مسؤول لـ«الشرق الأوسط»: إسرائيل تعمل على تفكيك السلطة

والتخلص من المخيمات التي ترمز لـ«حق العودة»

جانب من مخيم النصيرات جنوبي قطاع غزة (إ.ب.أ)
جانب من مخيم النصيرات جنوبي قطاع غزة (إ.ب.أ)
TT

مسؤول لـ«الشرق الأوسط»: إسرائيل تعمل على تفكيك السلطة

جانب من مخيم النصيرات جنوبي قطاع غزة (إ.ب.أ)
جانب من مخيم النصيرات جنوبي قطاع غزة (إ.ب.أ)

اغتالت إسرائيل 9 فلسطينيين في قصف استهدف مركبة قرب مخيم بلاطة في نابلس شمال الضفة الغربية، ومجموعة شبان في مخيم طولكرم، في تصعيد جديد آخر في حرب تركز على المخيمات في الضفة.

وأغارت طائرة مسيرة على مركبة قرب مخيم بلاطة شرق نابلس، مستهدفة القيادي في «كتائب الأقصى» التابعة لحركة «فتح» عبد الله أبو شلال وقتلته مع 4 من رفاقه المسلحين.

ونشر الجيش الإسرائيلي فيديو للاستهداف الذي حول المركبة إلى حطام، وترك جثثاً متفحمة.

وقال الجيش، في بيان، إنه في عملية مشتركة مع جهاز الأمن العام «الشاباك» تم تصفية خلية مخربين ترأسها المدعو عبد الله أبو شلال بالقرب من مخيم بلاطة. وكانت الخلية مسؤولة عن واحدة من أكبر شبكتيْن إرهابيتيْن في منطقة يهودا والسامرة في الضفة الغربية.

واتهم البيان أبو شلال بأنه كان مسؤولاً عن عدة عمليات نفذت في العام الأخير، من بينها عملية إطلاق نار في القدس، والتي أسفرت عن إصابة مواطنيْن إسرائيلييْن، كما كان مسؤولاً عن عملية زرع عبوة ناسفة ضد قوات الجيش في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وبحسب البيان فإنه «تم تصفية الخلية من الجو نظراً لورود معلومات استخبارية عن نية أفراد الخلية تنفيذ عملية على المدى الوشيك».

واتهم الجيش أبو شلال بتلقي تمويل وتوجيهات من إيران بمشاركة قيادات من قطاع غزة والخارج، في وقت أصبح استخدام المسيرات في قتل الفلسطينيين في الضفة نهجاً منذ بداية الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، وتحديداً في المخيمات الفلسطينية.

وقتلت مسيرة ثانية 4 فلسطينيين في مخيم طولكرم بعد قليل على اغتيال الشبان في مخيم بلاطة.

ومنذ السابع من أكتوبر عندما نفذت «حماس» هجوم «طوفان الأقصى» ضد إسرائيل في منطقة غلاف قطاع غزة، اقتحم الجيش معظم مخيمات الضفة، وقتل واعتقل وخاض اشتباكات في مخيمات جنين وطولكرم وبلاطة والجلزون وعسكر ونور شمس والفارعة، وتعمد تخريب الطرقات هناك والبنى التحتية بشكل غير مسبوق، وهدم منازل كذلك.

وقال القيادي في حركة «فتح» منير الجاغوب إنها حرب مفتوحة على المخيمات في الضفة وفي غزة.

وأضاف الجاغوب لـ«الشرق الأوسط»: «يريدون إزالة المخيمات، يفعلون ذلك في قطاع غزة، وكذلك في الضفة. يمسحون المخيمات في غزة، ويعملون على نفكيكها في الضفة. يقصفون بالمسيرات، يهاجمون منازل، ويجرفون الشوارع. يخططون لمحو المخيمات والتخلص منها لأنها تحمل رمزية نضالية وهي رمز للعودة». وتابع قوله: «إنها تذكر الناس بالعودة إلى أراضي 48. باختصار يعملون على تصحيح مسار سابق، يلغون معه اتفاق أوسلو وأي تطلعات فلسطينية لدولة أو عودة. الحرب في الضفة لا تقل خطراً إن لم تكن أخطر إلى حد ما من الحرب الدائرة في غزة».

ولا تستهدف الحرب في الضفة المخيمات فحسب، وإن كانت تركز عليها.

