بعد هدنة غزة المؤقتة... نازحون يعودون إلى «جني أعمارهم» المدمرة

يعود الفلسطينيون إلى منطقة خزاعة على المشارف الشرقية لمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة لتفقد منازلهم بعد أسابيع من القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)
يعود الفلسطينيون إلى منطقة خزاعة على المشارف الشرقية لمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة لتفقد منازلهم بعد أسابيع من القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)
TT

بعد هدنة غزة المؤقتة... نازحون يعودون إلى «جني أعمارهم» المدمرة

يعود الفلسطينيون إلى منطقة خزاعة على المشارف الشرقية لمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة لتفقد منازلهم بعد أسابيع من القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)
يعود الفلسطينيون إلى منطقة خزاعة على المشارف الشرقية لمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة لتفقد منازلهم بعد أسابيع من القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)

لم تنم الفلسطينية أسماء أحمد ليلتها في انتظار بزوغ فجر الجمعة، اليوم الأول للهدنة المؤقتة بين حركة «حماس» وإسرائيل في قطاع غزة، حتى تتمكّن من العودة إلى بلدة خزاعة التي نزحت عنها مع الأيام الأولى للحرب، أملاً في تفقد منزلها وقضاء أيام التهدئة الأربعة في هدوء بدلاً من معاناة النزوح ومشاقها في تفاصيل الحياة اليومية كافة، بحسب تقرير أعدته وكالة «أنباء العالم العربي».

قبيل الساعة السابعة صباحاً، الموعد المحدد لبدء الهدنة، خرجت من مركز الإيواء الذي نزحت إليه، وتوجّهت على عربة يجرها حمار صوب البلدة، ثم أكملت جزءاً آخر من الطريق بسيارة أجرة، واضطرت لإكمال غالبية المشوار مشياً على الأقدام، وهي في حالة لهفة وشوق للمنزل الذي حرمت أبنائها مما يشتهون من أجل بنائه.

يعود الفلسطينيون إلى منطقة خزاعة على المشارف الشرقية لمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة لتفقد منازلهم بعد أسابيع من القصف الإسرائيلي حيث دخل وقف إطلاق النار لمدة 4 أيام حيز التنفيذ (أ.ف.ب)

بيد أن صدمتها كانت مع اللحظات الأولى لدخولها الحي الذي كانت تسكن فيه، فالشوارع مدمرة، والمنازل متهاوية، والركام منتشر في كل جانب، والحفر الكبيرة تحد من الحركة، في مشهد مروع لم تتعرف معه أسماء على موقع منزلها لولا وجود بعض العلامات البارزة في الحوائط المتهاوية والأثاث المتناثر.

جثت على ركبتيها ودخلت في موجة بكاء، بينما يحاول بعض أبنائها التخفيف عنها واحتضانها وهم يتمتمون ببعض الكلمات التي يستذكرون من خلالها مواقف لحياة العائلة في المنزل قبل الحرب، لكن الأم تشير بيدها نحو ركام منزلها، ثم تضرب كفاً بكف، ومعالم الصدمة والذهول تسيطر عليها.

تقول أسماء، الأم لستة أبناء، «تهدئة حزينة ومؤلمة علينا، فبدلاً من قضاء هذه الأيام في منزلي لنتنفس قليلاً من مشاق أيام النزوح والحرب القاسية، ازدادت أحزاننا بعد ضياع المنزل الذي دفعنا فيه كل حياتنا».

وأضافت: «لكن هذا الدمار أخفّ من مصيبة فقد الأبناء والأحبة. الحمد لله، سأقضي هذه الأيام بين الركام ولن أعود لذل النزوح ما دامت التهدئة مستمرة».

ومع الساعات الأولى لدخول الهدنة حيز التنفيذ، توجّهت أعداد كبيرة من النازحين نحو المناطق التي نزحوا عنها، في محاولة لقضاء أيام التهدئة في منازلهم، أملاً في الفكاك الجزئي من عذاب النزوح الذي ترافق مع الحرمان من الحد الأدنى لمقومات الحياة، بينما لم يسمح للنازحين من مدينة غزة وشمالها إلى جنوب القطاع بالعودة إلى الشمال بموجب الاتفاق.

