«الشرق الأوسط» تستطلع المنطقة المنسية بين العراق وإيران شرق ميسان

تمثال الدكتور عبد الجبار عبد الله على كورنيش نهر دجلة في العمارة جنوب شرق العراق (الشرق الأوسط)
تمثال الدكتور عبد الجبار عبد الله على كورنيش نهر دجلة في العمارة جنوب شرق العراق (الشرق الأوسط)
TT

«الشرق الأوسط» تستطلع المنطقة المنسية بين العراق وإيران شرق ميسان

تمثال الدكتور عبد الجبار عبد الله على كورنيش نهر دجلة في العمارة جنوب شرق العراق (الشرق الأوسط)
تمثال الدكتور عبد الجبار عبد الله على كورنيش نهر دجلة في العمارة جنوب شرق العراق (الشرق الأوسط)

عند مدخل مدينة العمارة، مركز محافظة ميسان، 400 كم عن بغداد جنوباً، يشمخ على كورنيش نهر دجلة تمثال عالم الفيزياء العراقي الشهير الدكتور عبد الجبار عبد الله صابئي الديانة.

دلالة تسامح لمدينة تغفو على نهر دجلة الذي يتفرع داخلها إلى أربعة أنهر تطوقها من كل الاتجاهات، وتضم عبر التاريخ تعددية دينية مذهبية. ويجد الزائر لمدينة العمارة حركة إعمار واسعة، لا سيما على صعيد البنى التحتية، فضلاً عن التوسعة الواضحة في الشوارع والأحياء والأزقة، مع الاحتفاظ إلى حد كبير بالمعالم الحضارية للمدينة.

وتفخر العمارة بأنها خرج من بين أبنائها أبرز أدباء وعلماء ومثقفي العراق، من بينهم الشاعر حسب الشيخ جعفر، الذي حملت اسمه الدورة الحالية لمؤسسة «خطى» الثقافية الراعية لحفلات تكريم دورية لمجموعة من أدباء ومثقفي وصحافيي العراق.

وكانت هذه الدورة حصة محافظة ميسان، حيث جرى تكريم عدد من الأدباء والفنانين والصحافيين الرواد، وقد حضرت «الشرق الأوسط» تلك الفعالية التي جرت على مدى يومين، على هامش جولتها في تلك المدينة الجنوبية.

في حفل الافتتاح تم عرض فيلم وثائقي عن الشيخ جعفر كتبه الدكتور طه جزاع، حيث يعد الشيخ جعفر بمثابة امتداد شعري لجيل الرواد الكبار في الشعر العراقي الحر (بدر شاكر السياب، نازك الملائكة، عبد الوهاب البياتي)، فضلاً عن أنه أبرز رواد قصيدة النثر المدورة. والشيخ جعفر الذي توفي عام 2022 كان قد نال جائزة سلطان العويس للشعر.

وفي جولة ليلية مع محافظ ميسان علي دواي، شرح المحافظ للمدعوين القادمين من العاصمة بغداد مختلف جوانب العمل والأنشطة التي قام بها خلال توليه المسؤولية في هذه المحافظة التي تعد أهم معقل للتيار الصدري في الجنوب العراقي.

غالبية صدرية

شملت الجولة زيارة كنيسة «أم الأحزان» لمن تبقى من المسيحيين في المحافظة (حوالي 20 عائلة) فقط، وكذلك زيارة «مندى» الصابئة المندائيين ولهم وجود كبير في هذه المدينة التي يحتضنها الماء من جهاتها الأربع، حيث إن الماء يشكل أحد أبرز طقوس الصابئة المندائيين.

وأشار المحافظ إلى التنوع داخل ميسان على مستوى التعدد المذهبي (شيعةً وسنةً)، علماً بأن الشيعة هم الغالبية، والصدريون من الشيعة هم الغالبية، فضلاً عن المسيحيين والصابئة، فضلاً عن اليهود الذي لم يتبق منهم أحد باستثناء بقايا معبد طالته يد النسيان مع محافظته على وجود رمزي لا أكثر.

من الكوت إلى مدخل العمارة كانت صور المرشحين لانتخابات مجالس المحافظات تملأ الشوارع. لكن تكاد تختفي تماماً في مدخل المدينة. وعن سبب اختفاء صور المرشحين داخل المدينة، قال المحافظ علي دواي إن «المدينة في الغالب صدرية، وبما أن الصدريين مقاطعون فلا توجد مثل هذه المظاهر بشكل واسع».

