«معضلة القرار 1701»... مزارع شبعا بين الخرائط والرصاص

قائد «اليونيفيل» الجنرال أرولدو لازارو يزور عدة مواقع لقواته بالقرب من الخط الأزرق نهاية ديسمبر 2023 (قناة اليونيفيل على تلغرام)
قائد «اليونيفيل» الجنرال أرولدو لازارو يزور عدة مواقع لقواته بالقرب من الخط الأزرق نهاية ديسمبر 2023 (قناة اليونيفيل على تلغرام)
TT

«معضلة القرار 1701»... مزارع شبعا بين الخرائط والرصاص

قائد «اليونيفيل» الجنرال أرولدو لازارو يزور عدة مواقع لقواته بالقرب من الخط الأزرق نهاية ديسمبر 2023 (قناة اليونيفيل على تلغرام)
قائد «اليونيفيل» الجنرال أرولدو لازارو يزور عدة مواقع لقواته بالقرب من الخط الأزرق نهاية ديسمبر 2023 (قناة اليونيفيل على تلغرام)

عاد القرار الدولي 1701 للواجهة مجدداً مع بداية المناوشات بين إسرائيل وجماعة «حزب الله» في جنوب لبنان في الثامن من أكتوبر الماضي، على خلفية حرب غزة، ليكون أحد المنطلقات التي تسعى من خلالها الإدارة الأميركية إلى إعادة ضبط الأوضاع الأمنية، وإمكانية فتح الباب لتسوية الخلافات الحدودية.

ومع عودة القرار للواجهة، عاد من جديد أيضاً الحديث حول إثبات هوية مزارع شبعا، التي بقيت تحت سيطرة إسرائيل بعد انسحابها من جنوب لبنان عام 2000، كون الجانب الإسرائيلي يعدّها أرضا سورية تخضع للقرار الدولي 242، بينما يطالب بها لبنان ضمن سيادته، ويقول إن على إسرائيل الانسحاب منها تطبيقاً للقرار الدولي 425.

وكان القرار 1701 قد صدر في أغسطس (آب) 2006 بعد حرب يوليو (تموز) التي اندلعت في ذلك العام، حيث دعا إلى وقف كامل للعمليات القتالية في لبنان وأنهى حرباً بين إسرائيل وجماعة «حزب الله» اللبنانية استمرت 33 يوماً.

وقال رالف معتوق، أستاذ القانون الدولي، في حديث لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «الإسرائيلي يعدّها أرضا سورية بناء على ما تم الاتفاق عليه سنة 1974 ضمن ما عُرف باتفاق فك الاشتباك وخضوعها لقوات الأمم المتحدة لمراقبة فك الاشتباك».

قائد «اليونيفيل» الجنرال أرولدو لازارو يزور عدة مواقع لقواته بالقرب من الخط الأزرق نهاية ديسمبر 2023 (قناة اليونيفيل على تلغرام)

وأضاف: «في عام 1978، صدر القرار 425 إثر الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان، والذي نص على تشكيل قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) وانتشارها في المناطق التي دخلتها إسرائيل، فانتشرت القوات في المناطق اللبنانية دون وصولها إلى مزارع شبعا، لمنع تداخل عمل القوّتين الدوليّتين (اليونيفيل وقوات فكّ الاشتباك)».

وتابع: «على هذا المعطى، اعتبرت الأمم المتحدة أن إسرائيل انسحبت في مايو (أيار) 2000 من كامل الأراضي اللبنانية، دون ذكر لمزارع شبعا؛ كونها تعدّها أرضاً سورية، مع إشارتهم إلى أنهم بحاجة إلى اتفاقية ثنائية بين دمشق وبيروت تُثبت لبنانيتها... بعد صدور القرار 1701، طالب الأمين العام للأمم المتحدة بإعادة متابعة مسألة ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، وحلّ مسألة مزارع شبعا».

