العراق: التوتر مع واشنطن يخيّم على الاحتفال بـ«عيد الجيش»

السوداني يتعهد «بقوات مسلحة متطورة» والأحزاب تحثه على إخراج التحالف الدولي

مقاتل من «القوات الخاصة» خلال استعراض الجيش العراقي في بغداد، اليوم السبت (أ.ف.ب)
مقاتل من «القوات الخاصة» خلال استعراض الجيش العراقي في بغداد، اليوم السبت (أ.ف.ب)
TT

العراق: التوتر مع واشنطن يخيّم على الاحتفال بـ«عيد الجيش»

مقاتل من «القوات الخاصة» خلال استعراض الجيش العراقي في بغداد، اليوم السبت (أ.ف.ب)
مقاتل من «القوات الخاصة» خلال استعراض الجيش العراقي في بغداد، اليوم السبت (أ.ف.ب)

في جو من الالتباس والتصعيد، تعهد رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، بأن يكون الجيش العراقي في «مقدمة الجيوش»، بعدما حضر احتفالاً وُصف بـ«الكبير» في الذكرى 103 لتأسيس هذه القوات.

وتشكلت أول نواة للجيش في 6 يناير (كانون الثاني) عام 1921، وحملت اسم «فوج موسى الكاظم»، ومنها تطورت التشكيلات العسكرية، مروراً بالقوتين الجوية والبحرية.

واستعرضت القوات العراقية، صباح السبت، أسلحتها الثقيلة وعجلاتها المدرعة، أميركية الصنع، مع مئات من المقاتلين المشاة الذين كانوا يسيرون أمام المنصة الشرفية، حاملين الأعلام العراقية.

مروحية قتالية تلوح بالعلم العراقي فوق ساحة الاحتفالات، اليوم السبت (أ.ف.ب)

وقبل الاحتفال، حلّقت طائرات حربية على نحو منخفض في سماء العاصمة بغداد، في تقليد عسكري يجريه الجيش للتحية في مناسبة ذكرى التأسيس.

وقال السوداني، في بيان صحافي عقب الاحتفال الذي أقيم في «ساحة الاحتفالات» وسط بغداد: «لولا تضحيات الجيش لما كان العراق ينعم بالأمن والاستقرار».

ويأتي الاحتفال، وتصريحات السوداني في فترة سياسية حرجة، إذ ترزح الحكومة تحت ضغط هائل لإخراج القوات الأميركية وإنهاء العلاقة مع التحالف الدولي، بعد تزايد التصعيد مع الفصائل المسلحة الموالية لإيران.

وحضر السوداني الاحتفال بصفته القائد العام للقوات المسلحة، إلى جانب وزير الدفاع ثابت العباسي، ورئيس أركان الجيش الفريق أول الركن عبد الأمير يار الله.

وشهد الاستعراض العسكري مشاركة وحدات قتالية تابعة لهيئة «الحشد الشعبي»، تضمنت عناصر من المشاة وناقلات جنود مدرعة.

رئيس الحكومة يتوسط رئيس أركان الجيش (يمين) ووزير الدفاع (يمين) في منصة ساحة الاحتفالات (أ.ف.ب)

«الحشد جزء من الجيش»

قبل يوم من ذكرى تأسيس الجيش، شدّد السوداني أن «(الحشد الشعبي) جزء لا يتجزأ من القوات العراقية»، في حين أعلن أنه «بصدد تحديد موعد لبدء مشاورات لإنهاء وجود قوات التحالف الدولي نهائياً».

وقال رئيس الحكومة: «تضحيات الجيش تدفعنا دوماً للأمام، وتضاعف تمسكنا بنظامنا الديمقراطي، وتزيد من إصرارنا وعزمنا على بناء دولتنا الحرة الكريمة التي يعيش فيها جميع العراقيين متساوين بلا تفرقة أو تمييز».

وتابع: «عهدٌ منا لكم يا أبطالنا في الجيش العراقي أن نكون داعمين لكم، محافظين على حقوقكم، لتكونوا في مقدمة الجيوش، من حيث المستوى القتالي والجاهزية العالية».

قاذفة صواريخ عراقية خلال استعراض الجيش في بغداد، اليوم السبت (أ.ف.ب)

«الاستعداد التام»

من جهته، دعا رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد إلى «دعم القوات المسلحة بصنوفها كافة»، فيما أكد أن «العراق يفتخر بتضحيات الجيش وانتصاراته في الدفاع عن الوطن».

لكن رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، أصدر بياناً في ذكرى التأسيس، دعا فيه الجيش إلى «البقاء في أتم الاستعداد والجاهزية، في ظل التحديات الأمنية التي يتعرض لها البلد».

وأعرب رئيس تيار الحكمة، عمار الحكيم، وهو أحد أقطاب تحالف «الإطار التنسيقي»، أن «يتربع الجيش العراقي ضمن الصفّ الأول لجيوش العالم».

وقال هادي العامري، وهو رئيس منظمة «بدر»، إنه «يثق بقدرة الجيش العراقي على حماية البلاد دون الحاجة إلى أي قوات عسكرية أجنبية، التي باتت تشكل خطراً على أمن العراق وسيادته»، وفقاً لتعبيره.

