دو ريفيير لـ«الشرق الأوسط»: غزة جزء من فلسطين… وفرنسا ضد الترحيل

وصف رد الفعل ضد «حماس» بأنه «مبرر قانوني وسياسي» ودعا إلى حماية المدنيين

المندوب الفرنسي الدائم لدى الأمم المتحدة نيكولا دو ريفيير (صور الأمم المتحدة)
المندوب الفرنسي الدائم لدى الأمم المتحدة نيكولا دو ريفيير (صور الأمم المتحدة)
TT

دو ريفيير لـ«الشرق الأوسط»: غزة جزء من فلسطين… وفرنسا ضد الترحيل

المندوب الفرنسي الدائم لدى الأمم المتحدة نيكولا دو ريفيير (صور الأمم المتحدة)
المندوب الفرنسي الدائم لدى الأمم المتحدة نيكولا دو ريفيير (صور الأمم المتحدة)

أكد المندوب الفرنسي الدائم لدى الأمم المتحدة نيكولا دو ريفيير، في حوار خاص مع «الشرق الأوسط»، أن ما يحصل في غزة «مأساة»، داعياً إلى السماح بإدخال أكثر من مئة شاحنة من المساعدات يومياً للمدنيين الفلسطينيين المحاصرين في القطاع.

وإذ كرر التنديد بـ«الهجمات الإرهابية» التي نفذتها «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، شدد على أنه «يحق لإسرائيل أن تدافع عن نفسها»، مقارناً ما يحصل بالعمليات العسكرية التي تنفذها فرنسا في الشرق الأوسط ومنطقة الساحل ضد «القاعدة» و«داعش». لكنه استدرك أن «المدنيين ينبغي ألا يكونوا هدفاً».

وفي الحوار الذي تزامن مع تصويت مجلس الأمن على قرار «الهدنات المديدة» و«الممرات الآمنة» في كل أنحاء غزة، عدّ السفير الفرنسي أن هذا الموقف مجرد «خطوة أولى» في الطريق إلى «نهاية هذه الأزمة»، آملاً في «استئناف عملية سلام حقيقية وذات صدقية تفضي إلى حل الدولتين» ضمن اتفاق يحتوي على «ضمانات أمنية» لإسرائيل وعلى إعطاء «وضع الدولة» لفلسطين.

وإذ شدد على أن «غزة أرض فلسطينية»، أكد رفض المقترحات الإسرائيلية عن ترحيل أهلها، حذر في الوقت ذاته من أنه «في غياب المنظور السياسي» سيشهد العالم انتقالاً متواصلاً «من دورة عنف إلى أخرى» في الأراضي المحتلة.

وكذلك عبّر الدبلوماسي الرفيع عن «قلق بالغ» في بلاده من احتمال توسيع نطاق الحرب في اتجاه الضفة الغربية ونحو لبنان.

المندوب الدائم لدولة فلسطين المراقبة لدى الأمم المتحدة رياض منصور مصافحاً المندوب الفرنسي نيكولا دو ريفيير في نيويورك (أ.ف.ب)

وهنا نص الحوار:

* الوضع الرهيب في غزة وإسرائيل يذكّرني بمقال كتبه سلفكم السفير (فرنسوا) دولاتر، وكان الأمر يتعلق بسوريا، فقال: إن حلب كانت بمثابة مقبرة للأمم المتحدة. عندما ترى ما يحصل الآن في غزة، ماذا تقول؟

- أعتقد أن ما يحصل الآن مأساة. لا يمكن لأحد أن يتفاجأ بالأحداث الأخيرة. وأعتقد أن الوضع في الشرق الأوسط بين إسرائيل وفلسطين تدهور بمرور الوقت. هذا واضح. لكننا نشهد خطوة جديدة في هذه الأزمة. في 7 أكتوبر، شهدنا هجوماً إرهابياً غير مسبوق ضد إسرائيل. قُتل 1200 إسرائيلي لمجرد أنهم يهود. وهذا ما يجب أن يُندد به مراراً وتكراراً. ولإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها. وهذا ما لا ينبغي أن يتكرر. وفي ما يتعلق بالوضع في غزة، من الواضح أننا في حاجة حقاً إلى تحسين، ونحتاج إلى وصول إنساني كامل. إن ما يحدث الآن هو بالطبع بعيد كل البعد عن الكفاية. الأمم المتحدة تحاول جاهدة الحصول على وصول أكبر. ولكن حتى الأمس القريب، دخلت 20 شاحنة فقط في اليوم من معبر رفح.

