في غزة: السفر للأغنياء فقط

أموال طائلة مقابل تنسيق سفر إلى مصر... واليد العليا لإسرائيل

معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة (أ.ف.ب)
معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة (أ.ف.ب)
TT
20

في غزة: السفر للأغنياء فقط

معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة (أ.ف.ب)
معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة (أ.ف.ب)

10 آلاف دولار دفعها رفعت شكشك مقابل خروجه من قطاع غزة، للالتحاق بباقي أفراد عائلته في تركيا، وهو مبلغ يؤمّن لأي غزي الهرب من جحيم الحرب، إذا لم تعارض ذلك إسرائيل بطبيعة الحال.

وقال شكشك الذي مكث في مصر 3 أيام قبل أن يغادرها إلى تركيا برفقة نجله الأكبر، في اليوم الـ47 للحرب، إنه فوجئ بالمبالغ التي طلبت منه من أجل تسهيل سفره، وهي تناهز 10 آلاف دولار عنه، و6 عن نجله.

وأكد شكشك لـ«الشرق الأوسط» إنه دفع فعلاً 16 ألف دولار ونجح في المغادرة. ولدى سؤاله عن الجهات التي تقاضت المبالغ، اكتفى بالقول إنهم «متنفذون»، متفادياً أي مشاكل.

وأضاف: «قالوا هذا المبلغ من أجل عبور بوابة معبر رفح البري. فعلاً لا أعرف أين تذهب الأموال، لكن هذا ما حدث».

وكان يفترض أن يسافر شكشك إلى عائلته قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) لكن الحرب منعته، ثم وجد نفسه مع نجله وسط كل هذا الموت والدمار، فقرر التضحية بأي مبلغ يملكه مقابل نجاته.

وينوي شكشك الاستقرار في الخارج، وبدء حياة جديدة، بعدما خسر منزله وتدمرت معظم أملاكه بما في ذلك محال تجارية كان يملكها. وقال: «لم يعد في غزة شيء سوى الموت والدمار».

وبدأت هذه التجارة في غزة بعد السماح بفتح معبر رفح لسفر الجرحى وأصحاب الجنسيات المزدوجة.

وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، إن هذه التنسيقات المدفوعة يقوم عليها «سماسرة» نافذون، لهم علاقات داخل قطاع غزة وخارجه، وإن دفع الأموال لا يشمل جرحى الحرب الذين تقدم أسماؤهم عبر وزارة الصحة للجانب المصري، ويخضعون لموافقة إسرائيلية.

وكما علمت «الشرق الأوسط»، وأكدت ذلك شهادات مسافرين، فإن التنسيق للشخص الواحد يتراوح بين 6 و10 آلاف دولار.

وقالت «سيلين.م» من سكان مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، إنها دفعت مبلغ 6 آلاف دولار لأحد الأشخاص من أجل وضعها في قائمة المسافرين الذين يتم التنسيق لهم. وأشارت «م» التي فضلت عدم الكشف عن اسمها الكامل، خشية حرمانها من السفر، إلى أنها ما زالت تنتظر الحصول على موافقة للالتحاق بزوجها الذي يعيش في إسطنبول منذ 4 سنوات. ولا تعرف «م» مبرراً لهذا المبلغ، لكنها تدرك أنه في كل الحروب هناك «تجار حروب» كما تقول.

وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «ما يحصل معي ومع آخرين جزء من التجارة التي يقوم عليها أباطرة الحرب. لا يأبهون سوى بالمال، وليس بالدم أو المعاناة أو أي شيء آخر». وهي أيضاً لا تعرف أين تذهب المبالغ.

وقال مسؤول في إدارة معبر رفح من الجانب الفلسطيني ويتبع حكومة «حماس»، إن دورهم يقتصر فقط على تقديم الكشوفات للجانب المصري، وتسلم ردود الموافقة من عدمها عليها.

وقال لـ«الشرق الأوسط»، مفضلاً عدم الكشف عن هويته: «لا علاقة لنا بفرض أي رسوم على المواطنين للسفر، ونستمع للشكاوى، لكن ليس لدينا أي سلطة في هذا الأمر». كذلك نفت مصر فرض أي رسوم إضافية.

