الذكرى الـ80 لاستقلال لبنان بلا احتفالات وسط شغور رئاسي

العماد عون: الجيش أمام مرحلة مفصلية في ظل التجاذبات السياسية

وزير الدفاع اللبناني موريس سليم يضع إكليلاً من الزهر على ضريح الأمير مجيد أرسلان بمناسبة ذكرى الاستقلال (الوكالة المركزية)
وزير الدفاع اللبناني موريس سليم يضع إكليلاً من الزهر على ضريح الأمير مجيد أرسلان بمناسبة ذكرى الاستقلال (الوكالة المركزية)
TT

الذكرى الـ80 لاستقلال لبنان بلا احتفالات وسط شغور رئاسي

وزير الدفاع اللبناني موريس سليم يضع إكليلاً من الزهر على ضريح الأمير مجيد أرسلان بمناسبة ذكرى الاستقلال (الوكالة المركزية)
وزير الدفاع اللبناني موريس سليم يضع إكليلاً من الزهر على ضريح الأمير مجيد أرسلان بمناسبة ذكرى الاستقلال (الوكالة المركزية)

يحيي لبنان، الأربعاء، العيد الثمانين لاستقلاله، وللعام الثاني على التوالي تمر الذكرى من دون احتفالات رسمية، في ظل الشغور الرئاسي، وفيما يواجه لبنان تحديات أكبر وسط نقاشات وتباينات سياسية لمنع الشغور في قيادة الجيش اللبناني مع إحالة قائده العماد جوزيف عون على التقاعد في يناير (كانون الثاني) المقبل.

وفي العادة كان الجيش اللبناني يقدّم عرضاً عسكرياً في عيد الاستقلال في كل عام، في احتفال رسمي كان يحضره رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة وقادة الأجهزة الأمنية ووزراء ونواب وسفراء، لكن العرض غاب في العام الماضي بسبب الشغور الرئاسي، وسيغيب الأربعاء أيضاً للسبب نفسه.

وينص القانون اللبناني في المادة الـ53 من الدستور على أن رئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، يرأس الاحتفالات الرسمية، وهو سبب تعليق الاحتفالات الرسمية في مناسبة الاستقلال، حيث تكتفي الحكومة بتكليف وزراء بوضع أكاليل من الزهر على نصب تذكارية على أضرحة سياسيين كان لهم دور في الاستقلال.

قائد الجيش

ووسط نقاشات وتباينات سياسية لمنع الشغور في موقع قيادة الجيش، ووسط الحرب في الجنوب، وصف قائد الجيش العماد جوزيف عون المرحلة بـ«المفصلية والحساسة». وقال في «أمر اليوم» الذي وجهه إلى العسكريين عشية عيد الاستقلال: «قدّر لوطننا أنْ يواجه التحدي تلو التحدي على مدى تاريخه الحديث، في منطقة تعاني من الاضطرابات والنزاعات الدامية والمتلاحقة»، مضيفاً: «اليوم، نقف أمام مشهد شديد الخطورة؛ إذ يواصل العدوّ الإسرائيليّ ارتكاب أفظع المجازر وأشدّها دمويّةً على نحو غير مسبوق في حقّ الشعب الفلسطيني، ويكرّر اعتداءاته على سيادة وطننا وأهلنا في القرى والبلدات الحدودية الجنوبية، مستخدماً ذخائر محرمةً دولياً، إلى جانب استمرار احتلاله لأراض لبنانية».

وتابع قائد الجيش: «في الوقت نفسه، يواجه لبنان تحديات جسيمةً على مختلف الصعد، تنعكس سلباً على مؤسسات الدولة، ومن بينها المؤسسة العسكرية، التي تقف اليوم أمام مرحلة مفصلية وحساسة في ظلّ التجاذبات السياسية، في حين تقتضي المصلحة الوطنية العليا عدم المساس بها، وضمان استمراريتها وتماسكها والحفاظ على معنويات عسكرييها».

ويواجه الجيش اللبناني تحديين متزامنين؛ أولهما التحديات الاقتصادية في ظل الأزمة المعيشية والمالية التي يعيشها لبنان، والثاني أنه يواجه حملات سياسية ضد قيادته.

وقال عون متوجهاً إلى العسكريين: «إزاء هذه الصعوبات، تبقى الآمال معلّقةً عليكم، والأنظار شاخصةً إلى ما حققتموه من إنجازات. لمْ يعرف اليأس طريقاً إليكم لأنكم بقيتم متسلّحين بمعنويات عالية، وإرادة لا تنكسر، وعزم لا يلين». وأضاف: «تقفون في مواجهة العدوّ الإسرائيليّ في الجنوب، حيث تعملون بالتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، وتبذلون أقصى طاقاتكم لمنْع الوضع من التدهور، وما قد ينْجم عنه من تداعيات على أهالي المناطق الحدودية»، مذكراً بأن العسكريين «ينتشرون على طول الحدود، ويكافحون التهريب والتسلل غير الشرعيّ للنازحين، الذي يشكّل خطراً وجودياً على الكيان اللبناني، وينفّذون مهمات معقدةً لملاحقة الخلايا الإرهابية والجريمة المنظّمة، وتوقيف تجار المخدرات والمخلّين بالأمن».

