«هدنة غزة»... المكاسب والخسائر بين «حماس» وإسرائيل

الدخان يتصاعد بعد قصف إسرائيلي في قطاع غزة (أ.ب)
الدخان يتصاعد بعد قصف إسرائيلي في قطاع غزة (أ.ب)
TT

«هدنة غزة»... المكاسب والخسائر بين «حماس» وإسرائيل

الدخان يتصاعد بعد قصف إسرائيلي في قطاع غزة (أ.ب)
الدخان يتصاعد بعد قصف إسرائيلي في قطاع غزة (أ.ب)

بعد قتال دام 47 يوماً، وبوساطة مصرية - قطرية، ودعم أميركي، تدخل أول هدنة إنسانية في قطاع غزة موضع التطبيق صباح الخميس، ولمدة 4 أيام قابلة للتمديد، وسط حالة من الترقب الإقليمي والدولي، وحسابات متباينة لدى كل من طرفي الصراع (إسرائيل وحركة حماس) للمكاسب والخسائر التي أمكن ويمكن تحقيقها من تلك الهدنة التي تبدو «مجرد خطوة على طريق طويلة وشائكة نحو وقف إطلاق النار».

واتفقت إسرائيل وحركة «حماس»، الأربعاء، على هدنة، تحمل أول انفراجة بعد سبعة أسابيع من قصف غير مسبوق للجيش الإسرائيلي على قطاع غزة أودى بحياة ما يزيد على 14 ألف شهيد، أغلبهم من الأطفال والنساء، بحسب إحصاءات وزارة الصحة في غزة، إضافة إلى إصابة أكثر من 33 ألف شخص ونزوح ما يقرب من 1.7 مليون من سكان القطاع الذي دُمرت أجزاء كبيرة منه.

بنود «الهدنة الإنسانية» التي اتفق عليها الطرفان، وتدخل حيز النفاذ في العاشرة من صباح الخميس، بحسب تصريحات متطابقة من جانب مسؤولين بالحكومة الإسرائيلية وقيادات بحركة «حماس»، تتضمن هدنة تستمر 4 أيام تتوقف خلالها أعمال القتال، وتفرج «حماس» عن 50 من المحتجزين في غزة من النساء والأطفال، بحيث يتم الإفراج عن 10 محتجزين يومياً. في المقابل ستطلق إسرائيل سراح 150 فلسطينياً من السجون، معظمهم سيكونون من النساء والأطفال، كما سيتم السماح بدخول مئات الشاحنات من المساعدات الإنسانية والطبية والوقود إلى قطاع غزة.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مباحثات مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد في القاهرة الشهر الحالي (الرئاسة المصرية)

الطريق إلى الهدنة

الطريق إلى تلك الهدنة بدأ منذ الساعات الأولى لاندلاع المواجهات العسكرية بين إسرائيل و«حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عندما أعلنت مصر وقطر استعدادهما لبدء وساطة بين طرفي الصراع، وهو ما أثنت عليه الإدارة الأميركية، وعززته باتصالات متكررة مع قادة البلدين.

واستقبلت القاهرة والدوحة على مدى الأسابيع الماضية عشرات اللقاءات والاتصالات بين الأطراف المعنية؛ فبالإضافة إلى زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، لكل من مصر وقطر، استقبل البلدان مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، ويليام بيرنز. وتخللت تلك اللقاءات اتصالات مكثفة مع الجانب الإسرائيلي، حيث زار رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك)، رونين بار، مصر منتصف الشهر الحالي، للقاء كبار المسؤولين المصريين، لمناقشة «صفقة الإفراج» عن محتجزين لدى حركة «حماس»، وفق ما أفادت تقارير صحفية إسرائيلية.

كذلك زار مدير جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، ديفيد بارنيا، قطر، في نهاية أكتوبر الماضي، لمناقشة الجهود الجارية لإطلاق سراح المحتجزين من قبل حركة «حماس»، وعاد إليها في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي برفقة مدير المخابرات المركزية الأميركية، لعقد اجتماع مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.

وعلى المسار الفلسطيني أجرت القاهرة والدوحة اتصالات مكثفة مع قيادات حركة «حماس»، فإلى جانب وجود مكتب دائم للحركة في الدوحة وإقامة كثير من أبرز قيادات المكتب السياسي بها، زار وفد من قادة «حماس»، برئاسة إسماعيل هنية، مصر في التاسع من الشهر الحالي، حيث عقدوا اجتماعاً مع رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية لبحث الأوضاع الراهنة في قطاع غزة.