وأغلقت إسرائيل الضفة بشكل كامل، وحولتها في الأشهر الثلاثة الأخيرة إلى معازل بعدما حاصرت المدن والقرى ببوابات حديدية وكتل إسمنتية وحواجز ترابية، وشددت إجراءاتها على الحواجز العسكرية المغلقة طيلة الوقت، والتي تحولت في أوقات محددة إلى ممرات مذلة بالنسبة للفلسطينيين المضطرين إلى التنقل بين المدن.

وبعدما قالت إسرائيل مع بداية الحرب على غزة إنها تخشى من تحول الضفة إلى جبهة ثالثة، لم تنتظر أصلاً الفعل الفلسطيني، وهاجمت بكل قوة.

وحتى اليوم الأربعاء، قتلت إسرائيل في الضفة منذ بداية العام 43 فلسطينياً، ومنذ بداية الحرب على قطاع غزة 362، واعتقلت الآلاف.

وقال الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، إن مسلسل جرائم القتل اليومية التي يشنها جيش الاحتلال في قطاع غزة والضفة الغربية، هو حرب إبادة شاملة على الشعب الفلسطيني.

وأضاف أبو ردينة أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول بشتى السبل جر المنطقة بأسرها إلى العنف والتدمير عبر مواصلته سياسات الإبادة والقتل والتدمير وسرقة الأرض الفلسطينية وحجز الأموال الفلسطينية والاستيطان وإرهاب المستوطنين، في ظل صمت دولي غير مقبول إطلاقاً؛ لأن هذه الأوضاع المتفجرة ستحرق المنطقة ولن يسلم منها أحد.

لكن مصدراً أمنياً قال لـ«الشرق الأوسط» إن ما يجري يشبه محاولة إعادة احتلال الضفة من جديد. وأضاف: «إنها حرب لتصفية القضية، تعتقد إسرائيل أن الفرصة مواتية لذلك، وهي تريد في أثناء تنفيذها الخطة، قتل المزيد من الفلسطينيين خصوصاً في المخيمات. إنه نوع من الانتقام».

وأطلقت المخيمات خصوصاً في شمال الضفة الغربية، شرارة المواجهة الجديدة في الضفة قبل السابع من أكتوبر بكثير، عندما أعلن مسلحون في مخيم جنين خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2021 تشكيل «كتيبة جنين» التي أخذت على عاتقها مواجهة القوات الإسرائيلية بالسلاح والنار، فيما كانت المدن الفلسطينية الأخرى تتصدى للإسرائيليين بالحجارة، وهي ظاهرة سرعان ما نمت وتوسعت وانتشرت في جنين ومخميها ثم نابلس القريبة، ثم طولكرم وباقي مخيمات الضفة إلى حد ما.

والمواجهة القديمة في الضفة يقودها شبان في المخيمات يعملون أغلب الوقت دون غطاء تنظيمي معروف، وتحولوا إلى أبطال ورموز شعبيين على الشبكات الاجتماعية، وهم، بحسب إسرائيل، يشعرون بالإحباط من الأوضاع في الضفة، واستغلوا ضعف قدرة السلطة الفلسطينية على فرض سيطرتها، وهو ما أدى إلى وضع لا يوجد فيه قانون ومنفذ للقانون، وخلق حالة فراغ في شمال الضفة الغربية، تسللت إليها الفصائل والمسلحون.

لكن في رام الله يرون شيئاً آخر، أصبح أكثر وضوحاً بعد السابع من أكتوبر. وقال الجاغوب: «إسرائيل تريد تفكيك السلطة».

وأضاف: «الحرب الإسرائيلية على الضفة تهدف إلى التخلص من أوسلو أولاً، وتفكيك السلطة الفلسطينية ثانياً».

وأوضح: «إنهم يعملون على تفكيك السلطة بدل مواجهتها. يقتحمون مناطق السلطة يستهدفون مقراتها، يقتحمون قلب رام الله، يقتلون الناس بالمسيرات في المخيمات عوض اعتقالهم، يعتقلون المسنين والأطفال والنساء، يجرفون الشوارع، يهدمون البيوت، يحتجزون الأموال، يريدون إظهار سلطة عاجزة ولا لزوم لها أمام شعبها، وغير قادرة على حمايتهم بغرض تأليب الشارع عليها وصولاً إلى تفكيكها. إنهم يريدون تفكيكها من الداخل عوضاً عن قصف مقراتها وحصار رئيسها وقتل عناصرها».

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شن عدة مرات هجوماً كبيراً على السلطة، بوصفها ضعيفة وفاشلة، ثم تحول إلى القول بأنها لا تصلح للحكم وهي تربي أبناءها على الإرهاب، وأن وجودها من الأساس كان خطأ، مؤكداً أن الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه إسرائيل كان اتفاق أوسلو.

