العراق: لا اتفاق سنياً على بديل الحلبوسي... والمالكي يناور بـ«صديق قديم»

جلسة البرلمان قد تنعقد السبت... لكن انتخاب الرئيس الجديد محل شك

صورة لإحدى جلسات البرلمان العراقي برئاسة الحلبوسي (أرشيفية - رويترز)
صورة لإحدى جلسات البرلمان العراقي برئاسة الحلبوسي (أرشيفية - رويترز)
TT

العراق: لا اتفاق سنياً على بديل الحلبوسي... والمالكي يناور بـ«صديق قديم»

صورة لإحدى جلسات البرلمان العراقي برئاسة الحلبوسي (أرشيفية - رويترز)
صورة لإحدى جلسات البرلمان العراقي برئاسة الحلبوسي (أرشيفية - رويترز)

فشلت الأحزاب السنية العراقية في التوصل إلى مرشح توافقي لرئيس البرلمان الجديد، قبل ساعات من جلسة السبت، المخصصة لانتخابه.

ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، يعمل مجلس النواب العراقي بلا رئيس، بعدما قررت المحكمة الاتحادية إنهاء عضوية الرئيس السابق محمد الحلبوسي.

وأجرى قادة ثلاثة أحزاب سنية كبرى في العراق زيارات لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني لبحث «المستجدات وتشكيل الحكومات المحلية».

وما من صلة عملية مباشرة بين منصب السوداني وآليات اختيار رئيس البرلمان، ولا حتى التوازنات السياسية المطلوبة للتوافق عليه.

وأصدر مكتب السوداني، خلال اليومين الماضيين، 3 بيانات منفصلة عن لقائه مع خميس الخنجر، زعيم تحالف «السيادة»، ومثنى السامرائي زعيم تحالف «العزم»، بعدما التقى الحلبوسي نفسه، بصفته زعيم حزب «تقدم».

ولكل حزب من هذه الأحزاب الثلاثة مرشح ينافس على منصب رئيس البرلمان، لكنها تفشل في التوافق على مرشح واحد، أو إقناع تحالف «الإطار التنسيقي» الشيعي، بالتصويت لأحدهم، وهم كل من شعلان الكريم (تقدم)، وسالم العيساوي (السيادة)، ومحمود المشهداني (العزم).

رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي ورئيس البرلمان المقال محمد الحلبوسي (أرشيفية - إعلام المالكي)

مرشح المالكي

وحتى لو توافقت الأحزاب السنية على أحد هؤلاء المرشحين، فإنها تحتاج إلى الإطار التنسيقي الذي يمتلك غالبية المقاعد في مجلس النواب.

ورغم أن المشهداني، وهو رئيس سابق للبرلمان، مرشح عن تحالف سني يتنافس مع المرشحين الآخرين، فإنه يوصف بأنه «مرشح المالكي»، رئيس الوزراء الأسبق.

ويملك المالكي في غياب التيار الصدري الأغلبية داخل قوى الإطار التنسيقي، ويراهن على قدرته على تمرير المرشح من خلال محاولة استمالة قوى شيعية أخرى تبدو غير متفقة على أي من المرشحين الثلاثة.

محمود المشهداني (أرشيفية - البرلمان العراقي)

ويناور تحالف «عزم» بزعامة مثنى السامرائي ومعه إلى حد كبير تحالف «الحسم» بزعامة وزير الدفاع ثابت العباسي في ترجيح كفة المشهداني، من خلال المناورة بين ثبات موقف المالكي وتردد قوى شيعية أخرى، في وقت لا يظهر الكرد الحماسة لأي طرف.

ويقول نواب من هذا التحالف، إن تردد القوى الشيعية في قبول مرشحي الحلبوسي والخنجر يشجعهما على لعب دور أكبر في إقناع النواب الشيعة بتولي المشهداني منصب رئيس البرلمان.