الفلسطينيون الفارون من الشمال على طول طريق صلاح الدين يساعدون رجلاً مصاباً بضمادة أثناء سيره أمام دبابة تابعة للجيش الإسرائيلي في منطقة الزيتون على المشارف الجنوبية لمدينة غزة في 24 نوفمبر 2023 وذلك بعد وقف إطلاق النار الذي استمر 4 أيام وبدأ في وقت مبكر من الصباح (أ.ف.ب)

مشاهد الصدمة عند العودة إلى المناطق التي نزح عنها الفلسطينيون في قطاع غزة تتكرر مع كثيرين، خصوصاً أولئك الذين دُمّرت منازلهم وممتلكاتهم وأحياؤهم السكنية، لكنهم يصرون على الوصول إليها علهم يشعرون بقليل من الراحة بجانب البيوت حتى لو كانت مدمرة، قياساً بحجم المعاناة التي تجرعوها خلال فترة النزوح، كما هي الحال مع إياد النجار الذي أصرّ على القدوم مع عائلته وقضاء أيام التهدئة بين جدران المنزل المتهاوي.

يفتش الرجل مع ابنه مالك، البالغ من العمر 8 سنوات، عن ألعابه وكراسته وبعض رسوماته التي تركها؛ فراراً من القصف بعد يومين من اندلاع الحرب، لكن يبدو أنها دُفنت تحت الركام مثل بقية الملابس والمستلزمات الأخرى التي كان يأمل في أن يجدها للمساعدة في التخفيف من احتياجات عائلته في هذه الأوضاع الصعبة.

منازل الفلسطينيين في منطقة خزاعة الشرقية دمرت والركام منتشر في كل جانب (أ.ف.ب)

يتحدث بحزن وغضب شديدَين عن ضياع جهد سنين العمر في بناء المنزل خلال لحظات جراء القصف الإسرائيلي، وبدلاً من انتظار التهدئة لأخذ قليل من الراحة والعيش بهدوء وسلام، شكّلت الهدنة عنواناً للصدمة والحزن، على حد قوله.

ويقول إياد: «التهدئة كشفت لنا عن كارثة دمار مناطقنا ومنازلنا، وبدلاً من انتظار نهاية الحرب والنزوح لنعود إلى حياتنا الطبيعية، سنكون أمام رحلة نزوح وتشريد طويلة لا نعرف نهايتها بعد تدمير بيوتنا».

وتساءل: «أي معنى للتهدئة وقد دُمرت بيوتنا؟ كيف سنشعر بالهدوء ونحن ما زلنا في نزوح؟».

مثل أيام العيد

إذا كانت الحال كذلك بالنسبة للمدمرة بيوتهم، فإن آخرين تنفسوا الصعداء بمجرد عودتهم إلى منازلهم التي ما زالت صالحة للسكن رغم تضررها من القصف، وشرعوا في ترتيب أوضاعهم لقضاء أيام التهدئة داخلها بعيداً عن مراكز الإيواء وما عايشوه داخلها من حرمان من معظم احتياجاتهم.

وعلى الرغم من حالة الإرهاق التي تبدو على مجدي السميري، وهو يحمل ابنه الصغير على كتفه ويسير برفقه زوجته وبقية أبنائه متوجهين إلى منزلهم في بلدة القرارة بشمال خان يونس، فإنه يصف الساعات الأولى للتهدئة بأنها مثل أيام العيد من ازدحام النازحين في العودة إلى مناطق سكناهم.

فلسطيني يسير فوق الأنقاض للوصول إلى خان يونس لتفقد منزله بعد أسابيع من القصف الإسرائيلي في منطقة خزاعة على المشارف الشرقية لمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

ويقول مجدي، الذي نزح لمركز إيواء منذ اليوم الأول للحرب: «كل المعاناة التي عشناها خلال أيام النزوح ستزول جزئياً بإذن الله مع قضائنا أيام التهدئة في منزلنا مع أهلنا وبين جيراننا».

ويؤكد أن الجميع في حالة رضا وارتياح، ويدعو الله بتمديد التهدئة ونهاية الحرب، «فنحن لا نريد سوى الهدوء والسكينة بعيداً عن الحروب ومرارتها التي تجرعناها في كل لحظة خلال الأيام الماضية».

