سوريا والعراق لإنهاء «الوجود الأميركي»... والفصائل تتراجع إلى إشعار آخر

اجتماعات طارئة في بغداد لموقف «جاد» من غارات واشنطن... والصدر «يعتكف»

مبنى مدمر في موقع غارة جوية أميركية في القائم بالعراق (رويترز)
مبنى مدمر في موقع غارة جوية أميركية في القائم بالعراق (رويترز)
TT

سوريا والعراق لإنهاء «الوجود الأميركي»... والفصائل تتراجع إلى إشعار آخر

مبنى مدمر في موقع غارة جوية أميركية في القائم بالعراق (رويترز)
مبنى مدمر في موقع غارة جوية أميركية في القائم بالعراق (رويترز)

اتهم كل من العراق وسوريا الولايات المتحدة الأميركية بتأجيج الصراع وزعزعة الأمن في المنطقة، رداً على الهجوم الأميركي الذي طال 7 مواقع تشغلها فصائل مسلحة موالية لإيران، فيما تتوقع مصادر عراقية أن تتراجع هذه الجماعات عن التصعيد المسلح بانتظار «موقف إقليمي»، في إشارة إلى إيران.

وفي حين تتحرك أحزاب عراقية لتصعيد سياسي جديد ضد الوجود العسكري الأجنبي، قالت مصادر موثوقة إن عودة الحكومة العراقية إلى مفاوضات الانسحاب مع الأميركيين «أصبحت بعيدة الآن، تحت وطأة الهجمات الأخيرة».

وأعلنت القيادة المركزية الأميركية، ليل السبت، شنّ غارات جوية استهدفت 85 هدفاً في 7 مواقع، 4 في سوريا و3 في العراق، رداً على هجوم تبنته «المقاومة الإسلامية في العراق» استهدف قاعدة البرج 22 في الأردن، وأودى بحياة 3 أميركيين.

واستهدفت الغارات مراكز قيادة وتحكم ومنشآت لتخزين صواريخ وقذائف وطائرات مسيّرة ومنشآت لوجستية وسلاسل إمداد ذخيرة تابعة لفصائل مسلحة مدعومة من «الحرس الثوري» الإيراني، وفقاً لبيان أميركي.

بغداد تكذّب واشنطن

وقال مكتب رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إن 16 شخصاً، بينهم مدنيون، قتلوا وأصيب 25 آخرون في الغارات الجوية الأميركية.

ووصف المكتب، في بيان صحافي، الهجمات بأنها «عدوان جديد على سيادة العراق»، ونفى وجود تنسيق مسبق بين واشنطن وحكومة بغداد، واصفاً هذه التأكيدات بأنها «ادعاء كاذب يستهدف تضليل الرأي العام الدولي».

وكان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، أكد فجر السبت أنه «تم إبلاغ الحكومة العراقية بالفعل قبل شنّ الهجمات الجوية».

وحمّل المكتب الحكومي التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة في المنطقة، المسؤولية بأنه صار «سبباً في تهديد الأمن والاستقرار، ومبرراً لإقحام العراق في الصراعات الإقليمية والدولية».

واعتبر الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، يحيى رسول، الضربات الأميركية «خرقاً للسيادة العراقية»، واستغرب توقيتها، بينما «يسعى العراق جاهداً لضمان استقرار المنطقة».

وستقوض هذه الغارات جهود الحكومة و«ستجرّ العراق والمنطقة إلى ما لا يحمد عقباه»، على ما يقول المتحدث العسكري.

مبنى محترق يظهر في موقع غارة جوية أميركية على العراق (رويترز)

اجتماع طارئ

ودعت الرئاسة العراقية لاجتماع طارئ للرئاسات والكتل السياسية لبحث تداعيات الضربات الأميركية، التي وصفتها بـ«العدوان والانتهاك الصارخ». وقالت في بيان صحافي: «من المهم اتخاذ مواقف واضحة وموحدة تحفظ كرامة البلد وسيادته».

ومن المتوقع أيضاً أن يعقد البرلمان العراقي «جلسة استثنائية طارئة في الأيام المقبلة لبحث تكرار الهجمات الأميركية، ووضع حد لانتهاكات قوات التحالف الدولي»، وفقاً لبيان رئاسة المجلس.