زيارة وفد حركة «حماس» جاءت عشية قمة مصرية - قطرية في القاهرة، حملت دلالات واضحة بشأن التنسيقات الجارية، سواء من جانب حركة المقاومة الفلسطينية مع الوسطاء المصريين والقطريين، أو التنسيق بين القاهرة والدوحة من جانب آخر.

تنسيق مصري - قطري

يشير مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير حسين هريدي، إلى أهمية هذا التنسيق، والدور الذي لعبه في «عدم تعارض الأدوار بل تكاملها»، موضحاً أن «التنسيق والسعي الدؤوب لاستكمال العمل من أجل الهدنة يُحسب لحكومتي البلدين».

وأشار هريدي لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الدعم الأميركي لمسار الوساطة المصرية القطرية «كان له تأثير واضح»، خاصة في ظل تراجعات إسرائيلية متكررة عن إتمام الاتفاق على مدى الأسابيع الماضية، مشدداً على أهمية تنفيذ الاتفاق والتزام طرفي الصراع بجميع بنوده، مشيراً إلى أن الاتفاق «يخدم جميع الأطراف»، فهو يعطي فسحة إنسانية لسكان قطاع غزة وفرصة لإدخال المساعدات بكميات أكبر، وفي الوقت ذاته يسمح لقيادات «حماس» السياسية والعسكرية بوضع ترتيبات للتعامل مع ما هو قادم.

وعلى مستوى إسرائيل، يرى هريدي أن «الهدنة قد تكون فرصة لممارسة مزيد من الضغوط على الحكومة الإسرائيلية من جانب أسر المحتجزين في غزة عندما يرون من سيفرج عنهم ويتحدثون عن تأثير عمليات القصف المتواصل على من تبقى من المحتجزين، وبالتالي يمكن توفير فرصة للضغط من أجل تمديد الهدنة لضمان الإفراج عن مزيد من المحتجزين».

ويُعتقد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق أن «حماس» تحتجز أكثر من 240 شخصاً اقتادتهم إلى غزة عندما تسلل مقاتلوها إلى إسرائيل في هجوم مباغت في 7 أكتوبر الماضي، والذي أسفر عن مقتل 1200 شخص؛ وفقا للإحصاءات الإسرائيلية.

وكانت وساطة مصرية - قطرية الشهر الماضي نجحت في إطلاق سراح محتجزتين إسرائيليتين لدى «حماس»، كما نجحت قطر قبلها بثلاثة أيام في إطلاق سراح أم وابنتها من حملة الجنسية الأميركية.

فرصة لالتقاط الأنفاس

من جانبه، عدّ الدبلوماسي الفلسطيني، السفير السابق لدى مصر، الدكتور بركات الفرا، سكان قطاع غزة «الكاسب الأول من اتفاق الهدنة»، مشيراً إلى أن الهدنة حتى وإن كانت مؤقتة ستكون فرصة لالتقاط الأنفاس بعد 47 يوماً من القصف «الوحشي وغير المسبوق» على القطاع، إضافة إلى زيادة أعداد شاحنات المساعدات للقطاع إلى 300 يوميا، وتوزيعها على مناطق بالقطاع باتت على حافة المجاعة، خاصة في الشمال.

وأضاف الفرا لـ«الشرق الأوسط» أن حسابات المكاسب الميدانية قد تكون لصالح طرفي الصراع؛ إسرائيل والفصائل الفلسطينية، موضحاً أنه يمكن لكل منهما إعادة ترتيب أوراقه لما بعد انتهاء الهدنة، التي «يتوقع أن تسعى إسرائيل لعدم تمديدها، لأن ذلك سيكون من وجهة نظر المسؤولين العسكريين الإسرائيليين اعترافاً بالهزيمة».

أما فيما يتعلق بالمكاسب السياسية، فالأمر، بحسب الفرا، يميل لصالح المقاومة الفلسطينية التي نجحت في الاحتفاظ بالأسرى والمحتجزين كل هذا الوقت على الرغم من المساعي الإسرائيلية للوصول إليهم بالقوة وبالأدوات الاستخباراتية، وإجبار حكومة الحرب في تل أبيب على قبول الهدنة رغم الرفض الصارم في البداية لإبرام أي هدنة أو وقف لإطلاق النار قبل استكمال الأهداف العسكرية وتحرير جميع الأسرى.