ويوافق معظم الوزراء الإسرائيليين على ما يقوله نتنياهو، بل يذهب بعضهم أمثال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش إلى أبعد من ذلك، مطالبين بتهجير الفلسطينيين، باعتبار أنه لا يوجد شعب فلسطيني ولا دولة، وهو توجّه يعارضه آخرون مثل وزير الدفاع يوآف غالانت الذي صرح بأن سلطة قوية مصلحة إسرائيلية، منادياً بالمساعدة على الاستقرار في الضفة.

وسخر الجاغوب من تصريحات غالانت، متسائلاً: «ومن الذي يفتك بالضفة؟ إنه الجيش الذي يأتمر بأوامر غالانت. الفرق بين غالانت ونتنياهو أن الأول واضح ويقول علانية إنه لا يريد أوسلو ولا السلطة. والثاني لا يقول ذلك علانية، لا يجرؤ لحسابات كثيرة. جميعهم لا يريدون السلطة لأنها عنوان ورمز الفلسطينيين. لا يريدون هذه الكينونة».


مقالات ذات صلة

فريق ترمب للشرق الأوسط... «أصدقاء لإسرائيل» لا يخفون انحيازهم

شؤون إقليمية ترمب ونتنياهو يتصافحان في «متحف إسرائيل» بالقدس يوم 23 مايو 2017 (أ.ب)

فريق ترمب للشرق الأوسط... «أصدقاء لإسرائيل» لا يخفون انحيازهم

اختصر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب سياسته المحتملة في الشرق الأوسط باختياره المبكر شخصيات لا تخفي توجهها اليميني وانحيازها لإسرائيل.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي قوات إسرائيلية تقوم بتأمين مَسيرة للمستوطنين في البلدة القديمة بالخليل (وفا)

الخارجية الفلسطينية: قرار إلغاء الاعتقال الإداري للمستوطنين يشجعهم على ارتكاب الجرائم

قالت وزارة الخارجية الفلسطينية، اليوم الجمعة، إن قرار إسرائيل إلغاء الاعتقال الإداري للمستوطنين يشجعهم على ارتكاب المزيد من الجرائم.

شؤون إقليمية  قوات إسرائيلية تقيم إجراءات أمنية في البلدة القديمة للخليل تحمي اللمستوطنين اليهود (د.ب.أ)

إسرائيل تنهي استخدام الاعتقال الاداري بحق المستوطنين اليهود في الضفة الغربية

أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، اليوم الجمعة، أنه قرر إنهاء استخدام الاعتقال الإداري بحق المستوطنين اليهود في الضفة الغربية المحتلة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي جرافات وآليات إسرائيلية تغلق شوارع مدينة جنين، خلال عملية عسكرية نفذتها القوات الإسرائيلية (د.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي: مقتل 9 مسلحين في اشتباكات خلال مداهمة في جنين

أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم (الخميس)، أن قواته نفذت «عمليات لمكافحة الإرهاب» في جنين، خلال اليومين الماضيين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية قوات إسرائيلية حول منشأة زراعية ومنزل بعد مداهمة قُتل خلالها 3 فلسطينيين في قباطية جنوب جنين بالضفة الغربية المحتلة يوم الثلاثاء (أ.ف.ب)

التصعيد يعود إلى الضفة و«طنجرة الضغط» تقتل 3 فلسطينيين في جنين

قتل الجيش الإسرائيلي 3 فلسطينيين في جنين، شمال الضفة الغربية، في أحدث هجوم على المدينة، بعد هدوء نسبي أعقب سلسلة دامية من الهجمات.

كفاح زبون (رام الله)

هكذا بدّلت سطوة «حزب الله» هويّة البسطة تراثياً وثقافياً وديموغرافياً

عناصر من الدفاع المدني يعملون على رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا إثر القصف الذي استهدفت مبنى بمنطقة البسطة في بيروت (رويترز)
عناصر من الدفاع المدني يعملون على رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا إثر القصف الذي استهدفت مبنى بمنطقة البسطة في بيروت (رويترز)
TT

هكذا بدّلت سطوة «حزب الله» هويّة البسطة تراثياً وثقافياً وديموغرافياً

عناصر من الدفاع المدني يعملون على رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا إثر القصف الذي استهدفت مبنى بمنطقة البسطة في بيروت (رويترز)
عناصر من الدفاع المدني يعملون على رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا إثر القصف الذي استهدفت مبنى بمنطقة البسطة في بيروت (رويترز)

لم تكن الغارة الإسرائيلية الثالثة التي استهدفت منطقة البسطة، وسط بيروت فجر الجمعة، ذات طابع عسكري فقط، بل كان لها بُعدٌ رمزي يتمثّل في ضرب منطقة أضحت من البيئات الشعبية المؤيدة لـ«حزب الله»، وتماهت معه منذ تأسيسه في عام 1982 يوم انشق عن حركة «أمل» بصفته تنظيماً مسلّحاً حمل اسم «حركة أمل الإسلامية».

