العراق... توقعات باستمرار هجمات واشنطن ضد الفصائل

المواطنون يفضلون متابعة البطولة الآسيوية على الاكتراث بالحرب

عناصر من «الحشد الشعبي» العراقي على هامش تشييع جنازة 16 مقاتلاً قضوا في الغارات الجوية الأميركية (د.ب.أ)
عناصر من «الحشد الشعبي» العراقي على هامش تشييع جنازة 16 مقاتلاً قضوا في الغارات الجوية الأميركية (د.ب.أ)
TT

العراق... توقعات باستمرار هجمات واشنطن ضد الفصائل

عناصر من «الحشد الشعبي» العراقي على هامش تشييع جنازة 16 مقاتلاً قضوا في الغارات الجوية الأميركية (د.ب.أ)
عناصر من «الحشد الشعبي» العراقي على هامش تشييع جنازة 16 مقاتلاً قضوا في الغارات الجوية الأميركية (د.ب.أ)

تسود حالة من الهياج والاستنفار الشديد هذه الأيام؛ سواء على مستوى السلطات الرسمية العراقية أو على مستوى الجماعات المرتبطة بما يُسمَّى «محور المقاومة»، وهي حالة أفرزتها الضربات الأميركية الأخيرة التي أدَّت إلى مقتل 16 عنصراً وإصابة 36 من الفصائل المسلحة التي تعمل تحت مظلة «الحشد الشعبي»، وفي الوقت ذاته متهمة بشن أكثر من 165 هجمة صاروخية على القواعد والأماكن التي توجد فيها القوات الأميركية بالعراق وسوريا.

وكان آخرها الهجوم الذي تعرضت له قاعدة «البرج» في المثلث الحدودي العراقي - السوري - الأردني، وأسفر عن مصرع 3 جنود أميركيين وإصابة أكثر من 40 آخرين.

وفي مقابل حالة الاستنفار هذه تتعامل قطاعات شعبية واسعة بـ«برود ونوع من قلة اكتراث» بما يجري، ويفضل كثيرون متابعة أخبار بطولة كرة القدم الآسيوية الدائرة منافساتها في الدوحة، وذلك ناجم في جزء أساسي منه عن «تكرار وقوع أحداث من هذا النوع في الأشهر الأخيرة، وتبدو مفتَعَلة» بنظر أستاذ الفلسفة في الجامعة المستنصرية، ستار عواد.

ويقول عواد لـ«الشرق الأوسط»: «أعتقد أن الناس ملَّت من عملية تبادل الأدوار، ومن مقولات ما تُسمى بـ(قواعد الاشتباك). الفصائل تضرب، وواشنطن ترد».

ويضيف عواد أن «الطرفين يبدو كأنهما يفعلان ذلك باتفاق ضمني، دون أن يؤدي ذلك إلى نهاية مقنعة أو حسم كامل لكل هذا العبث، لذلك تبدو الناس غير مكترثة».

وحتى مع حالة الاستقطاب السياسي والعسكري الشديدة، تبدو الأمور بالنسبة لنهاية وشيكة لصراع من هذا النوع غير واضحة المعالم؛ إذ تنقسم القوى السياسية والفصائل الشيعية تحديداً حيال منهج المواجهة مع واشنطن إلى اتجاهات عديدة تصل إلى حد التنافر، بين جماعات تصرّ على المواجهة حتى إخراج آخر جندي أميركي من العراق، ويمثل هذا الاتجاه الفصائل الموالية لطهران، وأخرى ترفض ذلك، وثالثة تؤيده في العلن وتنتقد الهجمات الأميركية وتؤيدها سراً في إطار صراعها مع الفصائل المتشددة. وهناك رابعاً الموقف الرسمي الحكومي الذي يدرك مصاعب وخطورة انسحاب أميركي غاضب من البلاد.

عنصر في «الحشد الشعبي» العراقي يحرس بوابة بين شعار «الحشد» وصورة القيادي أبو مهدي المهندس صباح الأحد في بغداد (أ.ف.ب)

ورغم التأكيدات المتلاحِقة التي تصدر عن كبار المسؤولين في العراق هذه الأيام، بشأن ضرورة انسحاب قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من العراق، ورغم قرار سابق للبرلمان يقضي بخروجها، فإن ترجيحات المراقبين تستبعد ذلك، خصوصاً مع حالة «التذمر» من أفعال الفصائل المسلحة التي يُعتقد أنها تتعمد «الاستثمار» في الرد العسكري الأميركي، في مسعى للتخلص من وجوده في العراق.

وتعتقد مصادر من داخل قوى «الإطار التنسيقي» أن «هجمات أميركية جديدة في العراق ستعقِّد الأمور إلى أقصى درجة، وقد تصعِّد من زخم المطالَبات بجلاء القوات الأميركية من العراق».

