تهديدات بن غفير وسموتريتش وراء تراجع نتنياهو في «مفاوضات الصفقة»

يرفضان وقف النار والهدنة الطويلة وإعادة الفلسطينيين المهجرين من شمال غزة

دبابة إسرائيلية على الحدود مع قطاع غزة اليوم الأربعاء (رويترز)
دبابة إسرائيلية على الحدود مع قطاع غزة اليوم الأربعاء (رويترز)
TT

تهديدات بن غفير وسموتريتش وراء تراجع نتنياهو في «مفاوضات الصفقة»

دبابة إسرائيلية على الحدود مع قطاع غزة اليوم الأربعاء (رويترز)
دبابة إسرائيلية على الحدود مع قطاع غزة اليوم الأربعاء (رويترز)

كشفت مصادر سياسية في تل أبيب أن تهديدات الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش هي التي أدت إلى تراجع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، عن استئناف المفاوضات مع «حماس» حول صفقة تبادل أسرى. وأكدت أن هذا التراجع يغيظ حتى الإدارة الأميركية التي تشارك في الوساطة بهذه المفاوضات.

وأوضحت المصادر أن نتنياهو كان قد أبدى موافقته على المضي قدماً في المفاوضات، بل وافق على عدة عناصر في المبادرة المصرية لصفقة التبادل والتعديلات التي تمت عليها. وأوحى بأنه جاد فيها. وطرح مبادرة من جهته تظهر توجهاً إيجابياً ينسجم معها. وتفاخر نتنياهو بهذه المبادرة أمام مجموعة من عائلات الأسرى الإسرائيليين الذين التقاهم، مساء الاثنين.

ولكنه بشكل مفاجئ تراجع، الثلاثاء. وحسب مقربين منه، جاء تراجعه بعد الضربة القاسية التي تلقاها جيشه في مخيم المغازي في قطاع غزة، التي قتل فيها 21 ضابطاً وجندياً.

بن غفير (الثاني من اليمين) خلال اجتماع للحكومة في قاعدة عسكرية بتل أبيب يوم 31 ديسمبر الماضي (رويترز)

لكن هذه المصادر رأت أن التراجع ناجم عن شؤون حزبية داخلية تتعلق بحزبي الصهيونية الدينية. فقد هدد بن غفير وسموتريتش بتفكيك الائتلاف الحكومي في حال موافقة إسرائيل على وقف إطلاق النار أو حتى هدنة طويلة المدى، أو على إطلاق سراح أسرى فلسطينيين بكميات كبيرة، أو في حال السماح بعودة الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم من شمال القطاع إلى جنوبه.

وبناء عليه، نفت مصادر مقربة من نتنياهو، اليوم الأربعاء، الأخبار التي نشرتها «رويترز» وتحدثت عن تقدم في مفاوضات تبادل الأسرى مع حركة «حماس»، ووقف مؤقت لإطلاق النار.

ونقلت القناة «12» الإسرائيلية عن مصدر سياسي إسرائيلي قوله إن «الأخبار المنشورة غير صحيحة، على العكس تماماً. هناك تشدد في المواقف. (حماس) تتسلق عالياً على الشجرة، وهذا لا يعني أنه لا يمكن تحقيق انفراج قريباً». وقال مصدر إسرائيلي مطلع على المحادثات للقناة «13» الإسرائيلية إن «التقارير التي تتحدث عن تقدم في المحادثات وتحقيق انفراج غير صحيحة، لا يوجد أي تقدم. ومما نفهمه أن هناك تصلباً في المواقف على الجانب الآخر، حيث يستمر الحديث مع الوسطاء».

نتنياهو وسموتريتش خلال اجتماع حكومي في مقر وزارة الدفاع بتل أبيب يوم 7 يناير (إ.ب.أ)

لكن وكالة «رويترز» ذكرت، بالاستناد إلى مصادر أميركية، أن إسرائيل و«حماس» وافقتا من حيث المبدأ على إمكانية إجراء صفقة تبادل على مراحل، يتم خلالها تبادل المختطفين الإسرائيليين لدى «حماس» بأسرى فلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وذلك خلال هدنة تستمر شهراً قابلاً للتمديد.