وطبقاً للمؤشرات، فإن مواقف غالبية النواب الشيعة من خارج كتلة «دولة القانون»، لا تزال متضاربة بين تأييد العيساوي مع اختلافهم مع الخنجر وآخرين منهم يؤيدون شعلان الكريم رغم خصومتهم مع الحلبوسي.

التوافق السني «صعب»

يقول النائب المستقل في البرلمان حسين عرب، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «جلسة السبت ستعقد على الأرجح ويحصل النصاب، لكن من المستبعد انتخاب رئيس جديد للبرلمان».

ويعتقد عرب أن «الكتل السنية لم تتفق بعد على مرشح واحد، ما يجعل التوافق أو الاتفاق صعباً للغاية، ويسمح بكسر النصاب وتأجيل الجلسة».

وقال عرب: «انتخاب الرئيس الجديد سيبقى مرهوناً بالتوافق وهو ما لم يتحقق حتى الآن».

وطبقاً لسياسي عراقي أبلغ «الشرق الأوسط»، طالباً عدم الإشارة إلى اسمه، فإن «الإصرار على اختيار المشهداني لرئاسة البرلمان من قبل المالكي يحمل أكثر من رسالة؛ الأولى مفادها أن تجربة الشباب في تولي المناصب العليا فشلت وبالتالي لا بد من العودة إلى كبار السن».

وتابع السياسي: «الرسالة الثانية مضمرة إلى التيار الصدري وإن لم يكن مشاركاً بأن من يختاره المالكي هو من يمضي في النهاية».

في السياق، يقول باسل حسين، رئيس مركز «كلواذا للدراسات السياسية»، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «عدم الاتفاق السني حول مرشح واحد لا يشكل أي مفاجأة، نظراً للانقسام بين الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي السني بين 4 جهات رئيسية؛ هي (تقدم) و(السيادة) و(عزم) و(الحسم)».

وبحسب حسين، فإن «كل طرف يريد الاستحواذ على هذا المنصب الحيوي لتصدر الزعامة السنية»، لا سيما أنه بعد إزاحة رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي لاح صراع الوراثة مبكراً في العلن والخفاء وحث الخطى للفوز بهذا الموقع».

وأوضح رئيس المركز البحثي أن «عوامل عدة تحسم هذه المسألة؛ أهمها موقف الإطار التنسيقي الذي ينقسم على نفسه في تفضيل مرشح على آخر، بينما تبدو جميع الاحتمالات قائمة بما فيها عدم الاتفاق في الجلسة المقبلة».

 


مقالات ذات صلة

شركة «إير فرنس» تحقق في تحليق طائرة فوق العراق خلال هجوم إيراني على إسرائيل

العالم خلال إقلاع طائرة تابعة لشركة «إير فرنس» الفرنسية (رويترز - أرشيفية)

شركة «إير فرنس» تحقق في تحليق طائرة فوق العراق خلال هجوم إيراني على إسرائيل

قالت شركة «إير فرنس»، الأربعاء، إنها فتحت تحقيقاً داخلياً بعد أن حلقت إحدى طائراتها فوق العراق في أول أكتوبر (تشرين الأول)، خلال هجوم صاروخي إيراني على إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني (رويترز)

الحكومة العراقية ترفض «الإساءة الإسرائيلية» إلى السيستاني

قالت الحكومة العراقية، الأربعاء، إنها ترفض بشدة الإساءة إلى المرجع الديني علي السيستاني.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي دائرة الهجرة في صلاح الدين تسجّل وصول لبنانيين إلى المحافظة (إعلام حكومي)

العراق يستقبل 7 آلاف لبناني... والهجرة تنفي مزاعم «التوطين»

قدّرت وزارة الهجرة العراقية وصول نحو 7 آلاف مواطن لبناني إلى الأراضي العراقية هرباً من الحرب الدائرة هناك.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي الحكومة العراقية تحاول كبح الفصائل المسلحة عن حرب لبنان (إعلام حكومي)

العراق يرفض «تخوين الأشقاء» في حرب غزة ولبنان

شددت الحكومة العراقية على أنها تحتكر القرار والموقف السياسي بشأن التصعيد في لبنان وغزة، وقالت إنها ترفض «خطاب التخوين والإساءة» الموجّه إلى دول شقيقة وصديقة.