وأعلنت الخارجية العراقية أنها «سوف تستدعي القائم بأعمال السفارة الأميركية في بغداد لتسليمه مذكرة احتجاج رسمية بشأن الاعتداء الأميركي الذي طال مواقع عسكرية ومدنية في منطقتي عكاشات والقائم».

أغلفة قذائف تقع في موقع غارة جوية أميركية في القائم بالعراق (رويترز)

الحشد الشعبي «جاهز»

سياسياً، أدان رئيس تيار «الحكمة الوطني»، عمار الحكيم، الاستهداف الأميركي لعدد من المقرات على الحدود العراقية السورية، وقال إن «هذه الأعمال تزعزع أمن واستقرار المنطقة»، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الرسمية.

ودعا هادي العامري، رئيس منظمة «بدر»، وهي عضو في «الحشد الشعبي» وشريك سياسي في التحالف الحاكم «الإطار التنسيقي»، رئيس الوزراء للعمل على «إنهاء سريع» للوجود العسكري الأجنبي في البلاد.

وأعلنت «هيئة الحشد»، في بيان صحافي، أنها «جاهزة لتنفيذ أي أمر من القائد العام للقوات المسلحة (محمد شياع السوداني) لحفظ سيادة العراق ووحدة شعبه»، وفقاً لبيان صحافي.

وفي إطار ردود الفعل أيضاً، توقع رئيس الوزراء الأسبق، عادل عبد المهدي، «نتائج كارثية للغارات الأميركية»، ووصف واشنطن، في بيان صحافي نشره السبت، بـ«المتغطرسة التي تتخبط في الشرق الأوسط».

مقتدى الصدر يخاطب أنصاره في النجف في 19 أكتوبر الماضي (رويترز)

الصدر يعتكف

رغم مواقف التصعيد من الحكومة والأحزاب الشيعية، تتضارب المعلومات بشأن ردّ فعل الفصائل المسلحة نفسها على الضربة.

وقالت مصادر موثوقة، لـ«الشرق الأوسط»، إن خلافات حادة بين قادة الفصائل بدأت أساساً على خلفية الهجوم على قاعدة البرج 22 في الأردن، وأودت بحياة 3 جنود أميركيين.

وأوضحت المصادر، التي تقول إنها اطلعت اليوم (السبت) على نقاشات بين قادة الإطار التنسيقي، أن مواصلة التصعيد الميداني سيعجل من انهيار الوضع بشكل غير مسبوق، لكنها أشارت إلى أن عدم الإجماع على التصعيد الميداني ضد الأميركيين لن يمنع فصائل من معاودة قصف القواعد.

وتحدث مصدر مقرب من إعلام «الحشد الشعبي»، لـ«الشرق الأوسط»، عن «انقسام حاد» بين الهيئة الرسمية وبقية الفصائل الموالية لإيران، لكنها تعمل تحت مظلته.

وقال المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه، إن «هناك أوامر مشددة داخل مؤسسة الحشد الرسمي بعدم الإدلاء بأي معلومات، دون الموقف الحكومي».

وأكد المصدر «حالة الخوف والتبرم» السائدة بين معظم منتسبي الحشد بسبب «التصرفات التي تقوم بها فصائل مسلحة، ذلك أنهم يدعون الانتساب للحشد في حال تعرضوا للقصف الأميركي، بينما يهاجمون أهدافاً أميركية بزعم انتسابهم لمحور المقاومة».

وكشف المصدر أن «العاملين في منصات رقمية تابعة لكتائب (حزب الله) و(النجباء)، وهما فصيلان ضمن المقاومة الإسلامية، باتوا يغادرون مواقع عملهم خوفاً من الاستهداف، وسط تواصل تعطيل أنظمة الإنترنت والكمبيوتر التي يعملون عليها بشكل منتظم، ويضطرون في أحيان كثيرة إلى العمل بطرق بدائية».

وتوقع المصدر أن تتراجع الفصائل المسلحة عن ردّ عنيف على الهجوم الأميركي لـ«وقت غير معلوم»، بعدما يتضح الموقف الإقليمي، في إشارة إلى إيران.

