العراق: ماذا بعد كسر أحد «أضلاع» الرئاسات الثلاث؟

بوستر انتخابي لقائمة الحلبوسي في شارع فلسطين ببغداد (الشرق الأوسط)
بوستر انتخابي لقائمة الحلبوسي في شارع فلسطين ببغداد (الشرق الأوسط)
TT

العراق: ماذا بعد كسر أحد «أضلاع» الرئاسات الثلاث؟

بوستر انتخابي لقائمة الحلبوسي في شارع فلسطين ببغداد (الشرق الأوسط)
بوستر انتخابي لقائمة الحلبوسي في شارع فلسطين ببغداد (الشرق الأوسط)

نهاية أكتوبر الماضي، كان قد مضى عام واحد على مباشرة حكومة رئيس الوزراء السوداني في سدة رئاسة الوزراء، وخلال أكثر من ثلاثة أرباع السنة بدا أن كل شيء يسير بهدوء واستقرار غير معهود في سياق السياسة العراقية المحتدم منذ عقود طويلة، فالسوداني المعروف بالهدوء وعدم الميل إلى الصدام مع الشخصيات والكتل السياسية، سعى ومن ورائه حلفاؤه وداعموه في قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، إلى استثمار فرصة الهدوء السياسي والأمني النادرة للتركيز على ملف الخدمات المتهالكة، على أمل أن يسجل نقاطاً مهمة في «مرمى الفشل» المزمن الذي عانت منه الدولة العراقية خلال العقدين الأخيرين؛ نقاطاً تكرّس وجوده زعيماً شيعياً بين الكبار يمكن أن تؤهله للعب دور حاسم في الانتخابات البرلمانية العامة عام 2024. وصب التوافق بين القوى السياسية الشيعية والكردية والسنية على تنصيبه ضمن ما يعرف بتحالف «إدارة الدولة» في صالح عمل السوداني في ظروف مناسبة لم يسبق أن كانت مطروحة لمعظم رؤساء الوزراء الذين سبقوه.

ومع كل ذلك، ومثلما تبدو أيام الهدوء والاستقرار طارئة غالباً في بلد مضطرب مثل العراق، يبدو التنبؤ بمآلات البلاد في مرحلة ما بعد الإطاحة برئيس البرلمان محمد الحلبوسي بحكم قضائي، مهمة ليست باليسيرة.

لكن المؤكد أنها هشمت وبقوة حالة الاستقرار النسبي التي حظيت بها حكومة السوداني خلال الأشهر الماضية، وبخروج الحلبوسي من السلطة، كسر بذلك أحد الاضلاع الثلاثة للحكومة (التشريعية والتنفيذية والقضائية) التي تقود حالة الحكم التوافقي في العراق. وما إلى ذلك من تعقيد يعيد مشهد التوافقات السياسية إلى نقطة الصفر التي انطلقت منها العام الماضي، حين تحالف «الإطار التنسيقي الشيعي» مع القوى الكردية وتحالف «تقدم» الذي يقوده الحلبوسي لتشكيل حكومة السوداني.

وقد ظهرت ملامح هذا التعقيد والانقسام السياسي الحاد اللذين يهددان حكومة السوداني بعد لحظات من صدور حكم المحكمة الاتحادية بإقالة الحلبوسي، على خلفية قضية تزوير ضد أحد النواب السابقين، حين أعلن وزراء تحالف «تقدم» الثلاثة في الحكومة (التخطيط، الصناعة والمعادن، الثقافة)، وكذلك معظم نواب الكتلة، تعليق عملهم في البرلمان.

وإذا ما واصل وزراء ونواب الحلبوسي استقالاتهم، فإن البرلمان والحكومة سيحتاجان إلى «صفقة توافق» جديدة بين الكتل والأحزاب النافذة لإعادة تقسيم المناصب، وإذا ما نجحت أيضاً الكتل في ذلك من خلال استقطاب خصوم الحلبوسي من الجماعات السياسية السنية المنافسة له، وخاصة في تحالف «عزم» الذي يقوده النائب مثنى السامرائي في ملء شواغر الوزراء والنواب، فإن تعقيداً آخر سيظهر ويتعلق بحالة الاحتقان التي ستعم المحافظات السنية التي تؤيد الحلبوسي، وما قد ينجم عن ذلك من اضطرابات تعيد إلى الأذهان اضطرابات «داعش» قبل وبعد عام 2014، التي أعقبت إقصاء نائب رئيس الجمهورية السابق طارق الهاشمي عام 2011، ووزير المالية رافع العيساوي الأسبق عام 2012، وكلاهما ينتمي إلى المكون السني. وقد أشار الحلبوسي بوضوح إلى ذلك بعد سماعه نبأ إلغاء عضويته ورفعه لجلسة البرلمان حين قال: «جئنا من مجتمع كان يرفض العملية السياسية لغاية 2014، والمعارضة بأشكالها المختلفة أدت إلى سقوط ثلث العراق».

ولا يرتبط الزلزال السياسي الجديد، بحسب كثير من المراقبين، بطبيعة التوافقات السياسية التي أفرزتها انتخابات عام 2020 التي جاءت بالحلبوسي رئيساً للبرلمان لدورة ثانية، ولا بغضب وامتعاض الاتجاهات السنية الموالية للحلبوسي فحسب، إنما بطبيعة قرارات المحكمة الاتحادية وأهدافها وحدود صلاحياتها والجهات المؤثرة فيها، وسبق لزعماء «الحزب الديمقراطي الكردستاني» أن اتهموها بالتبعية والانحياز السياسي لأطراف محددة.

ويبدو أن الحلبوسي يسير في اتجاه التشكيك والطعن في صحة قرار إقصائه، حين قال في مؤتمر صحافي، الأربعاء، إن ثمة شروطاً لإنهاء عضويته رئيساً لمجلس النواب، وهي إما «الوفاة وإما الاستقالة وإما تبوؤ منصب تنفيذي وإما بوجود حكم قضائي جنائي أو مرض عضال».

وذكر أن «المحكمة الاتحادية لم تلتزم بالشروط المذكورة كلها». وأضاف أن «واجبات المحكمة الاتحادية الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة وتفسير نصوص الدستور، والفصل بين النزاعات القانونية، والفصل في المنازعات بين الأقاليم والمحافظات».

وإذا ما نجح الحلبوسي في خوض معركته مع المحكمة الاتحادية التي توصف قراراتها بالقطعية وغير القابلة للنقض، فإن البلاد أمام سلسلة طويلة من المعارك القضائية والسياسية التي ستنعكس سلباً على حالة الهدوء والاستقرار النسبي، وقد تطيح بموعد الانتخابات المحلية المقرر في 18 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، خاصة مع دعوة مقتدى الصدر أتباعه لمقاطعتها والانسحاب المتوقع لتحالف الحلبوسي.


مقالات ذات صلة

«صوت حاسم ومؤثر»... واشنطن ترفض «الإساءة» للسيستاني

المشرق العربي رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني يلتقي وفداً أميركياً في بغداد الخميس (إعلام حكومي)

«صوت حاسم ومؤثر»... واشنطن ترفض «الإساءة» للسيستاني

علّقت السفارة الأميركية في بغداد على الجدل الذي رافق نشر قناة إسرائيلية صورة للمرجع الديني علي السيستاني، ضمن قائمة شخصيات فيما يُعرف بـ«محور المقاومة».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي صورة نشرتها وزارة الهجرة لاستقبال 452 لبنانياً في منفذ القائم الحدودي مع سوريا

العراق: لا توطين للاجئين لبنانيين

قدّرت وزارة الهجرة العراقية وصول نحو 7 آلاف لاجئ لبناني إلى الأراضي العراقية، هرباً من الحرب الدائرة هناك، ونفت نية العراق «توطينهم» في البلاد.

فاضل النشمي (بغداد)
العالم خلال إقلاع طائرة تابعة لشركة «إير فرنس» الفرنسية (رويترز - أرشيفية)

شركة «إير فرنس» تحقق في تحليق طائرة فوق العراق خلال هجوم إيراني على إسرائيل

قالت شركة «إير فرنس»، الأربعاء، إنها فتحت تحقيقاً داخلياً بعد أن حلقت إحدى طائراتها فوق العراق في أول أكتوبر (تشرين الأول)، خلال هجوم صاروخي إيراني على إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني (رويترز)

الحكومة العراقية ترفض «الإساءة الإسرائيلية» إلى السيستاني

قالت الحكومة العراقية، الأربعاء، إنها ترفض بشدة الإساءة إلى المرجع الديني علي السيستاني.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي دائرة الهجرة في صلاح الدين تسجّل وصول لبنانيين إلى المحافظة (إعلام حكومي)

العراق يستقبل 7 آلاف لبناني... والهجرة تنفي مزاعم «التوطين»

قدّرت وزارة الهجرة العراقية وصول نحو 7 آلاف مواطن لبناني إلى الأراضي العراقية هرباً من الحرب الدائرة هناك.

فاضل النشمي (بغداد)

عملية اغتيال إسرائيلية في بيروت تنتهي بمجزرة

حشد من الناس أمام بناية دُمّرت بفعل غارة جوية إسرائيلية على وسط بيروت أمس (أ.ب)
حشد من الناس أمام بناية دُمّرت بفعل غارة جوية إسرائيلية على وسط بيروت أمس (أ.ب)
TT

عملية اغتيال إسرائيلية في بيروت تنتهي بمجزرة

حشد من الناس أمام بناية دُمّرت بفعل غارة جوية إسرائيلية على وسط بيروت أمس (أ.ب)
حشد من الناس أمام بناية دُمّرت بفعل غارة جوية إسرائيلية على وسط بيروت أمس (أ.ب)

انتهت عملية اغتيال نفذتها مقاتلات إسرائيلية ضد قياديين في «حزب الله»، بعيداً عن معقل الحزب في ضاحية بيروت الجنوبية، إلى مجزرة، إذ نفذت ثلاث غارات على مبانٍ سكنية في قلب العاصمة اللبنانية فأوقعت أكثر من 20 قتيلاً و100 جريح، وفق حصيلة أولية أعلنتها وزارة الصحة.

وأعلنت «هيئة البث الاسرائيلية» أن المستهدف رئيس «وحدة الارتباط» في الحزب وفيق صفا، فيما نقل عن إعلام عبري قوله إن الغارات استهدفت رئيس كلتة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد أيضاً.

ميدانياً، أطلقت قوات إسرائيلية النار على مواقع للقوات الدولية في جنوب لبنان (يونيفيل)، متسببة في إصابة جنديين، ما أثار غضب فرنسا وإيطاليا اللتين أعلنتا عزمهما على عقد اجتماع للدول الأوروبية المشاركة بجنود في القوات الأممية المؤقتة. كما قال مبعوث إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون إن بلاده توصي «بانتقال قوات (يونيفيل) لمسافة خمسة كيلومترات شمالاً لتجنب الخطر مع تصاعد القتال».

في الأثناء، عمد «حزب الله» إلى تطبيق استراتيجية القوات الإسرائيلية، تجاه سحب المصابين والجثث. فقد أعلن عن استهداف قوة لجنود إسرائيليين، في أثناء محاولتها، للمرة الثالثة، سحب الإصابات من الآلية المستهدَفة في رأس الناقورة، كما استهدف مروحية لنقل المصابين في القطاع الشرقي، بموازاة إطلاق أوسع مروحة من الصواريخ باتجاه المدن الإسرائيلية المأهولة؛ رداً على استهدافات القرى الجنوبية والضاحية؛ وذلك في محاولة لإيجاد «ردع» جديد، وفق ما يقول خبراء عسكريون.