وبشأن وجود القوى السياسية الأخرى، قال داوي إنه طالما هناك هيمنة للصدريين، فإن القوى السياسية الأخرى لا تتمتع بنفس شعبية التيار الصدري، وبالتالي فإن ما تقوم به من دعايات واحتفالات يبقى محدوداً جداً.

«الطيب»... المنطقة المنسية

شرق مدينة العمارة، وعلى امتداد مسافة نحو ساعتين، كان جزءاً مما هو مقرر زيارةُ منطقة الطيب التي تعد أكثر المناطق جمالاً وخطورةً، معاً، منذ الحرب العراقية - الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي، التي استمرت 8 سنوات (1980 - 1988)، والتي سميت «الحرب المنسية» في الوقت الحاضر. وتسمي رسمياً «حرب الخليج الأولى».

و«المنطقة المنسية» هي منطقة حدودية تجمع كل التضاريس في مكان فسيح واحد. فبالإضافة إلى كونها امتداداً صحراوياً تمتد خلاله حقوق الحنطة لمسافات كبيرة, فإنها سرعان ما تصطدم بمرتفعات جبلية تتكون من طبقتين؛ الأولى سلسلة جبال زاغروس التي تمتد على الحدود الفاصلة بين العراق وإيران وتركيا، والثانية وهي أقل منها ارتفاعاً وهي سلسلة جبال حمرين التي وإن كانت حدودية هي الأخرى لكنها تمتد إلى مناطق داخل العراق من جهة إقليم كردستان.

منطقة الطيب الحدودية قبالة مدينة العمارة العراقية جنوب شرقي البلاد (الشرق الأوسط)

ومنطقة الطيب يغذيها نهر الطيب الذي يجري من سلسلة جبال زاغروس التي تفصل العراق وإيران قبل أن تُقطع أوصال هذا النهر بعد سلسلة السدود التي أقامتها إيران، مما أدى إلى خسارتها مساحات واسعة من المحاصيل الزراعية. وفي الطريق إليها من مدينة العمارة وفي منتصف المسافة قطعت كل أنواع الاتصالات (الهواتف النقالة وشبكات الإنترنت).

فهذه المنطقة الحدودية المنسية التي يمضي فيها السائحون ساعات بلا هواتف ولا إنترنت، وبين الألغام، التي يتعين الحذر منها، رغم وجود العلامات التحذيرية، نظراً لأجوائها الساحرة التي تجمع تناقضات الطبيعة وتكاملها معاً.

منطقة الطيب الحدودية قبالة مدينة العمارة العراقية جنوب شرقي البلاد (الشرق الأوسط)

وكانت هذه المنطقة قد شهدت معارك مهمة خلال الحرب بين العراق وإيران مما جعلها منطقة ألغام وأخاديد محفورة بين المرتفعات، وهي عبارة عن شقوق تمثل مواقع دفاعية للقوات العراقية التي خاضت فيها أشرس المعارك مثل «نيسان الخير» و«العطاء» وسواها.


مقالات ذات صلة

لماذا استأنفت الميليشيات العراقية عملياتها ضد الأميركيين؟

المشرق العربي جندي من قوات التحالف الدولي خلال دورية قرب قاعدة «عين الأسد» الجوية في العراق (أرشيفية - سانتاكوم)

لماذا استأنفت الميليشيات العراقية عملياتها ضد الأميركيين؟

الهجوم على قاعدتين تضمّان قوات للتحالف الدولي أعاد التساؤل عن الأسباب التي تقف وراء «التحرشات» الجديدة بالقوات الأميركية في العراق وسوريا.

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي صورة من الجو لمدينة كركوك (غيتي)

هجوم مسلح بـ«رسالة سياسية» على مقر بارزاني في كركوك

تعرض مقر «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، الذي يتزعمه مسعود بارزاني، فجر السبت، لهجوم بأسلحة خفيفة من قبل مجهولين في محافظة كركوك.

فاضل النشمي (بغداد)
شؤون إقليمية تركيا أكدت استمرار «المخلب القفل» شمال العراق بالتنسيق مع بغداد وأربيل (الدفاع التركية)

غارات تركية على مواقع لـ«العمال» في كردستان العراق

نفذت القوات التركية غارات جوية استهدفت مواقع لحزب «العمال» الكردستاني في مناطق شمال العراق، أسفرت عن تدمير 25 موقعاً.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
رياضة عالمية سجاد غانم (الأولمبية العراقية)

«الأولمبية العراقية»: لن نقف مكتوفي الأيدي بعد سقوط غانم في اختبار المنشطات

قرر عقيل مفتن، رئيس اللجنة الأولمبية العراقية، اليوم (السبت) فتح تحقيق لكشف ملابسات سقوط مصارع الجودو سجاد غانم في اختبار منشطات.