يكفي الحديث عن تاريخ هذه المنطقة لإدراك أن استهدافها وتدميرها لا يقفان عند حدود تعقّب قيادات «الحزب» واغتيالهم وترويع بيئته في قلب العاصمة بيروت فقط، بل الأمر يتعدى ذلك إلى تدمير أحياء ومبانٍ ما زالت تحفظ على جدرانها وفي ذاكرتها كثيراً من تاريخ بيروت الجميل، رغم تغيّر هويتها، لا سيما شارع المأمون الذي تحمل عقاراته ومبانيه أسماء عائلات بيروتية سنيّة ومسيحية رغم انتقال ملكيتها في السنوات الماضية إلى أسماء أشخاص من الطائفية الشيعية الذين يدورون في فلك «حزب الله»، بعد أن عزز الأخير وجوده ونفوذه في البسطة وامتداداً منها إلى مناطق أخرى، سواء بفعل استملاك العقارات، أو بنقل سجلات قيد عائلات من الجنوب إلى بيروت لغايات سياسية انتخابية وأحياناً أمنية.

لا يختلف اثنان من أبناء بيروت على أن الهوية الطائفية والسياسية لمنطقة البسطة تغيّرت كثيراً، ويشير مختار المصيطبة، صائب كلش، إلى أن «المنطقة التي استهدفتها الغارة الإسرائيلية، وتحديداً شارع المأمون، ذات غالبية سنيّة بامتياز، وأغلب سكانها من عائلات: عيتاني، وشاتيلا، والنويري، وعيدو، والتنير، ومنيمنة، ومغربل، وسوبرة، وكان فيها عدد لا بأس به من العائلات المسيحية مثل: مجدلاني، وجنحو، ومنيّر، والمطران، وعودة... وغيرها».

وأوضح كلش لـ«الشرق الأوسط» أنه «على أثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982، والتهجير من الجنوب إلى بيروت، استوطنت عائلات شيعية في هذه المنطقة، وآثرت البقاء فيها، واستملكت عقارات وشققاً سكنية، ورفضت مغادرتها حتى بعد انسحاب إسرائيل إلى خلف ما كان يعرف بالشريط العازل في الجنوب».

مجزرة «فتح الله»

اللافت أن دور «حزب الله» ووجوده بدأ يتعزز مع اكتشاف ارتباطه بإيران، واتخذ في بداياته من منطقة البسطة مكاناً لقياداته وتقوية نفوذه، وحوّل ثكنة «فتح الله» الواقعة في شارع المأمون مقراً لقيادته. لكن بعد أشهر قليلة من عام 1987، وفي ظلّ تمدده عسكرياً بالمنطقة، اصطدم مع القوات السورية إثر دخول الأخيرة إلى «بيروت الغربية» على أثر إقدام «الحزب» على قتل جندي سوري، عندها عمد الجيش السوري إلى تصفية 27 عنصراً من مقاتلي «الحزب» داخل هذه الثكنة وسيطر عليها، وعرفت العملية يومها بـ«مجزرة فتح الله»، لينقل على أثرها «الحزب» مركز قيادته إلى الضاحية الجنوبية.

اتخذ «حزب الله» من تلك المجزرة عبرة لإعادة صوغ علاقته بالجيش السوري، خصوصاً في ظلّ العلاقات المتنامية بين إيران وسوريا. وأكد المختار كلش أنه «بعد سيطرته عسكرياً على بيروت، سمح الجيش السوري لـ(الحزب) بأن يتمدد في منطقة البسطة شعبياً، وهذا سهّل عليه وعلى مؤيديه استملاك الشقق والمنازل، خصوصاً بين عامي 1988 و1990عندما أطلق العماد ميشال عون ما سماها (حرب التحرير) ضدّ الجيش السوري، وتسبب ذلك في هجرة المئات من أبناء العائلات البيروتية السنيّة والمسيحية من المنطقة، والخشية من استهداف منطقتهم من الجيش اللبناني الذي كان تحت إمرة ميشال عون، كما شمل التهجير النهائي غالبية المسيحيين، وبقي وجود بعضهم رمزياً».