وحثّ أمين حركة «عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، الحكومة على مواصلة جهودها لإخراج القوات الأجنبية، وزيادة الدعم التسليحي للجيش العراقي.

مجموعة من ضباط الكلية العسكرية العراقية تستعرض خلال عيد الجيش، اليوم السبت (أ.ف.ب)

ولم يبث التلفزيون الحكومي لقطات حية من الاستعراض المركزي للجيش العراقي، كما جرت العادة في السنوات السابقة، ما أثار تساؤلات من ناشطين عراقيين.

تاريخ مضطرب

مرّ الجيش العراقي بمحطات عاصفة طوال عقود، وما زال دوره في الإطار السياسي محل جدل لا ينقطع، خصوصاً خلال فترة حكم نظام البعث، لكن قرار حلّه من قبل الحاكم المدني الأميركي بول بريمير عام 2003 المحطة الأكثر جدلية، وما تبعها من تحولات شهدت صعوداً مضطرداً لمجموعات مسلحة تنافس القوات العراقية على مقاليد الأمن في البلاد.

ومع ذلك، فإن جهود تسليح الجيش وعزله عن تأثيرات السياسة دخلت خلال العقدين الماضيين في صلب الخلافات بين القوى المتنفذة في البلاد.

وتشكل العلاقة بين القوات الاتحادية وقوات البيشمركة في إقليم كردستان أبرز التحديات التي تواجه تنظيم دور الجيش العراقي وتحديد عقيدته العسكرية، في ظل مخاوف مستمرة من الاحتكاك بين الطرفين في المناطق المتنازع عليها.

رسالة من بايدن

في سياق آخر، وبعد 3 أيام من الهجوم الأميركي على مقر فصيل حركة «النجباء» في بغداد، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أنه «أمر بالغارة لحماية مواطني الولايات المتحدة ولتعزيز الأمن القومي».

صورة وزّعتها منصات مقرَّبة من «الحشد الشعبي» تُظهر سيارة محترقة في موقع الهجوم على «النجباء» (تلغرام)

وبعث بايدن، أمس (الجمعة)، رسالة إلى الكونغرس الأميركي، قال فيها إن القرار الذي اتخذه بتوجيه ضربة عسكرية في العراق جاء «في إطار مسؤوليته لحماية المواطنين الأميركيين»، مؤكداً الاستعداد لـ«اتخاذ مزيد من الإجراءات، حسب الضرورة، للتصدي لمزيد من التهديدات أو الهجمات».

وجاء في الرسالة: «لقد وجهت هذا العمل العسكري بما يتوافق مع مسؤوليتي في حماية مواطني الولايات المتحدة في الداخل والخارج، ولتعزيز الأمن القومي، ومصالحه الخارجية، وذلك وفقاً لسلطتي الدستورية كقائد أعلى للقوات المسلحة، وكرئيس للبلاد».

وأضاف بايدن: «البيت الأبيض اتخذ هذا الإجراء الضروري والمتناسب بما يتوافق مع القانون الدولي (...) لقد مارسنا حقنا الأصيل في الدفاع عن النفس، كما هو منصوص في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة».

وكانت «خلية الإعلام الأمني» في العراق أكدت أن الهجوم الأخير نُفّذ بشكل مباشر من قِبل الأميركيين، من دون علم أي طرف عسكري في البلاد، رداً على تصريحات لباتريك رايدر، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، قال فيها إن «العراقيين يساعدون واشنطن على تحديد الهجمات التي ينفذها وكلاء إيران».

اقرأ أيضاً


مقالات ذات صلة

العراق يرفض «تخوين الأشقاء» في حرب غزة ولبنان

المشرق العربي الحكومة العراقية تحاول كبح الفصائل المسلحة عن حرب لبنان (إعلام حكومي)

العراق يرفض «تخوين الأشقاء» في حرب غزة ولبنان

شددت الحكومة العراقية على أنها تحتكر القرار والموقف السياسي بشأن التصعيد في لبنان وغزة، وقالت إنها ترفض «خطاب التخوين والإساءة» الموجّه إلى دول شقيقة وصديقة.

حمزة مصطفى (بغداد) فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي صورة إطلاق سابق لطائرة مسيَّرة من فيديو نشرته «المقاومة الإسلامية في العراق» عبر «تلغرام»

فصائل عراقية تتبنى هجمات بصواريخ «الأرقب» ضد أهداف إسرائيلية

تبنت «المقاومة الإسلامية في العراق» 5 هجمات منفصلة بصواريخ «الأرقب» ضد أهداف في وسط إسرائيل وشمالها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني (رويترز)

السوداني يواصل جهوده لتجنيب العراق رداً إسرائيلياً

حضّ رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، دولاً أوروبية على الضغط باتجاه خفض التصعيد في المنطقة، والعمل على تجنيب العراق أي ضربة إسرائيلية رداً على مقتل.

