العراق: الصدر لا يعلق على الانسحاب الأميركي ويدعو للإفراج عن المعتقلين «المقاومين»

خبير قانوني يقول إن التيار الصدري يحتاج إلى عفو خاص من رئيس الحكومة

مقتدى الصدر يخاطب أنصاره في النجف في 19 أكتوبر الماضي (رويترز)
مقتدى الصدر يخاطب أنصاره في النجف في 19 أكتوبر الماضي (رويترز)
TT

العراق: الصدر لا يعلق على الانسحاب الأميركي ويدعو للإفراج عن المعتقلين «المقاومين»

مقتدى الصدر يخاطب أنصاره في النجف في 19 أكتوبر الماضي (رويترز)
مقتدى الصدر يخاطب أنصاره في النجف في 19 أكتوبر الماضي (رويترز)

مع انشغال الحكومة العراقية بمفاوضات الانسحاب الأميركي، ومحاولة البرلمان انتخاب رئيس جديد له، فاجأ زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الجميع بالدعوة إلى «إطلاق سجناء» ينتمون إليه، وكانوا «يقاومون الأميركيين» في سنوات سابقة.

والتزم الصدر الصمت إزاء تحولات سياسية وأمنية عاصفة، أبرزها التصعيد بين القوات الأميركية والفصائل المسلحة الموالية لإيران، بينما خرج أمس (الخميس) برسالة إلى حكومة محمد شياع السوداني تطالبه بالإفراج عن معتقلين من تياره السياسي.

وقال الصدر، في منشور على منصة «إكس»: «أجد من المصلحة المطالبة بالإفراج عن سجناء ما يسمونه بـ(التيار الصدري)».

«مقاومة» الأميركيين

وصنّف الصدر هؤلاء السجناء بأنهم «إما مقاومون (للأميركيين) والسلطة الحالية تدّعي دعمها للمقاومة فلا داعي لبقائه في السجن، أو أنهم أبرياء، وإما بريئون فهي تدّعي العدل ولا داعي لاستمرار بقائهم في السجن، أو مذنبون فقد أخذوا قسطاً من السجن ليس بقليل، فإذا تعهّد خطياً بعدم تكرار ذنبه فالإفراج عنه متعيّن، وسنعينه على التوبة»، على حد تعبيره.

وحدد الصدر مطلع فبراير (شباط) سقفاً زمنياً للإفراج عن هؤلاء السجناء، بالتزامن مع ذكرى وفاة الإمام التاسع لدى الشيعة موسى الكاظم.

وحتى الآن، لم يصدر عن الحكومة العراقية أي تعليق رداً على دعوة الصدر.

وبعد عام 2003، اعتقلت القوات الأميركية المئات من أتباع التيار الصدري، وهم مسلحون في فصيل «جيش المهدي» التابع للصدر، على خلفية مشاركتهم في معارك ضد قوات أميركية وعراقية مشتركة.

وفي السنوات اللاحقة، اعتقلت السلطات العراقية أعداداً كبيرة من مسلحي جناح الصدر المسلح لتورطهم في أعمال عنف طائفي في بغداد ومدن أخرى.

وخلال ولاية رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، اعتقلت القوات الأمنية المئات من أتباع الصدر، على خلفية نزاع سياسي مع التيار الصدري، بلغ ذروته في معارك ضارية بمدينة البصرة (جنوب) عام 2008.

وفي عام 2020، طالب تحالف «سائرون»، الكتلة التي تمثل الصدر في البرلمان، بإطلاق سراح معتقلي التيار الصدري بسبب المخاوف، آنذاك، من تفشي فيروس كورونا في السجون العراقية.

وترتبط إمكانية الإفراج عن هؤلاء بتشريع قانون العفو العام، لكن البرلمان يتعثر محاولاً انتخاب رئيس جديد له.

ومع أن الدعوة تبدو شديدة الالتباس بين البعدين السياسي القانوني فيها، فإنها لم تثِر ردود فعل حتى في الوسط السياسي؛ لأن مسألة الانسحاب الأميركي من البلاد تسيطر على اهتمام المسؤولين العراقيين.

البعد السياسي

يرى أستاذ الإعلام في «جامعة الكوفة» غالب الدعمي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «دعوة الصدر للجهات الرسمية بإطلاق سراح سجناء التيار الصدري في السجون منذ بدء المقاومة للمحتل ليست تحرشاً بالحكومة أو الأطراف السياسية بمقدار ما هي جزء من تصفية تركة الوجود الأميركي الذي يتفاوض الآن على الانسحاب».