وقال للعسكريين: «تحافظون على الاستقرار والسلم الأهليّ والعيش المشترك، غير آبهين بحملات التشكيك والاتهامات؛ لأنها واهيةٌ تسقط أمام تضحياتكم. ولا بدّ في هذا السياق من أنْ نستذكر شهداءنا الأبرار وجرحانا الأبطال، الذين رووا بدمائهم الزكية تراب الوطن».

دريان

وتتصاعد الدعوات السياسية والدينية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية لوضع لبنان على سكة التعافي ومنع الشغور في المؤسسات الرسمية. ورأى المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان أن «لا مبرر بعد اليوم لتأخير انتخاب رئيس جامع أياً تكن الأسباب، فالانتظار بات يشكل خطراً على كيان لبنان الذي يريده الكل في مصاف الدول المتقدمة، ولن ينهض وطننا إلا بإنجاز الانتخاب في أقرب وقت، وتأليف حكومة متجانسة ترمي خلفها المصالح الشخصية وتضع نصب أعينها مصلحة الوطن والمواطنين، لتبقى مؤسسات الدولة في ميدان العمل والخدمة العامة بكل طاقاتها البشرية والتقنية، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية بقيادتها الحكيمة التي لم تضنّ على لبنان واللبنانيين بالتضحيات الكبيرة، لتحفظ أمنه واستقراره».

وقال في تصريح: «علينا ألا نختلف في مقاربة المراكز الحساسة لحلحلة المواضيع الخلافية التي تتطلب من الساسة ليونة أكثر وتضحية أكبر من أجل أمن لبنان ومستقبله».

وأكد دريان أن «فرحة الاستقلال في لبنان تخالطها حسرة وقلق وخوف بسبب شغور سدة الرئاسة الأولى، فانتخاب رئيس للجمهورية ينبغي أن يبقى أولى الأوليّات. كفانا شغوراً في مقام الرئاسة الذي نجلّ ونحترم، فإلى متى الانتظار والتباين في وجهات النظر؟ ألم يحن بعد وقت انتخاب رئيس في هذه الظروف الدقيقة والمصيرية التي يمر بها لبنان والمنطقة؟».



الشتاء يضرب غزة... ووفاة رضيعة بسبب البرد القارس

أحفاد رضا أبو زرادة في خيمة بخان يونس (أ.ب)
أحفاد رضا أبو زرادة في خيمة بخان يونس (أ.ب)
TT

الشتاء يضرب غزة... ووفاة رضيعة بسبب البرد القارس

أحفاد رضا أبو زرادة في خيمة بخان يونس (أ.ب)
أحفاد رضا أبو زرادة في خيمة بخان يونس (أ.ب)

يضرب البرد القارس الفلسطينيين، البالغ عددهم نحو مليونَي شخص، الذين نزحوا؛ بسبب الحرب الإسرائيلية، في حين توفيت رضيعة من البرد، وفق وسائل إعلام فلسطينية.

وتوفيت، أول من أمس (الجمعة)، الرضيعة عائشة عدنان سفيان القصاص (20 يوماً)؛ نتيجة البرد الشديد داخل خيمة في منطقة مواصي خان يونس، حسبما ذكرت وسائل إعلام فلسطينية.

ويكافح كثير من الفلسطينيين منذ 14 شهراً لحماية أنفسهم من الرياح والبرد والأمطار، وسط برد قارس يضرب القطاع. كما أن هناك نقصاً في البطانيات والملابس الدافئة، وقليلاً من الخشب لإشعال النار، كما أن الخيام والأقمشة المشمعة التي تعيش فيها الأسر أصبحت مهترئة بشكل متزايد بعد أشهر من الاستخدام المكثف، وفقاً لعمال الإغاثة والسكان.

وتقول شادية عياده، التي نزحت من مدينة رفح إلى منطقة المواصي الساحلية، إنه ليس لديها سوى بطانية واحدة وزجاجة ماء ساخن لحماية أطفالها الـ8 من الارتعاش داخل خيمتهم الهشّة. وتتابع لوكالة «أسوشييتد برس»: «نشعر بالخوف في كل مرة نعلم فيها من توقعات الطقس أن الأيام الممطرة والعاصفة مقبلة؛ لأن خيامنا ترتفع مع الرياح. نخشى أن يؤدي الطقس العاصف القوي إلى تدمير خيامنا ذات يوم بينما نحن داخلها».

رضا أبو زرادة التي نزحت من شمال غزة مع عائلتها وسط أحفادها في خيمتها بخان يونس (أ.ب)

مع انخفاض درجات الحرارة ليلاً، تخشى أيادا أن يمرض أطفالها الذين يفتقرون للملابس الدافئة. وقالت إن أطفالها عندما فروا من منزلهم لم يكن لديهم سوى ملابس الصيف. وقد اضطروا إلى اقتراض بعض الملابس من الأقارب والأصدقاء للتدفئة.