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي إسلام آباد تعتزم تنظيم الزيارات الدينية بعد اختفاء 50 ألف باكستاني في العراق (إ.ب.أ)

العراق يحقق في اختفاء 50 ألف باكستاني

أعلن العراق، أمس الجمعة، فتح تحقيق في اختفاء آلاف الباكستانيين، كانوا قد دخلوا البلاد لزيارة المراقد الدينية خلال شهر محرم.

حمزة مصطفى (بغداد)

«روما الرباعي»... زخم يتصاعد نحو هدنة في غزة

فلسطينيون يحملون جريحاً في مستشفى «شهداء الأقصى» في أعقاب غارة إسرائيلية بدير البلح (رويترز)
فلسطينيون يحملون جريحاً في مستشفى «شهداء الأقصى» في أعقاب غارة إسرائيلية بدير البلح (رويترز)
TT

«روما الرباعي»... زخم يتصاعد نحو هدنة في غزة

فلسطينيون يحملون جريحاً في مستشفى «شهداء الأقصى» في أعقاب غارة إسرائيلية بدير البلح (رويترز)
فلسطينيون يحملون جريحاً في مستشفى «شهداء الأقصى» في أعقاب غارة إسرائيلية بدير البلح (رويترز)

في مسعى جديد لإقرار هدنة ثانية في قطاع غزة، وإنهاء الحرب المستمرة منذ 10 أشهر، يلتقي الوسطاء (قطر ومصر والولايات المتحدة)، في اجتماع رباعي، الأحد، بروما بمشاركة إسرائيلية، وسط مخاوف من «تجدد العراقيل الإسرائيلية». وأعد لـ«اجتماع روما الرباعي» خبراء ضمن زخم يتصاعد وحراك مكثف في مسار المفاوضات يشي بإمكانية أن يكون هناك جديد في مستقبل مفاوضات الهدنة.

ويتوقع الخبراء أن يكون اجتماع روما «إجرائياً» ويناقش «الخلافات» التي من بينها كيفية عودة النازحين وفتح معبر رفح الحدودي؛ لتنفيذ المرحلة الأولى من الهدنة الممتدة إلى 42 يوماً، من بين 3 مراحل تضمنها مقترح الرئيس الأميركي جو بايدن، في مايو (أيار) الماضي، لوقف إطلاق النار في غزة.

ويجتمع الأحد مسؤولون من مصر وقطر والولايات المتحدة وإسرائيل في روما، في «إطار استمرار جهود الوسطاء للوصول لاتفاق هدنة بقطاع غزة»، حسب ما نقلت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية عن مصدر مصري وصفته بـ«رفيع المستوى». ويبحث الوفد الأمني المصري تطورات مفاوضات الهدنة في قطاع غزة، وفق المصدر ذاته، الذي أكد تمسك مصر بضرورة الوصول لصيغة تحمل 4 بنود؛ هي: «وقف فوري لإطلاق النار، وضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وضمان حرية حركة المواطنين في القطاع، والانسحاب الكامل من منفذ رفح».

مشيعون يُصلّون على أشخاص قتلوا في غارة إسرائيلية في دير البلح وسط قطاع غزة (رويترز)

بلينكن والحراك المكثف

ذكر موقع «أكسيوس» الأميركي، نقلاً عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، أن «اجتماع روما» سيكون بمشاركة مدير وكالة المخابرات المركزية، ويليام بيرنز، ورئيس المخابرات المصرية، عباس كامل، ورئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ومدير الموساد، ديفيد بارنياع.

تلك التطورات تشي بـ«حراك مكثف» في طريق المفاوضات قد يؤدي إلى نتيجة، أو يعود إلى سلسلة جديدة من الجولات من دون الوصول لاتفاق، وسط استمرار الانتهاكات الإسرائيلية، وفق ما قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، لـ«الشرق الأوسط».

