غزة الجمعة (أ.ب)

وأشارت إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي كررت المشهد ذاته صباح السبت في خان يونس، بعدما تقدّمت إلى أجزاء من حي الشيخ ناصر وأقامت سواتر ترابية، فيما قامت طائرات مسيّرة بإطلاق النار في مختلف الاتجاهات وعلى أي هدف متحرك. وبعد انسحاب القوات تبيّن أن الهدف من إقامة السواتر الترابية كان تمهيد الطريق لآليات هندسية لتنفيذ عمليات حفر في حي الفرا المجاور.

وقالت المصادر إن قوات الاحتلال الإسرائيلي ما زالت تعمل على توسيع سيطرتها في قطاع غزة، من خلال تقديم المكعبات الأسمنتية الصفراء، المشار إليها بالخط الأصفر، من خلال التقدم جزئياً من حين إلى آخر داخل بعض المناطق.

وتزامنت هذه التطورات مع قتل القوات الإسرائيلية 4 فلسطينيين، في حادثتين منفصلتين شمال القطاع، كما أصابت آخرين في مناطق أخرى.

ووفق مصادر طبية، فقد قُتل شابّان في إطلاق نار شرق جباليا البلد، فيما قُتل اثنان آخران وأصيب 3 في إطلاق نار ببلدة العطاطرة شمال غربي بيت لاهيا. كما أُعلن عن وفاة خامس متأثراً بجروحه بعد أن استهدفته طائرة مسيّرة، مساء الجمعة، بإطلاق النار عليه وعلى نجله، وهما يعملان في جهاز الدفاع المدني بغزة.

وأصيب عدد من الفلسطينيين بإطلاق نار في مناطق متفرقة، بينهم غزي بجروح خطيرة إثر قصف مدفعي استهدف محيط شارع صلاح الدين قبالة حي الشجاعية شرق مدينة غزة، في حين أصيب آخر بإطلاق نار من مسيرات شرق خان يونس.

وبذلك يكون قد قُتل ما لا يقل عن 370 فلسطينياً، وأصيب أكثر من 960 منذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فيما قتل 70357 منذ السابع من أكتوبر 2023.