مدون عراقي يضرب عن الطعام بعد اعتقاله دون مذكرة قضائية

العائلة «تعرف الجهة وراء الجريمة»... ومخاوف من إجراءات قد تقوض حرية الرأي

المدون ياسر الجبوري اقتيد من مطار بغداد قبل مغادرته إلى آيرلندا (أ.ف.ب)
المدون ياسر الجبوري اقتيد من مطار بغداد قبل مغادرته إلى آيرلندا (أ.ف.ب)
TT

مدون عراقي يضرب عن الطعام بعد اعتقاله دون مذكرة قضائية

المدون ياسر الجبوري اقتيد من مطار بغداد قبل مغادرته إلى آيرلندا (أ.ف.ب)
المدون ياسر الجبوري اقتيد من مطار بغداد قبل مغادرته إلى آيرلندا (أ.ف.ب)

مر نحو يومين على قيام السلطات العراقية باعتقال الناشط والصحافي ياسر الجبوري الذي يحمل الجنسية الآيرلندية، قبل أن تتمكن أسرته من معرفة أن الجهة التي أودعته السجن هي فريق قانوني تابع للحكومة العراقية.

هذه ليست المرة الأولى الذي يقدم هذا الفريق على رفع مذكرات قضائية ضد أصحاب الرأي والناشطين، وسبق أن قام بذلك ضد المحلل السياسي محمد نعناع بعد انتقادات وجهها للسلطات وإيداعه السجن قبل أن يقرر السوداني التنازل عن دعوى أقامها ضده والإفراج عنه.

وتثير هذه الحوادث مخاوف ناشطين ومنظمات حقوقية من الإجراءات التي تنتهجها الحكومة ضد منتقديها، ما قد يمثل تهديداً خطيراً لحرية التعبير التي أقرها الدستور الدائم للبلاد بعد عام 2003.

زيارة تحولت إلى كابوس

بحسب المعلومات التي ذكرتها أسرته، المقيمة في العاصمة الآيرلندية دبلن، عبر بيان مطول، فإن الجبوري قام بزيارة إلى العراق قبل أكثر من أسبوع للاطلاع على أوضاع والدته التي تعاني من مشاكل صحية أدخلتها أحد مشافي العاصمة، وخلال رحلة العودة إلى أسرته في آيرلندا، الاثنين الماضي، اعتقل في مطار بغداد الدولي «على يد جهة مجهولة من دون أمر قضائي، ودون مذكرة قبض وعدم وجود شكوى». بحسب بيان الأسرة.

المدون ياسر الجبوري (إكس)

وعرف الجبوري بتدويناته وآرائه الجريئة في منصة «إكس» المناهضة للفساد وسوء الإدارة، كما عرف بدعمه للحراك الاحتجاجي الشعبي عام 2019.

ويؤكد بيان أسرته أنه حصل على «ضمانات من بعض المسؤولين لزيارة العراق»، كما تؤكد أنه تعرض إلى «الإهانة والضرب أثناء اعتقاله، وتمت مصادرة هاتفه والمبلغ المالي الذي بحوزته وجوازه، ونقل إلى أكثر من مكان، وتعصيب عينيه، وتمت معاملته بشكل لا إنساني».

تعتقد الأسرة أن «الضجة الإعلامية» التي رافقت اعتقال الجبوري بعد «اختطافه من جهة غير معلومة» بحسبها، من مطار بغداد، دفعت السلطات إلى تسريب معلومات مفادها بأنه تم إيداعه في «مركز شرطة الصالحية وتسجيل دعوى ضده من قبل الفريق القانوني لمكتب رئيس الوزراء، وفقاً للمادة 226 من قانون النشر، وهي الدعوى الوحيدة التي تم عرضها للقاضي، الثلاثاء».

والمادة المشار إليها محل رفض وجدال متواصل منذ سنوات، بالنظر لـ«وراثتها» من عهد نظام الرئيس الراحل صدام حسين، وتتعلق بما يسمى «إهانة السلطات» وتصل عقوبتها إلى السجن 7 سنوات.

وأكدت أسرة الجبوري قيامه بالإضراب عن الطعام منذ وقت اعتقاله بسبب «الانتهاكات والظلم أثناء عملية الاعتقال».

وأشارت إلى أنه ممنوع من مقابلة الأهل والأصدقاء في مركز الشرطة حتى بعد تدوين أقواله في المحكمة في مخالفة صريحة لحقوق الإنسان.

وكشف عن إحالته، الأربعاء، إلى محكمة الأمن الوطني و«اعترض قاضي الأمن الوطني على إحالته لهذه المحكمة وطلبه تحويله الجبوري إلى محكمة النشر باعتبار قضيته جنحة تتعلق بقانون النشر، التي يمكن ضمان المتهم بها وإخراجه بكفالة».

سبب الاعتقال

وأوضحت الأسرة أن عملية الاعتقال تمت بالاستناد إلى «تغريدة لياسر بشأن تعيين أقرباء كبار المسؤولين في الحكومة العراقية».

