أفاد مراسلو «الشرق الأوسط» في العراق، بأن الانتخابات المحلية التي أُجريت اليوم (الاثنين)، شهدت مشاركة منخفضة نسبياً في مناطق وسط البلاد وجنوبها، ورغم أن القوى السياسية قلقة من تمثيل متواضع لمجالس المحافظات الجديدة، أوضحت مصادر سياسية أن رئيس البرلمان المقال محمد الحلبوسي ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، حققا «نتائج متقدمة» في الأنبار وبغداد.
وأدلى مئات الآلاف من العراقيين بأصواتهم في 15 محافظة، في أول انتخابات محلية تجري بالبلاد منذ عام 2013، في ظل مقاطعة التيار الصدري.
وتوقعت مفوضية الانتخابات تصاعد نسب المشاركة بعد منتصف الظهيرة، لكن الأرقام المسجلة بعد ذلك لم تعكس ذلك كثيراً، ومع إغلاق صناديق الاقتراع يبدو أن النسب لم تتجاوز في العموم 35 في المائة، بحسب تقديرات وكلاء الأحزاب.
وقال موظف في مركز العد والفرز المركزي، لـ«الشرق الأوسط»، إن نسبة المشاركة في المحافظات الجنوبية منخفضة، ففي مدينة النجف مثلاً لم تتجاوز نسبة المشاركة 20 في المائة.
وأشار الموظف إلى أن «مدينة كبيرة وحيوية في بغداد مثل المنصور، لم يصوت فيها أكثر من ألفي ناخب من أصل 17 ألف ناخب يحق لهم التصويت».
وهذه ليست الانتخابات الأولى في العراق التي تشهد تصويتاً منخفضاً، لكن المراقبين كانوا يعتقدون أن تكون مقاطعة التيار الصدري عاملاً حاسماً في تحقيق اختراق ما على مستوى التمثيل.
مدن مقاطعة ومترددة
وحتى منتصف النهار، تحدثت مفوضية الانتخابات عن نسب مشاركة بلغت نحو 17 في المائة، خصوصاً في معظم المناطق الشيعية ببغداد، ومدن الوسط والجنوب.
وأفاد المراسلون بأن مراكز الاقتراع في المناطق التي تشهد كثافة سكانية لجمهور التيار الصدري «كانت شبه خالية على مدار اليوم»، بينما خرج ناخبون إلى الشوارع وهم يرفعون لافتات كتب عليها «مقاطعون».
وإلى جانب الصدريين، فإنه على ما يبدو ثمة شريحة واسعة من العراقيين المحبطين لم يذهبوا إلى مراكز الاقتراع للمشاركة في اختيار ممثليهم المحليين.
وطبقاً لمصادر المفوضية، فإن بغداد وديالى وبابل وكربلاء وذي قار والديوانية والمثنى والأنبار، سجلت نسبة مشاركة ضعيفة في الاقتراع.
وأبلغ مدير مركز انتخابي شرق بغداد، مراسل «الشرق الأوسط»، بتراجع نسب الإقبال، خصوصاً في مدينة الصدر، لكنه أوضح أن «عملية الاقتراع سارت بشكل هادئ ودون مشاكل تذكر، خصوصاً في مناطق شرق بغداد الشعبية والتي كانت تشهد سابقاً خروقاً كبيرة».
وعن إمكانية حدوث عمليات تزوير واسعة خلال الانتخابات، أكد المسؤول أن «هذه الاحتمالية شبه مستحيلة مع وجود أجهزة التحقق الفعالة ونظام مطابقة البصمات».
وقال المراسلون، حتى الساعة الأخيرة من يوم الاقتراع، إن مناطق الرصافة كانت الأقل مشاركة في العاصمة بغداد، مقارنة بجهة الكرخ الغربية التي شهدت نشاطاً انتخابياً، حتى مع فشل عدد كبير من الناخبين في تسلم بطاقاتهم هناك.
وقال وكلاء أحزاب، لـ«الشرق الأوسط»، إن مراكز الاقتراع في المنطقة الخضراء، التي تضم أحياء سكنية إلى جانب المقرات الحكومية والأمنية، لم تشهد حضوراً قوياً من الناخبين، باستثناء قدرة الأحزاب والمقربين منهم.
وقال شهود عيان لـ«الشرق الأوسط»، إن عشرات المساجد ودور العبادة في أحياء بغداد الشرقية وجهت نداءات متكررة عصر الاثنين، عبر مكبرات الصوت تحثهم على المشاركة في الانتخابات.
لكن الأمر مختلف كثيراً في محافظة الأنبار (غرب)، التي شهدت مشاركة أكثر كثافة عن بقية المناطق، رغم أن وكلاء أحزاب سنية قالوا لـ«الشرق الأوسط»، إنها «لم تكن عالية جداً، إلا إذا قورنت بمدن أخرى في بغداد وبقية المحافظات».