وأشار معتوق إلى أنه في عام 2008 تقدّمت الحكومة اللبنانية بمقترح لوضع مزارع شبعا تحت إشراف الأمم المتحدة، على أن تُحسم هذه المسألة لاحقاً عبر ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا.

إثبات الهوية

ويرى معتوق أن هناك «إثباتات قانونية ومواقف سياسية تؤكد لبنانية مزارع شبعا»، حيث يشير إلى وجود بعض الوثائق اللبنانية التي ورد فيها ذكر المزارع البالغ عددها 13 مزرعة، قائلاً إن «الدولة اللبنانية فرضت سلطتها على المزارع من خلال الأحكام القضائية والإدارية، مثل تبعية المزارع لمنطقة حاصبيا اللبنانية، وليس محافظة القنيطرة السورية».

كما يعدّ معتوق أن هناك تصريحات سياسية من مسؤولين في الدولة السورية تؤكد لبنانية المزارع، مستنداً إلى ما قال إنه حديث للأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، ذكر فيه أن وزير الخارجية السوري الأسبق فاروق الشرع أبلغه خلال اتصال هاتفي في مايو 2000، بأن الدولة السورية «تؤيد المطالبة اللبنانية بمزارع شبعا».

وأضاف: «في العام نفسه، أعلن الرئيس السوري بشّار الأسد أنها أراض لبنانية، ومن حق الشعب اللبناني استعادتها من الاحتلال». ويرى معتوق أنه «في القانون الدولي، يكفي التصريح والإقرار العلني ليشكّل إلزاماً لصاحب هذا الإعلان؛ فحين تُعلن الدولة السورية بأعلى قيادتها هوية المزارع، فهي تكون ملزمة قانونياً بها».

واعتبر أن إعادة تقديم مقترح بوضع مزارع شبعا تحت وصاية قوات «اليونيفيل»، «لا تشكّل انتقاصاً في السيادة اللبنانية، وإنما سيكون مدخلاً للمستقبل في إعادة السيادة عليها كاملة؛ فبمجرد دخول القوات الدولية والانسحاب الإسرائيلي، نكون أمام إقرار بشرعيتها اللبنانية... وفيما يتعلق بدور الجيش اللبناني يكون عبر التنسيق مع (اليونيفيل)».

وأوضح: «في حال تقرر الانسحاب من مزارع شبعا، فسيكون صادراً تحت الفصل السادس من مجلس الأمن، فهو غير ملزم للإسرائيلي، وهذا يشبه تماماً مرحلة الانسحاب عام 2000، حيث لم يخضع للقرار الدولي إلا بعد عمليات (حزب الله) وتلاقي مصالح بعض الدول لإنهاء هذه المسألة».

عناصر «حزب الله» في جنوب لبنان (لقطة من فيديو نشره حزب الله)

وتابع: «قد نكون في مرحلة مشابهة؛ الإسرائيلي لن ينسحب إلا عبر الضغط الدولي مترافقاً مع عمليات المقاومة».

ذريعة إسرائيلية

وتُطالب قوى لبنانية ودولية بترسيم الحدود بين سوريا ولبنان لتكون إثباتاً لهوية مزارع شبعا؛ لكن معتوق يرى أن ترسيم الحدود بين البلدين «غير ممكن في ظل الاحتلال الإسرائيلي للمزارع، ولا يمكن أن يتم وفق رغبة الأمم المتحدة؛ لأنها في سنة 2000 حين رسمت خط الانسحاب اقتطعت جزءاً من أراضينا».

وقال إن «التذرّع بخريطة تقنية رسمها الجيش اللبناني سنة 1962، والتي لا تتضمن المزارع، ولا يمكن الاستناد إليها كونها خريطة تقنية وليست سياسية، فهي غير موقعة من الطرفين اللبناني والسوري».

وشدد على أن الجانب اللبناني مطالَب «أكثر من أي فترة سابقة بإبراز الوثائق والمستندات التي تثبت لبنانية المزارع، حتى يتم الانسحاب الإسرائيلي منها في ظل حركة دولية ترغب في أن يكون القرار 1701 مدخلاً لحل مسألة الحدود».