بيد أن أوضاع التهدئة لم تختلف كثيراً لدى عائلة أبو سامر دية (52 عاماً) النازحة من بيت لاهيا في شمال قطاع غزة إلى جنوبه، لحرمانها من العودة إلى منزلها الذي كانت تمني النفس بقضاء أيام التهدئة فيه، والخلاص المؤقت من رحلة النزوح التي تنقلت خلالها بين مراكز الإيواء، حتى انتهى بها المطاف بالسكن في متجر صغير في خان يونس.

وبينما يعدّ أبو سامر أن التهدئة لن تغير من واقع حياة عائلته شيئاً ما دام في حالة نزوح ولم يعد إلى منزله في شمال القطاع، لكنه لا يقلل من أهمية الهدوء ووقف القصف والقتل والتدمير، كون ذلك يُمكّن أهالي غزة من التنقل بأمان وتوفير بعض احتياجاتهم مقارنة بأيام الحرب القاسية.

ويقول: «إدخال المساعدات والوقود والأدوية مهم كذلك، لما سيشكله ذلك من تخفيف لوطأة الحاجة الماسة للمواد الغذائية للنازحين والمقيمين، مما يجعل من تمديد التهدئة مطلباً للجميع». ويتوقع أن تشهد الأسواق وفرة، ولو محدودة، في بعض السلع الأساسية التي يتوقع توزيعها على السكان من قبل المؤسسات الدولية.


مقالات ذات صلة

مقتل 7 فلسطينيين وإصابة العشرات في غارات إسرائيلية جنوب قطاع غزة

المشرق العربي تصاعد الدخان بعد غارات إسرائيلية على منطقة غرب خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

مقتل 7 فلسطينيين وإصابة العشرات في غارات إسرائيلية جنوب قطاع غزة

 قتل سبعة فلسطينيين وأصيب العشرات في غارة إسرائيلية على منطقة المواصي غرب خان يونس جنوب قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
خاص مخيم اليرموك... دمار يحاكي غزة وغموض لا تبدده قرارات ظرفية play-circle 06:14

خاص مخيم اليرموك... دمار يحاكي غزة وغموض لا تبدده قرارات ظرفية

«هذه ليست غزة. إنه مخيم اليرموك»... لا تكفي قراءة اللافتة مراراً عند مدخل المخيم الفلسطيني المحاذي لدمشق لترسخ هذه الحقيقة في ذهن الزائر.

بيسان الشيخ (مخيم اليرموك (دمشق))
شؤون إقليمية فلسطينيون يفرون من مخيم البريج للاجئين في وسط قطاع غزة (أرشيفية)

«هدنة غزة»... مساعٍ إلى «حل وسط» لإبرام الاتفاق

جهود مكثفة للوسطاء لتقريب وجهات النظر خلال مفاوضات الهدنة بقطاع غزة، في ظل حديث إعلامي عن «شروط جديدة» أخرت إعلان الاتفاق.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلاً مصاباً في غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط غزة (رويترز)

بينهم 7 أطفال.. مقتل 12 شخصاً من عائلة واحدة في غارة إسرائيلية على غزة

أعلن الدفاع المدني في قطاع غزة مقتل12 شخصاً من عائلة واحدة، بينهم 7 أطفال، في غارة إسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الخليج مندوب فلسطين رياض منصور يتحدث خلال اجتماع لمجلس الأمن في مقر الأمم المتحدة (أ.ب)

السعودية ترحب بقرار أممي حول التزامات إسرائيل

رحّبت السعودية بقرار للأمم المتحدة يطلب رأي محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل تجاه الفلسطينيين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

مبادرة جنبلاط تُشجع خصوم الأسد اللبنانيين على زيارة دمشق

أحمد الشرع والزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط (رويترز)
أحمد الشرع والزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط (رويترز)
TT

مبادرة جنبلاط تُشجع خصوم الأسد اللبنانيين على زيارة دمشق

أحمد الشرع والزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط (رويترز)
أحمد الشرع والزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط (رويترز)

تتوالى زيارات خصوم الرئيس السوري السابق بشار الأسد اللبنانيين إلى دمشق بعد سنوات من المنع.