وبعد انتهاء الاقتراع، قال رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، إن «الانتخابات المحلية جرت بنزاهة كبيرة، وإن العراقيين أوفوا بوعدهم لمرشحيهم في المجالس المحلية».
وأضاف المالكي، في منشور عبر منصة «إكس»، أن «ما تحقق كان بإصرار الناخبين وقوة إرادتهم وبالجهود الاستثنائية من قبل مفوضية الانتخابات، وما كان ذلك ليكتمل لولا دور قواتنا الأمنية بجميع صنوفها، والتقدير العالي للكتل السياسية على إصرارها والمشاركة والتنافس السياسي السليم».
نتائج أولية
وحصلت «الشرق الأوسط» على نتائج أولية طابقتها بين مصادر في المفوضية ووكلاء أحزاب ومراقبين محايدين، وأظهرت جملة من المؤشرات التي قد تتغير مع استمرار عمليات الفرز التي ستنتهي عصر الثلاثاء.
وخلال كتابة هذا التقرير، كانت عمليات العد والفرز مستمرة في المركز الرئيسي داخل المفوضية، ما يعني أن المعطيات المتداولة قد تتغير نسبياً، لكنها تبقى مؤشرات عامة عن مجمل العملية الانتخابية:
بغداد: المالكي ينافس بشدة على المركز الأول في بغداد، يقابله صعود مماثل لحزب «تقدم» الذي يقوده رئيس البرلمان المقال محمد الحلبوسي.
ميسان: يبدو أن مرشحي «عصائب أهل الحق» حققوا نتائج أولية تؤهلهم لتولي منصب المحافظ بدلاً من التيار الصدري المنسحب.
الأنبار: حزب «تقدم» حصد غالبية الأصوات في عموم المحافظة الغربية.
نينوى: منافسة شرسة بين القوى السنية، لكن الحلبوسي قد يتقدم قليلاً على بقية المنافسين.
كركوك: بالنسبة للقوى العربية، فإن تحالف «السيادة» بزعامة خميس الخنجر تفوق على الحلبوسي، وعشرات الآلاف من الناخبين التركمان لم يتمكنوا من التصويت بسبب عدم تعرف أجهزة الاقتراع على بصماتهم.
البصرة: المحافظ الحالي أسعد العيداني حقق نتائج متقدمة قد تؤهله للمحافظة على منصبه، بينما لم تحقق «عصائب أهل الحق» اختراقاً كبيراً هناك.
الفرات الأوسط: مؤشرات أولية عن تحقيق تحالف «الأساس» بزعامة محسن المندلاوي نتائج متقدمة.
الديوانية: تشير الأرقام الأولية إلى أن قوى مدنية حققت نتائج مهمة وقد تنافس على عدد من المقاعد.
وقال الباحث الدريد ناصر، في حديث مع «الشرق الأوسط»، إن تراجع نسب التصويت في المجالس المحلية، لا يعود فقط إلى مقاطعة الصدر، بل إلى مزاج سلبي معارض يخيم على الشارع العراقي، لكنه أشار إلى أن «الصدريين سيحاولون استثمار هذه المقاطعة لصالحهم سياسياً».
ولا يرى الناصر أن تؤثر نتائج الانتخابات على ميزان القوى الراهن، لأن الإطار التنسيقي سيكرس نفوذه في عدد من المحافظات، وهذا سيعجل من الغليان الشعبي الذي سيرتد عاجلاً على هذه القوى، وفقاً لتعبيره.
النتائج بعد 24 ساعة
وتعرضت مراكز اقتراع في مدن النجف وبغداد والكوت إلى هجمات متفرقة، وصلت في بعض الحالات إلى إطلاق عيارات نارية.
وتعرضت 5 مراكز انتخابية في النجف إلى هجوم بالأسلحة، دون تسجيل أضرار مادية أو بشرية، فيما تعرض مركز انتخابي في الكوت إلى هجوم بقنبلة يدوية بعد إغلاق صناديق الاقتراع، كما فتح مجهولون النار على مركز انتخابي شرق بغداد.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن مسؤولين في المفوضية، أن هذه الهجمات لم تؤثر على التصويت أو على الناخبين خلال الإدلاء بصوتهم في انتخابات مجالس المحافظات.
إلى ذلك، حددت مفوضية الانتخابات، الساعة 5 مساءً من الثلاثاء، موعداً لإعلان النتائج الأولية لانتخابات مجالس المحافظات، بانتظار إعلانها بشكل نهائي في وقت لاحق بعد إكمال العد ومطابقة أرقام وكلاء الأحزاب.
وقالت المفوضية، في بيان صحافي مساء الاثنين، إنه «حتى الساعة الثامنة بتوقيت بغداد، أرسلت أكثر من 21 ألف محطة نتائجها إلى مركز النتائج من أصل 35 ألف محطة والإرسال لا يزال مستمراً».