حمزة مصطفى (بغداد) فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي صورة إطلاق سابق لطائرة مسيَّرة من فيديو نشرته «المقاومة الإسلامية في العراق» عبر «تلغرام»

فصائل عراقية تتبنى هجمات بصواريخ «الأرقب» ضد أهداف إسرائيلية

تبنت «المقاومة الإسلامية في العراق» 5 هجمات منفصلة بصواريخ «الأرقب» ضد أهداف في وسط إسرائيل وشمالها.

«الشرق الأوسط» (لندن)

الضابط إسرائيلي... فما علاقته بعمر البشير وجواد ظريف؟

ميكي بيرغمان على نهر الليطاني جنوب لبنان خلال خدمته في الجيش الإسرائيلي (كتاب «في الظلال»)
ميكي بيرغمان على نهر الليطاني جنوب لبنان خلال خدمته في الجيش الإسرائيلي (كتاب «في الظلال»)
TT

الضابط إسرائيلي... فما علاقته بعمر البشير وجواد ظريف؟

ميكي بيرغمان على نهر الليطاني جنوب لبنان خلال خدمته في الجيش الإسرائيلي (كتاب «في الظلال»)
ميكي بيرغمان على نهر الليطاني جنوب لبنان خلال خدمته في الجيش الإسرائيلي (كتاب «في الظلال»)

الضابط إسرائيلي. ميكي بيرغمان. ولكن ما علاقته بالرئيس السوداني عمر البشير؟ أو بوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف؟ أو حتى بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو؟ الجواب بسيط: إنها القناة الخلفية للتفاوض على إطلاق سجناء أميركيين محتجزين حول العالم.

لا يدّعي بيرغمان، في كتابه «في الظلال»، أنه الشخصية الرئيسية في مفاوضات إطلاق السجناء. المفاوض الرئيسي، في الواقع، كان بيل ريتشاردسون، حاكم ولاية نيو مكسيكو المندوب الأميركي الدائم في الأمم المتحدة (سابقاً). بيرغمان كان عضواً في فريقه وشارك بالتالي في الجهود التي كانت تجري بعيداً عن الأنظار وعبر قناة غير رسمية من أجل تحرير سجناء أميركيين ولو تطلب ذلك إجراء عمليات تبادل مع سجناء من الدول التي تحتجزهم.

يروي بيرغمان في كتابه قصة هذه القناة الخلفية التي نشطت من خلال «مركز ريتشاردسون للتواصل العالمي»، وهو مركز غير حكومي وغير ربحي. كانت جهود ريتشاردسون تسمح للإدارة الأميركية بالقول إنها ليست طرفاً في ما يفعله بوصفه مواطناً عادياً لا يمثّل حكومته، وهو نفي صادق.

لكن الحقيقة أيضاً أن الإدارات الأميركية، سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية، كانت على دراية بكل ما يقوم به. فهو كان يُطلع كبار مسؤولي البيت الأبيض ووزارة الخارجية على اللقاءات التي يقوم بها مع قادة أجانب، وعروض تبادل المحتجزين التي يتمكن من رسم خطوطها العريضة والتي كان تنفيذها يتطلب في غالب الأحيان المرور عبر قنوات التواصل الرسمية بين الولايات المتحدة وحكومات أجنبية.

يبدأ «في الظلال» بقصة نشأة بيرغمان (الاسم يعني «رجل الجبل») في إسرائيل. عائلته تتحدر من يهود بولندا. فرّت إلى ليدز بشمال إنجلترا قبل أن تشملها عمليات ترحيل اليهود إلى معسكرات الإبادة النازية. انتقل جده إلى فلسطين كي يعيش «الحلم الاشتراكي»، حسب وصفه.

