«تحسن طفيف» في الليرة السورية... وخبراء: ستعود للتدهور بشكل «ملجوم»

خبير اقتصادي: التدابير الاقتصادية الأخيرة هدفها جمع الدولار الذي شح في السنوات الأخيرة

حزم من الليرة السورية في المصرف التجاري السوري بدمشق نوفمبر 2022 (أ.ف.ب)
حزم من الليرة السورية في المصرف التجاري السوري بدمشق نوفمبر 2022 (أ.ف.ب)
TT

«تحسن طفيف» في الليرة السورية... وخبراء: ستعود للتدهور بشكل «ملجوم»

حزم من الليرة السورية في المصرف التجاري السوري بدمشق نوفمبر 2022 (أ.ف.ب)
حزم من الليرة السورية في المصرف التجاري السوري بدمشق نوفمبر 2022 (أ.ف.ب)

شهد سعر صرف الليرة السورية، الأيام الماضية، «تحسناً طفيفاً»، بعد صدور مرسومين خفف أحدهما العقوبة على المتعاملين بغير الليرة للمدفوعات أو لأي نوع من أنواع التداول التجاري، بينما شدد الآخر العقوبات على العاملين في السوق السوداء للصرافة والحوالات التي شهدت حذراً في التعامل وأحجم بعض الفاعلين فيها عن العمل.

وفي حين رأى خبراء أن التحسن في سعر الصرف «مؤقت»، وتوقعوا أن يعود إلى التدهور بعد أشهر قليلة ولكن بشكل «ملجوم»، أوضح محامون أن الاستفادة من مرسوم تخفيف العقوبة للمتعاملين بغير الليرة، من المحكومين أو من هم قيد المحاكمة، قد تقتصر على مَن لديهم إمكانات مادية بسبب ارتفاع مبالغ الغرامات.

وبلغ سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي، صباح الأربعاء، في السوق السوداء، 14650 ليرة للشراء – 14750 للبيع، بعد أن شهد تراجعاً تدريجياً بداية الشهر الحالي وصل إلى 15300 في محيط دمشق، أعقب استقراراً نسبياً عند سعر 14 ألف طيلة الفترة الممتدة من منتصف أكتوبر (تشرين الأول) حتى نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

التحسّن في سعر الصرف، أعقب المرسوم التشريعي الذي أصدره الرئيس بشار الأسد في 20 يناير (كانون الثاني) الحالي، حول مزاولة الصرافة دون ترخيص ونقل أو تحويل العملات الأجنبية خارج سوريا من جهة أخرى.

مصرف سوريا المركزي (فيسبوك)

وتضمن المرسوم، وفقاً لوكالة الأنباء الرسمية «سانا»، تشديداً في العقوبات حيال من يزاول مهنة الصرافة دون ترخيص، ومَن يقوم بنقل أو تحويل العملات الأجنبية أو الوطنية بين سوريا والخارج، دون ترخيص. ويعاقب المرسوم بالسجن المؤقت من 5 سنوات إلى 15 سنة، وغرامة مقدارها 3 أمثال المبالغ المصادرة على ألا تقل الغرامة عن 25 مليون ليرة سورية، كذلك مصادرة المبالغ المضبوطة نقداً، وأي مبالغ مدونة في القيود الورقية أو الإلكترونية. ولفت المرسوم إلى أنه لا يجوز إخلاء السبيل في هذين الجرمين.

3 عاملين في السوق السوداء أوضحوا لـنا أنه منذ صدور المرسوم يوجد قلق كبير لدى العاملين من تصعيد السلطات الأمنية حملاتها ضدهم. وقال أحدهم: «هناك من لا يزال يعمل ولكن بحذر شديد ومع زبائن ثقتهم بهم مطلقة، وهناك من توقف عن العمل تماماً، وقلة باتوا يفكرون في الحصول على تراخيص محل صرافة».