وقال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، السبت، خلال اجتماع رابطة «آسيان» في فينتيان، إن واشنطن «تعمل يومياً بشكل حثيث» للوصول إلى اتفاق هدنة، بعد مطالبة الرئيس الأميركي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال زيارته لواشنطن، تنفيذ الاتفاق في أقرب وقت ممكن ووقف الحرب، وذلك قبيل الإعلان عن عقد اجتماع بروما.

شكوك في النجاح

وإزاء توالي المواقف الأميركية الضاغطة بشكل أكبر، سواء من بايدن أو هاريس ثم اجتماع روما، يأمل الكثيرون أن يقود هذا الزخم الكبير، إلى اتفاق هدنة جديدة، شريطة أن تكون هناك رغبة إسرائيلية حقيقة في التوصل إلى اتفاق، وفق الخبير في العلاقات الدولية عمرو الشوبكي.

ولا يُتوقع أن يتضمن اجتماع روما «مفاوضات مفصلة حول الفجوات المتبقية، لكنه سيركز بشكل أساسي على الاستراتيجية للمضي قدمًا»، وفقاً لما نقله موقع «أكسيوس» عن مصدر مطلع. وقال المصدر «لم يكن المفاوضون الإسرائيليون متفائلين بأن الاجتماع في روما سيؤدي إلى انفراجة، وشككوا في أن ضغوط بايدن على نتنياهو قد أقنعته بتخفيف بعض مطالبه الصعبة الجديدة في الاقتراح الإسرائيلي المحدث»، في إشارة لما ذكره، الجمعة، مسؤول غربي ومصدر فلسطيني ومصدران مصريان لـ«رويترز» عن سعي إسرائيل إلى «إدخال تعديلات قد تعقّد التوصل إلى اتفاق».

وكانت أهم التعديلات، وفق حديث المصادر الأربعة، بند يتمثل في «مطالبة إسرائيلية بفحص النازحين الفلسطينيين لدى عودتهم إلى شمال القطاع، خشية أن يكون من بينهم مسلحون من حماس أو متعاطفون مع الحركة»، وهو ما ترفضه حماس. وبند آخر تمثل في «احتفاظ الجانب الإسرائيلي بالسيطرة على حدود غزة مع مصر»، وهو ما ترفضه القاهرة بوصفه «يتجاوز أي إطار لاتفاق نهائي ترضى به الأطراف».

فلسطينيون يجلسون بجوار مبنى دمره القصف الإسرائيلي على قطاع غزة في وقت سابق (أ.ب)

الانسحاب الكامل من غزة

ونقلت «وكالة الأنباء الألمانية» عن مصدر قيادي فلسطيني لم تسمه، السبت، أن «حماس» لا تزال على موقفها بضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة، بما فيه ممر نتساريم ومحور فيلادلفيا، وعدم قبول أي صيغة جديدة لا تتضمن نصاً واضحاً على وقف إطلاق النار.

وإذا لم يتجاوز اجتماع روما عقبات الحكومة الإسرائيلية وشروطها الجديدة، فإن عملية تفاوض ستكون صعبة جداً، وفق تقدير رخا أحمد حسن، متوقعاً ألا يتجاوب نتنياهو مع الموقف المصري - الذي سيضع مطالب القاهرة الـ4 على الطاولة في اجتماع روما - أملاً في إطالة أمد التفاوض لما بعد الانتخابات الأميركية الرئاسية، رغم أن إسرائيل حققت قدراً من أهدافها العسكرية، لكنها تريد المزيد على صعيد الجانب السياسي.

كما يتوقع أن يبحث اجتماع روما نقاط الخلاف في الاتفاق، مثل الانسحاب الإسرائيلي من داخل المدن، واستمرار إسرائيل في السيطرة على معبر رفح وتفتيش النازحين، ودور «حماس» بعد الحرب، بجانب نقاط فرعية مثل أعداد الأسرى.

نصب فلسطينيون خيماً بالقرب من الحدود المصرية بعد فرارهم من المعارك العنيفة في غزة (د.ب.أ)

ويعتقد عمرو الشوبكي أن «المطالب المصرية سوف تنفذ حال الوصول إلى اتفاق، كونها بعضا من كل، ودون ذلك سيماطل نتنياهو ويواصل كسب الوقت». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لكن هذه المرة الزخم كبير» نحو إقرار هدنة في غزة، وبالتالي فرصة إبرام اتفاق وتحقيق انفراجة قائمة، لكن «نتعامل معها بحذر» في ضوء تكرر تلك المؤشرات مع مسارات تفاوضية سابقة دون الوصول إلى صفقة جادة وحقيقية.