وقال الدعمي: «هناك من سعى إلى إطلاق شخصيات متهمة باغتيال مواطنين، وهو فعل لا يندرج ضمن أعمال المقاومة، لكن حين يصل الأمر إلى من كان يقاوم الاحتلال نجد هناك من يتغاضى عنهم».

ووصف الدعمي مطلب الصدر بـ«الواقعي»، وأن الحكومة معنية بالتعامل معه بجدية.

أنصار مقتدى الصدر يرفعون صورته في بغداد (أرشيفية - رويترز)

ماذا يقول القانون؟

من جانبه، رأى الخبير القانوني علي التميمي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «دعوة الصدر لإخراج معتقلي التيار الصدري من السجون بوصفهم مقاومين تثير أسئلة عدة، منها أن الصدريون حينما كانوا جزءاً من الحكومة لم يعلموا على تشريع قانون العفو، فلماذا طالبوا بالإفراج عن معتقليهم بعد انسحاب الصدر من الحياة السياسية».

وشدد الخبير القانوني على «التفريق بين الاعتقال دون حكم وبين معتقلين بأحكام أصدرها القضاء في قضايا معلومة، فإذا اكتسبت أحكامهم الدرجة القطعية فهذا في حاجة إلى قانون العفو».

وقال التميمي: «أما إذا أراد الصدر عفواً خاصاً، فهذا لن يحدث إلا بمرسوم جمهوري بمقترح من رئيس الوزراء».

ورغم تشريع أكثر من قانون للعفو العام في العراق خلال السنوات الماضية، منها قانون صدر عام 2016، فإن الاعتراضات عليه بقيت قائمة، لا سيما من قِبل القوى السنية، التي حصلت على تعهد من «الإطار التنسيقي» بتعديل القانون ضمن اتفاق شكل الحكومة الحالية.

وبعد اجتياح تنظيم «داعش» المحافظات الغربية ذات الغالبية السنية في 2014 اختلطت الأوراق على صعيد من انتمى إلى تنظيم «داعش»، وصدور قانون «4 إرهاب» الذي يصل الحكم على من يثبت انتماؤه للتنظيمات المسلحة إلى الإعدام.

وبرزت اعتراضات كبيرة؛ لأن هناك الكثير ممن صُنّفوا إرهابيين انتُزعت اعترافاتهم بالقوة في أثناء التحقيق.

وتختلف القوى الشيعية بشأن الكثير من القضايا التي تخص البلاد بما في ذلك الخلافات الحادة مع التيار الصدري، لكنها تتفق بشأن العفو العام لجهة عدم تشريع قانون يتيح لمن يرون أنهم «إرهابيون» الخروج من السجون والمعتقلات.


مقالات ذات صلة

العراق: «كتائب سيد الشهداء» توقف عملياتها و«الفتح» يرفض حل «الحشد»

المشرق العربي عرض عسكري للجيش العراقي و«الحشد الشعبي» في الموصل مؤخراً (أ.ف.ب)

العراق: «كتائب سيد الشهداء» توقف عملياتها و«الفتح» يرفض حل «الحشد»

في حين أكدت كتائب «سيد الشهداء»، أحد الفصائل المسلحة المنضوية في «محور المقاومة»، توقف هجماتها ضد إسرائيل، رفض تحالف «الفتح» الذي يقوده هادي العامري حل «الحشد».

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي المشهداني لدى استقباله السفير السعودي في بغداد (البرلمان العراقي)

المشهداني يدعو إلى تعزيز التعاون بين بغداد والرياض

دعا رئيس البرلمان العراقي الدكتور محمود المشهداني إلى إيلاء التعاون مع المملكة العربية السعودية أهمية قصوى في هذه المرحلة.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي جنديان عراقيان مع آلية يقفان عند نقطة حراسة على الحدود العراقية - السورية 5 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

العراق: مساعٍ لتطوير المؤسسة العسكرية

كشفت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي عن الحاجة لتطويع عشرات الآلاف بالجيش وسط تحديات أمنية إقليمية.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي تحذيرات عراقية من عودة «داعش»

تحذيرات عراقية من عودة «داعش»

تخشى بغداد أن يعيد «داعش» تنظيم صفوفه بعدما استولى على كميات من الأسلحة نتيجة انهيار الجيش السوري.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي رئيس وزراء العراقي محمد شياع السوداني (د.ب.أ)

السوداني يعلن استئناف عمل بعثة العراق الدبلوماسية في دمشق

أعلن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني مساء الخميس أن البعثة الدبلوماسية العراقية «فتحت أبوابها وباشرت مهامها في دمشق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)