وفي ردّ فعل ملفت، وبعد ساعات من الضربات الأميركية، قرّر زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الاعتكاف مجدداً وأمر أتباعه «بالتوجه إلى دور العبادة للاستغفار والتسبيح»، وقرر غلق «مقرات مدنية» تابعة له، دون أن يعلق على الأحداث الجارية.

قاذفة الصواريخ الأميركية «بي 1» التي استخدمت في الغارات ليل السبت (موقع القوات الجوية الأميركية)

دمشق تحذر من الصراع

في دمشق، أدانت الخارجية السورية الهجوم الأميركي على الأراضي السورية، محذرة من «تأجيج الصراع في منطقة الشرق الأوسط على نحو خطير للغاية».

وقالت الوزارة، في بيان صحافي، نشرته وسائل الإعلام الرسمية، إن الغارات الأميركية «تضاف إلى سجل انتهاكات واشنطن بحق سيادة سوريا ووحدة أراضيها وسلامة شعبها»، كما أنها «تصبّ في تأجيج الصراع في منطقة الشرق الأوسط على نحو خطير للغاية».

واتهمت دمشق الولايات المتحدة الأميركية بالعمل على «إحياء النشاط الإرهابي لتنظيم داعش» الذي تحارب القوات السورية بقاياه في المنطقة الشرقية من سوريا، على ما يقول بيان الخارجية الذي طالب مجلس الأمن الدولي بتحمل مسؤولياته في وقف «الانتهاكات الخطيرة لأحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي».

في السياق، أكدت وزارة الدفاع السورية أن «المنطقة التي استهدفتها الهجمات الأميركية شرق سوريا هي ذاتها المنطقة التي يحارب فيها الجيش السوري بقايا تنظيم (داعش) الإرهابي»، واتهمت الولايات المتحدة وقواتها العسكرية بـ«التورط والتحالف» مع تنظيم «داعش» وأنها «تعمل لإعادة إحيائه ذراعاً ميدانية لها، سواء في سوريا أو في العراق بكل الوسائل».

وشدد بيان الدفاع على أن «احتلال القوات الأميركية لأجزاء من الأراضي السورية لا يمكن أن يستمر».

ولم تستهدف الضربات الأميركية أي مواقع داخل إيران، لكنها تنذر بمزيد من التصعيد في الصراع الدائر بالشرق الأوسط نتيجة الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من 3 أشهر مع حركة «حماس» في غزة.

وقبل الضربات «الانتقامية»، قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إن بلاده «لن تبدأ حرباً، لكنها ستردّ بقوة على أي أحد يحاول الاستئساد عليها».


مقالات ذات صلة

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

المشرق العربي الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

قال مسؤول دفاعي أميركي إن قائداً كبيراً بـ«حزب الله» اللبناني كان قد ساعد في التخطيط لإحدى أجرأ وأعقد الهجمات ضد القوات الأميركية خلال حرب العراق، قُتل بسوريا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين (الخارجية العراقية)

بغداد: المنطقة تحت النار وهناك تهديدات واضحة من إسرائيل لنا

قال وزير خارجية العراق فؤاد حسين، الجمعة، إن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وجّه القوات المسلحة باتخاذ إجراءات بحق كل من يشن هجمات باستخدام الأراضي العراقية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد متحدثاً أمام «منتدى السلام» في دهوك (شبكة روداو)

وزير الخارجية العراقي: تلقينا تهديدات إسرائيلية «واضحة»

قدّم مسؤولون عراقيون تصورات متشائمة عن مصير الحرب في منطقة الشرق الأوسط، لكنهم أكدوا أن الحكومة في بغداد لا تزال تشدّد على دعمها لإحلال الأمن والسلم.

«الشرق الأوسط» (أربيل)
المشرق العربي «تشاتام هاوس» البريطاني نظّم جلسات حول مصير العراق في ظل الحرب (الشرق الأوسط)

العراق بين حافتَي ترمب «المنتصر» و«إطار قوي»

في معهد «تشاتام هاوس» البريطاني، طُرحت أسئلة عن مصير العراق بعد العودة الدرامية لدونالد ترمب، في لحظة حرب متعددة الجبهات في الشرق الأوسط.