ويرى العميد المتقاعد في الجيش اللبناني طارق حرفوش أن هدف إسرائيل من وراء تمسكها بمزارع شبعا وتلال كفر شوبا «هو إبقاء سيطرتها على المزارع كونها المنفذ الأخير لها ضمن الأراضي اللبنانية».

وقال حرفوش، في حديث لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «في النتائج السياسية، سمعنا تصريح رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي يطالب فيه بالانسحاب إلى حدود الهدنة سنة 1949؛ فإن تم الأمر بانسحاب إسرائيل، فهذا يعني عدم وجود ما يُلزم لبنان بالدخول في مفاوضات للاعتراف بإسرائيل، كون هذه الاتفاقية موقّعة منذ عقود».

تسليح الجيش اللبناني

ويطالب القرار 1701 أيضاً بانتشار الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني وصولاً إلى الحدود الجنوبية وإخلاء المنطقة من السلاح، والمقصود به سلاح «حزب الله».

قائد «اليونيفيل» الجنرال أرولدو لازارو يزور عدة مواقع لقواته بالقرب من الخط الأزرق نهاية ديسمبر 2023 (قناة اليونيفيل على تلغرام)

وقال حرفوش: «منذ عام 2006، كان هناك تنسيق بين الجيش والحزب من ناحية عدم الاصطدام بينهما، فشكّلا معا تكاملاً في العمل العسكري، إضافة إلى التواصل المستمر بين الجيش و(اليونيفيل)... كل حديث عن عدم انتشار الجيش هو كلام غير دقيق، لأن وحداته (الجيش) موجودة في الجنوب».

وأضاف: «المرحلة الدقيقة لن تكون فقط بالانسحاب الإسرائيلي من النقاط 13 المتحفظ عليها ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا، إنما في الحركة السياسية الداخلية حول سلاح (حزب الله)، فهناك قسم من اللبنانيين يعتبرون أنه بمجرد الانسحاب لن يبقى لسلاح (حزب الله) وظيفة».

وتابع: «(حزب الله) لديه قراءة مختلفة؛ فما هي الضمانات بعدم قيام الإسرائيلي بخروقات مجدداً وعدم احتلاله الأراضي في المستقبل؟ وهل ما يملكه الجيش اللبناني من سلاح يُمَكّنه من الدفاع في مواجهة القدرات العسكرية الإسرائيلية؟».

جنود من الجيش اللبناني يقفون أمام بنك في بيروت (أ.ب)

وقال: «الأصل هو تسلم الجيش أمن الدفاع عن البلاد؛ لكنه بحاجة إلى زيادة في تسليحه. فمثلاً، يُقدّر عدد الصواريخ الموجودة في مخازنه بنحو خمسة آلاف صاروخ، وما يُقدّم له من هبات دولية مثل الخوذ والرصاص والسيارات العسكرية، لا يمكن وضعه تحت تصنيف صفقات التسليح الكبرى».

وأشار إلى أن «ميزانية وزارة الدفاع ضمن الموازنة تقدر بنحو أربعة في المائة، وإذا أردنا التوجّه إلى دعم الجيش، فيجب أن تكون نحو 20 في المائة».

ويرى حرفوش أن على «حزب الله» «أن يكون واضحاً في مسألة السلاح؛ فلا يمكن أن يبقى إلى الأبد معه». ورأى أن «المطلوب وضع سياسة عسكرية من قبل الدولة اللبنانية من خلال تسليح الجيش بصفقات تتضمن طائرات حربية وآليات عسكرية، حينها يمكن الطلب من الحزب تسليم السلاح، لكن خارج هذا الإطار لن تكون هناك نتيجة. بعد ما حدث في الأشهر الثلاثة الأخيرة خصوصاً، سيزداد تمسك الحزب بسلاحه».


