إسرائيل تكثف هجومها على جنوب قطاع غزة... مستهدفة «السنوار»

الجيش يخشى تآكل «الإنجازات» في غياب الأهداف السياسية

جانب من الدمار في وسط قطاع غزة يوم 30 ديسمبر (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في وسط قطاع غزة يوم 30 ديسمبر (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تكثف هجومها على جنوب قطاع غزة... مستهدفة «السنوار»

جانب من الدمار في وسط قطاع غزة يوم 30 ديسمبر (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في وسط قطاع غزة يوم 30 ديسمبر (أ.ف.ب)

احتدمت الاشتباكات بين الجيش الإسرائيلي والمقاتلين الفلسطينيين في مناطق وسط وجنوب قطاع غزة، في اليوم الـ85 للحرب على القطاع، مع ازدياد القلق لدى الجيش من عدم وجود أهداف واضحة للقتال في المستقبل القريب. وقالت «القناة 12» الإسرائيلية، إن الجيش قلِق من عدم وجود تحرك سياسي يسوّغ استمرار الحرب في قطاع غزة، أو يحدد أهداف القتال في المستقبل القريب.

وأكدت مصادر عسكرية أن الجيش منزعج من أن المستوى السياسي لم يحدد بعد أهداف استمرار الحرب، ويعتقد أن الإنجازات على الأرض ستتآكل بمرور الوقت من دون تحرك سياسي. وجاء التذمر في خضم توسيع الجيش الإسرائيلي هجومه في جنوب قطاع غزة، وهي المرحلة الثانية من الحرب بعد المرحلة الأولى التي ركزت على مناطق شمال القطاع، ولم يتمكن خلالها الجيش من الوصول إلى قادة الصف الأول في «حماس» و«كتائب القسام».

دبابة إسرائيلية قرب الحدود مع قطاع غزة (إ.ب.أ)

توغل بري جنوباً

وأعلن الجيش الإسرائيلي يوم السبت أنه يواصل القتال في غزة، وقتل مسلحين، وداهم مباني وبنى تحتية، ويخوض «معارك ضارية» في شمال ووسط وجنوب القطاع، لكنه كثف نطاق توغله البري جنوباً، وداهم مقرات عسكرية لـ«حماس» في قلب مدينة خان يونس ومن بينها غرفة العمليات الخاصة بجهاز الاستخبارات العسكرية التابعة والمسؤولة عن جميع العمليات الاستخباراتية في المنطقة، وعُثر في المواقع المستهدفة التي داهمها المقاتلون على وثائق قيّمة للغاية.

ووفق بيان الناطق العسكري فإنه أيضاً «عُثر في المجمع الحمساوي على غرفة عمليات أخرى تابعة لـ(حركة الجهاد الإسلامي)». وقال الناطق إن قوات الجيش داهمت كثيراً من البنى التحتية، وقتلت مسلحين، ودمرت أهدافاً مختلفة مثل مواقع لإنتاج الأسلحة والذخيرة».

وجاء الإعلان عن العثور على وثائق «قيمة» في خان يونس، بعد يوم من إعلان الجيش الإسرائيلي أن قواته عثرت على شقة استُخدمت ملجأً كانت تابعة لزعيم «حماس»، يحيى السنوار، في شمال غزة وهدمتها، بالإضافة إلى شبكة أنفاق كبيرة تحتها.

أرشيفية ليحيى السنوار رئيس حركة «حماس» في غزة (أ.ب)

«الاقتراب من السنوار»

ويدعي الجيش الإسرائيلي أنه يقترب من السنوار منذ أسابيع، لكن من دون أي اختراق حقيقي، وهو ما يحرم إسرائيل من النصر العملياتي الرافع للمعنويات الذي تسعى إليه بشدة منذ بدء الحرب قبل 3 أشهر. وقال الجيش الإسرائيلي إنه عثر على أدلة مهمة في الشقة أدت إلى استنتاج مفاده أن السنوار استخدمها مخبأً.

ويبلغ عمق فتحة النفق نحو 20 متراً، وتؤدي إلى نفق طوله 218 متراً، وله فروع عدة، وفق الجيش الإسرائيلي. وتحتوي الممرات تحت الأرض على كهرباء، وأنظمة تنقية هواء، وأنابيب مياه، وغرف راحة وصلاة... وغيرها من المعدات التي تهدف إلى السماح لكبار أعضاء «حماس» بالبقاء فترات طويلة.