وقالت المصادر إن «هناك صعوبة في تجاوز الخطوط العريضة للإطار المعروض بعد خلاف بشأن استمرار الحرب في نهاية الصفقة». لكن المفاوضات، بحسب المصادر، حققت بالفعل تقدماً وقلصت الخلافات بشأن مدة ما وصف بـ«وقف إطلاق النار المبدئي»، الذي طالبت «حماس» في البداية بأن يستمر لعدة أشهر.

دمار واسع في قطاع غزة (أ.ف.ب)

ونقلت «رويترز» عن مسؤولين أمنيين مصريين قولهما إن «هناك محاولات لإقناع (حماس) بالموافقة على وقف لإطلاق النار لمدة شهر، يتبعه وقف دائم لإطلاق النار، لكن الحركة تطالب بضمانات لتنفيذ المرحلة الثانية من الصفقة». وقال مسؤول كبير في «حماس» لـ«رويترز» إن «أحد المقترحات التي قدمتها إسرائيل هو إنهاء الحرب من خلال إبعاد ستة من كبار مسؤولي (حماس) من القطاع مما يعني نفيهم من هناك، لقد تم رفض هذا الاقتراح بشكل قاطع».

وركزت جهود الوساطة المكثفة، التي قادتها قطر وواشنطن ومصر في الأسابيع القليلة الماضية، على نهج تدريجي لإطلاق سراح فئات مختلفة من المختطفين الإسرائيليين، بدءاً من المدنيين وانتهاء بالجنود، مقابل وقف الأعمال القتالية والإفراج عن أسرى فلسطينيين وإدخال المزيد من المساعدات إلى غزة.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارته جنوداً في مركز تدريب بمنطقة كورازيم يوم الثلاثاء (مركز الإعلام الحكومي الإسرائيلي - د.ب.أ)

من جهة ثانية، رأى محللون في الصحف الإسرائيلية اليوم (الأربعاء)، أن مقتل 24 جندياً وضابطاً في قطاع غزة بينهم 21 في مكان واحد، يوم الاثنين، من شأنه أن يدفع الجمهور في إسرائيل إلى إجراء حسابات بشأن الحرب على غزة والاحتجاج ضد الحكومة. واعتبر المحلل السياسي في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، أن «الأمر المقرر في الحروب التي تخوضها دول ديمقراطية ليس عدد القتلى في صفوف العدو وإنما عدد القتلى في صفوف قواتنا. ومن وجهة نظر معينة، بدأ الجمهور بإجراء حسابات الثمن مقابل الإنجازات، والتكلفة مقابل الفائدة. ولا أعتقد أن عدد الجنود القتلى، يوم الاثنين، سيغير شيئاً في تأييد الشارع الإسرائيلي للحرب، لكن بنظرة إلى المستقبل ستكون أهمية للثمن».

ونقل بارنياع رواية عن عضو كابينت الحرب، غادي آيزنكوت، أنه عندما كان سكرتيراً عسكرياً لرئيس الحكومة الأسبق، آرييل شارون، في بداية الانتفاضة الثانية، شن الجيش الإسرائيلي عملية «السور الواقي» العسكرية واجتاح خلالها الضفة الغربية، في عام 2002، فقال: «كان هناك هدفان لهذه العملية العسكرية. القضاء على الإرهاب وعلى السلطة الفلسطينية.

واليوم، بعد 22 عاماً على هذه العملية العسكرية، يوجد إرهاب في يهودا والسامرة (أي الضفة الغربية)، كما أن السلطة الفلسطينية لا تزال موجودة». وقصد بذلك أن الأهداف التي وضعتها الحكومة للحرب الحالية على غزة غير قابلة للتحقيق، وأن هناك حاجة لتغيير الموقف الإسرائيلي. ورأى برنياع أن «الاستنتاج واضح: لا توجد انتصارات مطلقة في جولات الحروب في الحلبة الفلسطينية. وما تعلمناه في حروبنا هو أن الذي يتطلع إلى تحقيق أمور أكثر مما هو قادر على إحرازها في ميدان القتال، ستحل عليه كارثة».

