العراق يدعو إلى خروج أميركي «سريع ومنظم»... بلا «عداوة»

السوداني يقول إن وجود التحالف الدولي يمنح أطرافاً داخلية مبررات لإثارة التوتر

رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني (رويترز)
رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني (رويترز)
TT

العراق يدعو إلى خروج أميركي «سريع ومنظم»... بلا «عداوة»

رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني (رويترز)
رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني (رويترز)

قال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إن العراق يريد «خروجاً سريعاً ومنظماً» للقوات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة من أراضيه عن طريق التفاوض، لكنه لم يحدد موعداً نهائياً، ووصف وجود تلك القوات بأنه «مزعزع للاستقرار» في ظل التداعيات الإقليمية لحرب غزة.

تصريحات السوداني التي أوردتها وكالة «رويترز» اليوم (الأربعاء)، تزامنت مع تحذيرات أطلقها بشأن «جهات» لم يسمها تعمل على «عرقلة جهود الحكومة للاستمرار في مشاريع الإعمار»، وفقاً لبيان حكومي.

ونقلت «رويترز» عن السوداني، إن هناك «ضرورة لإعادة ترتيب العلاقة مع التحالف الدولي بالشكل الذي لا يجعلها هدفاً وملفاً ومبرراً لأي جهة داخلية أو خارجية للعبث باستقرار العراق والمنطقة».

وقال السوداني إن «الخروج يجب أن يتم التفاوض عليه في إطار عملية تفاهم وحوار (...) على جدول زمني متفق عليه في وقت سريع حتى لا نطيل أمد الوجود وتبقى الهجمات مستمرة».

ويعتقد رئيس الحكومة العراقية، أن «الحل الوحيد لعدم اتساع الصراع في المنطقة حالياً هو وقف الحرب في غزة مع تكثيف إدخال المساعدات الإنسانية بأسرع وقت ممكن».

وأضاف السوداني: «هذا هو الحل الوحيد، وإلا سوف نشهد المزيد من اتساع ساحة الصراع في منطقة حساسة للعالم تمثل ثقلاً لإمدادات الطاقة، وأيضاً هذا الموضوع برمته هو يؤدي إلى زيادة التطرف والعنف، ليس في هذه المنطقة، في كل دول العالم».

وكان حسين علاوي، وهو أحد مستشاري السوداني، أبلغ «الشرق الأوسط» في وقت سابق، أنه «بعد مواقف الحكومة والقوى السياسية من الهجوم الأميركي الأخير على مقر أمني في بغداد الأسبوع الماضي، صار لزاماً العمل الجديّ على إنهاء مهامّ التحالف الدولي».

ويعتقد سياسيون عراقيون، مناهضون لتحالف «الإطار التنسيقي» الحاكم، أن الانسحاب الأميركي سيؤدي إلى زيادة القلق بشأن تزايد النفوذ الإيراني على المؤسسات الحكومية أكثر مما هو عليه الآن، لكن الحكومة وقوى شيعية حليفة تقول إن سلوك القوات الأميركية في العراق تجاوز حدود السيادة في البلاد.

السوداني يقول إن القوات العراقية باتت «مقتدرة» على سد فراغ القوات الأجنبية (أ.ف.ب)

وقالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الاثنين الماضي إنها لا تخطط لسحب القوات الأميركية الموجودة في العراق بناء على دعوة من حكومتها.

واتخذ العراق موقفاً مناهضاً للحملة الإسرائيلية على غزة، ووصف قتل وتهجير المدنيين الفلسطينيين بأنه حالة نموذجية من الإبادة الجماعية، لكن الحكومة العراقية قالت مراراً إن الهجمات المتربطة بهذه الحرب، التي تشنها الجماعات المسلحة على القوات الأجنبية والبعثات الدبلوماسية في العراق، غير قانونية وتتعارض مع مصالح البلاد.