وعبرت عن استغرابها من «طلب (السلطات) مستمسكاته (وثائقه) العراقية من أجل محاكمته بوصفه مواطناً عراقياً وليس آيرلندياً لغاية لا يعلمها إلا الله، وتم الضغط على ياسر بالتنازل عن الجواز الآيرلندي واعترافه بأنه مواطن عراقي، علماً بأنه دخل العراق بجوازه الآيرلندي وبشكل رسمي».

وكشفت الأسرة عن معلومات تتحدث عن أن السلطات بصدد إصدار بيان صحافي يتضمن تهماً جديدة لياسر خلال الساعات المقبلة بهدف احتجازه لأطول مدة ممكنة.

وأفادت مصادر خاصة لـ«الشرق الأوسط» بأن وفداً من البرلمان زار الجبوري، ظهر الأربعاء، في سجنه في مركز شرطة الصالحية، وأكدت أن التهمة الموجهة إليه هي «الإساءة للرموز»، وذكرت أن «وضعه لابأس به، لكنه يواصل إضرابه عن الطعام».

وأثارت قضية اعتقال الجبوري ردود فعل وانتقادات غاضبة من قبل ناشطين وحقوقيين ومشتغلين في مجال حرية الرأي.

وقال المحامي والإعلامي حسام الحاج في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «نشعر بالقلق حيال سلوك السلطة التنفيذية، وهو سلوك مزدوج، لأنه من جهة، يحاول تقويض جميع الآراء المنتقدة وملاحقتها وتكميمها وكسر الأقلام المعارضة بشتى الوسائل عبر القضاء، أو بطرق غير مباشرة قد لا تمر ببوابة القانون من جهة أخرى».

وأضاف أن «سلوك هذه الحكومة خطير، ومنذ البدء تعاملت مع الإعلام بوصفه مصدر تهديد لوجودها، لذلك ذهبت باتجاهين، الأول صناعة مجموعة من المطبلين والمداحين ومولتهم من أموال الدولة، وهناك وثائق تشير إلى إنفاق 650 مليون دينار شهرياً في هذا الصدد، والاتجاه الآخر كتم وترويع كل الأصوات المعارضة».

ويعتقد الحاج أن «سلوكاً سلطوياً من هذا النوع لا يتسق مع الدستور والمادة 38 منه المتعلقة بحرية التعبير، ولا يتطابق مع السياق الديمقراطي، ويبدو أن هناك إصراراً من هذه الحكومة باتجاه المضي قدماً في اتجاه تكميم الأفواه».

وتابع أن «ما نخشاه ليس سلوك الحكومة، إنما صمت البرلمان، وربما تناغمه مع سلوك الحكومة في قمع الحريات».

وقال الصحافي ورئيس تحرير صحيفة «العالم الجديد» الإلكترونية، منتظر ناصر، في تغريدة عبر منصة «إكس» إن «اعتقال الجبوري في مطار بغداد جريمة خطف وتغييب واضحة المعالم، ولو كان هناك قضاء مستقل في العراق لعاقب المتورطين فيها، سواء كانوا مسؤولين أم منتسبين! فالمعلومات الأولية تشير إلى حصول ذلك دون أمر قضائي».

وأضاف أن «الجريمة تندرج ضمن محاولات تكميم الأفواه، كما أن ملاحقة المدونين والصحافيين والكتاب وفق قوانين موروثة من زمن النظام السابق هو إصرار على خرق الدستور الضامن للحريات الصحافية والعامة».

وفي خضم الجدل والانتقادات حول اعتقال الجبوري، تداول مدونون تغريدة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، نشرها في مارس (آذار) 2021، قبل تسلمه منصب رئاسة الوزراء، قال فيها إن «الاعتقالات لأصحاب الرأي أمر خطير للغاية، لا سيما إذا اقترنت بطريقة اعتقال تعسفية، كأنْ يراد منها إبلاغ الجميع بأن الإدلاء برأي مخالف له ثمن، يجري ذلك في وقت يتمتع فيه القتلة والمجرمون والفاسدون بكامل حرياتهم».


مقالات ذات صلة

الأمن العراقي يضبط 6 مزارع للمخدرات في بغداد وديالى

المشرق العربي صورة لنبتة القنب الهندي (الحشيش) (جامعة كاليفورنيا)

الأمن العراقي يضبط 6 مزارع للمخدرات في بغداد وديالى

هذه المرة الأولى التي يعلن فيها جهاز أمني رفيع عن المستوى الذي وصل إليه انتشار المخدرات في البلاد عبر زراعتها.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي مظاهرة في بغداد ترفع العلم اللبناني وصورة حسن نصر الله (رويترز)

«الإطار الشيعي» يسعى للنأي بالعراق عن «الحرب» بين إيران وإسرائيل

تنشغل الأوساط السياسية والشعبية منذ نحو أسبوعين بالحرب وتداعياتها، وتَراجع إلى الوراء الاهتمام بمعظم القضايا الخلافية الكبيرة التي تفجرت خلال الشهرين الماضيين.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني (رويترز)

السوداني يواصل جهوده لتجنيب العراق رداً إسرائيلياً

قوى «الإطار التنسيقي» الشيعي تضغط باتجاه عدم انخراط الفصائل المسلحة في أي مواجهة إيرانية - إسرائيلية، طالما أنها تجري ضمن قواعد اشتباك بينهما.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني في اجتماع لـ«الإطار التنسيقي» في بغداد (إكس)

السوداني طلب من التحالف الحاكم «التحرك بسرعة قبل الحرب»

أكد مسؤول حكومي بارز أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أبلغ قادة «الإطار التنسيقي» بتفاصيل شاملة عن «المخاطر المتوقعة على العراق».