ويتحدث شاب عن معاناة كبيرة تكبّدها خلال محاولته بيع ورقة نقدية من فئة 100 دولار، ويقول لنا: «كان الأمر يتم بـ10 دقائق. لكن اليوم اتصلت بأكثر من 7 صرافين والكل هواتفهم مغلقة، إلى أن رد صراف بعد محاولات عدة واكتفى بالقول (تفضل القهوة جاهزة)». يضيف: «ذهبت وأول جملة استقبلني بها هي تنبيهي من فتح سيرة (الدولار) على الهاتف».

تاجر في محله بدمشق القديمة (أرشيفية -أ.ف.ب)

خبير اقتصادي قدّم لنا قراءته للوضع، بالإشارة إلى أنه مع موجة التراجع الجديدة في قيمة الليرة منذ بداية الشهر الحالي، وفي ظل تعمق الأزمات الاقتصادية والمالية والمعيشية في مناطق الحكومة وشح الدولار، كانت توقعات كبار العاملين في السوق غير الرسمية، أن يتدهور سعر الصرف، الأسبوع المقبل، إلى 16 ألفاً ووصوله إلى 20 ألفاً خلال شهرين.

وبعدما أشار الخبير إلى أن «التحسن الطفيف» الأخير في سعر الصرف، جاء بعد أيام من صدور مرسوم تشديد العقوبات على العاملين في السوق السوداء، لفت إلى أن الحكومة بحاجة ماسة للدولار لتمويل مستورداتها، بعد تراجع احتياطاتها من العملات الأجنبية من نحو 20 مليار دولار إلى الصفر خلال سنوات الحرب.

حزم من الليرة السورية في المصرف التجاري السوري بدمشق نوفمبر 2022 (أ.ف.ب)

وتشكل حوالات اللاجئين والمغتربين، المصدر شبه الوحيد المعلن للدولار الذي يدخل إلى مناطق الحكومة، وتقدر بحسب تقارير، بخمسة ملايين دولار في اليوم وترتفع إلى 10 ملايين يومياً خلال مناسبات الأعياد. وذكر الخبير الاقتصادي أن الهدف من المرسوم على ما يبدو استحواذ شركات الصرافة المُرخّصة التي هي وسائط لـ«مصرف سوريا المركزي» على معظم مبالغ الحوالات.

ورجح أن يكون التحسن الحالي في سعر الصرف «مؤقت ولفترة قصيرة»، وأنه «سيعود للتدهور ولكن بوتيرة أخف من السابق»، أي سيكون «ملجوماً» بسبب تشديد العقوبات على العاملين في السوق السوداء.

تجدر الإشارة إلى أنه مع نهاية عام 2023، تدهورت قيمة الليرة السورية إلى نحو غير مسبوق، إذ بلغ سعر الصرف في السوق السوداء 14 ألف ليرة للدولار الواحد، مقابل 6180 ليرة للدولار في ديسمبر 2022 و3620 ليرة للدولار في الشهر ذاته من عام 2021، وذلك بعد أن تراوح في عام 2010 بين 45 و50 ليرة للدولار.

من جهة أخرى، صدر في 20 يناير الحالي، مرسوم تشريعي، تضمن تخفيفاً للعقوبات الواردة قبل 4 سنوات، في المرسوم الخاص بتجريم التعامل بغير الليرة السورية في المدفوعات أو أي نوع من أنواع التداول التجاري.

وبحسب «سانا»، حافَظ المرسوم الجديد على العقوبات المتعلقة بالسجن، لكنه أتاح للمدعى عليهم التسوية أمام القضاء عبر دفع مبلغ يساوي المبالغ المضبوطة لتسقط عقوبة السجن التي قد تصل في بعض الحالات إلى أكثر من 7 سنوات، على أن تؤول المبالغ الناجمة عن التسوية إلى خزينة الدولة.

سوق الحميدية أبرز الأسواق التقليدية في العاصمة السورية دمشق (أ.ف.ب)

وكشف تجار في دمشق وريفها عن أنهم كانوا «يأملون أكثر من ذلك بكثير»، أي «إلغاء المرسوم بشكل نهائي».