جانب من احتجاج في تل أبيب، الأربعاء، للمطالبة بالإفراج عن أسرى ورهائن لدى حركة «حماس» في غزة (أ.ب)

ولفت إلى أن الوضع في إسرائيل كان مشابهاً خلال احتلال جنوب لبنان. وأضاف: «طالما أن عدد الجنود القتلى لم يتجاوز بضع عشرات في السنة، كان وجود الجيش الإسرائيلي في لبنان يحظى بتأييد شعبي واسع. وكارثة المروحيات (مقتل حوالي 72 جندياً باصطدام مروحيتين) في فبراير (شباط) 1997، قلبت الوضع رأساً على عقب. فتصاعدت الاحتجاجات، واضطر المرشحان لرئاسة الحكومة، إيهود باراك وبنيامين نتنياهو، إلى التعهد بالانسحاب إلى حدود خط وقف إطلاق النار». وأضاف برنياع أن «الأمر الذي ينبغي أن يقلقنا في هذه المرحلة من تبادل الضربات، في غزة وكذلك عند الحدود اللبنانية، هو الفجوة الآخذة بالاتساع بين مفهوم المستوى السياسي ومفهوم المستوى العسكري، والتوقعات لدى الجمهور، والإدراك الأميركي والواقع على الأرض».

ووفق المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، فإن «الخسائر الكثيرة بالجنود، إلى جانب الشعور بأن صفقة أخرى لتحرير المخطوفين تتأخر بشكل من شأنه أن يؤدي إلى وفاة مخطوفين آخرين، يرجّح أن الخلافات العامة الداخلية ستزداد حول استمرار الحرب ضد (حماس)». وأضاف أن «ادعاء اليمين، الذي يكرره نتنياهو، هو أن الطريقة الوحيدة للتقدم نحو صفقة تتعلق باستمرار الضربات ضد العدو. وإذا استمر الجيش الإسرائيلي بتوجيه الضربات إليها بشدة، سنصل أخيراً إلى نقطة الانكسار، التي ربما تجلب معها صفقة أسرى بشروط أقل صعوبة».

وتابع هرئيل أنه «من الجهة الأخرى، يتزايد القلق في اليسار على حياة المخطوفين ومعه الشعور بالإلحاح، لأنه من دون تحريرهم بسرعة، سيموت معظمهم في الأسر أو سيختفون. ونسمع الآن عن موت عدد من المخطوفين أسبوعياً. وأعلن الجيش الإسرائيلي عن موت 30 من بين 136 مواطناً وجندياً محتجزين لدى (حماس). والعدد الحقيقي للقتلى قد يكون أعلى».

وتوقع أن «مقتل عدد كبير من الجنود في يوم واحد، ومعظمهم من عناصر الاحتياط وبينهم آباء كثيرون لأطفال، سيؤثر سلباً على المزاج القومي. وفي المدى البعيد، يتعين علينا أن نرى إذا لم تكن هنا نتيجة كتلك التي كانت أثناء القتال في لبنان، بأن يتم تحويل الرأي العام إلى حلول بديلة، بدلاً من استمرار الحرب بأي ثمن».