فاضل النشمي (بغداد) حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي صورة لنبتة القنب الهندي (الحشيش) (جامعة كاليفورنيا)

الأمن العراقي يضبط 6 مزارع للمخدرات في بغداد وديالى

هذه المرة الأولى التي يعلن فيها جهاز أمني رفيع عن المستوى الذي وصل إليه انتشار المخدرات في البلاد عبر زراعتها.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي مظاهرة في بغداد ترفع العلم اللبناني وصورة حسن نصر الله (رويترز)

«الإطار الشيعي» يسعى للنأي بالعراق عن «الحرب» بين إيران وإسرائيل

تنشغل الأوساط السياسية والشعبية منذ نحو أسبوعين بالحرب وتداعياتها، وتَراجع إلى الوراء الاهتمام بمعظم القضايا الخلافية الكبيرة التي تفجرت خلال الشهرين الماضيين.

فاضل النشمي (بغداد)

كتاب: بايدن وصف نتنياهو بأنه «كاذب لا يهمّه سوى صموده السياسي»

الرئيس الأميركي جو بايدن يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمناقشة الصراع المستمر بين إسرائيل و«حماس»... الصورة في تل أبيب 18 أكتوبر 2023 (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمناقشة الصراع المستمر بين إسرائيل و«حماس»... الصورة في تل أبيب 18 أكتوبر 2023 (رويترز)
TT

كتاب: بايدن وصف نتنياهو بأنه «كاذب لا يهمّه سوى صموده السياسي»

الرئيس الأميركي جو بايدن يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمناقشة الصراع المستمر بين إسرائيل و«حماس»... الصورة في تل أبيب 18 أكتوبر 2023 (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمناقشة الصراع المستمر بين إسرائيل و«حماس»... الصورة في تل أبيب 18 أكتوبر 2023 (رويترز)

أوردت وسائل إعلام أميركية الثلاثاء مقتطفات من كتاب يصدره قريباً الصحافي المخضرم بوب وودوارد وينقل فيه عن الرئيس جو بايدن وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه «كاذب» و«لا يهمه سوى صموده السياسي».

والصحافي وودوارد يعمل في صحيفة «واشنطن بوست» منذ نصف قرن ويتناول في مقالاته ما يدور في كواليس البيت الأبيض، وقد ذاع صيته قبل نصف قرن حين كشف مع كارل بيرنستين فضيحة ووترغيت التي دفعت الرئيس ريتشارد نيكسون إلى التنحي في عام 1974.

وفي كتابه «حرب»، الذي سيصدر في 15 أكتوبر، يتحدث وودوارد خصوصاً عن جهود ذهبت سدى بذلها الرئيس جو بايدن من أجل وضع حد للحرب التي تشنها إسرائيل على «حماس» في قطاع غزة رداً على هجوم غير مسبوق شنّته الحركة في السابع من أكتوبر على الدولة العبرية.

ومنذ بدء النزاع، تبدو الدبلوماسية الأميركية عاجزة عن التأثير على نهج نتنياهو في إدارة الحرب.

ووفق مقتطفات من الكتاب، سأل بايدن خلال محادثة هاتفية جرت في أبريل (نيسان) رئيس الوزراء الإسرائيلي عن استراتيجيته، فأجاب الأخير بالقول: «علينا أن ندخل رفح»، ليردّ عليه بايدن: «بيبي (لقب نتنياهو)، ليست لديك استراتيجية».

ولاحقاً تذمّر الرئيس الأميركي أمام مستشاريه، مشدداً على أن نتنياهو «كاذب»، و«لا يهمّه سوى صموده السياسي».

وفي مطلع سبتمبر (أيلول)، اعتبر بايدن في تصريح علني أنّ نتنياهو لا يبذل جهوداً كافية للتوصل إلى اتفاق للإفراج عن الرهائن الإسرائيليين الذي تحتجزهم «حماس» في قطاع غزة.

وعلى الرغم من ذلك، لم يعمد الرئيس الأميركي إلى الآن إلى استخدام شحنات الأسلحة وسيلة للتأثير في سياسات حكومة نتنياهو، باستثناء تجميده شحنة قنابل في مايو (أيار).

بايدن يصافح نتنياهو خلال لقاء في البيت الأبيض 25 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

ووفق صحيفة «واشنطن بوست»، يتطرق كتاب وودوارد أيضاً إلى نائبة الرئيس كامالا هاريس، التي يشير إليها بأنها مؤيدة لمواقف بايدن، إنما غير ذات تأثير حاسم في سياسته الخارجية.

وفي يوليو (تموز)، إثر لقاء مع نتنياهو، جاءت لهجة هاريس حادة في إطار توصيفها طريقة إدارة إسرائيل للنزاع في غزة، متعهّدة «بعدم الصمت» إزاء معاناة الفلسطينيين.

إلا أن تصريحاتها العلنية لم تعكس اللهجة الودية التي سادت المحادثات، وفق الكتاب.

وبحسب كتاب وودوارد، فإنّ هذا التباين في تصريحات المرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية المقررة في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني)، أثار دهشة نتنياهو وحفيظته.