«خريطة طريق أمنية» جديدة لسوريا

اجتماع برئاسة الأسد وحضور قادة عسكريين

الرئيس السوري بشار الأسد (سانا)
الرئيس السوري بشار الأسد (سانا)
TT

«خريطة طريق أمنية» جديدة لسوريا

الرئيس السوري بشار الأسد (سانا)
الرئيس السوري بشار الأسد (سانا)

أعلنت الرئاسة السورية، الخميس، أن الرئيس بشار الأسد ترأس اجتماعاً «لقادة الأجهزة الأمنية في الجيش والقوات المسلحة» انتهى بوضع «خريطة طريق أمنية».

ضباط سوريون يتفقدون موقع انفجار في السيدة زينب يوليو الماضي (رويترز)

وقالت الرئاسة في بيان إن الاجتماع، الذي حضره «رئيس مكتب الأمن الوطني ومستشار الشؤون الأمنية في الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية»، تركز «حول الأثر المرتقب لإعادة الهيكلة التي تجري في المجال الأمني وتطوير التنسيق بين الأجهزة بما يعزز أداء القوات الأمنية في المرحلة المقبلة، وكذلك تطوير أدوات مكافحة الإرهاب بعد النتائج المهمة التي تحققت خلال السنوات الماضية».

وأضافت الرئاسة: «وضَعَ الاجتماع خريطة طريق أمنية وفق رؤى استراتيجية تحاكي التحديات والمخاطر الدولية والإقليمية والداخلية بما ينعكس على أمن الوطن والمواطن، وأمن القوات المسلحة أيضاً».

وشدد الرئيس الأسد، وفقاً لبيان الرئاسة، على «الدور الاستباقي والوقائي للأجهزة الأمنية في محاربة التنظيمات الإرهابية والتعقب الدائم للخلايا التي تحاول الإضرار بأمن الوطن وسلامته»، مُشيراً إلى أن «المواطن وأمنه هو الغاية الأسمى دائماً لعمل كل الأجهزة الأمنية».

يأتي هذا الاجتماع، بعد أيام قليلة من تداول وسائل إعلام سورية غير رسمية، معلومات عن تغييرات أمنية مفاجئة طالت مراكز أمنية حساسة في سوريا.

ووفقاً للمعلومات غير الرسمية، فقد جرى تعيين اللواء علي مملوك مستشاراً لرئيس الجمهورية للشؤون الأمنية، وتعيين اللواء كفاح الملحم خلفاً له في رئاسة مكتب الأمن الوطني، فيما نُقل اللواء كمال حسن من رئاسة فرع فلسطين، ليصبح رئيساً لشعبة المخابرات العسكرية خلفاً للواء كفاح الملحم.

وتضاربت الأنباء حول خلفيات نقل اللواء علي مملوك، إذا كان قرار إطاحة أم عزلا أم ترقية، في حين ذكرت وكالة «سبوتنيك» الروسية نقلاً عن مصدر أمنيّ سوريّ، أن تعيين اللواء كفاح ملحم رئيساً لمكتب الأمن الوطني خلفاً لعلي مملوك جاء بعد «توعك الأخير وإدخاله المستشفى».

وبدا، وفق المعلومات، أن هذه التغييرات تأتي ضمن مساعي دمشق إلى إعادة ضبط وهيكلة قوتها الأمنية والسياسية، وذلك بعد سنوات من إطلاق يدها، وتحولها إلى مركز قوة، مرتبطة بشبكة علاقات متعددة الولاءات (روسيا، وإيران، والقصر، وشقيق الرئيس)، تمتلك صلاحيات ونشاطات واسعة تتجاوز مهمتها الأمنية.

وأشارت مصادر غير رسمية إلى أنه «خلال سنوات الحرب تحولت الأجهزة الأمنية من حامية للنظام والدولة إلى مراكز قوة متنافرة ومتحاربة أحياناً، لكنّ هذا الوضع اصطدم مع توجه دمشق نحو التقارب العربي، إذ يعيق تفعيل المبادرة العربية ومبدأ (خطوة مقابل خطوة) لإعادة تأهيل النظام سياسياً في المنظومة العربية. لا سيما لجهة ملف اللاجئين وملف تجارة المخدرات، وضبط الحدود».