مقالات ذات صلة

نتنياهو يتحدث هاتفياً مع بايدن وهاريس

شؤون إقليمية نتنياهو وبايدن في تل أبيب أكتوبر الماضي (أرشيفية - رويترز)

نتنياهو يتحدث هاتفياً مع بايدن وهاريس

أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم (الأربعاء)، اتصالاً هاتفياً بالرئيس الأميركي جو بايدن.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني (رويترز)

الحكومة العراقية ترفض «الإساءة الإسرائيلية» إلى السيستاني

قالت الحكومة العراقية، الأربعاء، إنها ترفض بشدة الإساءة إلى المرجع الديني علي السيستاني.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت خلال مؤتمر صحافي في قاعدة كيريا العسكرية في تل أبيب (رويترز)

غالانت: نتنياهو وافق على رحلتي إلى أميركا... ثم ألغاها

بعد أن أرجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو زيارة مهمة إلى واشنطن لوزير الدفاع غالانت، أصدر مكتب غالانت بياناً يؤكد أن نتنياهو وافق على الزيارة قبل تأجيلها.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن (يسار) ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت (وزارة الدفاع الأميركية)

تقرير: إلغاء زيارة وزير دفاع إسرائيل لأميركا يعكس الخلافات بين البلدين قبل الرد على إيران

سلطت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية الضوء على إلغاء الحكومة الإسرائيلية بشكل مفاجئ الزيارة المقررة من قبل أعلى مسؤول دفاعي في إسرائيل وهو وزير الدفاع يوآف غالانت

«الشرق الأوسط» ( واشنطن)
المشرق العربي الرئيس الأميركي جو بايدن يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمناقشة الصراع المستمر بين إسرائيل و«حماس»... الصورة في تل أبيب 18 أكتوبر 2023 (رويترز)

كتاب: بايدن وصف نتنياهو بأنه «كاذب لا يهمّه سوى صموده السياسي»

أوردت وسائل إعلام أميركية مقتطفات من كتاب يصدره قريباً الصحافي بوب وودوارد وينقل فيه عن الرئيس جو بايدن وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بأنه «كاذب»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

منسق الأمم المتحدة لدى لبنان لـ«الشرق الأوسط»: الوضع الإنساني «كارثي»

المنسق المقيم للأمم المتحدة منسق الشؤون الإنسانية لدى لبنان عمران ريزا (الشرق الأوسط)
المنسق المقيم للأمم المتحدة منسق الشؤون الإنسانية لدى لبنان عمران ريزا (الشرق الأوسط)
TT

منسق الأمم المتحدة لدى لبنان لـ«الشرق الأوسط»: الوضع الإنساني «كارثي»

المنسق المقيم للأمم المتحدة منسق الشؤون الإنسانية لدى لبنان عمران ريزا (الشرق الأوسط)
المنسق المقيم للأمم المتحدة منسق الشؤون الإنسانية لدى لبنان عمران ريزا (الشرق الأوسط)

حذر المنسق المقيم للأمم المتحدة منسق الشؤون الإنسانية لدى لبنان، عمران ريزا، بأنه «إذا استمرت الحرب لمدة أطول، فسيتفاقم الوضع الكارثي أكثر، وستزداد الأمور سوءاً على الجميع»، مشدداً على الحاجة إلى «وقفٍ عاجل لإطلاق النار»، في ظل تفاقم الوضع الإنساني والضغط الإنساني الهائل على مؤسسات الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية للتعامل مع أزمة النازحين الطارئة بفعل التصعيد العسكري، والتي دفعت بأكثر من مليون شخص إلى النزوح من أماكن سكناهم. وإذ أشار إلى أن الحاجات هائلة تفوق 400 مليون دولار، فقد أعلن أن 12 في المائة من الاحتياجات أُمّنت عبر المانحين، وأن الأمم المتحدة تنتظر المزيد لتلبية الاحتياجات.

الوضع كارثي

ويصف ريزا، في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، الوضع الإنساني في الأسبوعين الأخيرين، منذ 23 سبتمبر (أيلول) الماضي، بـ«الكارثي»، بعد تراكم الأزمة منذ نحو عام. ويقول: «هي كارثة بالنسبة إلى المدنيين. لدينا الآن أكثر من ستمائة ألف نازح، وأكثر من مليون متضرر، ولدينا 300 ألف شخص عبروا الحدود»، علماً بأن كثيراً من هؤلاء الأشخاص «لم ينزحوا مرة واحدة فقط، بل انتقلوا إلى أكثر من مكان بحثاً عن الأمان». ويؤكد أن هذه الحرب التي دخلت تصعيداً كبيراً منذ 23 سبتمبر الماضي، «هي أزمة تضرب المدنيين بشدة في لبنان»؛ ذلك «أننا نتحدث عن أكثر من مليون متضرر؛ أي نحو ربع سكان لبنان».