وبعد يوم من مبادرة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الأحد، إلى زيارة سوريا، حيث التقى القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع؛ يستعد وفد إسلامي - مسيحي من «لقاء سيدة الجبل»، لزيارة دمشق، يوم الجمعة، للمشاركة في قداس في مطرانية الموارنة وزيارة الجامع الأموي، من دون أن يتضمن جدول أعماله لقاء الشرع.

ويتحدث رئيس «لقاء سيّدة الجبل» النائب السابق فارس سعيد، عن «مجموعة أهداف للزيارة التي تحظى بمباركة البطريرك بشارة الراعي، وأبرزها تهنئة الشعب السوري على سقوط نظام الأسد ومعه جسر العبور بين طهران وبيروت».

وقال سعيد لـ«الشرق الأوسط» إنه سيجري تأكيد أننا «ننظر بعين الأمل لا القلق من المسار الجديد الذي دخلته المنطقة، وبروز اتجاه سياسي جديد في سوريا»، مضيفاً أن «الزيارة لن يتخللها لقاء مع الشرع أو تقديم أي مذكرة له بوصفه يمثل الدولة السورية، لأننا نرى أن هذا شأن سوري».

رئيس «لقاء سيدة الجبل» النائب السابق فارس سعيد (أرشيفية)

وتابع سعيد: «سنحضر قداساً يترأسه المطران سمير نصار، وستكون هناك زيارة للجامع الأموي، وغداء في الشام، قبل العودة إلى بيروت».

ويشير سعيد إلى أن الوفد سيسعى إلى تأكيد «التمسك بالعيش المشترك في زمن صعود الأصوليات يميناً ويساراً والتيارات المتشددة داخل الطوائف»، معتبراً أنه «يُفترض إعطاء فرصة للتجدد مع أملنا بقيام دولة عادلة سواء في لبنان أو في سوريا قادرة على حماية كل المواطنين والجماعات خصوصاً بعد سقوط مقولة إن أحزاباً تحمي الجماعات، مع سقوط الأسد و(حزب الله)».

موقف «القوات»

تأتي هذه الزيارة بعد مواقف أطلقها الشرع خلال لقاء جنبلاط، خصوصاً تأكيده أن «سوريا لن تكون حالة تدخل سلبي في لبنان على الإطلاق، وستحترم سيادته، واستقلال قراره واستقراره الأمني».

وقد تركت هذه المواقف ارتياحاً لدى نواب وقوى سياسية. وقالت مصادر في «القوات اللبنانية» لـ«الشرق الأوسط»: إنه «لا بد من التنويه بمواقف الشرع، وتحديداً قوله إن ما حصل أعاد إيران 40 سنة إلى الوراء؛ وبهذا نتقاطع استراتيجياً معه على مستوى المنطقة».

كما تحدثت المصادر في «القوات اللبنانية» عن أنه «فيما يتعلق بتأكيد الشرع أن سوريا الجديدة لن تكون كسوريا القديمة؛ فإنها أفضل للعلاقات بين الدولتين» لافتةً إلى أن «التخلص من نظام الأسد خطوة استراتيجية كبرى، كما أن إقفال طريق سوريا أمام إيران خطوة (فوق الاستراتيجية)».

وعن احتمال توجه وفد من «القوات» لزيارة سوريا، قالت المصادر: «الأمور مرهونة بأوقاتها، فالشرع يشكل راهناً فريق عمله، ونحن منهمكون في الاستحقاق الرئاسي».

التنسيق الرسمي

وفي الوقت الذي بدأ التنسيق الأمني اللبناني - السوري عبر جهاز الأمن العام قبل فترة، يبدو أن التنسيق الحكومي يتقدم هو الآخر.

وأعلن وزير الصحة في الحكومة السورية الانتقالية ماهر الشرع، الأسبوع الماضي، أن «التواصل بيننا وبين الدولة اللبنانية قائم من اليوم الأول»، كاشفاً عن لقاء قريب بينه وبين وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض. إلا أن الأبيض قال لـ«الشرق الأوسط» إن «التواصل لم يحصل بعد» لكنه أبدى ترحيباً بالتعاون مع وزارة الصحة السورية لأن «الأمن الصحي (السوري - اللبناني) مشترك، وكثير من الهموم واحدة».