ضحايا بينهم قتيل في الحرس الرئاسي الفلسطيني في «مواجهات جنين»

ضباط أمن فلسطينيون يتخذون مواقعهم خلال مواجهات مع مسلحين في مخيم جنين بالضفة الغربية (د.ب.أ)
ضباط أمن فلسطينيون يتخذون مواقعهم خلال مواجهات مع مسلحين في مخيم جنين بالضفة الغربية (د.ب.أ)
TT

ضحايا بينهم قتيل في الحرس الرئاسي الفلسطيني في «مواجهات جنين»

ضباط أمن فلسطينيون يتخذون مواقعهم خلال مواجهات مع مسلحين في مخيم جنين بالضفة الغربية (د.ب.أ)
ضباط أمن فلسطينيون يتخذون مواقعهم خلال مواجهات مع مسلحين في مخيم جنين بالضفة الغربية (د.ب.أ)

أخذت الاشتباكات الداخلية الفلسطينية في مخيم جنين بمدينة جنين شمال الضفة الغربية، منحى خطيراً، بعدما قتل مسلحون عنصراً في الحرس الرئاسي الفلسطيني، وأصابوا ضحايا آخرين في هجوم داخل المخيم، ما يذكّر بفترة الاقتتال الداخلي في قطاع غزة الذي راح ضحيته مئات الفلسطينيين برصاص فلسطيني.

وقتل مسلحون في المخيم في اشتباكات ضارية، الأحد، مساعد أول، ساهر فاروق جمعة أرحيل، أحد عناصر الحرس الرئاسي، وأصابوا 2 آخرين، في ذروة المواجهات التي تشتد يوماً بعد يوم، كلما تعمّقت السلطة داخل المخيم الذي تحول منذ سنوات الانتفاضة الثانية إلى مركز للمسلحين الفلسطينيين، ورمزاً للمقاومة والصمود.

وتستخدم السلطة قوات مدربة وآليات مجهزة ومدرعات مسلحة برشاشات وأسلحة حديثة وكلاباً بوليسية لكشف المتفجرات وقناصة، بينما يستخدم المسلحون أسلحة رشاشة وعبوات ناسفة وسيارات مفخخة، في مشهد لا يحبّذه الفلسطينيون، ويُشعرهم بالأسوأ.

 

آثار طلقات نار على برج مراقبة تابع للسلطة الفلسطينية بعد الاشتباكات بين قوات الأمن الفلسطينية ومسلحين في مخيم جنين (د.ب.أ)

«رفض الانفلات»

شدد مسؤولون في حركة «فتح» على أهمية الوحدة الوطنية، وتجنُّب الفتن وضرب السلم الأهلي. وقال رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح إن الوحدة الوطنية والتماسك الشعبي ضروريان لمواجهة مخططات الاحتلال وكل الأجندات الخارجية، داعياً الفلسطينيين إلى الابتعاد عن الفتن، وحماية المشروع الوطني الفلسطيني من التهديد الوجودي لشعبنا فوق أرض وطنه. ودعا عضو مجلس ثوري «فتح» عبد الله كميل «الجميع إلى اتخاذ موقف وطني مشرِّف في رفض الانفلات». وحذر عضو مجلس ثوري «فتح» تيسير نصر الله من استمرار الجهات الخارجة على القانون في ضرب السلم الأهلي، واتهم آخرون الجماعات المسلحة بمحاولة تنفيذ انقلاب في مناطق السلطة.

وبدأت السلطة قبل أكثر من أسبوعين عملية واسعة في جنين ضد مسلحين في المخيم الشهير، في بداية تحرُّك هو الأقوى والأوسع من سنوات طويلة، ويُفترض أن يطول مناطق أخرى، في محاولة لاستعادة المبادرة وفرض السيادة. وأكد الناطق الرسمي لقوى الأمن الفلسطيني العميد أنور رجب، الأحد، أن الأجهزة الأمنية ستُطبِّق القانون في مختلف أنحاء المحافظات الشمالية (الضفة الغربية)، وستلاحق الخارجين على القانون، لفرض النظام والأمن. ونعى رجب، خلال لقاء مفتوح مع عدد من الإعلاميين والصحافيين، في جنين المساعد أول أرحيل الذي قُتل في جنين، وقال إن قتله لن يزيد السلطة إلا إصراراً على على ملاحقة الخارجين على القانون. ووصف رجب قتلة عنصر الأمن بأنهم فئة ضالة، يتبعون جهات لم تجلب لفلسطين إلا الدمار والخراب والقتل، حيث وظفتهم لخدمة مصالحها وأجندتها الحزبية. وأضاف: «نحن مستمرون، ولا نلتفت إلى إسرائيل وأميركا والمحاور ولا للشائعات. ماضون ودون هواة حتى فرض السيادة على كل سنتيمتر تحت ولاية السلطة».