في الوقت نفسه، أدانت بغداد الضربات الأميركية على القواعد التي تستخدمها تلك الجماعات، وكذلك غارة جوية استهدف مؤخراً قيادياً في أحد الفصائل في قلب بغداد، بوصفها انتهاكات جسيمة للسيادة.

وتعرضت القواعد العسكرية التي تشغلها قوات أميركية في العراق وسوريا إلى نحو 100 هجوم مسلح خلال الأشهر الثلاثة الماضية، غالبيتها نُفِّذت عبر طائرات مُسيَّرة ملغَّمة.

وصوت البرلمان العراقي في عام 2020 لصالح رحيل القوات الأميركية، بعد أيام من مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، والقائد السابق في قوات الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، بغارة أميركية مطلع 2020.

وفي العام التالي، أعلنت الولايات المتحدة نهاية مهمتها القتالية في العراق والتحول إلى تقديم المشورة والمساعدة لقوات الأمن العراقية، وهي خطوة لم تغير سوى القليل على أرض الواقع.

ويستند وجود القوات الأميركية في العراق إلى ترخيص حكومي يتيح لها العمل في إطار مهمة «التحالف الدولي» للقضاء على تنظيم «داعش»، لكن الحكومة العراقية تقول إن قواتها «باتت مقتدرة» وبإمكانها حماية العراق.

 

وقال السوداني، لوكالة «رويترز»، إنه يسعى لخروج التحالف لأن العراق يستطيع الآن الدفاع عن نفسه ضد الإرهاب وينبغي أن يمارس سيادته الكاملة على أراضيه، وبالتالي يتجنب إعطاء أي شخص ذريعة لجر العراق إلى صراع إقليمي.

وأوضح السوداني أن «إنهاء وجود هذه القوات سيمنع المزيد من التوترات وتشابك الملفات الأمنية الداخلية والإقليمية».

رئيس الحكومة العراقية خلال مقابلة أجرتها «رويترز» في بغداد أمس الثلاثاء

ومع ذلك، أكد رئيس الحكومة أن «العراق منفتح على إقامة علاقات ثنائية والانخراط في تعاون أمني مع دول التحالف، لا سيما الولايات المتحدة، وقد يشمل ذلك التدريب وتقديم المشورة لقوات الأمن العراقية وكذلك شراء الأسلحة».

وتابع السوداني: «لا نريد أن يكون إنهاء التحالف وكأنه عملية طرد لهذه القوات وإنما العملية هي عملية تفاهم وحوار تؤدي إلى الانسحاب بشكل طبيعي».

وأردف قائلاً: «مستعدون للتعاون الأمني الثنائي مع كل الدول بما فيها الولايات المتحدة الأميركية التي هي ليست عدواً لنا ولسنا في حرب معها، لكن استمرار هذه التوترات بالتأكيد سوف يؤثر ويتخلق فجوة في هذه العلاقة».

في السياق، أكد القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني محمود خوشناو، أن «العلاقة مع التحالف الدولي من اختصاص الحكومة الاتحادية، لكن القوى الكردية لا تزال تعتقد أن هناك حاجة لهذه القوات لمحاربة الإرهاب».

وقال خوشناو، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «الكرد يدعون إلى تنظيم العلاقة بما يخدم الطرفين؛ العراق والتحالف الدولي».

وتابع خوشناو: «يجب أن نراعي مصالح العراق الاستراتيجية، ولا يجب أن نكون جزءاً من الصراع الحالي، أو نتحول إلى ساحة لتصفية الحسابات بين الأطراف النشطة في الأزمة الراهنة».

جهات «معرقلة»

في بغداد، أعلن السوداني، اليوم (الأربعاء) أن الحكومة التي يرأسها ماضية في عجلة الأعمار والبناء في البلاد رغم التحديات الكثيرة التي تواجهها.

وكان السوداني يتحدث خلال «إطلاق العمل بمشروع لبناء جسر متعدد الأغراض وسط بغداد».