نحتاج إلى 100 شاحنة وإلى المزيد.

لذلك؛ أعتقد أن هناك تقدماً بطيئاً، لكنه غير كافٍ على الإطلاق. لا نحتاج فقط إلى توصيل المعونات، بل أيضاً إلى امتثال كل الأطراف الكامل للقانون الإنساني الدولي واتفاقات جنيف. ينبغي حماية المدنيين. المدنيون ينبغي ألا يكونوا هدفاً. غير أن الإرهابيين يمكن أن يكونوا هدفاً. ونحن في حاجة إلى إطلاق الرهائن. وما نود أن نراه في نهاية هذه الأزمة - وكلما أسرعنا كان أفضل - هو استئناف عملية سلام حقيقية وذات صدقية تفضي إلى حل الدولتين. وهذا ما افتقدناه في الأشهر والسنوات الماضية. في غياب المنظور السياسي، لا أعتقد أننا نستطيع حل هذه الأزمة. سنتحرك من دورة عنف إلى دورة عنف أخرى.

صورة من الحدود بين إسرائيل وغزة تظهر الدخان المتصاعد أثناء القصف الإسرائيلي على القطاع (أ.ف.ب)

بين الإرهابيين والمدنيين

* ما هو منظوركم في فرنسا؟ قيل في فرنسا والولايات المتحدة وفي كل مكان: لا شيء يبرر ما فعلته «حماس». فهل هناك ما يبرر ما تفعله إسرائيل في غزة منذ 40 يوماً؟

- حسناً، الإرهاب بالتأكيد خارج الحسابات، وغير مقبول، والإرهابيون ينبغي أن يُحاسَبوا. والعمل العسكري ضد الإرهابيين مبرر. ويمكنني الإصرار على ذلك؛ لأن فرنسا تفعل ذلك في الشرق الأوسط، كما تعلمون، ضد «داعش». وفرنسا تفعل ذلك في منطقة الساحل. لذلك؛ نحتاج إلى اتخاذ إجراءات عسكرية ضد الإرهابيين.

الدول التي تتعرض لهجمات من الإرهابيين، لديها الحق في الدفاع عن نفسها. وهذا أمر قانوني، وله ما يبرره سياسياً. ولكن ينبغي احترام القانون الدولي واتفاقية جنيف. كما قلت من قبل، لا ينبغي أن يكون المدنيون هدفاً، وينبغي حماية المدنيين. وينبغي أن يكون هناك تمييز واضح بين المقاتلين، وهم في هذه الحال إرهابيون، وبين السكان المدنيين في غزة. الأمر واضح للغاية. وهذا ما نكرره مراراً.

* من الواضح ربما أن الإسرائيليين أخفقوا في التمييز بين المدنيين والمسلحين الذين تتحدث عنهم، والذين تعدّهم الولايات المتحدة والغرب إرهابيين...

- لا، أعتقد أننا سنواصل مطالبة كل الأطراف بالالتزام القانون الدولي. بالطبع، لإسرائيل الحق في الرد على الهجوم الإرهابي، ولكن ينبغي أن تستهدف الإرهابيين. هذا واضح... عندما يستخدم مقاتلو «حماس» المستشفيات والمرافق المدنية؛ بغية الحصول على ملجأ، وفقط للتأكد من أن الهجمات ستكون لها أضرار جانبية. هذه استراتيجيتهم، وهذا يتعارض أيضاً مع اتفاقية جنيف والقانون الدولي. وهذا السلوك ينبغي التنديد به أيضاً.