واستبعد المحلل والدبلوماسي السابق الدكتور غازي فيصل «استمرار حالة الصراع بين الفصائل المسلحة وواشنطن».

ويقول فيصل في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «المتغيرات الأخيرة مرتبطة أساساً باستراتيجية واشنطن وطبيعة موقفها من الكتائب المسلحة المتحالفة مع (الحرس الثوري) الإيراني».

ويُتوقع أن «تواصل واشنطن هجماتها على الفصائل، والصراع سيستمر، ما دامت الفصائل تتمسك باستراتيجية المواجهة مع واشنطن ومصالحها في المنطقة عموماً».

ويرى فيصل أنه إذا ما استمرت وتصاعدت الأعمال العسكرية «فستجد جميع بلدان المنطقة نفسها في مواجهات عسكرية مستمرة، قبل أن تتمكن الولايات المتحدة الأميركية من وضع حد لتغوُّل هذه الجماعات وبناء سلام حقيقي في منطقة الشرق الأوسط».

ويرى الباحث والمحلل يحيى الكبيسي أن «العراق سيبقى فاقداً للبوصلة المتعلقة بمصالح الشعب والدولة بشكل عام، وسيبقى رهينة لمواقف الفاعل الإقليمي (إيران)، ولردود الفاعل الدولي (الولايات المتحدة)، ولمصالحهما المتغيرة».

ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «إيران في الوقت الحالي ليست مع فكرة خروج القوات الأميركية من العراق لأسباب براغماتية؛ فهي تعلم يقيناً أن خروجاً كهذا قد تستتبعه عقوبات على العراق تكون إيران المتضرر الأكبر منها».

وبحسب الكبيسي، فإن «هذا يفسر عدم وجود إرادة حقيقية لدى حلفاء إيران في العراق، ووكلائها، وأدواتها، بإخراج القوات الأميركية. طهران تستخدم هذا الشعار في سياق لعبة جر الحبل بينها وبين الولايات المتحدة على الأرض العراقية للضغط على الأخيرة في الملفات العالقة بينهما».

ولا يتوقع الكاتب والمحلل السياسي نزار حيدر نهاية وشيكة لمسلسل صراع الفصائل مع واشنطن، لكنه يتوقع «استمرار واشنطن في عملياتها العسكرية ضد الفصائل لحين شل قدراتها على تنفيذ هجمات مضادة ضد قواتها».

ويرى حيدر في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن من شأن انسحاب أميركي ومِن ورائه «التحالف الدولي» أن يلحق أضراراً فادحة بالعراق، خصوصاً مع وجود أكثر من 2000 عنصر من «داعش» في العراق.

وتشتد حاجة العراق لـ«(التحالف الدولي) و(الأميركي)»، والكلام لحيدر، إذا ما عرفنا أن «أكثر العمليَّات التي تنفذها الأجهزة الأَمنيَّة والعسكريَّة ضدَّ (داعش) وفي مختلفِ مناطقِ البلادِ، إِنَّما يتمُّ تنفيذها بإِسنادٍ استخباري وجوِّي من قِبل التَّحالف الدَّولي الذي يحتفِظ بمستشارين بناءً على طلبِ الحكومة العراقية».

ويضيف أن حاجة العراق للوجود الدولي والأميركي تشتد، بالنظر لـ«الخطر الذي تمثله الميليشيات المسلحة التي تحتفِظ بسلاحِها خارج سلطة الدَّولة، تعبث بأَمنِ البلادِ وتهدد سيادة الدَّولة وتعرِّض مصالحها العليا للخطر، إلى جانب أن العراق ملزم باتفاقية الإطار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة».


مقالات ذات صلة

بغداد: المنطقة تحت النار وهناك تهديدات واضحة من إسرائيل لنا

المشرق العربي وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين (الخارجية العراقية)

بغداد: المنطقة تحت النار وهناك تهديدات واضحة من إسرائيل لنا

قال وزير خارجية العراق فؤاد حسين، الجمعة، إن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وجّه القوات المسلحة باتخاذ إجراءات بحق كل من يشن هجمات باستخدام الأراضي العراقية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد متحدثاً أمام «منتدى السلام» في دهوك (شبكة روداو)

وزير الخارجية العراقي: تلقينا تهديدات إسرائيلية «واضحة»

قدّم مسؤولون عراقيون تصورات متشائمة عن مصير الحرب في منطقة الشرق الأوسط، لكنهم أكدوا أن الحكومة في بغداد لا تزال تشدّد على دعمها لإحلال الأمن والسلم.

«الشرق الأوسط» (أربيل)
المشرق العربي «تشاتام هاوس» البريطاني نظّم جلسات حول مصير العراق في ظل الحرب (الشرق الأوسط)

العراق بين حافتَي ترمب «المنتصر» و«إطار قوي»

في معهد «تشاتام هاوس» البريطاني، طُرحت أسئلة عن مصير العراق بعد العودة الدرامية لدونالد ترمب، في لحظة حرب متعددة الجبهات في الشرق الأوسط.