وكانت إسرائيل تعول على الوصول إلى السنوار في منطقة الشمال مع بداية الحرب البرية، ثم تقول اليوم إنها تعتقد أنه موجود في خان يونس، بعد أن فر من شمال القطاع من خلال الاختباء في قافلة إنسانية كانت متوجهة جنوباً في وقت مبكر من الحرب. وتتهم إسرائيل السنوار بالإشراف على الاستعدادات والتخطيط لهجوم 7 أكتوبر، وأنه يقود حالياً مباحثات صفقات الهدن الإنسانية، وتبادل الأسرى. ووضعت إسرائيل خططاً لقتل أو اعتقال السنوار، من بينها أنه ربما يكون قد اتخذ محتجزين دروعاً بشرية، وأن ذلك قد يؤدي إلى مفاوضات طويلة.

جنود إسرائيليون في غزة (رويترز)

الخسائر الإسرائيلية

وبينما أعلنت إسرائيل تكثيف هجومها جنوباً، قالت «كتائب القسام» إن مقاتليها يتصدون للقوات الإسرائيلية في كل مناطق التوغل، وقد أوقعوا في صفوفها مزيداً من القتلى. وقالت «القسام» في بيانات منفصلة، يوم السبت، إن مقاتليها «اشتبكوا مع القوات الخاصة الإسرائيلية المتوغلة في حي الشيخ رضوان غرب مدينة غزة، وأوقعوا أكثر من 20 جندياً بين قتيل وجريح».

كما اشتبكوا مع القوات المتوغلة في مخيم البريج وخان يونس، وقصفوا تجمعين لآليات وجنود الاحتلال بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة بقذائف هاون، وفجروا بعبوات ناسفة منزلاً تحصن فيه عدد من جنود الاحتلال في خان يونس، حيث أوقعوهم بين قتيل وجريح، كما استهدفوا دبابة إسرائيلية من نوع «ميركافا» بقذيفة «الياسين 105» في منطقة خزاعة شرق مدينة خان يونس.

وأعلنت «القسام» استهداف سيارات عسكرية، والاشتباك مع أفرادها وإيقاعهم بين قتيل وجريح في الشيخ عجلين بمدينة غزة، وقصف تجمعاً لجنود وآليات العدو شرق خزاعة جنوب قطاع غزة بوابل من قذائف «الهاون».

فلسطيني يحمل طفلاً بعد خروجه من تحت الأنقاض في منزل بمنطقة الزوايدة في غزة (أ.ف.ب)

14 مجزرة

كما أعلنت «سرايا القدس» الاشتباك مع الجيش المتوغل في خان يونس، وقالت إنها قصفت تجمعات للجيش الإسرائيلي في منطقة بني سهيلا شرق خان يونس بوابل من قذائف «الهاون» النظامي عيار 60. ومع مواصلة القتال البري، قصفت إسرائيل مزيداً من المناطق في قطاع غزة في الشمال والوسط والجنوب.

وقال المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة أشرف القدرة، إنه وفي اليوم الـ85 للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، «ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي 14 مجزرة بحق العائلات راح ضحيتها 165 شهيداً و250 إصابة خلال الـ24 ساعة الماضية».

ووفق القدرة، فإن «عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي بلغ 21 ألفاً و672 شهيداً، في حين بلغ عدد المصابين 56 ألفاً و165 مصاباً».

وأكد القدرة أن 70 في المائة من ضحايا العدوان الإسرائيلي هم من الأطفال والنساء. وحذر القدر من مخاطر المجاعة والجفاف الذي يصيب أكثر من 1.9 مليون نازح ومشرد يفتقدون المأوى المناسب والماء والطعام والدواء والأمان.