وجاءت تصريحات رجب لتأكيد خطاب بدأته السلطة قبل العملية، باعتبار المسلحين داخل المخيم وكثير منهم يتبع حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» «متطرفين وداعشيين يتبعون أجندات خارجية»، لكن المسلحين ينفون ذلك، ويقولون إنهم «مقاتلون ضد إسرائيل»، ولذلك تريد السلطة كبح جماحهم باعتبارها «متعاونة مع إسرائيل». وقتلت السلطة خلال العملية مسلحين، واعتقلت آخرين، بينما تواجه سيلاً من الاتهامات «بالاستقواء على المسلحين، بدلاً من إسرائيل ومستوطنيها».

وتجري الاشتباكات في حارات وشوارع المخيم وعبر القناصة على أسطح المنازل، ما حوّل المخيم إلى ساحة قتال حقيقي.

وأطلقت السلطة حملتها على قاعدة أن ثمة مخططاً لنشر الفوضى في الضفة الغربية وصولاً إلى تقويض السلطة، وإعادة احتلال المنطقة. وخلال عام الحرب على غزة، هاجمت الرئاسة وحركة «فتح»، إيران أكثر من مرة، واتهمتها بالتدخل في الشأن الفلسطيني، ومحاولة جلب حروب وفتن وفوضى.

تأثير التطورات في سوريا

بدأت الحملة الفلسطينية في جنين بعد أيام من تحذيرات إسرائيلية من احتمال تدهور الأوضاع في الضفة الغربية، تحت تأثير التطورات الحاصلة في سوريا (انهيار نظام الأسد) ضمن وضع تعرفه الأجهزة بأنه «تدحرج حجارة الدومينو». وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) أمر شخصياً بتنفيذ العملية الواسعة، بعد سقوط النظام في سوريا. وبحسب «تايمز أوف إسرائيل»، أدركت السلطة الفلسطينية أن مشهد سيارات التندر وبنادق «الكلاشينكوف» التي خرجت من إدلب ودخلت دمشق بعد أيام يمكن أن ينعكس بشكل خطير على الوضع في الضفة الغربية.

وتعد إسرائيل ما يحدث في جنين «اختباراً مهماً لعباس»، ويقولون إنه يعكس كذلك قدرة السلطة على حكم قطاع غزة المعقّد في وقت لاحق. وقال مسؤول أمني إسرائيلي: «كل دول المنطقة والمنظمات الإرهابية تنظر إلى جنين. إذا لم يتمكن أبو مازن من التغلب على 50 مسلحاً في جنين، فسيكون هناك من سيقول دعونا نقم بانقلاب. الوضع خطير الآن».

ونشر الجيش الإسرائيلي قبل أيام قليلة، قوات قائلاً إنه يدعم توصيات سياسية بتقوية السلطة. وقال مسؤولون إن الجيش الإسرائيلي يدعم الجهود الرامية إلى زيادة التنسيق والتعاون مع السلطة الفلسطينية، ويأمل الجيش في تشجيع السلطة الفلسطينية على مواصلة تنفيذ عمليتها في جنين وفي مناطق أخرى في الضفة، لكن السلطة الفلسطينية ترفض ربط العملية في جنين، بأي توجيهات إسرائيلية أو أميركية، أو أي مصالح مشتركة.

«حملة فلسطينية خالصة»

قال رجب إن الطلبات الأميركية بدعم السلطة قديمة، وهو حق مشروع وليس مرتبطا أبداً بما يجري في جنين. وأضاف أن حملة «حماية وطن» التي تقوم بها الأجهزة الأمنية في جنين ومخيمها، هي فلسطينية خالصة، وتستند إلى رؤية أمنية وسياسية فلسطينية، لحماية مصالح شعبنا وقضيتنا الوطنية. وتابع: «ندرك التحولات في المنطقة وما يشهده قطاع غزة من حرب إبادة إسرائيلية، ومحاولة إعادة رسم الوضع الجغرافي والديموغرافي في القطاع بما يخدم الاحتلال، ومن هنا كانت رؤية القيادة لعدم الوصول إلى ما يريده الاحتلال من جرِّنا لمربع المواجهة الشاملة، وهو ما يستدعي فرض النظام والقانون، وبسط السيادة الفلسطينية».