علي السراي (لندن)
المشرق العربي السوداني خلال اجتماع مجلس الأمن الوطني الطارئ (رئاسة الوزراء العراقية)

العراق: 12 خطوة لمواجهة التهديدات والشكوى الإسرائيلية لمجلس الأمن

أثارت الشكوى الإسرائيلية الموجهة إلى مجلس الأمن الدولي بشأن الهجمات التي تشنها الفصائل المسلحة العراقية عليها غضب حكومة محمد شياع السوداني.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي السوداني يزور مقر وزارة التخطيط المشرفة على التعداد صباح الأربعاء (رئاسة الوزراء العراقية)

العراق: انطلاق عمليات التعداد السكاني بعد سنوات من التأجيل

بدت معظم شوارع المدن والمحافظات العراقية، الأربعاء، خالية من السكان الذين فُرض عليهم حظر للتجول بهدف إنجاز التعداد السكاني الذي تأخر لأكثر من 10 سنوات.

فاضل النشمي (بغداد)

إسرائيل تستهدف أحياء مسيحية ملاصقة للضاحية الجنوبية لبيروت

الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)
الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تستهدف أحياء مسيحية ملاصقة للضاحية الجنوبية لبيروت

الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)
الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)

تجدّدت الغارات الإسرائيلية، الجمعة، على الأحياء المسيحية المقابلة لضاحية بيروت الجنوبية، عقب إنذارات وجّهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء خمسة أبنية، يقع أحدها في شارع مكتظ.

وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام بشن الطيران الحربي الإسرائيلي غارتين، بعد ظهر الجمعة، على مبنيين يقعان على أطراف ضاحية بيروت الجنوبية في منطقة الشياح المعروفة باسم «طريق صيدا القديمة»، التي تفصل الشياح عن عين الرمانة، وهي خطوط التماس القديمة، خلال الحرب اللبنانية. كما قصف، مساء، مبنى يقع خلف خط بولفار كميل شمعون، الذي يفصل الضاحية الجنوبية عن المناطق ذات الغالبية المسيحية التي يقع فيها المبنى المستهدف.

صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)

ويضمّ المبنى، في طوابقه الأربعة الأولى، مؤسسات تجارية عدة ونادياً رياضياً ومختبراً، بينما الطوابق السبعة الأخرى سكنية. واستهدف الصاروخ القسم السكني من المبنى، ما أدى إلى انهياره، بينما صمدت الطوابق الأولى. وجاء استهداف المبنيين بعد إنذار إسرائيلي لسكانهما ومحيطهما بالإخلاء، قالت الوكالة الوطنية إنه أسفر عن «حركة نزوح ملحوظة» من منطقة عين الرمانة المتاخمة للشياح، والتي تقطنها غالبية مسيحية. وجاءت الضربات بعد غارات مماثلة استهدفت، صباح الجمعة، ثلاثة أبنية في منطقتي الحدث وحارة حريك، بعد إنذار إسرائيلي.

وأظهر البث المباشر لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، سحب دخان وغبار تتصاعد على أثر الغارات الثلاث على المنطقة. وأفادت الوكالة بأن غارتين شنّهما «الطيران الحربي المُعادي» استهدفتا منطقة الكفاءات في الحدث، مشيرة إلى «تصاعد الدخان بشكل كثيف من محيط الجامعة اللبنانية». وأعلن الجيش الإسرائيلي، في وقت لاحق، أن مقاتلاته الحربية «أتمّت جولة جديدة من الضربات» على ضاحية بيروت الجنوبية.

امرأة وأطفال ينزحون من موقع قريب لمبنى دمرته غارة إسرائيلية في الضاحية الجنوبية (أ.ف.ب)

وجاءت غارات الجمعة، غداة شنّ إسرائيل سلسلة غارات كثيفة استهدفت ضاحية بيروت الجنوبية وجنوب لبنان وشرقه. وشنت إسرائيل ضربات على مناطق عدة في جنوب لبنان، بعد أوامر إخلاء للسكان شملت مبنى في مدينة صور الساحلية، وبلدتين في محيطها. وارتفعت وتيرة الغارات الإسرائيلية على مناطق عدة في لبنان، منذ إنهاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين زيارته إلى بيروت، الأربعاء، في إطار وساطة يتولاها للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل. وللمرة الأولى منذ بدء عملياتها البرية، توغّلت القوات الإسرائيلية إلى داخل بلدة دير ميماس، وفق ما أوردت الوكالة الوطنية، مشيرة إلى أن «طائرة استطلاع معادية» حلقت فوق البلدة، وهي «تطلب من المواطنين عدم الخروج من منازلهم». وأعلن «حزب الله»، الجمعة، استهدافه، مرتين، جنوداً إسرائيليين عند أطراف كفركلا، «بقذائف المدفعية».