عبثاً حاول المسن عبد الكريم الحطاب (67 عاماً)، من سكان حي التفاح شرق مدينة غزة، التعرف على مكان قبر نجله أحمد البالغ من العمر (28 عاماً)، بعدما جرفت آليات هندسية إسرائيلية مقبرة الحي عن بكرة أبيها.
الحطاب الذي فقد نجله إثر قصف إسرائيلي طال محيط منزله في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لم يجد مكان القبر، كما لم يجد جثمان ابنه، في موقف عمق جراح الفقد لديه.
وقال الحطاب لـ«الشرق الأوسط»: «لم أتعرف إلى معالم المقبرة. ذُهلت مما رأيت. فقط مجرد كومة رمال وكأن زلزالاً ضربها... هرعت إلى القبر الذي أعرفه لم أجده. لا يوجد قبور. لا يوجد معالم قبور. جميعها جُرفت. لم يجد أي أحد قبوراً أو جثامين. كل العوائل فقدت أحبتها للمرة الثانية».
ولا يعرف الحطاب مصير جثمان نجله؛ ما إذا تم تجريفه أو اختطفته القوات الإسرائيلية. وقال: «بعد وقف إطلاق النار سأعود للبحث عنه مرة أخرى».
وخلال الحرب الحالية على قطاع غزة، جرفت إسرائيل العديد من المقابر، في مدينة غزة وشمالها، في محاولة للبحث عن محتجزين قتلى كما يبدو، وهو وضع خلف الكثير من الفوضى والألم.
وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن جيش الاحتلال اختطف جثامين من ساحة مستشفيات غزة وشمال القطاع، وبعض المقابر، في إطار عملية بحث عن جثامين إسرائيليين أُسروا من قبل «حماس» في هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وقُتلوا لاحقاً بظروف مختلفة منها غارات إسرائيلية ومحاولات تحريرهم، وقد وجد الإسرائيليون بعضهم فعلاً في مقابر.
وبحسب المصادر، فإن قوات الاحتلال نبشت جثامين قيادات في «كتائب القسام» الجناح المسلح لحركة «حماس»، بينهم أحمد الغندور، وأيمن صيام، ووائل رجب، وغيرهم، وسط أنباء عن اختطاف جثامين بعضهم.
وكانت قوات الاحتلال سلمت في الآونة الأخيرة عشرات الجثامين لفلسطينيين، وتم دفنهم كمجهولي هوية في مقبرة جماعية بخان يونس جنوب القطاع، بعد أن سُلمت هناك عبر الصليب الأحمر.
وعملياً، لا يعرف كثير من الأهالي ما إذا كانت جثامين أبنائهم قد جُرفت أو خُطفت أو سُلمت ودُفنت في مقبرة خان يونس، وفي كل الأحوال فإن الجثامين مفقودة، وقد لا يكون ممكناً التعرف عليهم في أي وقت لاحق.
وقالت ياسمين النباهين (49 عاماً)، من سكان منطقة الفالوجا بمخيم جباليا شمال قطاع غزة، إنها لا تعرف مصير جثمان شقيقها سمير (41 عاماً)، بعدما جرفت قوات الاحتلال مقبرة المنطقة.
وشرحت النباهين لـ«الشرق الأوسط» كيف توجهت إلى المقبرة بعد انسحاب قوات الاحتلال من المنطقة، لتفقد قبر شقيقها الذي توفي قبل عدة أعوام، لكنها لم تعرف مكانه بسبب عملية التجريف الواسعة داخل المقبرة.
وقالت: «لم يكتفوا بنبش وتجريف القبور، لقد داسوا على كل القبور بالدبابات ودمروا المكان. اختلطت القبور والجثامين ببعضها، وسمعنا أنه سُرق العديد من الجثامين».
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإن جيش الاحتلال نبش أكثر من 1500 قبر، وسرق 150 جثماناً.
أما الأكثر حظاً من الأهالي، فهم الذين وجدوا جزءاً من جثامين أحبائهم في هذه المقابر.
وقال فرج رحمي من سكان حي الزيتون بمدينة غزة، إنه فوجئ بحجم التدمير الذي طال «مقبرة الشيخ شعبان» القريبة من الحي، والتي دُفن فيها والده المسن.
وأضاف رحمي لـ«الشرق الأوسط»: «وجدت جزءاً من قبر والدي، أما الجزء الآخر فتم تجريفه واختلط بقبور مجاورة. لأيام بقيت أبحث وجمعت ما تبقى من جثمان أبي ودفنته في مكان جديد داخل المقبرة».
وقال رحمي إنهم في غزة كانوا يقولون إن الأموات ذهبوا وارتاحوا، ولكن بعد نبش قبورهم واضح أن الأموات في غزة أيضاً لم يسلموا!