وقال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، قبل أيام، إنه لم يتم فرض أي رسوم إضافية على سفر الفلسطينيين، مؤكداً أن أي جهة رسمية وغير رسمية في مصر لا تتقاضى أي مقابل مادي نظير العبور إلى الأراضي المصرية.

وأضاف رشوان: «ما يتم تحصيله من الجهات الرسمية هو فقط الرسوم المقررة طبقاً للقوانين المصرية المنظمة لعمل المعبر من قبل هيئة الموانئ البرية، وهي ثابتة ولم تطرأ عليها أي زيادة مطلقاً».

وتابع: «في إطار قيام مصر بواجبها القومي المتواصل تجاه القضية الفلسطينية والأشقاء الفلسطينيين، فهي لم تحصل أي رسوم تحت أي بند منهم بعد دخولهم البلاد، سواء للعلاج أو الإقامة، أو حتى خلال انتقالاتهم داخل البلاد، وحتى سفر البعض منهم إلى الخارج».

وناشد رشوان الفلسطينيين في حال تعرضهم للابتزاز أو الضغط في معبر رفح، من أي متربح بقضيتهم الإخطار الفوري للجهات الأمنية المصرية الموجودة في المعبر، لاتخاذ الإجراءات القانونية الحاسمة والفورية تجاه هذه الوقائع والقائمين عليها. لكن الفلسطينيين يخشون من أن التبليغ قد يفوت عليهم فرصة السفر، ويفضلون دفع هذه المبالغ.

ووفق ما علمت «الشرق الأوسط»، فإن الأموال تدفع لأكثر من وسيط، وذلك لتسهيل سفر المسافرين ووضعهم في كشوفات التنسيق، علماً بأن توفر الأموال لا يعني بالضرورة السماح بالسفر.

فارّون من غزة ينتظرون في الجانب المصري لاجتياز معبر رفح (أرشيفية - أ.ف.ب)
فارّون من غزة ينتظرون في الجانب المصري لاجتياز معبر رفح (أرشيفية - أ.ف.ب)

وأكدت مصادر مطلعة على التفاصيل أن جميع الأسماء؛ سواء أكانوا المرضى أم الجرحى أم حتى المسافرين العاديين، تخضع لتدقيق إسرائيلي، وأنه لا يسمح لأي أحد بالسفر دون موافقة إسرائيلية.

وقال محمد الأشقر، من سكان مدينة غزة، وهو نازح إلى جنوبها، إن الجهات التي حاولت وضعه في كشوفات التنسيق بعد أن اتفق معهم على دفع مبلغ 6 آلاف دولار، أبلغوه أن إسرائيل ترفض سفره لأسباب لم تتضح، رغم أنه لا علاقة له بأي منظمة فلسطينية، كما قال. وأضاف: «لا أعلم سبب رفضي من قبل الاحتلال، لكن كانت هناك موافقة مصرية في المقابل».

وكثيراً ما لمّحت إسرائيل في الآونة الأخيرة إلى وجود خطة للسيطرة على محور فيلادلفيا (حدود غزة مع مصر، بما يشمل معبر رفح)، بحجة منع سفر قيادات وعناصر «حماس»، وكذلك منع تهريب الأسلحة وغيرها.

وعبرت مصر عن رفضها الواضح لمثل هذا الطرح، مؤكدة أنها تقوم بواجبها السيادي وفق الاتفاقات الموقعة.

وإذا كان كثيرون يملكون مالاً يسمح لهم بالسفر، فإن عائلات أكثر لا تملك ذلك، فمثلاً عائلة من 6 أفراد تحتاج إلى نحو 50 ألف دولار للسفر، وهو رقم لا يملكه معظم الغزيين الذين يعيش بغالبيتهم تحت خط الفقر وعلى المساعدات.