التقى والده باروخ، الإسرائيلي، معلمة يهودية - إنجليزية تُدعى غاي، قررت الانتقال إلى إسرائيل «متطوعة خلال حرب الأيام الستة» عام 1967. يقول ميكي: «طوال عمره، كان والدي (باروخ) يحب أن يُخبر الناس أنه فلسطيني، وكانت لديه وثيقة ولادة تثبت ذلك، إذ تنص على أنه (مولود في فلسطين). بعد سنوات، عندما كنت أتفاوض في الشرق الأوسط وأحاول أن أكسر الجليد مع زملائي الفلسطينيين، كنت أقول لهم، بصدق: والدي فلسطيني».

عندما بلغ ميكي 18 سنة تم استدعاؤه للخدمة العسكرية، مثل بقية الإسرائيليين. بعد تدريب عسكري أساسي دام ثلاثة أشهر، بدأ التدرب كطيّار. تعلّم قيادة طائرة صغيرة بمحرك واحد. بعد 8 أشهر من التدرّب على الطيران، لم يتم اختياره ليصبح طياراً، فانتقل إلى القوات البرية – سلاح المدفعية. وهناك نُقل للخدمة في جنوب لبنان، عام 1995.

كانت إسرائيل وقتها تسيطر على شريط حدودي داخل الأراضي اللبنانية. يقول: «إذا تحدثنا بموضوعية، لقد كنا محتلين في لبنان. لا يمكن إنكار ذلك. كنا في أرض ليست أرضنا. لكن كان لدينا اقتناع قوي بسبب وجودنا هناك (...) عشنا في قرية مدمرة وسط السكان اللبنانيين. درّبنا وقاتلنا جنباً إلى جنب مع جيش لبنان الجنوبي»، وهي ميليشيا مدعومة من إسرائيل.

يتحدث عن المواجهات التي شارك فيها ضد «حزب الله» على مجرى نهر الليطاني عام 1997، وكيف قُتل رفاقه في سقوط مروحيتَي «سيكورسكي» في الجليل خلال إجلاء جنود من قلعة الشقيف بجنوب لبنان. قُتل في ذلك الحادث 65 جندياً و8 من أفراد طاقمي الطائرتين.

بعد ثلاثة أشهر من حادث المروحيتين، التحق ميكي بوحدة مؤلفة من 24 فرداً من قوات العمليات الخاصة. كانت مهمتهم الاختباء خارج الحزام الأمني وزرع متفجرات في جبل يُتوقع أن يسلكه قيادي في «حزب الله». لكن المهمة كُشفت وبدأ مقاتلو الحزب هجوماً على الجنود. طلب ميكي إسناداً مدفعياً لوقف الهجوم، لكن بيني غانتس، قائد فرقة المظليين وقتها، رفض الطلب خشية سقوط القذائف على الجنود. فمقاتلو «حزب الله» كانوا على مسافة قريبة جداً منهم. لكن أميرام ليفين، قائد قوات الشمال، تدخل وأمر بتلبية الطلب على أساس أن القائد الميداني على الأرض يعرف الوضع أكثر من غيره.

وبالفعل، أرغم القصف «حزب الله» على التراجع، الأمر الذي سمح بنافذة فرصة كي تصل طائرات هليكوبتر وتُجلي الجنود. قال ميكي: «خلال ساعات قليلة مجنونة، خسرنا ثلاثة من وحدة المظليين المؤلفة من 24 فرداً، بما في ذلك نائب القائد... قائد الوحدة مع سبعة آخرين من جنوده أصيبوا بجروح».

بعد عملية الإنقاذ، استُدعي ميكي إلى جلسة استجواب أمام وزير الدفاع إيهود باراك، وبحضور بيني غانتس الذي لم يكن سعيداً بأن قائد قوات الشمال ألغى قراره بعدم تلبية طلب القصف المدفعي. قال له القائد ليفين إن طلبه كان مثيراً للجدل، وفي مثل هذه الحالات تكون النتيجة إما إنزال رتبته أو منحه ميدالية، وعلى رغم أنه أنقذ الوحدة المحاصرة نتيجة طلبه القصف المدفعي، إلا أن الخسائر التي لحقت بها لا تسمح بمنحه ميدالية.