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي طائرة من سلاح الجو العراقي خلال إحدى المهمات ضد تنظيم «داعش» (أرشيفية - واع)

العراق: المجال الجوي غير مؤمّن بالكامل

أقر العراق بأن مجاله الجوي غير مؤمّن بالكامل، في حين أكد اتخاذ إجراءات لتحسين القدرات الدفاعية بعد التعاقد مع كوريا الجنوبية قبل أشهر لامتلاك منظومة متطورة.

حمزة مصطفى (بغداد)

الأمن العراقي يضبط 6 مزارع للمخدرات في بغداد وديالى

صورة لنبتة القنب الهندي (الحشيش) (جامعة كاليفورنيا)
صورة لنبتة القنب الهندي (الحشيش) (جامعة كاليفورنيا)
TT

الأمن العراقي يضبط 6 مزارع للمخدرات في بغداد وديالى

صورة لنبتة القنب الهندي (الحشيش) (جامعة كاليفورنيا)
صورة لنبتة القنب الهندي (الحشيش) (جامعة كاليفورنيا)

في مؤشر على حجم آفة المخدرات التي يعاني منها العراق منذ سنوات، أعلن «جهاز الأمن الوطني»، الأحد، ضبط 6 مزارع لنبات «الداتورا» المخدر في محافظتي بغداد وديالى.

وهذه المرة الأولى التي يعلن فيها جهاز أمني رفيع عن المستوى الذي وصل اليه انتشار المخدرات في البلاد، عبر زراعتها، وذلك بعد نحو شهر فقط من نفي مسؤول بارز في وزارة الداخلية «وجود مؤشرات على مزارع للمخدرات في العراق».

أحد مهربي المخدرات مع المضبوطات في البصرة (أرشيفية - جهاز الأمن الوطني)

وقال «جهاز الأمن الوطني»، في بيان، إنه ضمن جهوده في مكافحة المخدرات وحماية المواطنين من الأضرار الجسيمة الناتجة عنها، «تمكنت مفارزنا في محافظتي بغداد وديالى، استناداً إلى معلومات استخبارية مؤكدة، وبعد متابعة ميدانية حثيثة، من ضبط 6 مزارع للنباتات المخدرة».

وأضاف أن المتابعة التي قام بها «أسفرت عن تنفيذ عمليات دهم وفق مذكرات قبض أصولية في مناطق المدائن والبوعيثة في بغداد، وبلدروز في ديالى، وتم على إثرها ضبط 2305 نباتات» مخدرة.

وتحدث البيان الأمني عن القيام بـ«إتلاف النباتات موقعياً، بالتعاون مع شُعَب زراعة الدورة والمدائن وبلدروز».

بدوره، قال متخصص بشؤون المخدرات لـ«الشرق الأوسط» إن «معظم العناصر الأمنية المشتغلة في مجال مكافحة المخدرات لا تستطيع التعرف بسهولة على النباتات المخدرة لتشابه سيقانها مع نباتات أخرى، مثل الجت أو البرسيم الشائعة زراعتها في العراق».

«مزرعة حشيشة» في إحدى الدول العربية (متداولة)

ويرجح المتخصص «وجود مزارع غير قليلة لبعض النباتات المخدرة في معظم المحافظات».

وقبل إعلان «الأمن الوطني» عن التطور الجديد في زراعة المخدرات، أعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد مقداد ميري أن الوزارة «سجّلت ارتفاعاً بنسبة 210 في المائة بعمليات الضبط في مجال مكافحة المخدرات في عامي 2023 - 2024».

وكشف ميري، في تصريح لـ«وكالة الأنباء العراقية» الرسمية، عن «تفكيك 569 شبكة للمخدرات، بينها 39 شبكة دولية، خلال عامي 2023 - 2024، إلى جانب ضبط أكثر من 6.6 طن من المواد المخدرة».

وأكد صدور «138 حكماً بالإعدام، وأكثر من 500 حكم بالمؤبد، ونسبة غير قليلة من المحكومين بتهمة تجارة المخدرات».

كما تحدث الناطق باسم الداخلية عن «افتتاح 200 كيلومتر من الجدار الحدودي مع سوريا، وإنجاز منظومة كاميرات المراقبة على طول الحدود وإتمام التحصينات، إضافة إلى نصب أكثر من 1000 كاميرا حرارية على الحدود».

وتعاني الحدود العراقية منذ سنوات، وخاصة مع إيران وسوريا، من عمليات تسلل كبيرة، سواء بالنسبة للجماعات الإرهابية أو بالنسبة لتجارة المخدرات.