هوكستين في باريس لتنسيق جهود خفض التصعيد بين إسرائيل و«حزب الله»

وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت خلال لقائه أخيراً بكبير مستشاري الرئيس الأميركي آموس هوكستين (د.ب.أ)
وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت خلال لقائه أخيراً بكبير مستشاري الرئيس الأميركي آموس هوكستين (د.ب.أ)
TT

هوكستين في باريس لتنسيق جهود خفض التصعيد بين إسرائيل و«حزب الله»

وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت خلال لقائه أخيراً بكبير مستشاري الرئيس الأميركي آموس هوكستين (د.ب.أ)
وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت خلال لقائه أخيراً بكبير مستشاري الرئيس الأميركي آموس هوكستين (د.ب.أ)

في البيان المشترك، الذي صدر بنهاية زيارة الدولة، التي قام بها الرئيس الأميركي جو بايدن إلى فرنسا، الشهر الماضي، ورد أن البلدين «يشدّدان، على وجه الخصوص، على الأهمية القصوى للحفاظ على الاستقرار في لبنان، والحد من التوترات على طول الخط الأزرق، وسيعملان معاً لتحقيق هذه الغاية، ويدعوان جميع الأطراف إلى التحلّي بأقصى درجات ضبط النفس والمسؤولية، امتثالاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم «1701». وفي هذا السياق، تشدّد فرنسا والولايات المتحدة على الضرورة المُلحّة لإنهاء الشغور الرئاسي المستمر منذ 18 شهراً في لبنان، والمضي دون مزيد من التأخير في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتشكيل حكومة، وتنفيذ الإصلاحات الضرورية لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد اللبناني، وإرساء أسس الانتعاش والنمو الاقتصادي الشامل في البلاد».

وفي المؤتمر الصحافي المشترك مع بايدن، قال الرئيس إيمانويل ماكرون، إن باريس وواشنطن ستكثّفان جهودهما لتجنّب تفاقم الصراع في الشرق الأوسط، مع إعطاء الأولوية لتهدئة الوضع بين إسرائيل و«حزب الله».

وأفاد الرئيس الفرنسي أن الطرفين وضعا آلية «تنسيق وثيقة» بخصوص المناقشات الجارية مع إسرائيل من جهة، ومع لبنان و«جميع الأطراف المعنية من الجهة الأخرى»، وهو ما سارعت إسرائيل إلى رفضه. وكانت لافتة إشارة ماكرون إلى أن الطرفين «سيعملان على أساس خريطة الطريق» التي طرحتها فرنسا قبل ستة أشهر لخفض التصعيد على الحدود اللبنانية ــ الإسرائيلية، وإيجاد السبيل لتنفيذ مضمون القرار الدولي «1701». كذلك أشار ماكرون إلى أن الطرفين سيسعيان إلى «مضاعفة الجهود من أجل منع حصول انفجار إقليمي»، انطلاقاً من الحدود اللبنانية ــ الإسرائيلية، وعمدت باريس إلى تعديل بعض فقراتها بناءً على طلب لبناني فيما لم تردّ إسرائيل عليها، أقلّه رسمياً.

من هذا المنظور، يمكن فهم أهمية الزيارة التي يقوم بها المستشار الرئاسي الأميركي آموس هوكستين إلى باريس، للقاء المبعوث الرئاسي الفرنسي إلى لبنان، الوزير السابق جان إيف لو دريان، ومستشارة ماكرون لشؤون الشرق الأوسط، السفيرة آن كلير لو جاندر، التي حلّت منذ عدة أشهر محل باتريك دوريل.

وتجدر الإشارة إلى أن هوكستين تنقّل الشهر الماضي بين تل أبيب وبيروت، كما أن لودريان زار لبنان، مركّزاً في لقاءاته على ملف الفراغ الرئاسي الذي يقترب من عامه الثاني. ونقلت «رويترز» عن مسؤول أميركي قوله إن هوكستين سافر إلى باريس «لمناقشة الجهود الفرنسية والأميركية لاستعادة الهدوء في شمال إسرائيل ولبنان».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)

أبعاد زيارة المبعوث الأميركي

يقول مصدر أوروبي واسع الاطلاع في باريس، إن لزيارة هوكستين «مجموعة أبعاد»؛ أولها «السعي لترجمة توافق الرئيسين بايدن وماكرون بشأن إقامة آلية تنسيق للمناقشات مع إسرائيل ولبنان إلى واقع»، خصوصاً أنه لم يظهر لها أي أثر منذ الإعلان عنها. والمهم في ذلك، وفق المصدر المشار إليه، الدمج بين الخطتين الفرنسية والأميركية، والتحرك من خلال خريطة طريق موحّدة، خصوصاً أن «لا خلاف حقيقةً» بينهما في الهدف، بل فقط في «التدرج» الزمني.

وترى باريس أن انتظار انتهاء الأعمال العسكرية الإسرائيلية في غزة للبدء بمعالجة ملف التصعيد بين إسرائيل وحزب الله «أمر بالغ الخطورة»، بسبب التدهور الخطير للوضع الميداني، والخوف من خروجه عن السيطرة، بحيث لن يبقى «موضعياً»، ويمكن أن يفتح الباب لحرب «مفتوحة» قد تتحول إلى إقليمية.

ويرى الطرفان أن محدّدات الحل «معروفة»، وأساسها التوصل إلى آليات تنفيذية لفقراته، وحصر الانتشار المسلّح في جنوب لبنان بالجيش اللبناني وقوات اليونيفيل الأممية. وترى باريس وواشنطن في القوة الدولية «عنصراً أساسياً في الحلّ (المطلوب)، ويجب الحفاظ على أمنها وحرية عملها».