طفلان فلسطينيان في خيمة برفح جنوب قطاع غزة (رويترز)

اضطرابات نفسية

وقال القدرة إن الأطفال والنساء يتعرضون لاضطرابات نفسية متعددة نتيجة القصف الشديد والدمار والأشلاء وفقدان ذويهم ومنازلهم بمن في ذلك أكثر من 900 ألف طفل في مراكز الإيواء يتعرضون لمخاطر البرد الشديد والجفاف وسوء التغذية والأمراض التنفسية والجلدية وعدم توافر التطعيمات للمواليد، وهناك 50 ألف سيدة حامل يعانين من سوء التغذية والمضاعفات الصحية خصوصاً ذوات الحمل الخطر في مراكز الإيواء نتيجة عدم توافر مياه الشرب والنظافة والطعام والرعاية الصحية، وطالب القدرة المؤسسات الأممية بإجراء تدخلات عاجلة لإنقاذ حياة الأطفال والسيدات الحوامل والمرضى المزمنين ومنع الكارثة الصحية والإنسانية والنفسية في مراكز الإيواء.


مقالات ذات صلة

«سلاح أبيض» و«أحزمة ناسفة»... تكتيكات جديدة لـ«القسام» في غزة

تحليل إخباري «كتائب القسام» تشارك في عرض عسكري وسط قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)

«سلاح أبيض» و«أحزمة ناسفة»... تكتيكات جديدة لـ«القسام» في غزة

الواقع الميداني أجبر عناصر «القسام» على العمل بتكتيكات وأساليب مختلفة، خصوصاً وأن الجيش الإسرائيلي نجح في تحييد الكثير من مقدرات المقاومين.

«الشرق الأوسط» (غزة)
أوروبا رجل فلسطيني ينظر لجثامين الأطفال الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية في مستشفى الأهلي العربي في وسط غزة (أ.ف.ب)

«هذه قسوة وليست حرباً»... البابا فرنسيس يدين مقتل أطفال في غارة إسرائيلية على غزة

أدان البابا فرنسيس «قسوة» غارة جوية إسرائيلية أسفرت عن مقتل سبعة أطفال من العائلة ذاتها في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (الفاتيكان)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلاً مصاباً في غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط غزة (رويترز)

بينهم 7 أطفال.. مقتل 12 شخصاً من عائلة واحدة في غارة إسرائيلية على غزة

أعلن الدفاع المدني في قطاع غزة مقتل12 شخصاً من عائلة واحدة، بينهم 7 أطفال، في غارة إسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية رجال الطوارئ الإسرائيليون يتفقدون حفرة في الموقع الذي سقط فيه مقذوف أطلق من اليمن في تل أبيب في وقت مبكر من اليوم السبت (أ.ف.ب)

إصابة 16 شخصاً في سقوط صاروخ وسط تل أبيب... و«الحوثي» يتبنى الهجوم

أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم (السبت)، أن صاروخاً أطلِق من اليمن أصاب الأراضي الإسرائيلية قرب تل أبيب بعد فشل محاولات اعتراضه.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي جنديان من الجيش الإسرائيلي خلال العمليات العسكرية في قطاع غزة (موقع الجيش الإسرائيلي)

الجيش الإسرائيلي ينفي تقريراً حول قتل عشوائي للمدنيين في غزة

رفض الجيش الإسرائيلي ما أوردته صحيفة إسرائيلية بارزة نقلاً عن جنود يخدمون في غزة، عن وقوع عمليات قتل عشوائية للمدنيين الفلسطينيين في ممر نتساريم بغزة.


مقهى الروضة الدمشقي يتخلّص من القبضة الأمنية ويستعيد رواده

مقهى الروضة (الشرق الأوسط)
مقهى الروضة (الشرق الأوسط)
TT

مقهى الروضة الدمشقي يتخلّص من القبضة الأمنية ويستعيد رواده

مقهى الروضة (الشرق الأوسط)
مقهى الروضة (الشرق الأوسط)

انهمك أصحاب المحال التجارية في أسواق منطقة الصالحية بالوسط التجاري للعاصمة دمشق، في طلاء أبواب محالهم باللون الأبيض لطمس العلم السوري السابق الذي أُلزموا برسمه على أبواب محالهم تحت طائلة العقوبة. استغلّ أصحاب المحال عطلة يوم الجمعة للقيام بعمليات الطلاء، في وقت كان فيه مقهى الروضة التاريخي القريب من البرلمان يستعيد ذاكرته ويستأنف دوره بصفته مكاناً تجتمع فيه فعاليات المجتمع السياسي والثقافي والفني السوري، بوصفه محطة ضرورية للقاء اليومي أو للقاءات الأولى والتعارف، مع عودة السوريين من الخارج وتدفق الإعلاميين إلى العاصمة.