مخاوف من انتشار أمراض الشتاء

وتحذِّر الأمم المتحدة من أن الناس الذين يعيشون في ملاجئ مؤقتة قد لا يصمدون في الشتاء. وقالت الأمم المتحدة، في تحديث يوم الثلاثاء، إن ما لا يقل عن 945 ألف شخص يحتاجون إلى إمدادات الشتاء، التي أصبحت باهظة الثمن في غزة. كما تخشى الأمم المتحدة من أن تتفشى الأمراض المعدية، التي انتشرت في الشتاء الماضي، مرة أخرى وسط ارتفاع سوء التغذية.

وفي هذا الصدد، قالت لويز واتريدغ المتحدثة باسم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إن الوكالة كانت تخطط طوال العام لفصل الشتاء في غزة، لكن المساعدات التي تمكَّنت من إدخالها إلى القطاع «ليست كافية حتى للناس». وزَّعت «الأونروا» 6 آلاف خيمة على مدى الأسابيع الأربعة الماضية في شمال غزة، لكنها لم تتمكَّن من نقلها إلى أجزاء أخرى من القطاع، بما في ذلك المناطق التي شهدت اشتداد المعارك.

أحد أحفاد رضا أبو زرادة يجلس على التراب مرتدياً جوارب ممزقة خلال اللعب بالقرب من خيمتهم بخان يونس بقطاع غزة (أ.ب)

وتابعت واتريدغ أن نحو 22 ألف خيمة عالقة في الأردن، و600 ألف بطانية و33 شاحنة محملة بالمراتب كانت راكدة في مصر منذ الصيف؛ لأن الوكالة ليست لديها موافقة إسرائيلية أو طريق آمن لإحضارها إلى غزة، ولأنها اضطرت إلى إعطاء الأولوية للمساعدات الغذائية التي تشتد الحاجة إليها. وقالت إن كثيراً من الفرش والبطانيات تعرضت للتدمير منذ ذلك الحين؛ بسبب الطقس والقوارض.

وقالت ديون وونغ، نائبة مدير برامج المنظمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إن «لجنة الإنقاذ الدولية تكافح من أجل جلب ملابس الشتاء للأطفال؛ لأن هناك كثيراً من الموافقات التي يتعيَّن الحصول عليها من السلطات المختصة». وقالت وونغ: «إن قدرة الفلسطينيين على الاستعداد للشتاء محدودة للغاية في الأساس».

أحفاد رضا أبو زرادة يتدفأون على نيران من الورق الكرتون في خيمة في خان يونس (أ.ب)

وقالت وكالة تابعة للحكومة الإسرائيلية المسؤولة عن تنسيق شحنات المساعدات إلى غزة، في بيان، إن إسرائيل عملت لأشهر مع المنظمات الدولية لإعداد غزة للشتاء، بما في ذلك تسهيل شحن المدافئ والملابس الدافئة والخيام والبطانيات إلى القطاع، وفق «أسوشييتد برس».

قُتل أكثر من 45 ألف فلسطيني في الحرب في غزة، وفقاً لوزارة الصحة في غزة. كما أن أكثر من نصف القتلى من النساء والأطفال. ويقول الجيش الإسرائيلي إنه قتل أكثر من 17 ألف مسلح، دون تقديم أدلة. ويقول المفاوضون إن إسرائيل و«حماس» تتجهان نحو اتفاق وقف إطلاق النار، الذي سيشمل زيادة المساعدات إلى المنطقة.

في الوقت الحالي، فإن الملابس الشتوية المعروضة للبيع في أسواق غزة باهظة الثمن بالنسبة لمعظم الناس، كما قال السكان وعمال الإغاثة.

«أخاف أن أستيقظ من النوم»

قالت رضا أبو زرادة، (50 عاماً)، التي نزحت من شمال غزة مع عائلتها، إن البالغين ينامون مع الأطفال بين أذرعهم لإبقائهم دافئين داخل خيمتهم، وتابعت: «تمشي الفئران علينا في الليل لأننا لا نملك أبواباً والخيام ممزقة. البطانيات لا تدفئنا. نشعر بالصقيع يخرج من الأرض. نستيقظ متجمدين في الصباح». قالت: «أخاف أن أستيقظ ذات يوم لأجد أحد الأطفال متجمداً حتى الموت».

رضا أبو زرادة التي نزحت من شمال غزة مع عائلتها وسط أحفادها في خيمتها بخان يونس (أ.ب)

في ليلة الخميس، حاربت آلام الركبة التي تفاقمت بسبب الطقس البارد لقلي الكوسة على نار مصنوعة من قصاصات الورق والكرتون خارج خيمتهم. كانت تأمل أن تدفئ الوجبةُ الصغيرةُ الأطفالَ قبل النوم.

وفي السياق، يخشى عمر شبيت، النازح من مدينة غزة والذي يقيم مع أطفاله الـ3، أن يؤدي إشعال النار خارج خيمته إلى جعل عائلته هدفاً للطائرات الحربية الإسرائيلية. وقال: «ندخل خيامنا بعد غروب الشمس ولا نخرج لأن الجو بارد جداً وتزداد البرودة بحلول منتصف الليل. ابنتي البالغة من العمر 7 سنوات تكاد تبكي في الليل بسبب البرد».