وأفاد محامون في دمشق بتلقيهم اتصالات كثيرة من أشخاص يستفسرون عن مضمون المرسوم، مشيرين إلى أن هناك ما بين 200 و250 شخصاً في دمشق، بين محكومين بجرم التعامل بغير الليرة، أو لا يزالون قيد المحاكمة، وأن الرقم في ريف دمشق أكبر من ذلك بكثير.

وأوضح أحد المحامين أن المتهمين بالتعامل بغير الليرة السورية يحاكمون أمام «محاكم الجنايات المالية والاقتصادية» التي تصدر أحكاماً جائرة بالسجن وغرامات مالية كبيرة بالليرة السورية والدولار. وذكر أنه تم الحكم على شخص اتهم بالتعامل بغير الليرة بالسجن 4 سنوات وغرامة مالية مقدارها 200 مليون ليرة و150 ألف دولار أميركي، وأضاف: «من لديهم إمكانات مادية يمكن أن يجروا تسوية ولكن من ليس لديهم ماذا يفعلون».


مقالات ذات صلة

الدولار يواصل تراجعه إلى أدنى مستوى في أسبوع

الاقتصاد أوراق نقدية من الدولار الأميركي (رويترز)

الدولار يواصل تراجعه إلى أدنى مستوى في أسبوع

تراجع الدولار الأميركي إلى أدنى مستوى في أسبوع مقابل العملات الرئيسية، يوم الأربعاء، حيث يسعى لتمديد انخفاضه، لليوم الثالث على التوالي، بعد بلوغه ذروة أسبوعية.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد رزم من أوراق الدولار الأميركي في متجر لصرف العملات في سيوداد خواريز بالمكسيك (رويترز)

الدولار يسجل أكبر مكسب أسبوعي في أكثر من شهر

سجل الدولار أكبر مكسب أسبوعي له في أكثر من شهر يوم الجمعة بدعم من توقعات بخفض أسعار الفائدة من جانب مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد عملات بتكوين على أوراق نقدية من الدولار الأميركي (رويترز)

الدولار وبتكوين يفقدان قوتهما مع ترقب الأسواق بيانات التضخم الأميركية

ظل الدولار اليوم قريباً من أعلى مستوى في الأشهر الستة والنصف الماضية مقابل العملات الرئيسية بينما انخفضت عملة بتكوين المشفرة مجدداً عن مستوياتها القياسية

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد تُفحص وتُطوى وتُعبأ أوراق الدولار خلال عملية الإنتاج بمكتب النقش والطباعة في واشنطن (رويترز)

الدولار يحقق أعلى مستوى في 4 أشهر

ارتفع الدولار الأميركي إلى أعلى مستوى له في 4 أشهر مقابل العملات الرئيسية يوم الثلاثاء، بينما واصلت عملة «بتكوين» تحقيق أرقام قياسية جديدة.

«الشرق الأوسط» (طوكيو - لندن)
الاقتصاد متداول في «بورصة نيويورك» للأوراق المالية (رويترز)

أسواق المال في حالة ترقب قبيل الانتخابات الأميركية

استقرت الأسهم يوم الثلاثاء، لكن التقلبات الضمنية زادت بأسواق العملات، في إشارة مبكرة إلى تحركات غير اعتيادية بالأسواق خلال الأيام المقبلة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع في المنطقة

لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)
لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)
TT

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع في المنطقة

لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)
لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)

اعتبر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، بعد لقائه وزير الخارجية السوري بسام الصباغ في دمشق، الأحد، أنه «من الضروري للغاية ضمان أن يكون هناك وقف فوري لإطلاق النار في غزة ولبنان وأن نجنب جر سوريا» إلى النزاع في المنطقة. وأضاف بيدرسن: «نرى أنه من الضروري للغاية تهدئة التصعيد حتى لا يتم جر سوريا أكثر إلى هذا النزاع».