نيكولا دو ريفيير في أحد اجتماعات مجلس الأمن (أ.ب)

أمن لإسرائيل ودولة لفلسطين

* على رغم أن مجلس الأمن سيتبنى على الأرجح قراراً، فإن هذا لا يعني أن مجلس الأمن فعال، علماً أنه الأداة الأقوى في النظام الدولي. ماذا يمكنك أن تقول عن ذلك؟

- الأمر محبط للغاية؛ لأن الهجوم ضد إسرائيل وقع في 7 أكتوبر. منذ خمسة أسابيع، ولم يتمكن المجلس من الرد. كان ينبغي للمجلس أن يندد بالهجوم، وأن يطالب بإطلاق الرهائن، وأن يطالب بالإغاثة الإنسانية، وباحترام القانون الدولي، وما إلى ذلك. الآن، كما قلت للتو، من المحتمل جداً أن المجلس سيقوم بخطوة أولى (في إشارة إلى القرار الذي تم إقراره بالفعل). يركز هذا القرار على إجراءات العمل الإنساني في ما يتعلق بالأطفال. لذا؛ له تركيز محدود جداً. غير كافٍ إطلاقاً. وهذا محبط أيضاً. لكنه خطوة أولى. ولذلك؛ فإن فرنسا ستؤيد هذا القرار. وهو يتعلق بالأطفال، ولا أحد يمكنه أن يكون ضد ذلك. أجد صعوبة في فهم ذلك. لكنه مجرد دعوة للمضي قدماً.

أعتقد أننا في حاجة إلى وضع إطار لما يحدث في غزة. ونحتاج في أسرع ما يمكن إلى هدنة إنسانية كاملة، بما يؤدي إلى وقف لإطلاق النار. هذا ما نحتاج إليه، مع احترام حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وملاحقة مقاتلي «حماس»، وهم هدف مشروع. وما نحتاج إليه أيضاً، كما قلت في البداية، نحن في حاجة إلى استئناف عملية سلام واضحة في الشرق الأوسط مع إسرائيل وفلسطين. أمن إسرائيل ينبغي ألا يكون قابلاً للتفاوض. ينبغي منح إسرائيل ضمانات أمنية. وينبغي إعطاء فلسطين وضع الدولة الذي من دونه أعتقد أن الأزمة ستتواصل. ما شهدناه في السنوات الثماني إلى التسع الماضية هو الغياب التام لعملية السلام في الشرق الأوسط. إن الاتفاقات الثنائية كـ«اتفاقات إبراهيم» مفيدة. ولكنها لا تعالج، أكرر مرة أخرى، الموضوع الفلسطيني.

المساعدات مجرد بداية

* اضطلعت فرنسا بدور ريادي على المستوى الدولي لتقديم المساعدات الإنسانية عبر مؤتمر باريس. هل نتوقع أن تقوم فرنسا بالمتابعة في مجلس الأمن في ما يتعلق بمؤتمر باريس. هل تحضّرون أي شيء؟ هل يمكنكم تسليط بعض الضوء حول ما تقومون به؟

- شكراً للإشارة إلى مؤتمر باريس، الرئيس (إيمانويل) ماكرون نظّمه الأسبوع الماضي (9 نوفمبر/تشرين الثاني). كان ناجحاً، مع الكثير من المشاركين ووكالات الأمم المتحدة والمجتمع المدني، وتمكنا من جمع قرابة مليار دولار لغزة. وهذه مجرد بداية. ولذلك؛ سنواصل الدفع لتقديم الإغاثة الإنسانية لشعب غزة. هناك شعور بحالة الطوارئ. وستقوم فرنسا بكل ما يمكن القيام به هنا في نيويورك، في الأمم المتحدة، وفي مجلس الأمن على وجه الخصوص، من أجل دفع هذه القضية في اتجاه الحل، واستئناف عملية السلام.

توسيع الحرب

* يتحدث بعض المسؤولين الإسرائيليين عن الترحيل من غزة إلى أماكن أخرى. وهذا يثير بعض الغضب في مصر والأردن؛ لأن هذا تلاعب في النظام الجيو - سياسي للشرق الأوسط. وهناك أيضاً أشخاص يشعرون بالقلق من احتمال امتداد الحرب إلى لبنان، إلى الضفة الغربية، أو حتى أبعد. هل فرنسا قلقة من هذا الأمر؟

- نعم. نحن قلقون للغاية بشأن التوسع المحتمل للحرب. أعتقد أن الأزمة في غزة سيئة بما فيه الكفاية. آخر شيء نريد رؤيته هو أزمة أخرى في الضفة الغربية.