علي السراي (لندن)
المشرق العربي السوداني خلال اجتماع مجلس الأمن الوطني الطارئ (رئاسة الوزراء العراقية)

العراق: 12 خطوة لمواجهة التهديدات والشكوى الإسرائيلية لمجلس الأمن

أثارت الشكوى الإسرائيلية الموجهة إلى مجلس الأمن الدولي بشأن الهجمات التي تشنها الفصائل المسلحة العراقية عليها غضب حكومة محمد شياع السوداني.

فاضل النشمي (بغداد)

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
TT

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)

قال مسؤول دفاعي أميركي كبير إن قائداً كبيراً في «حزب الله» اللبناني كان قد ساعد في التخطيط لإحدى أجرأ وأعقد الهجمات ضد القوات الأميركية، خلال حرب العراق، قُتل في غارة إسرائيلية على سوريا.

واعتقلت القوات الأميركية علي موسى دقدوق، بعد مداهمة عام 2007، عقب عملية قتل فيها عناصرُ يتنكرون في صورة فريق أمن أميركي، خمسة جنود أميركيين. ووفقاً لموقع «إن بي سي» الأميركي، أطلقت السلطات العراقية سراحه لاحقاً.

وأضاف المسؤول الدفاعي الأميركي، وفق ما نقل عنه موقع «إن بي سي»، أن تفاصيل الضربة الجوية الإسرائيلية غير معروفة، متى حدثت، وأين وقعت في سوريا، وهل كان هدفها دقدوق تحديداً.

الغارة المعقدة، التي ساعد دقدوق في التخطيط لها، حدثت في مجمع عسكري مشترك أميركي-عراقي في كربلاء، في 20 يناير (كانون الثاني) 2007.

تنكَّر مجموعة من الرجال في زي فريق أمن عسكري أميركي، وحملوا أسلحة أميركية، وبعضهم كان يتحدث الإنجليزية، ما جعلهم يَعبرون من عدة نقاط تفتيش حتى وصلوا قرب مبنى كان يأوي جنوداً أميركيين وعراقيين.

كانت المنشأة جزءاً من مجموعة من المنشآت المعروفة باسم «محطات الأمن المشترك» في العراق، حيث كانت القوات الأميركية تعيش وتعمل مع الشرطة والجنود العراقيين. كان هناك أكثر من عشرين جندياً أميركياً في المكان عندما وصل المسلّحون.

حاصرت العناصر المسلّحة المبنى، واستخدموا القنابل اليدوية والمتفجرات لاختراق المدخل. قُتل جندي أميركي في انفجار قنبلة يدوية. بعد دخولهم، أَسَر المسلّحون جندين أميركيين داخل المبنى، واثنين آخرين خارج المبنى، قبل أن يهربوا بسرعة في سيارات دفع رباعي كانت في انتظارهم.

طاردت مروحيات هجومية أميركية القافلة، ما دفع المسلّحين لترك سياراتهم والهروب سيراً على الأقدام، وخلال عملية الهرب أطلقوا النار على الجنود الأميركيين الأربعة.

وفي أعقاب الهجوم، اشتبه المسؤولون الأميركيون بأن المسلّحين تلقّوا دعماً مباشراً من إيران، بناءً على مستوى التنسيق والتدريب والاستخبارات اللازمة لتنفيذ العملية.

وألقت القوات الأميركية القبض على دقدوق في مارس (آذار) 2007. وكما يذكر موقع «إن بي سي»، أثبتت أن «فيلق القدس»، التابع لـ«الحرس الثوري الإيراني»، كان متورطاً في التخطيط لهجوم كربلاء. واعترف دقدوق، خلال التحقيق، بأن العملية جاءت نتيجة دعم وتدريب مباشر من «فيلق القدس».

واحتجز الجيش الأميركي دقدوق في العراق لعدة سنوات، ثم سلَّمه إلى السلطات العراقية في ديسمبر (كانون الأول) 2011.

وقال المسؤول الأميركي: «قالت السلطات العراقية إنها ستحاكم دقدوق، لكن جرى إطلاق سراحه خلال أشهر، مما أثار غضب المسؤولين الأميركيين. وعاد للعمل مع (حزب الله) مرة أخرى بعد فترة وجيزة».