أظهرت الفحوص الطبية أن قذائف «حزب الله» تسببت في شظايا داخل جسده. بعد فترة نقاهة، عاد إلى قوات الجيش والتحق، عام 1999، بوحدة ضباط، حيث كان تحت إمرته 120 جندياً من قوات المدفعية. لكن مساره العسكري كان على وشك أن يتغير إلى غير رجعة. فقد أرسله الجيش ليمثله في مخيم تدريبي للشباب اليهود في كاليفورنيا.

خلال الإقامة هناك، اكتشف ميكي، كما يقول، التنوع اليهودي في الولايات المتحدة. ففي إسرائيل، هناك تياران أساسيان: يهود أرثوذكس أو علمانيون، وهو ينتمي إلى عائلة علمانية. أما في الولايات المتحدة، فهناك طيف واسع من اليهود الذين ينتمون إلى مدارس مختلفة. وهكذا، بعمر 23 سنة، اكتشف ميكي جوانب لم يكن يعرفها عن يهوديته.

الاستخبارات الإسرائيلية

ليس هذا فقط ما اكتشفه. في المخيم تعرّف على شابة يهودية أميركية تدعى روبين ليفين. أحبّا كل منهما الآخر، فلحقت به إلى إسرائيل. هناك تم تسريحه من الخدمة العسكرية. ينقل ميكي عن والده قوله: «الآن وبعدما تسرحت من الجيش، سيتم تجنيدك في الاستخبارات الإسرائيلية. أعرف أنك ستريد أن تعرف هل يمكنك القيام بذلك. قم بالاختبار، ولكن عليك أن تعدني بأنك لن تعمل أبداً في مجتمع الاستخبارات. إن هذا العمل سيطلب منك أن تكذب على عائلتك. إنه عمل سيعني أن الجميع سينفي معرفته بك إذا تم اعتقالك». تابع ميكي: «كان تنبؤه صحيحاً، بالطبع. تم تجنيدي (جاسوساً). كان عليَّ أن أُجري امتحاناً، وأخضع لمقابلة تدوم 8 ساعات، تتضمن اختباراً لكشف الكذب».

لم يكن هناك من مجال لتجنب العمل في الاستخبارات الإسرائيلية إلا من خلال زواجه وسفره إلى الولايات المتحدة... وهذا ما حصل.

تابع ميكي تعليمه الجامعي في الولايات المتحدة. قبل تخرجه في جامعة جورج تاون، اتصل به روبرت مالي، من مجموعة الأزمات العالمية، وعرض عليه العمل ضمن برنامج «مبادرة كلينتون العالمية» التي سيطلقها بيل وهيلاري كلينتون. من خلال عمله في هذه المبادرة، سافر ميكي إلى تشاد عام 2006 حيث قام بمهمة لمساعدة النازحين السودانيين من دارفور.

لكن قبل انخراطه في أزمات السودان، كان ميكي في إسرائيل في يوليو (تموز) 2006 حينما نشبت فجأة الحرب مع «حزب الله». يقول إنه اتصل بصديق دراسة لبناني في جامعة جورج تاون وبدآ في تبادل نقل رسائل بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي بهدف وقف الحرب: اللبناني كان يتواصل مع السلطات في بيروت، وهو مع الجنرال آمي يعالون الذي كان يشغل منصب عضو في الكنيست.

تتضمن مزاعم ميكي تفاصيل على عروض مزعومة تبادلها الجانبان اللبناني والإسرائيلي بخصوص وقف النار. يشرح أن الإسرائيليين درسوا العرض اللبناني لكنّ حكومة إيهود أولمرت انقسمت بشأنه. وزيرة الخارجية تسيبي ليفني وافقت عليه، لكنَّ وزير الدفاع أمير بيرتز، رفضه. وقف أولمرت في صف وزير الدفاع. دامت الحرب سبعة أسابيع. قُتل فيها 55 جندياً إسرائيلياً، وآلاف اللبنانيين. رعت الأمم المتحدة في النهاية اتفاقاً لوقف النار كان «نسخة مطابقة للمسودة اللبنانية» التي نقلها إلى الإسرائيليين، حسبما يقول.