مقالات ذات صلة

الصين تعلن دعمها لـ«خطة مصر» لاستعادة السلام في غزة

آسيا وزير الخارجية الصيني وانغ يي (رويترز)

الصين تعلن دعمها لـ«خطة مصر» لاستعادة السلام في غزة

دعا وزير الخارجية الصيني وانغ يي، اليوم (الجمعة) إلى وقف «دائم» لإطلاق النار في قطاع غزة، حيث تسري هدنة بين إسرائيل وحركة «حماس الفلسطينية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
المشرق العربي جرافة إسرائيلية تهدم مبان خلال عملية عسكرية في مخيم نور شمس قرب مدينة طولكرم بالضفة الغربية أمس (إ.ب.أ)

«حماس» تؤكد استعداها للتخلي عن حكم غزة

بينما تتواصل جهود الوسطاء للمضي قدماً في اتفاق وقف النار في غزة، كشفت مصادر قيادية من حركة «حماس» لـ«الشرق الأوسط» أن قيادة الحركة أكدت مجدداً لكل الأطراف

«الشرق الأوسط» (غزة)
الخليج عبد الله اليحيا مترئساً الاجتماع الوزاري الخليجي - المصري في مكة المكرمة الخميس (مجلس التعاون)

دعم خليجي لمخرجات «قمة فلسطين» في القاهرة

أكّد مجلس التعاون الخليجي دعم مخرجات «قمة فلسطين» العربية التي عقدت في القاهرة، واعتمدت خطة التعافي المبكر وإعادة إعمار وتنمية غزة، ونشر قوات حماية وحفظ سلام

سعيد الأبيض (مكة المكرمة)
المشرق العربي تامي بروس الناطقة باسم الخارجية الأميركية خلال إحاطة للصحافيين في واشنطن (لقطة من فيديو) play-circle

واشنطن: الخطة المصرية بشأن غزة «لا تلبي تطلعات» ترمب

قالت وزارة الخارجية الأميركية إن الخطة المصرية بشأن غزة «لا تلبّي تطلّعات» الرئيس دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي جنود إسرائيليون بالقرب من الحدود مع قطاع غزة (أ.ف.ب) play-circle 00:44

أميركا تشك بأن إسرائيل سرّبت معلومات عن المحادثات مع «حماس» لتخريبها

اتهم مسؤولون حكوميون أميركيون إسرائيل بتسريب معلومات إلى وسائل الإعلام حول مفاوضات مباشرة سرية محتملة لإدارة ترمب مع حركة «حماس» في محاولة لتخريب المحادثات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«حماس» تؤكد استعداها للتخلي عن حكم غزة

جرافة إسرائيلية تهدم مبان خلال عملية عسكرية في مخيم نور شمس قرب مدينة طولكرم بالضفة الغربية أمس (إ.ب.أ)
جرافة إسرائيلية تهدم مبان خلال عملية عسكرية في مخيم نور شمس قرب مدينة طولكرم بالضفة الغربية أمس (إ.ب.أ)
TT
20

«حماس» تؤكد استعداها للتخلي عن حكم غزة

جرافة إسرائيلية تهدم مبان خلال عملية عسكرية في مخيم نور شمس قرب مدينة طولكرم بالضفة الغربية أمس (إ.ب.أ)
جرافة إسرائيلية تهدم مبان خلال عملية عسكرية في مخيم نور شمس قرب مدينة طولكرم بالضفة الغربية أمس (إ.ب.أ)

بينما تتواصل جهود الوسطاء للمضي قدماً في اتفاق وقف النار في غزة، كشفت مصادر قيادية من حركة «حماس» لـ«الشرق الأوسط» أن قيادة الحركة أكدت مجدداً لكل الأطراف استعدادها التام للتخلي عن حكم غزة، ولهذا رحَّبت بمخرجات القمة العربية، التي أشارت إلى أنه تم الاتفاق على تشكيل لجنة لإدارة القطاع لحين تسلم السلطة الفلسطينية مسؤولياتها.

وأوضحت المصادر أن وفداً قيادياً من «حماس» سيصل إلى القاهرة قريباً للاطلاع على تفاصيل الرؤية بشأن مستقبل القطاع.

وأكدت المصادر أن لقاءات عُقدت بين «حماس» في الدوحة، مع مبعوث الرئيس الأميركي لشؤون الرهائن، آدم بولر، ومسؤولين آخرين من إدارة دونالد ترمب؛ لبحث الإفراج عن 5 رهائن إسرائيليين يحملون الجنسية الأميركية، يعتقد أن بينهم 4 قتلى.

وقال بولر إن ترمب «سوف يستمر في الضغط حتى يعود كل الأميركيين، الأحياء منهم والأموات»، فيما قالت الخارجية الأميركية، أمس، إن الخطة العربية «لا تلبّي تطلّعات» ترمب.