في جو من الالتباس والتصعيد، تعهد رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، بأن يكون الجيش العراقي في «مقدمة الجيوش»، بعدما حضر احتفالاً وُصف بـ«الكبير» في الذكرى 103 لتأسيس هذه القوات.
وتشكلت أول نواة للجيش في 6 يناير (كانون الثاني) عام 1921، وحملت اسم «فوج موسى الكاظم»، ومنها تطورت التشكيلات العسكرية، مروراً بالقوتين الجوية والبحرية.
واستعرضت القوات العراقية، صباح السبت، أسلحتها الثقيلة وعجلاتها المدرعة، أميركية الصنع، مع مئات من المقاتلين المشاة الذين كانوا يسيرون أمام المنصة الشرفية، حاملين الأعلام العراقية.
وقبل الاحتفال، حلّقت طائرات حربية على نحو منخفض في سماء العاصمة بغداد، في تقليد عسكري يجريه الجيش للتحية في مناسبة ذكرى التأسيس.
وقال السوداني، في بيان صحافي عقب الاحتفال الذي أقيم في «ساحة الاحتفالات» وسط بغداد: «لولا تضحيات الجيش لما كان العراق ينعم بالأمن والاستقرار».
رسالة القائد العام للقوات المسلحة السيد محمد شياع السوداني إلى أبناء قواتنا المسلحة بمناسبة الذكرى الـ 103 لتأسيس الجيش العراقي الأغرّ. pic.twitter.com/wbiapI1Ggl
— المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء (@IraqiPMO) January 5, 2024
ويأتي الاحتفال، وتصريحات السوداني في فترة سياسية حرجة، إذ ترزح الحكومة تحت ضغط هائل لإخراج القوات الأميركية وإنهاء العلاقة مع التحالف الدولي، بعد تزايد التصعيد مع الفصائل المسلحة الموالية لإيران.
وحضر السوداني الاحتفال بصفته القائد العام للقوات المسلحة، إلى جانب وزير الدفاع ثابت العباسي، ورئيس أركان الجيش الفريق أول الركن عبد الأمير يار الله.
وشهد الاستعراض العسكري مشاركة وحدات قتالية تابعة لهيئة «الحشد الشعبي»، تضمنت عناصر من المشاة وناقلات جنود مدرعة.
«الحشد جزء من الجيش»
قبل يوم من ذكرى تأسيس الجيش، شدّد السوداني أن «(الحشد الشعبي) جزء لا يتجزأ من القوات العراقية»، في حين أعلن أنه «بصدد تحديد موعد لبدء مشاورات لإنهاء وجود قوات التحالف الدولي نهائياً».
وقال رئيس الحكومة: «تضحيات الجيش تدفعنا دوماً للأمام، وتضاعف تمسكنا بنظامنا الديمقراطي، وتزيد من إصرارنا وعزمنا على بناء دولتنا الحرة الكريمة التي يعيش فيها جميع العراقيين متساوين بلا تفرقة أو تمييز».
وتابع: «عهدٌ منا لكم يا أبطالنا في الجيش العراقي أن نكون داعمين لكم، محافظين على حقوقكم، لتكونوا في مقدمة الجيوش، من حيث المستوى القتالي والجاهزية العالية».
«الاستعداد التام»
من جهته، دعا رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد إلى «دعم القوات المسلحة بصنوفها كافة»، فيما أكد أن «العراق يفتخر بتضحيات الجيش وانتصاراته في الدفاع عن الوطن».
لكن رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، أصدر بياناً في ذكرى التأسيس، دعا فيه الجيش إلى «البقاء في أتم الاستعداد والجاهزية، في ظل التحديات الأمنية التي يتعرض لها البلد».
وأعرب رئيس تيار الحكمة، عمار الحكيم، وهو أحد أقطاب تحالف «الإطار التنسيقي»، أن «يتربع الجيش العراقي ضمن الصفّ الأول لجيوش العالم».