ميكي بيرغمان مع الرئيس عمر البشير في الخرطوم (كتاب «في الظلال»)

...مع عمر البشير

بعد حرب لبنان، عاود ميكي الانخراط في النزاع السوداني حيث كان يجمع تبرعات من الجالية اليهودية في أميركا لدعم نازحي دارفور. في يناير (كانون الثاني) 2007، عرض عليه بيل ريتشاردسون العمل معه في مهمة بالسودان. كان «تحالف أنقذوا دارفور» قد طلب من حاكم نيو مكسيكو السفر إلى الخرطوم للتفاوض مع الرئيس عمر البشير على وقف النار بين الجيش السوداني وفصائل التمرد في دارفور. تساءل ميكي: «هل كان يعرف (ريتشاردسون) أنني إسرائيلي؟ ويهودي؟ كيف سيتعامل جنرالات الجيش الإسلاميون في السودان مع ذلك؟». قرر أن يشرح له مباشرة مخاوفه: «عليّ أن أخبرك بشيء. لست فقط إسرائيلياً. أنا ضابط في جيش الدفاع الإسرائيلي. لا أريد أن أهدد المهمة».

لكنّ ريتشاردسون لم يقبل اعتذاره. قال له: «سأدافع عنك... إذا احتجّ البشير سأقول له إننا نعرف بعضنا منذ سنوات. لديك جواز بريطاني، أليس كذلك؟ إذا كانت لديهم مشكلة معك فلديهم مشكلة معي أيضاً». وأضاف ريتشاردسون: «هل تعرف بمَ أنا مشهور؟ إنني أُخرج الناس من السجون. في أسوأ الحالات، ستقضي بضعة أشهر في سجن سوداني. فكّر بما يمكن أن يفعله ذلك بمستقبلك المهني؟».

يروي ميكي هنا تفاصيل عن المفاوضات التي جرت مع الرئيس عمر البشير في الخرطوم والتي انتهت بموافقة الرئيس السوداني على هدنة في دارفور لمدة 21 يوماً.

بعد السودان، شارك ميكي في الرحلات كافة التي قام بها ريتشاردسون من أجل الإفراج عن أميركيين حول العالم. في فنزويلا، كان الهدف إطلاق سجناء أميركيين تحتجزهم حكومة الرئيس نيكولاس مادورو. في كوريا الشمالية، سعى ريتشاردسون إلى الإفراج عن المبشّر الكوري - الأميركي كينيث باي الذي اعتُقل في بيونغ يانغ عام 2012، وكذلك عن الطالب الأميركي أوتو وارمبير.

وفي ميانمار، قام ريتشاردسون بمسعى للإفراج عن صحافيين سجناء. يروي ميكي بيرغمان، في هذا الإطار، قصة الجهود التي قاموا بها هناك، بما في ذلك تفاصيل لقاءات متوتر مع الزعيمة البورمية أونغ يان سو كي، التي اتهمت الغرب بأنه يحاول «فرض الإسلام علينا»، في إطار رفضها ضغوطاً غربية لوقف قمع مسلمي الروهينغا.

ميكي بيرغمان مع جواد ظريف في نيويورك (كتاب «في الظلال»)

قصة المفاوضات مع جواد ظريف

يتناول الفصل 13 من «في الظلال» قصة المفاوضات مع وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، وأركان السفارة الإيرانية في الأمم المتحدة. التقى ميكي مع ظريف في فندق شهير بنيويورك عام 2019. كان الإيرانيون يحتجزون طالب الدكتوراه الأميركي (الصيني الأصل) كسيو وانغ الذي يدرس التاريخ في جامعة برينستون وكان يتعلم اللغة الفارسية ويُجري أبحاثاً في معهد بشمال طهران. اتُّهم بالتجسس. كان الأميركيون مهتمين بالإفراج عنه، وعن مايكل وايت وهو عنصر من قوات البحرية الأميركية اعتُقل خلال زيارته صديقته الإيرانية عام 2018. كان الأميركيون مهتمين أيضاً بمعرفة مصير روبرت ليفنسون العميل في مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) الذي اختفى في جزيرة كيش الإيرانية خلال مهمة مزعومة لمصلحة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) عام 2007.