وفي الحقيقة، ارتفع مستوى العنف بشكل ملحوظ في الضفة الغربية في الأسابيع الأخيرة، وينبغي أن يتوقف. «حماس» لا توجد في الضفة الغربية. وثانياً، تزايدت أيضاً التوترات بين إسرائيل ولبنان على الحدود. وآخر شيء نريده هو جبهة جديدة بين إسرائيل وجنوب لبنان، وبخاصة «حزب الله».

ولذلك؛ نحن نشعر بقلق بالغ إزاء احتمال توسع الحرب. في ما يتعلق بغزة، نحتاج إلى وضع نهاية لهذه الأزمة. نحتاج إلى حماية المدنيين. يجب أن يكونوا في وضع يمكنهم من البقاء في بلادهم في ظروف سلمية. نحن لا نتحدث عن ترحيل سكان. نحن في حاجة إلى الدفاع عن القانون الدولي. غزة أرض فلسطينية.

وأعتقد أن الشعب الفلسطيني في غزة ينبغي أن يكون في وضع يسمح له بالعيش بسلام هناك. مرة أخرى، هذه الأزمة مأساة. ومرة أخرى، هذا الوضع ما كان ليكون مأسوياً لو لم تقم «حماس» قبل خمسة أسابيع بقتل وحشي لـ1200 إسرائيلي. وأنا متأكد أن شعب غزة ما كان ليعاني ما يعانيه لو لم تقم «حماس» بذلك. لذلك؛ دعني أذكّر الجميع بذلك.

سكان يتوجهون من شمال غزة باتجاه الجنوب بأوامر من الجيش الإسرائيلي (إ.ب.أ)

بمثابة إنذار

* قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: إن كل هذا لم يأتِ من العدم. وهذه الكلمة أحدثت ضجة لدى الإسرائيليين...

- ... هذا صحيح. ولذلك؛ أعتقد أننا في حاجة إلى حل سياسي. في غياب حل سياسي لفلسطين، ولكن أيضاً لإسرائيل على المستوى الأمني، فإن هذا الوضع يمكن أن يعود مراراً وتكراراً. أعتقد أنه ينبغي أن يكون بمثابة إنذار.

* كلمة أخيرة سعادة السفير؟

- آمل حقاً بأن نتمكن من المساهمة في تسوية ما في غزة. كلما استعجلنا ذلك أفضل. أنا لا أطلب من إسرائيل أن توقف أعمالها ضد مقاتلي «حماس». أعتقد أن هذا الإجراء مشروع ومبرر. ولكنني أعتقد أننا في حاجة إلى حماية جميع المدنيين في غزة وخارجها. لا ينبغي أن يكونوا هدفاً. وينبغي تزويدهم بالإغاثة الإنسانية في أسرع وقت ممكن. وبمجرد عودة الوضع في غزة إلى طبيعته، أعتقد أنه سيكون من الملح إعادة إطلاق عملية سلام حقيقية وذات صدقية.


مقالات ذات صلة

إسرائيل ليست عضواً في «الجنائية الدولية»... كيف تلاحق المحكمة نتنياهو وغالانت؟

شؤون إقليمية بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)

إسرائيل ليست عضواً في «الجنائية الدولية»... كيف تلاحق المحكمة نتنياهو وغالانت؟

ما يجب أن نعرفه عن النطاق القانوني للمحكمة الجنائية الدولية، حيث تسعى إلى اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي جنازة فلسطينيين قُتلوا في غارة إسرائيلية في مدينة غزة (رويترز)

مستشفيات غزة مهددة بالتوقف عن العمل... و19 قتيلاً في القصف الإسرائيلي

حذرت وزارة الصحة التابعة لحركة «حماس» في قطاع غزة أمس (الجمعة)، من توقف كل مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الولايات المتحدة​ دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز) play-circle 01:41

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

انتزع ترمب الفوز من منافسته الديمقراطية، معتمداً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية.