ويشير المصدر المذكور، في تفسير مسارعة باريس وواشنطن إلى تنسيق المواقف، اليوم، إلى التهديدات المتتالية الصادرة عن إيران باستعدادها للتدخل المباشر في حال مهاجمة إسرائيل لـ«حزب الله»، فضلاً عن مشاركة المنظمات المؤتمرة بأوامرها، سواء في العراق أو اليمن أو حتى سوريا.

وتجدر الإشارة إلى أن وصول هوكستين إلى باريس جاء بعد وقت قصير من الاتصال الذي جرى بين الرئيس ماكرون ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، حيث أعرب ماكرون مجدداً، وفق البيان الصادر عن الإليزيه، عن «قلقه البالغ إزاء تصاعد التوترات بين (حزب الله) وإسرائيل على طول الخط الأزرق، وشدّد على أن الأهمية المطلقة لمنع اشتعالٍ للوضع من شأنه أن يُلحق ضرراً بمصالح كلّ من لبنان وإسرائيل، وأن يشكّل تطوراً خطراً بشكل خاص على الاستقرار الإقليمي».

كذلك، شدّد الرئيس الفرنسي على «الحاجة الملحّة لجميع الأطراف للمُضي قدماً وبسرعة نحو حلّ دبلوماسي، وذكّر بضرورة التحلّي بأكبر قدر من ضبط النفس». وتناول ماكرون ونتنياهو الجهود الدبلوماسية الجارية لخفض التصعيد.

وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إلى جانب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في لقاء سابق (رويترز)

نجاعة الوساطة المشتركة الأميركية ــ الفرنسية

أن يجد ماكرون الوقت الكافي للاتصال بنتنياهو، وإبداء الحرص على إبراز مخاوف بلاده من حرب واسعة ستكون بمثابة كارثة على لبنان، يعكس، حقيقةً، خطورة الوضع. وليست رسالة باريس وحيدة؛ إذ إن الأيام القليلة الماضية حفلت بالتحذيرات الدولية، ومنها تحذير صدر الأسبوع الماضي عن وزارة الخارجية الفرنسية، كما أن دولاً عديدة إما رحّلت رعاياها من لبنان، أو طلبت منهم عدم التوجه إليه.

ليس سراً أن واشنطن دأبت على تحذير إسرائيل من مهاجمة لبنان، وهمّها الأول، وفق المصدر المشار إليه، «تجنّب اندلاع حرب إقليمية قد تجد نفسها مُساقة إليها للدفاع عن إسرائيل كما وعدت»، بحيث يتعين عليها التعامل مع حربين في وقت واحد، وذلك قبل أشهر قليلة على الاستحقاق الرئاسي في الولايات المتحدة.

ورغم الضغوط التي تمارسها واشنطن على السلطات الإسرائيلية، فإن باريس تعي أن الأشهر المنقضية على حرب غزة «بيّنت أن نتنياهو لا يأخذ كثيراً بعين الاعتبار النصائح الأميركية، بفضل الدعم الذي يتلقّاه من قادة الحزب الجمهوري من جهة، ومن تحوّل الرأي العام الإسرائيلي لدعم الحرب على لبنان».

وفي المقام الثالث، يضغط اليمين الديني الإسرائيلي المتطرف على نتنياهو لإطلاق حملة عسكرية على لبنان، وهو حريص على دعمه السياسي للبقاء في منصبه ومنع سقوط حكومته.

حتى اليوم، يقوم الموقف الرسمي الإسرائيلي على القول إن إسرائيل تريد الهدوء على حدودها الشمالية، وهي تريد تحقيق هذا الهدف، إما عن طريق الدبلوماسية والمفاوضات، وللولايات المتحدة وفرنسا الدور الأكبر، وإما عن طريق القوة العسكرية. والأربعاء، قال وزير الدفاع يوآف غالانت، العائد مؤخراً من زيارة إلى واشنطن، في تصريح مكتوب صدر عن مكتبه: «نحن نضرب حزب الله بقوة كل يوم، وسنصل أيضاً إلى حالة من الاستعداد الكامل للقيام بأي عمل مطلوب في لبنان، أو التوصل إلى ترتيب من موقع قوة. نحن نفضّل التوصل إلى تسوية، ولكن إذا فرض علينا الواقع سنعرف كيف نقاتل».

ويُفهم من كلام الأخير أن إسرائيل لم تصل بعد إلى مرحلة الجهوزية العسكرية، فضلاً عن أن حربها في غزة ما زالت قائمة، رغم دخولها «المرحلة الثالثة»، ولذا، فإن السؤال المطروح هو: هل ستنجح الوساطة الأميركية ــ الفرنسية في استغلال الفترة الفاصلة لتفكيك لغم الحرب الشاملة؟ أم أن الأمور سائرة إلى التصعيد مع وجود وساطة أو بدونها؟