لم تكن المفاوضات مع الإيرانيين سهلة، خصوصاً في ظل سياسات إدارة دونالد ترمب المتشددة ضد نظام الحكم في طهران. في أحد اللقاءات، قال ظريف: «لا أفهم... عرضنا تبادلاً عالمياً للسجناء، وترمب يرفض ذلك. من دون تفسير. فقط يرفض ذلك. ألا يريد عودة الأميركيين إلى بلادهم؟».

في إطار المفاوضات، قدّم ظريف عرضاً آخر: «نرغب بتبادل للسجناء يبدأ بوانغ في مقابل مسعود سليماني وهو عالم إيراني اعتقلته أميركا عام 2018».

وهنا يروي ميكي قصة تسريب صورته مع ظريف عقب اغتيال قائد «لواء القدس» قاسم سليماني في بغداد عام 2020، مشيراً إلى أن الهدف من تسريبها، كما يبدو، كان إثارة خلافات داخل أركان الحكم الإيراني من خلال القول إن ظريف، المحسوب على التيار الإصلاحي، يلتقي مع «جاسوس إسرائيلي» في الوقت ذاته الذي تقوم أميركا فيه بقتل قاسم سليماني. ويشير ميكي، في هذا الإطار، إلى أن الصورة سرّبها موقع محسوب على أجهزة الأمن الإسرائيلية.

بايدن وهاريس يستقبلان سجناء أفرجت عنهم روسيا بموجب صفقة تبادل تاريخية (رويترز)

يكرّس ميكي بيرغمان أجزاء طويلة من كتابه لجهود الإفراج عن الأميركيين المحتجزين في روسيا. بول ويلان، وهو من مشاة البحرية (المارينز). والداه بريطانيان. مولود في كندا. يحمل جنسيات كل من الولايات المتحدة وآيرلندا وبريطانيا. عام 2018 كان بول في موسكو لحضور حفلة زفاف حين اعتقلته أجهزة الأمن بتهمة التجسس. كان قد حصل لتوّه على حافظة معلومات تحوي أسماء كل موظفي وكالة أمن روسية. كرَّت سبحة الاعتقالات بعده: تريفور ريد. بريتني غراينر... فتح ريتشاردسون قناة تواصل خلفية مع الروس من خلال صديقه وزير الخارجية سيرغي لافروف (عملا معاً في الأمم المتحدة).

كان ريتشاردسون يُطلع البيت الأبيض على كل لقاءاته مع الروس خصوصاً في ظل العلاقات المتوترة بين البلدين عشية غزو أوكرانيا. تمت اللقاءات مع الروس في مطاعم أو شقق لأفراد، مما يرفع عنها أي صفة رسمية. لقاء أصدقاء فقط. سعى ريتشاردسون إلى استمزاج آراء الروس بخصوص مطالبهم لقاء الإفراج عن الأميركيين. أشاد ميكي ببراعة الروس في المفاوضات. كانوا ينطلقون من مبدأ واضح وهو المعاملة بالمثل؛ سجين من عندنا مقابل سجين من عندكم. كانت البداية من خلال خطوات صغيرة متبادَلة. في نهاية المطاف، كان القرار الأخير بخصوص عمليات التبادل يتم من خلال القناة الرسمية بين البلدين، وهو ما تُوّج بعملية تبادل السجناء الضخمة خلال الصيف الماضي. لم يتضمنها كتاب ميكي الذي طُبع قبل اكتمال الصفقة.