السوداني يعاين تصاميم مشروع جسر جديد مطل على نهر دجلة في بغداد اليوم الأربعاء (إعلام الحكومة)

وقال السوداني، إن «الحكومة العراقية تواجه الكثير من التحديات، وهناك جهات تحاول أن تشغلنا بهذا الملف أو ذاك، ولكنها تواجه إرادة وعزيمة صلبة بالاستمرار في هذه المنهجية بالعمل بما يخص تنفيذ المشاريع».

وجدد السوداني، التأكيد على «مضي الحكومة في منهج الإعمار والبناء والنهوض بالبنى التحتية ولا تراجع في هذا، رغم وجود محاولات لتعطيل الجهود ببعض الملفات».

وتابع السوداني: «لا تستطيع أي قوة أن توقف عجلة الإعمار والبناء تحت أي ظرف من الظروف».

ويتضمن مشروع الجسر الجديد، وفقاً للتصميم الذي أعلنت عنه الحكومة، ربط جانب الرصافة في بغداد بساحة النسور في جانب الكرخ بجسر لسير المركبات بطول 550 متراً، كما يشمل إنشاء جسر موازٍ للمجرى المائي للنهر بطول 2650 متراً.

 


مقالات ذات صلة

«وحدة الساحات» في العراق... التباس بين الحكومة والفصائل

المشرق العربي رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني خلال اجتماع مع قادة الجيش (إعلام حكومي)

«وحدة الساحات» في العراق... التباس بين الحكومة والفصائل

تسير حكومة رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، منذ أشهر في خط متقاطع مع الفصائل المسلحة المنخرطة في «وحدة الساحات».

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي مسعود بارزاني زعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» (إكس)

بارزاني يحذر من مخاطر الانسحاب الأميركي

رفض رئيس «الحزب الديمقراطي الكردستاني» انجرار العراق نحو الحرب، وحذر من مخاطر انسحاب القوات الأميركية خصوصاً في المناطق المتنازع عليها.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي معرض عن ذكرى قصف حلبجة بالسلاح الكيماوي عام 1988 (أ.ف.ب)

كردستان يرد على صهر صدام: إيران لم تقصف حلبجة بالكيماوي

تفاعلت أوساط عراقية مع المقابلة التي أجرتها «الشرق الأوسط» مع جمال مصطفى، صهر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وسكرتيره الثاني.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
خاص جنود أميركيون يُسقطون تمثال صدام حسين في بغداد 7 أبريل 2003 (رويترز) play-circle 07:43

خاص جمال مصطفى: عجزت عن تأمين الرشوة للقاضي فأبقوني محتجزاً 10 سنوات إضافية

في الحلقة الأخيرة من الحوار معه، يتحدث جمال مصطفى السلطان عن اعتقال عمّه صدام حسين، وسقوط «أمل المقاومة» ضد الأميركيين.

غسان شربل
المشرق العربي جمال مصطفى السلطان

صدام: عبد الكريم قاسم نزيه لكن الحزب كلّفنا محاولة اغتياله

نقل جمال مصطفى السلطان، صهر صدام حسين وسكرتيره الثاني، عن الرئيس العراقي الراحل قوله في جلسة لمجلس الوزراء إن الزعيم العراقي الراحل عبد الكريم قاسم «كان نزيهاً.

غسان شربل (لندن)

«حماس»: ملتزمون بالتعاون مع أي جهود لوقف إطلاق النار في غزة

فلسطينيون ينعون أقاربهم الذين قُتلوا في غارة جوية إسرائيلية بمستشفى الأهلي العربي (المعمداني) بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون ينعون أقاربهم الذين قُتلوا في غارة جوية إسرائيلية بمستشفى الأهلي العربي (المعمداني) بغزة (أ.ف.ب)
TT

«حماس»: ملتزمون بالتعاون مع أي جهود لوقف إطلاق النار في غزة

فلسطينيون ينعون أقاربهم الذين قُتلوا في غارة جوية إسرائيلية بمستشفى الأهلي العربي (المعمداني) بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون ينعون أقاربهم الذين قُتلوا في غارة جوية إسرائيلية بمستشفى الأهلي العربي (المعمداني) بغزة (أ.ف.ب)