مقالات ذات صلة

إسرائيل تكشف تفاصيل جديدة عن اغتيال نصر الله

شؤون إقليمية صورة لحسن نصر الله أمام أنقاض مبنى دمّره الطيران الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (د.ب.أ)

إسرائيل تكشف تفاصيل جديدة عن اغتيال نصر الله

سمحت الرقابة العسكرية في إسرائيل بنشر معلومات جديدة عن عملية اغتيال الأمين العام السابق لـ«حزب الله» حسن نصر الله.

«الشرق الأوسط» (تل ابيب)
المشرق العربي عمال البلدية يمرون على أنقاض المباني المتضررة التي ضربتها غارة جوية إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت 31 يوليو 2024 (أ.ب)

إسرائيل: «حزب الله» لا يلتزم بشروط وقف إطلاق النار

اتهم وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس «حزب الله» اللبناني بعدم الالتزام بشروط اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ بين الطرفين أواخر نوفمبر

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي تصاعد الدخان بعد غارة جوية إسرائيلية بالقرب من مدينة النبطية جنوب لبنان (د.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يحرق منزلين في بلدة بجنوب لبنان

أحرقت القوات الإسرائيلية، قبل ظهر اليوم (الجمعة)، منزلين في بلدة بني حيان في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الولايات المتحدة​ امرأة تقوم بلف علم «حزب الله» اللبناني (د.ب.أ)

اتهام جندي أميركي سابق بمحاولة الانضمام لـ«حزب الله»

وُجّهت إلى عنصر سابق في الجيش الأميركي سافر إلى لبنان وسوريا في مسعى للانضمام إلى «حزب الله» تهمة محاولة دعم منظمة «إرهابية».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي تصاعد دخان بعد قصف إسرائيلي في جنوب لبنان يوم 11 أكتوبر 2023 (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعلن قصف منصات صواريخ لـ«حزب الله» في جنوب لبنان

أكد الجيش الإسرائيلي أن طائراته المقاتلة نفّذت غارة جوية في جنوب لبنان قبل قليل، وقال إنها استهدفت منصات إطلاق صواريخ متوسطة المدى في موقع لجماعة «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

دمشق تعد الجوار والعالم بعلاقات متوازنة

دمشق تعد الجوار والعالم بعلاقات متوازنة
TT

دمشق تعد الجوار والعالم بعلاقات متوازنة

دمشق تعد الجوار والعالم بعلاقات متوازنة

وعد وزير الخارجية في الإدارة السورية الجديدة، أسعد حسن الشيباني، الجوار والعالم بعلاقات متوازنة، وقال من الدوحة حيث أطلق جولته العربية الثانية، أمس، إن سوريا الجديدة ستحظى بعلاقات جيدة مع المنطقة، يسودها السلام والتعاون المشترك «بعيداً عن شكل علاقات النظام البائد مع المنطقة، فنحن نسعى لترميم علاقاتنا مع المحيط العربي والإقليمي والدولي».

وعقب لقاء رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، قال الشيباني، بحسب وكالة «سانا» الرسمية: «ناقشنا القضايا الأساسية والاستراتيجية».

من جهته، أعلن وزير المالية السوري، محمد أبازيد، أن الحكومة ستزيد رواتب كثير من موظفي القطاع العام 400 في المائة، الشهر المقبل، بعد استكمال إعادة الهيكلة الإدارية للوزارات لتعزيز الكفاءة والمساءلة. وتقدر تكلفة زيادة الرواتب بنحو 1.65 تريليون ليرة سورية (نحو 127 مليون دولار بسعر الصرف الحالي)، ستُمول من خزانة الدولة ومساعدات إقليمية واستثمارات جديدة، وفك تجميد الأصول السورية الموجودة حالياً في الخارج.

ميدانياً، قالت تركيا إن قواتها المسلحة «حيدت» 32 عضواً من «حزب العمال الكردستاني» المحظور في عمليات عسكرية شمال سوريا. وذكرت وزارة الدفاع أن عملياتها في شمال العراق، أيضاً «حيدت» 4 أعضاء من الحزب.