رنا أبتر (واشنطن)
المشرق العربي دبابة إسرائيلية على مثلث مرجعيون - ديرميماس - القليعة قرب نهر الليطاني بجنوب لبنان (متداول)

إسرائيل تملأ غياب هوكستين بالغارات والتوغلات

تملأ إسرائيل غياب الموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكستين الذي يحمل مبادرة أميركية لوقف إطلاق النار، بالغارات العنيفة، وتوسعة رقعة التوغل البري الذي وصل إلى مشارف

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي إسرائيل تخشى أن تتم ملاحقة ضباطها أيضاً بعد إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو (مكتب الإعلام الحكومي في إسرائيل - أ.ف.ب)

«نتنياهو المطلوب» يقلق إسرائيل على ضباطها

في ظلّ معلومات عن اتجاه دول أجنبية إلى تقليص اتصالاتها مع الحكومة الإسرائيلية غداة صدور مذكرة توقيف دولية بحق رئيسها، بنيامين نتنياهو، وأخرى بحق وزير دفاعه

نظير مجلي (تل أبيب)

ضربة إسرائيلية في قلب بيروت تخلّف 11 قتيلاً وعشرات الجرحى

TT

ضربة إسرائيلية في قلب بيروت تخلّف 11 قتيلاً وعشرات الجرحى

نقل جثمان أحد ضحايا القصف الإسرائيلي اليلي على منطقة البسطة في بيروت (أ.ف.ب)
نقل جثمان أحد ضحايا القصف الإسرائيلي اليلي على منطقة البسطة في بيروت (أ.ف.ب)

استهدفت سلسلة غارات إسرائيلية عنيفة مدينة بيروت في الرابعة فجر اليوم من دون إنذار مسبق، وتركّزت على مبنى مؤلف من 8 طوابق في منطقة فتح الله بحي البسطة الفوقا في قلب العاصمة اللبنانية، وهو حي شعبي مكتظ بالسكان، وسط تقارير عن استهداف قياديين بارزين في «حزب الله».

وأسفرت الغارات الإسرائيلية عن تدمير مبنى واحد على الأقل وتعرض مبان أخرى لأضرار جسيمة. ووفق «وكالة الأنباء المركزية» تم استخدام صواريخ خارقة للتحصينات سُمع دويها في مناطق مختلفة من لبنان ووصل صداها الى مدينة صيدا جنوبا. ووفق الوكالة، فإن الصواريخ شبيهة بتلك التي استخدمت في عمليتي اغتيال الأمين العام السابق لـ«حزب الله» حسن نصرالله ورئيس المجلس التنفيذي في الحزب هاشم صفي الدين.

واستهدفت الضربة الجوية فجر اليوم مبنى سكنياً في قلب بيروت ودمرته بالكامل وسط أنباء عن استهداف القيادي البارز في «حزب الله» طلال حمية، فيما تدخل الحرب المفتوحة بين إسرائيل و«حزب الله» شهرها الثالث.

وأوردت «الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام» الرسمية، أن بيروت «استفاقت على مجزرة مروّعة، حيث دمّر طيران العدوّ الإسرائيلي بالكامل مبنى سكنياً مؤلفاً من ثماني طبقات بخمسة صواريخ في شارع المأمون بمنطقة البسطة».

عمال إنقاذ وسكان يبحثون عن ضحايا في موقع غارة إسرائيلية في بيروت (أ.ب)

وقالت الوكالة إن «فرق الإنقاذ تعمل على رفع الأنقاض في شارع المأمون في البسطة، حيث استهدف طيران العدو مبنى سكنياً، مما أدى إلى سقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى».

وأدت الضربة الإسرائيلية إلى مقتل 11 شخصا وإصابة 63 بجروح، وفق حصيلة جديدة أعلنتها وزارة الصحة اللبنانية.وأفادت الوزارة في بيان أن بين القتلى «أشلاء رفعت كمية كبيرة منها وسيتم تحديد هوية أصحابها والعدد النهائي للشهداء بعد إجراء فحوص الحمض النووي»، مشيرة إلى استمرار عمليات رفع الأنقاض.

وفي وقت سابق، نقلت الوكالة الرسمية عن مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة العامة بيانا أعلن أن الغارة أدت في حصيلة أولية إلى مقتل أربعة أشخاص.

إلى ذلك، ذكر مصدر أمني لهيئة البث الإسرائيلية أن إسرائيل استهدفت فجر اليوم، في بيروت مبنى كان يتواجد فيه رئيس دائرة العمـليات في «حزب الله» محمد حيدر.

ومحمد حيدر الملقب بـ«أبو علي» هو رئيس قسم العمليات في «حزب الله» وأحد كبار الشخصيات في التنظيم.