رجال أمن لبنانيون في وسط بيروت... وتبدو خلفهم صورة الأمين العام الراحل لـ«حزب الله» حسن نصر الله (أ.ب)

صحيح أن شوارع وأحياء المصيطبة، القريبة من البسطة، لا تزال تحمل أسماء شخصيات بيروتية سنيّة، إلّا إن وجهها تبدّل أيضاً، وهذا تظهّر بشكل كبير بعد انخراط «حزب الله» في العمل السياسي؛ بدءاً من الانتخابات النيابية في عام 1992 وحصوله على كتلة وازنة، كما تعزز أكثر بعد تحرير الجنوب في عام 2000، لكنّ التحوّل الأكبر انطلق في عام 2005 على أثر خروج الجيش السوري من لبنان على خلفية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وتصدّر «الحزب» المشهد السياسي ليأخذ الدور الذي كان يمارسه السوريون في لبنان.

نقل نفوس

ويلفت كلش إلى أن «عدد الشيعة المسجلين في دوائر النفوس ببيروت كان ضئيلاً جداً، لكن بعد عام 2005 نُقلت نفوس آلاف العائلات من الجنوب إلى بيروت، وسُجلوا في مناطق مثل المصيطبة، والباشورة، والمرفأ، امتداداً إلى ميناء الحصن وعين المريسة، والسبب في ذلك تعزيز حضور (الحزب) في الانتخابات النيابية والبلدية والاختيارية، بدليل أن نائب (الحزب) عن بيروت، أمين شرّي، حصد 33 ألف صوت في الانتخابات الأخيرة، بينها 28 ألف صوت شيعي، مقابل 6 آلاف صوت فقط لنائب حركة (أمل) محمد خواجة».

ذاكرة المصيطبة

لم يُكتب الكثير عن منطقة المصيطبة، إلّا إن أبناءها المتجذرين فيها يحملون في ذاكرتهم ووجدانهم تاريخ منطقتهم، ويشير المحامي مروان سلام، رئيس جمعية «بيروت منارتي»، إلى أن البسطة «مصنّفة ضمن قائمة أشهر المناطق التراثية، لكن العوامل التي دخلت عليها غيّرت كثيراً من مزاياها». ويؤكد سلام لـ«الشرق الأوسط» أن المنطقة «تميزت بما تحتوي من مراكز إدارية وتعليمية وطبية، بالإضافة إلى عدد من الحدائق والمتنزهات التي جرى تشويه وجهها؛ إما عمداً، وإما تقصيراً»، لافتاً إلى أنها «غنيّة بالمطاعم والمقاهي الواقعة في مبانٍ تراثية قديمة». ويردّ سلام تسمية المنطقة «البسطة» إلى أنها «اعتُمدت مقراً لسلطة المماليك، وحملت هذا الاسم نسبة إلى الكرسي الخشبي التي كان يجلس عليه السلطان».

أكثر من ذلك، حملت المنطقة اسم «البسطة الشريفة»، كما يقول المحامي مروان سلام؛ «ففيها كانت تقام حلقات تلاوة القرآن الكريم ورواية الأحاديث النبوية الشريفة، وكان لأهل بيروت في ذلك الحين مكانان يتحلقون فيهما للغرض المذكور؛ هما (البسطة الفوقا) و(البسطة التحتا)، ويعنون بهما الحلقات الدينية».

محطة القبضايات

ويتحدث عن مزايا أبناء المنطقة؛ «إذ كانت محطة دائمة للقبضايات الذين يرتادون مقاهيها، وكانت معبراً لـ(ترامواي بيروت) الذي ينطلق من البربير إلى النويري ثم البسطتين الفوقا والتحتا، والباشورة، وصولاً إلى محطته في (ساحة رياض الصلح)». ويضيف سلام أن البسطة «رغم صغر مساحتها، فإنها كات تحوي عدداً من المستشفيات منها: (البربير)، و(الإسلامي)، و(مليح سنو) و(مستشفى الدكتور محمد خالد)، إضافة إلى مدارس: (الشيخ نور)، و(عزيز مومنة)، و(شريف خطاب)، و(العلماوي) و(مكارم الأخلاق). كما خرّجت عدداً كبيراً من الفنانين، منهم: نجاح سلام، ومحمد سلمان، وأنطوان كرباج، وشوشو، ومحمد شامل، ومحيي الدين سلام، والرسام مصطفى فروخ... وغيرهم. وهؤلاء جميعاً من أبنائها وكانت تفخر بهم ويفخرون بها وبتاريخها».