قالت حركة (حماس) اليوم الأربعاء إنها ملتزمة بالتعاون مع أي جهود لوقف إطلاق النار في قطاع غزة حيث تخوض قتالاً مع القوات الإسرائيلية منذ أكثر من عام. وأضافت «حماس» في بيان صدر بعد موافقة إسرائيل وجماعة «حزب الله» اللبنانية على وقف إطلاق النار في لبنان «نعرب عن التزامنا بالتعاون مع أي جهود لوقف إطلاق النار في غزة، ومعنيون بوقف العدوان على شعبنا، ضمن محددات وقف العدوان على غزة التي توافقنا عليها وطنياً؛ وهي وقف إطلاق النار، وانسحاب قوات الاحتلال، وعودة النازحين، وإنجاز صفقة تبادل للأسرى حقيقية وكاملة»، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء. وقالت «ندعو الدول العربية والإسلامية الشقيقة وقوى العالم الحر إلى حراك جاد وضاغط على واشنطن والاحتلال الصهيوني لوقف عدوانه الوحشي على شعبنا الفلسطيني، وإنهاء حرب الإبادة المتواصلة في قطاع غزة».

وفي وقت سابق اليوم، أكد مصدر قيادي في «حماس» أن الحركة الفلسطينية «جاهزة» لإبرام اتفاق مع إسرائيل بشأن هدنة في قطاع غزة، بعد بدء سريان وقف إطلاق النار بين الدولة العبرية و«حزب الله» في لبنان.

وقال القيادي، الذي طلب عدم كشف اسمه، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن وقف إطلاق النار في لبنان «انتصار وإنجاز كبير للمقاومة»، مشدداً على أن الحركة أبلغت «الوسطاء في مصر وقطر وتركيا أن (حماس) جاهزة لاتفاق وقف إطلاق النار وصفقة جادة لتبادل الأسرى، إذا التزم الاحتلال، لكن الاحتلال يعطل ويتهرب من الوصول لاتفاق ويواصل حرب الإبادة».

واندلعت الحرب في قطاع غزة، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، على أثر هجوم غير مسبوق لحركة «حماس» على جنوب إسرائيل. وأسفر الهجوم عن مقتل 1207 أشخاص؛ معظمهم مدنيون، وفق تعداد لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، استناداً إلى أرقام إسرائيلية رسمية. وتشمل هذه الحصيلة رهائن قتلوا أو لقوا حتفهم أثناء الاحتجاز في القطاع الفلسطيني. وخُطف أثناء الهجوم 251 شخصاً من داخل الدولة العبرية. ولا يزال 97 من هؤلاء محتجَزين في القطاع، بينهم 34 شخصاً أعلن الجيش الإسرائيلي أنهم قُتلوا. وتوصلت إسرائيل و«حماس» إلى هدنة وحيدة في حرب غزة، وذلك لمدة أسبوع في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، أتاحت الإفراج عن أكثر من 100 رهينة، مقابل أسرى في السجون الإسرائيلية. وأكد المصدر القيادي أن المسؤولين في الحركة «معنيون وحريصون على الوقف الفوري والدائم للعدوان وحرب الإبادة» في غزة، مشدداً على أن «المقاومة ستتواصل ما دام العدوان مستمراً». وفتح «حزب الله» جبهة «إسناد» لغزة، غداة اندلاع الحرب في القطاع. وبعد نحو عام من تبادل القصف عبر الحدود، كثّفت إسرائيل ضرباتها الجوية ضد «الحزب»، وبدأت عمليات برية في جنوب لبنان، ابتداء من أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي. وقال المصدر القيادي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نحن في (حماس) سعداء لاتفاق وقف العدوان وحرب الإبادة في لبنان؛ لأن (حزب الله) دائماً وقف إلى جانب شعبنا وفلسطين والمقاومة، وقدّم تضحيات كبيرة».