وقال إن الأمم المتحدة قد تحركت للتعامل مع هذه الأزمة، ويشير ريزا إلى «أننا نحاول تلبية جميع احتياجات هؤلاء الناس، ولكن من أجل القيام بذلك؛ فإننا نحتاج إلى الموارد»، لافتاً إلى أنه على مدار العام الماضي «كنا نقول باستمرار إننا لا نملك أموالاً كافية، وذلك عندما كان هناك 110 آلاف نازح» فقط.

وأطلقت الأمم المتحدة في الأسبوع الماضي نداءً إنسانياً عاجلاً لجمع 426 مليون دولار من المانحين لتغطية الاحتياجات الإنسانية. ويشير ريزا إلى أنه «جرى توفير 12 في المائة بالفعل من الحاجات حتى الآن، ونتوقع المزيد من المانحين»، لافتاً إلى أن دولاً مانحة قدمت وعوداً بدعم إضافي. ويقول: «إننا ممتنون جداً لجميع المساهمات الدولية، ولمساهمة دول مجلس التعاون الخليجي التي ساعدت في توفير الإمدادات الصحية والإغاثية العاجلة»، مضيفاً: «إننا نتطلع إلى مزيد من المساهمات، ونتوقعها».

ريزا في مكتبه يستعرض الاحتياجات الإنسانية للنازحين جراء الحرب الأخيرة على لبنان (الشرق الأوسط)

تنسيق مع الحكومة

وتنسق الأمم المتحدة وممثلو منظماتها لدى لبنان مع الحكومة اللبنانية بشكل يومي، ضمن استراتيجيات لتوفير الاحتياجات؛ من مأوى، وغذاء، ومتطلبات صحية، ومياه، وذلك للتأكد من أنها تستجيب بشكل صحيح لاحتياجات الناس.

ويقول ريزا إن «تفاعلنا الآن مع الحكومة بشأن هذه الاستجابة ممتاز»، من غير أن ينفي ضعف مقدرات الحكومة بعد نحو 5 سنوات من الأزمات المتلاحقة، في وقت يعاني فيه السكان من المعضلة نفسها جراء الأزمات المالية والمعيشية والاقتصادية التي ضربت لبنان بدءاً من 2019. ويضيف: «بات الناس أقل قدرة مما كانوا عليها في حرب 2006، كما أن الحكومة ضعيفة، كذلك المؤسسات والبلديات». لذلك؛ «نحاول مساعدة الحكومة على الاستجابة، والتأكد من أنها شفافة وخاضعة للمساءلة»، كما «نعمل على التأكد من أن التمويل المقبل يجب أن يسلك طريقه إلى المحتاجين بطريقة شفافة ونزيهة».

وتتعاون الأمم المتحدة مع كثير من الشركاء الذين باتوا يمتلكون خبرات بعد الأزمات التي عانى منها لبنان على مدار السنوات الأخيرة، وهي نقطة مساعِدة بما يتخطى الواقع في عام 2006، على ضوء وجود منظمات غير حكومية محلية ومنظمات دولية تعمل في لبنان، كما تضمن السلوكيات في مراكز الإيواء لمنع الانتهاكات.