على المستوى الإسرائيلي الداخلي، يعتقد الفرا أن الهدنة ستكون «سلاحاً ذا حدين»، فقد تسهم في تخفيف الضغوط من جانب ذوي الأسرى والمحتجزين على الحكومة، لكنها في الوقت ذاته قد تؤدي إلى «تشققات في التشكيلة الحكومية»، خاصة في ظل رفض وزراء اليمين المتطرف للاتفاق، وهو ما يدفع باتجاه ألا تجدد الحكومة الإسرائيلية الهدنة لإعادة إطلاق العمليات العسكرية «بحثاً عن انتصار يمكن تسويقه داخليا لإنقاذ مصير قيادات تلك الحكومة ومستقبلهم السياسي».


مقالات ذات صلة

حرب غزة: أكثر من 7 آلاف مجزرة إسرائيلية... و1400 عائلة مُحيت من السجلات

المشرق العربي صبي جريح يجلس في مستشفى شهداء الأقصى عقب تعرضه للإصابة في غارة جوية إسرائيلية في مخيم البريج وسط غزة (إ.ب.أ)

حرب غزة: أكثر من 7 آلاف مجزرة إسرائيلية... و1400 عائلة مُحيت من السجلات

أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة أن «قوات الاحتلال ارتكبت 7160 مجزرة بحق العائلات الفلسطينية في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر».

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيات يستخدمن طريقاً جافاً لنقل المياه إلى خيمتهن بعد هطول أمطار غزيرة بدير البلح وسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب)

الغزيون يكابدون الأمطار والبرد

تسبب الانخفاض الجوي الذي تشهده غزة، هذه الأيام، في زيادة معاناة سكان القطاع الذين يعانون أصلاً ويلات الحرب منذ 14 شهراً.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شمال افريقيا جانب من محادثات وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظيره الإيراني في القاهرة الشهر الماضي (الخارجية المصرية)

مصر تطالب بخفض التوترات في المنطقة و«ضبط النفس»

أعرب وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال اتصال هاتفي تلقاه من نظيره الإيراني، عباس عراقجي، مساء الخميس، عن قلق بلاده «من استمرار التصعيد في المنطقة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شؤون إقليمية وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير (رويترز)

ماذا نعرف عن «الخلية الفلسطينية» المتهمة بمحاولة اغتيال بن غفير؟

للمرة الثانية خلال ستة شهور، كشفت المخابرات الإسرائيلية عن محاولة لاغتيال وزير الأمن القومي الإسرائيلي، المتطرف إيتمار بن غفير، الذي يعيش في مستوطنة بمدينة…

نظير مجلي (تل ابيب)

مبادرة أميركية فرنسية لاستئناف المباحثات بين الأحزاب الكردية في سوريا

سليمان أوسو رئيس «المجلس الوطني الكردي» (الشرق الأوسط)
سليمان أوسو رئيس «المجلس الوطني الكردي» (الشرق الأوسط)
TT

مبادرة أميركية فرنسية لاستئناف المباحثات بين الأحزاب الكردية في سوريا

سليمان أوسو رئيس «المجلس الوطني الكردي» (الشرق الأوسط)
سليمان أوسو رئيس «المجلس الوطني الكردي» (الشرق الأوسط)

كشفت مصادر كردية أن فرنسا والولايات المتحدة قدمتا مبادرة لاستئناف المباحثات الداخلية بين قطبَي الحركة الكردية في سوريا، لإحياء الحوارات المتعثرة منذ 2020، تضمنت رؤية مشتركة لحل القضايا الخلافية، وإقناع قادة «المجلس الوطني الكردي» وأحزاب الوحدة الوطنية -بقيادة حزب «الاتحاد الديمقراطي»- بالجلوس إلى طاولة المفاوضات.

وركَّزت باريس وواشنطن في اتصالاتهما مع قادة أحزاب الحركة الكردية على 4 نقاط رئيسية، هي: توحيد الموقف الكردي في سوريا، ووحدة الخطاب السياسي، والعمل على تأسيس إدارة مشتركة، وتشكيل وفد كردي موحد للمشاركة في جميع الاجتماعات والمحافل الدولية الخاصة بحل الأزمة في سوريا.

ويقول رئيس «المجلس الوطني الكردي» سليمان أوسو، إن الأميركيين والأوروبيين يدعمون استئناف هذه المفاوضات، ويضيف: «خلال لقاءاتنا الرسمية يؤكدون على ضرورة وحدة الموقف الكردي، وكذلك وحدة المعارضة السورية».

وفي وقت كشف فيه محمد موسى أمين عام حزب «اليسار الكردي» أن واشنطن وباريس تعملان على إعادة استئناف الحوارات الكردية، رأى زيد صفوك من الهيئة الرئاسية للحركة الكردستانية المستقلة، أن هذه الجهود تأتي في إطار خفض التصعيد بشمال شرقي سوريا، وتشكيل حكومة مشتركة.