وقال هادي العامري، وهو رئيس منظمة «بدر»، إنه «يثق بقدرة الجيش العراقي على حماية البلاد دون الحاجة إلى أي قوات عسكرية أجنبية، التي باتت تشكل خطراً على أمن العراق وسيادته»، وفقاً لتعبيره.
وحثّ أمين حركة «عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، الحكومة على مواصلة جهودها لإخراج القوات الأجنبية، وزيادة الدعم التسليحي للجيش العراقي.
ولم يبث التلفزيون الحكومي لقطات حية من الاستعراض المركزي للجيش العراقي، كما جرت العادة في السنوات السابقة، ما أثار تساؤلات من ناشطين عراقيين.
في عيد الجيش العراقيولا قناة عراقية رفعت هاشتاك #عيد_الجيش_العراقي حتى قناة "الدولة"!الجيش في كل الدول هو أهم مقومات بناء الأمة، ولا علاقة له بمن يحكم، فالجيش يبقى فوق الميول والاتجاهات.ومن حق العراقيين أن يفتخروا بجيشهم صانع الانتصارات، والحصن المنيع للدولة. pic.twitter.com/CscQ3NLTGp
— إياد العنبر (@ayadhussein1) January 6, 2024
تاريخ مضطرب
مرّ الجيش العراقي بمحطات عاصفة طوال عقود، وما زال دوره في الإطار السياسي محل جدل لا ينقطع، خصوصاً خلال فترة حكم نظام البعث، لكن قرار حلّه من قبل الحاكم المدني الأميركي بول بريمير عام 2003 المحطة الأكثر جدلية، وما تبعها من تحولات شهدت صعوداً مضطرداً لمجموعات مسلحة تنافس القوات العراقية على مقاليد الأمن في البلاد.
ومع ذلك، فإن جهود تسليح الجيش وعزله عن تأثيرات السياسة دخلت خلال العقدين الماضيين في صلب الخلافات بين القوى المتنفذة في البلاد.
وتشكل العلاقة بين القوات الاتحادية وقوات البيشمركة في إقليم كردستان أبرز التحديات التي تواجه تنظيم دور الجيش العراقي وتحديد عقيدته العسكرية، في ظل مخاوف مستمرة من الاحتكاك بين الطرفين في المناطق المتنازع عليها.
رسالة من بايدن
في سياق آخر، وبعد 3 أيام من الهجوم الأميركي على مقر فصيل حركة «النجباء» في بغداد، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أنه «أمر بالغارة لحماية مواطني الولايات المتحدة ولتعزيز الأمن القومي».
وبعث بايدن، أمس (الجمعة)، رسالة إلى الكونغرس الأميركي، قال فيها إن القرار الذي اتخذه بتوجيه ضربة عسكرية في العراق جاء «في إطار مسؤوليته لحماية المواطنين الأميركيين»، مؤكداً الاستعداد لـ«اتخاذ مزيد من الإجراءات، حسب الضرورة، للتصدي لمزيد من التهديدات أو الهجمات».
وجاء في الرسالة: «لقد وجهت هذا العمل العسكري بما يتوافق مع مسؤوليتي في حماية مواطني الولايات المتحدة في الداخل والخارج، ولتعزيز الأمن القومي، ومصالحه الخارجية، وذلك وفقاً لسلطتي الدستورية كقائد أعلى للقوات المسلحة، وكرئيس للبلاد».
وأضاف بايدن: «البيت الأبيض اتخذ هذا الإجراء الضروري والمتناسب بما يتوافق مع القانون الدولي (...) لقد مارسنا حقنا الأصيل في الدفاع عن النفس، كما هو منصوص في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة».
وكانت «خلية الإعلام الأمني» في العراق أكدت أن الهجوم الأخير نُفّذ بشكل مباشر من قِبل الأميركيين، من دون علم أي طرف عسكري في البلاد، رداً على تصريحات لباتريك رايدر، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، قال فيها إن «العراقيين يساعدون واشنطن على تحديد الهجمات التي ينفذها وكلاء إيران».