دمار واسع خلفته الضربة الإسرائيلية على مبنى سكني في منطقة البسطة بقلب بيروت (أ.ف.ب)

تجدد الغارات على الضاحية

بعد الضربة فجراً على بيروت، شنّ الجيش الإسرائيلي اليوم ضربات جديدة على الضاحية الجنوبية، حيث أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» عن غارة عنيفة على منطقة الحدث محيط الجامعة اللبنانية.

يأتي ذلك بعدما أصدر المتحدث بإسم الجيش الإسرائيلي الناطق بالعربية، أفيخاي أدرعي، إنذارات جديدة بالإخلاء لسكان الضاحية الجنوبية، عبر منصة «إكس».

وقال أدرعي « إلى جميع السكان المتواجدين في منطقة الضاحية الجنوبية وتحديدًا في المباني المحددة في الخرائط المرفقة والمباني المجاورة لها في الحدث وشويفات العمروسية، أنتم تتواجدون بالقرب من منشآت ومصالح تابعة لـ(حزب الله) حيث سيعمل ضدها جيش الدفاع على المدى الزمني القريب».

وتابع « من أجل سلامتكم وسلامة أبناء عائلتكم عليكم اخلاء هذه المباني وتلك المجاورة لها فورًا والابتعاد عنها لمسافة لا تقل عن 500 متر».

من هو طلال حمية؟

وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن المستهدف في الضربة في قلب بيروت هو القيادي في «حزب الله»، طلال حمية، حيث تم استخدام صواريخ خارقة للتحصينات ما أدى الى سماع دوي كبير في مناطق مختلفة من لبنان، وهي شبيهة بتلك التي استخدمت في عمليتي اغتيال الأمين العام السابق لـ«حزب الله» حسن نصر الله ورئيس المجلس التنفيذي في الحزب السيد هاشم صفي الدين.

وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن حمية يُعرف بـ«صاحب السيرة العسكرية اللامعة»، وأنه تولى قيادة الذراع العسكرية للحزب بعد اغتيال القيادي مصطفى بدر الدين.

وظل حمية بعيداً عن الأضواء حتى عاد إلى الواجهة مع إعلان برنامج المكافآت من أجل العدالة التابع للخارجية الأميركية، الذي عرض مكافأة تصل 7 ملايين دولار لمن يُدلي بمعلومات عنه.

ويعد حمية القائد التنفيذي للوحدة «910» وهي وحدة العمليات الخارجية التابعة لـ«حزب الله»، والمسؤولة عن تنفيذ عمليات الحزب خارج الأراضي اللبنانية.

أضرار جسيمة

وأظهر مقطع بثته قناة تلفزيونية محلية مبنى واحداً على الأقل منهاراً وعدداً من المباني الأخرى تعرضت لأضرار جسيمة.

وذكر شهود من «رويترز» أن الانفجارات هزت بيروت في نحو الساعة الرابعة صباحاً (02:00 بتوقيت غرينتش). وقالت مصادر أمنية إن أربع قنابل على الأقل أطلقت في الهجوم.

وهذا هو رابع هجوم جوي إسرائيلي خلال أيام يستهدف منطقة في وسط بيروت، فيما شنت إسرائيل معظم هجماتها على الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل «حزب الله». وأسفر هجوم جوي إسرائيلي يوم الأحد على حي رأس النبع عن مقتل مسؤول العلاقات الإعلامية في الحزب.

وشنت إسرائيل هجوماً كبيراً على «حزب الله» في سبتمبر (أيلول)، بعد عام تقريباً من اندلاع الأعمال القتالية عبر الحدود بسبب الحرب في قطاع غزة، ودكت مساحات واسعة من لبنان بضربات جوية وأرسلت قوات برية إلى الجنوب.

عناصر إنقاذ ومواطنون يبحثون عن ضحايا في موقع الغارة الإسرائيلية بوسط بيروت (أ.ب)

واندلع الصراع بعد أن فتح «حزب الله» النار تضامناً مع «حماس» التي شنت هجوماً على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وزار المبعوث الأميركي إلى لبنان آموس هوكستين لبنان وإسرائيل الأسبوع الماضي في محاولة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وتحدث هوكستين عن إحراز تقدم بعد اجتماعاته يومي الثلاثاء والأربعاء في بيروت قبل أن يتوجه إلى إسرائيل للاجتماع مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس.