يعكس القرار 2712 الذي أصدره مجلس الأمن، مساء الأربعاء، بخصوص الوضع في غزة، أول موقف من أقوى المنتديات الدولية المكلفة بصون الأمن والسلم الدوليين، على رغم إخفاقه لأسباب عدة في التعامل مع الحرب الضارية المستمرة منذ 40 يوماً، أبرزها الخلافات المستحكمة بين الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس، ولا سيما من الولايات المتحدة التي كانت تصر، ليس فقط على رفض مبدأ وقف إطلاق النار الذي تطالب به روسيا، بل أيضاً على التنديد بـ«حماس»، والتركيز على «حق إسرائيل في الدفاع عن النفس».
خلال الأسابيع الخمسة الماضية، جارت بريطانيا حليفتها الأميركية. بينما تكافلت الصين إلى حد بعيد مع الموقف الروسي. واتخذت فرنسا التي تمتلك حق النقض «الفيتو» أيضاً، موقفاً بين الدول الأربع الأخرى.
الموقف الأميركي
ما إن صدر القرار، الذي صاغته مالطا ويدعو إلى «هُدنات مديدة» وفتح «ممرات إنسانية عاجلة في كل أنحاء قطاع غزة» وإطلاق «حماس» لـ«جميع الرهائن لديها فوراً ومن دون شروط»، حتى شاعت تساؤلات فيما يتعلق بالموقف الأميركي خصوصاً. فهل تغير موقف الولايات المتحدة؟
جاء بعض الجواب من المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد التي أقرت بأن «العالم راقب بإحباط وقلق عجز مجلس الأمن عن التحدث علناً في شأن هذه المسألة الملحة المتعلقة بالسلام والأمن الدوليين». وعلى رغم «خيبتها» لأن القرار «لا يتضمن إدانة لـ(حماس)»، أعلنت أنه «يشكل خطوة إلى الأمام»، داعية إلى «البدء في استشراف المستقبل، وإرساء الأساس لسلام مستدام يضع أصوات الشعب الفلسطيني وتطلعاته في قلب عملية الحكم في مرحلة ما بعد الأزمة في غزة».
هذه العبارة الأخيرة لا تتلاءم في رأي كثيرين مع نهج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة. لكن امتناع الولايات المتحدة عن التصويت «سمح أيضاً بإحداث هذا الاختراق» الذي أزعج المسؤولين الإسرائيليين، مذكراً إياهم على الأرجح أيضاً بنهايات عهد الرئيس الأميركي سابقاً باراك أوباما - وحينها كان جو بايدن نائباً للرئيس - حين امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت على القرار 2234 الذي يعد المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 غير قانونية.
رغم الخلافات
غير أن القرار 2712 يتضمن المزيد، فالتصويت عليه حصل بعد فترة من مشاركة المجلس المكثفة، ولكن غير الحاسمة، في شأن الحرب، بسبب الانقسامات الحادة بين الأعضاء حول جوانب مهمة من الأزمة، والدور الذي يجب أن يلعبه المجلس في الاستجابة، فضلاً عن المصالح الجيوسياسية المتعارضة.
وكان المجلس فشل في اعتماد أي من مشاريع القرارات الأربعة حول الأزمة منذ أكتوبر (تشرين الأول)، حين أخفق في 16 منه في إصدار مشروع نص اقترحته روسيا؛ لأنه لم يحصل على الأصوات المطلوبة، ثم حين فشل مشروع قرار قدمته البرازيل مع أنه حصل على 12 صوتاً ولكن الولايات المتحدة استخدمت «الفيتو» لإسقاطه في 18 أكتوبر. ولم يعتمد مشروع قرار ثالث اقترحته الولايات المتحدة في 25 أكتوبر، بسبب استخدام الصين وروسيا حق النقض. ولم يجر اعتماد مشروع نص منافس قدمته روسيا؛ لأنه لم يحصل على الأصوات المطلوبة.
ويأتي عجز مجلس الأمن عن تجاوز انقساماته، على خلفية ما وصفه مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالوضع «الكارثي» الذي يعيشه السكان في غزة، بسبب الغارات الجوية الواسعة النطاق أولاً، ثم تفاقم الأمر بعد بدء إسرائيل غزوها البري ثانياً.
مفاوضات... فقرار
بعد الفشل المتكرر، نسجت مالطا مشروعها، مدعومةً من أعضاء المجلس العشرة المنتخبين. لكن الاختراق حصل بعدما بدا أن الدول الخمس الدائمة العضوية، ولا سيما الولايات المتحدة، مستعدة لقبول المبدأ. ومع ذلك احتاج الأمر إلى ست مسودات معدلة للوصول إلى النتيجة التي ظهرت في التصويت.
وفي 8 نوفمبر (تشرين الثاني)، عممت مالطا مشروع قرارها المعدل للمرة الخامسة في شأن الأزمة، مع التركيز هذه المرة على القضايا الإنسانية، وخاصة على القضايا المتعلقة بحماية الأطفال. وبعد عدة جولات من التعليقات والمشاورات الثنائية، قامت مالطا في 14 نوفمبر، بوضع نسخة سادسة منقحة من مشروعها تحت إجراء الصمت.
متابعة من غوتيريش
ومع تأكيد الأمين العام أنطونيو غوتيريش في بيان صدر في 6 نوفمبر، أن «غزة أصبحت مقبرة للأطفال»، يمكن اعتبار القرار الذي اقترحته مالطا بمثابة محاولة لزيادة فرص اعتماده من خلال تسليط الضوء على قضية محددة يمكن أن تستفيد من دعم الأعضاء.
ومع أن الموقف الأميركي خلال المفاوضات كان يتسق مع الرسائل المعلنة من نتنياهو، الذي عارض الدعوات لوقف إطلاق النار لفترة أطول من بضع ساعات، تضمن القرار لغة تدعو إلى «هدنات مؤقتة لعدد كاف من الأيام» لتمكين وصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق للوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات المجتمع المدني.
وفي إشارة إلى متابعة المجلس، يطلب النص من الأمين العام للأمم المتحدة أن يقدم تقريراً عن تنفيذ القرار «في الاجتماع المقبل لمجلس الأمن بشأن الوضع في الشرق الأوسط»، طالباً منه تحديد «خيارات لمراقبة تنفيذ القرار بشكل فعال». وهذه كانت استجابة لطلبات روسيا، المدعومة على ما يبدو من الصين والإمارات العربية المتحدة، بإدراج لغة حول آلية تراقب تنفيذ القرارات.