ويمتلك مقهى الروضة ذاكرة سياسية عبر شخصيات مؤثرة وبرلمانيين دأبوا على ارتياده، كما أنه شهد كثيراً من لقاءات رموز ما عُرف بـ«ربيع دمشق»، ولاحقاً لقاءات الثوار الذين شاركوا في الانتفاضة ضد حكم الرئيس بشار الأسد عام 2011، إلا أن القبضة الأمنية للنظام السابق حوّلت هذا المقهى إلى مصيدة للملاحقة والاعتقال.

طلاء محال الأسواق التجارية في منطقة الصالحية بدمشق (الشرق الأوسط)

يقول المشرف على مقهى الروضة، ماهر عمران، لـ«الشرق الأوسط»: «كان الأمن مقيماً بشكل دائم، وهناك من عمّال المقهى من كان مجنّداً في الأمن. كانوا يمارسون علينا ضغوطاً منهكة للحصول على معلومات عن مرتادي المقهى من شخصيات معارضة. الآن ارتحنا». وتابع: «أربعة من زبائن المقهى كانوا سجناء في صيدنايا وعادوا إليه (اليوم). كما عاد الكثير من المرتادين القدامى إليه، وهناك أيضاً الكثير من الوجوه الجديدة».

قال الفنان والمسرحي أحمد ملص، العائد من فرنسا، إن «أول مكان فكّرت بزيارته عند عودتي هو مقهى الروضة. في المنفى كنا نتابع أخباره وما ينتج من وثائقيات عنه، وعندما عدت حرصت على الوجود فيه لنقول: إننا نحن هنا في دمشق، وعاش الشعب». ولفت إلى أن «كثيراً من رفاقنا تمت ملاحقتهم في هذا المقهى، وعندما يفكّر أحدنا بالعودة إلى سوريا، فأول ما يفكر به اللقاء في الروضة».

طلاء أبواب المحال التجارية بالأبيض عوض العلم السوري السابق في دمشق (الشرق الأوسط)

كان أحمد مع شقيقه التوأم محمد في مقهى الروضة، صباح الجمعة، خلال إجراء لقاء صحافي مع «لوفيغارو» الفرنسية حول عملهما المسرحي الذي سيكون أول عمل سيُقدّم بعد سقوط النظام في دمشق. قال محمد: «اخترنا مقهى الروضة مكاناً للقائنا؛ لأن هذا المكان يمثّل لنا رمز دمشق. كنا في منفانا نبحث عن أماكن تشبهه للاجتماع فيه، والحمد لله عدنا إليه».

ولا تقتصر شهرة المقهى العريق على سكان دمشق، وإنما تمتد لتشمل مواطنين من بلدان مختلفة، لا سيما العراق ولبنان، وهو أمر ينطبق أيضاً على مقاهٍ عديدة ذات صيت، تاريخياً وسياسياً وثقافياً، في دمشق، مثل: «النوفرة» و«الكمال» و«الهافانا».

السيدة بيان من داريا قالت إن «موقع مقهى الروضة في قلب دمشق له خصوصية في منح الشعور بالألفة والانتماء والعودة إلى أيام العز في الشام قبل الحرب التي عشناها».

الصحافي العراقي غيث سليم الذي جلس وحيداً على إحدى الطاولات يدوّن ملاحظاته، قال إنه كان يواظب على زيارة دمشق قبل الحرب وكان يأتي إلى مقهى الروضة للقاء المثقفين السوريين والعراقيين، وكانت آخر زيارة له عام 2019، وهو الآن يعود إليه، واصفاً الأجواء عموماً بـ«المريحة».

طلاء المحال التجارية باللون الأبيض في سوق الطلياني بدمشق (الشرق الأوسط)

ومقهى الروضة الذي تأسّس عام 1937 في شارع العابد قريباً من البرلمان السوري، أقرب إلى بيت دمشقي بمساحة تقارب ثمانمائة متر، تتوسطها بركة صغيرة وشجرات تُضفي على المكان خصوصية تحتفظ بأسماء من مرّوا من كبار الكتاب والشعراء والفنانين السوريين والعرب. وعلى طاولات المقهى كانت تدور رحى المعارك الثقافية والسياسية قبل أن يداهمها الصمت القسري لتبقى لسنوات مكاناً للمتقاعدين والباحثين عن مكان شعبي لشرب القهوة والشاي وتدخين «الأرجيلة».