من جانبها، لم تصدر الخارجية السورية أي تفاصيل حول نتائج لقاء بيدرسن والصباغ، واكتفت ببيان مختزل أعلنت فيه عن اللقاء دون تفاصيل.

وكانت تقارير إعلامية محلية قد أفادت في وقت سابق بأن زيارة بيدرسن الثانية إلى دمشق خلال هذا العام تهدف إلى بحث إمكانية استئناف اللجنة الدستورية اجتماعاتها المتعثرة منذ أكثر من عامين، بسبب الخلاف على مكان عقد الاجتماع، وذلك بعد الرفض الروسي القاطع لعقدها في جنيف على خلفية موقف سويسرا من الحرب الروسية - الأوكرانية.

ونقلت صحيفة «الوطن» السورية، المقربة من الحكومة، عن مصادر قولها إن بيدرسن «بات على قناعة بأنه لا بد من انعقاد هذه اللجنة في العواصم العربية المرشحة لاستضافتها، وهي بغداد والرياض والقاهرة، لكون الجانب الروسي يرفض رفضاً قاطعاً انعقادها في جنيف».

وعقدت اللجنة الدستورية 8 جلسات وتم تأجيل الجلسة التاسعة بعد طلب روسيا تغيير مكان انعقاد المحادثات، ولم يتم التوافق على مكان آخر. وحسب صحيفة «الوطن»، يجري بيدرسن مباحثات مع المسؤولين السوريين في دمشق التي وصلها يوم الأربعاء، حول إمكانية استئناف اجتماعات اللجنة الدستورية.

وكان المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف، صرّح في وقت سابق لوكالة «تاس» الروسية بأن جنيف هي المكان الوحيد المرفوض من قبل الجانب الروسي، لافتاً إلى قبول موسكو بأي من الأماكن الأخرى المقترحة. وفيما يتعلق بمقترح عقد الاجتماع في بغداد، قال لافرنتيف إن المعارضة السورية رفضت هذا الاقتراح باعتبار بغداد مكاناً غير محايد لها؛ لأن الحكومة العراقية داعمة لدمشق. وأضاف: «لا تزال المعارضة تصر على رفض هذا الخيار، رغم أنه لا يمكن أن يؤثر على سير المفاوضات الدستورية». وحسب المسؤول الروسي، فقد أكدت موسكو لبيدرسن ضرورة مواصلة الجهود لاستئناف اجتماعات اللجنة الدستورية، كما دعته لبذل الجهود بدلاً من الدعوة إلى ممارسة النفوذ على هذا الجانب أو ذاك.

ومنذ بدء النزاع في سوريا، شنّت إسرائيل مئات الضربات الجوية، مستهدفة مواقع تابعة للقوات الحكومية وأهدافاً إيرانية وأخرى تابعة لـ«حزب الله» اللبناني. وازدادت وتيرة الغارات على وقع المواجهة المفتوحة التي تخوضها إسرائيل مع «حزب الله» في لبنان المجاور. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بمقتل 105 أشخاص، معظمهم مقاتلون موالون لإيران، في حصيلة جديدة لغارات إسرائيلية استهدفت، الأربعاء، 3 مواقع في مدينة تدمر بريف حمص الشرقي، ضمّ أحدها اجتماعاً «لمجموعات سورية موالية لطهران مع قياديين من حركة (النجباء) العراقية و(حزب الله) اللبناني». وكان المرصد أحصى مقتل 92 شخصاً في حصيلة سابقة لهذه الغارات. ونادراً ما تؤكّد إسرائيل تنفيذ الضربات، لكنّها تكرّر تصدّيها لما تصفه بمحاولات إيران لترسيخ وجودها العسكري في سوريا. وتقول في الفترة الأخيرة إنها تعمل على منع «حزب الله» من «نقل وسائل قتالية» من سوريا إلى لبنان.