عمران ريزا يتحدث لـ«الشرق الأوسط» بمكتبه في بيروت (الشرق الأوسط)

وضع مختلف عن 2006

وإلى جانب قدرات الناس والحكومة، تنسحب الآن المتغيرات عما كانت عليه في 2006، على الوضع السياسي، فالحكومة هي حكومة تصريف أعمال، ويعاني البلد من شغور رئاسي، فضلاً عن أن حضور بعض الدول في لبنان خلال ذلك الوقت كان أكبر. يقول ريزا: «الآن ليس في لبنان الحضور نفسه. لذا؛ فقد كان الوضع مختلفاً تماماً، فضلاً عن أن الحرب في 2006 استمرت 33 يوماً فقط، بينما الآن مر عام كامل»، لافتاً إلى أسئلة ناس التقاهم في الجنوب، خلال زيارات متكررة إلى المناطق الحدودية، عن التقديرات لانتهاء الحرب، قبل أن «يصبح الوضع أسوأ بكثير خلال الأسبوعين الأخيرين».

ويوضح ريزا أنه «في الأسبوع الأول، كان من الصعب للغاية معالجة الأمر، وحتى الآن، لا يزال هناك نازحون في الشوارع دون مأوى»، قائلاً: «إننا نعمل مع الحكومة للتأكد من أننا نوفر المأوى للجميع، وأننا قادرون على توفير الطعام والرعاية الصحية... وما إلى ذلك. لكن الأمر ليس سهلاً».

أزمة النازحين على الطرقات

ويأمل منسق الأمم المتحدة لدى لبنان أن «نتمكن في الأيام المقبلة من إيواء الناس بشكل مناسب»، مع اقتراب موسم الشتاء؛ حيث «لا يمكننا ترك الناس دون مأوى». ويشكل نقص الملاجئ وإمدادات المياه والصرف الصحي، والقلق من تفشي الأوبئة، هاجساً له، رغم التعاون الوثيق مع المؤسسات الأممية والدولية والشركاء. يقول: «كثير من الوكالات يستجيب».

وينفي ريزا التمييز بين النازحين واللاجئين الفلسطينيين والسوريين والأجانب، يقول: «يوجد كثير من اللبنانيين والسوريين في مدارس (أونروا) المحمية الآن». ويشير إلى مباحثات مع الحكومة حول الأماكن التي يمكن مساعدة السوريين على اللجوء إليها، لافتاً إلى أنهم تلقوا رداً إيجابياً من الحكومة.

وإذ يعرب عن قلقه بشأن ما سيحدث للعام الدراسي وتعليم الأطفال، يقول «إننا نتطلع أيضاً إلى مناطق أخرى؛ ليس فقط من أجل ألا يكون الناس في ملاجئ جماعية، بل أيضاً ليكون بإمكانهم العيش في منازل أو شقق»، مضيفاً: «لذلك؛ فنحن ننظر في جميع الخيارات».

نازحون داخلياً في وسط بيروت يفترشون الطرقات (أ.ف.ب)

حرب طويلة الأمد

ولا تنظر الأمم المتحدة إلى الحلول المتوقعة للأزمة في الجانبين الإنساني والعسكري، ويشدد ريزا على أن «الحل سياسي دبلوماسي»، لكن حتى يمكن الوصول إليه «فإننا نحتاج إلى وقف لإطلاق النار». ويضيف: «نحن لا نرى ما يدعو إلى التفاؤل حتى الآن، لكن ما نحن متفائلون به هو الاستجابة التي نحصل عليها من شركائنا لنكون قادرين على مساعدة النازحين والقيام بالمهام حيالهم»، مشيراً إلى إجلاء نحو ألف شخص في قافلة من عين إبل الأسبوع الماضي، وتوزيع مساعدات في صور يوم الأحد الماضي، وشدد على «أننا نحاول التأكد من أن الناس يمكنهم الوصول إلينا ويمكننا الوصول إليهم».

ويناشد ريزا «جميع الأطراف بأن عليهم احترام القوانين الدولية والقوانين الإنسانية، وأن يمنحونا إمكانية الوصول الآمن، وأن نتمكن من الذهاب ومساعدة الناس»، لافتاً إلى «كثير من الانتهاكات، مثل مقتل رجال إطفاء وعاملين في القطاع الصحي والدفاع المدني وموظفين بالأمم المتحدة»، ويضيف: «التكلفة على البنية الأساسية الإنسانية والمدنية والصحية آخذة في الارتفاع».