سوريات عائدات من «الهول» ينجحن بالاندماج في المجتمع

وصمة «داعش» تصعّب أوضاعهن في الرقة

ورشة دعم نفسي خلال العام الحالي للنازحات العائدات من مخيم الهول بغية إدماجهن في المجتمع (الشرق الأوسط)
ورشة دعم نفسي خلال العام الحالي للنازحات العائدات من مخيم الهول بغية إدماجهن في المجتمع (الشرق الأوسط)
TT

سوريات عائدات من «الهول» ينجحن بالاندماج في المجتمع

ورشة دعم نفسي خلال العام الحالي للنازحات العائدات من مخيم الهول بغية إدماجهن في المجتمع (الشرق الأوسط)
ورشة دعم نفسي خلال العام الحالي للنازحات العائدات من مخيم الهول بغية إدماجهن في المجتمع (الشرق الأوسط)

قبل سنوات، قررت رنا (أم عبد الله) الخروج من مخيم «الهول» المكتظ، والعودة إلى مسقط رأسها مدينة الرقة الواقعة أقصى شمال سوريا، لبدء حياة جديدة بعدما ضاقت الأمرين من نزوح وحروب ومشاهدة جثث معلقة من دون رؤوس في ساحات عامة، عاشتها خلال سنوات مكوثها في مناطق كانت سابقاً تحت حكم تنظيم «داعش» الإرهابي، لكنها اليوم تجد نفسها تواجه عقبات كبيرة وتحديات يومية لا تنتهي، وسط مجتمع يرفضها لصلات زوجها بالتنظيم المتطرف.

رنا، البالغة من العمر 30 عاماً، واحدة من بين آلاف العائدات على دفعات منذ 2019 من مخيم الهول، بموجب اتفاق بين «قوات سوريا الديمقراطية» ووجهاء العشائر ولجان «حل النزاع» المجتمعية. وهذه النازحة، التي كانت تحلم بأن تصبح طبيبة وربة منزل متميزة، تروي تجربتها بمرارة نظراً للصعوبات التي واجهتها طوال السنوات الأربع الماضية.

نسيج يدوي وخياطة منزلية

في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، ذكرت رنا أنها احترفت مهنة نسج الملابس الصوفية بطريقة يدوية بعد مشاركتها بورشة تدريبية نظمتها مؤسسة مدنية لتعليم هذه الحرفة.

رنا (أم عبد الله) المتحدرة من مدينة الرقة وهي صانعة نسيج يدوي عاشت في مخيم الهول نحو 3 سنوات ثم عادت لمسقط رأسها (الشرق الأوسط)

تقول رنا، وهي أم لثلاثة أطفال، في غرفة مليئة ببكرات الصوف الملونة، وتنسج كنزة صوفية بسنارتين مخصصتين: «تغلبت على بعض المصاعب بعدما افتتحت هذا المشروع الصغير الذي يدر بعض المال علينا، لتأمين حاجات منزلي وأطفالي ولا تستدعي خروجي من المنزل، وأطفالي صغار يحتاجونني».

أما جارتها وداد (27 سنة) والتي تشتري الملابس الصوفية من عند رنا، فقالت إنها تشتري ما يلزم من الألبسة الصوفية لأطفالها؛ «لأنها تعتني بعملها كثيراً وتنسج بطريقة متينة وجميلة، حقيقةً أفضل ملابسها على ألبسة السوق الجاهزة؛ لأن رنا همها إرضاء الزبون وأسعارها منافسة للسوق».

وحال هذه النازحة العائدة كحال كثير من السوريات اللواتي تحسرنّ على العيش تحت رحمة خيمة في «الهول» على مواجهة مشقات الحياة بمفردهنّ، بعدما لاحقتهن وصمة «داعش»، إلى جانب صعوبات العثور على عمل تقيها من العوز.

منظمات مدنية بالرقة نظمت ورشات وجلسات دعم نفسي خلال العام الحالي للنازحات العائدات من مخيم الهول بغية إدماجهن في المجتمع (الشرق الأوسط)

وقالت فاطمة (25 عاماً)، التي كانت ترتدي عباءة سوداء وغطاء رأس بنياً منقوشاً بخيوط ذهبية، إن أكثر التحديات التي واجهتها بعد خروجها من مخيم «الهول» منتصف 2020 هي الأوضاع المعيشية المزرية التي تشهدها سوريا منذ سنوات، على وقع الانهيار الاقتصادي الشديد وندرة فرص عمل مناسبة.

أضافت فاطمة: «تعلمت الخياطة خلال ورشات تدريبية برعاية منظمات مدنية بالرقة والتحقت بورشة خياطة، وأعمل من منزلي أحيك الجلابيات الشعبية التي اعتادت نساء الرقة ارتداءها».

ولم تقف ظروف الحياة وتدني مستوى الأوضاع المعيشية وتحديات الاندماج حائلاً دون عودة كثير من الأسر النازحة لمدينة الرقة، وها هي نازحات أخريات خرجنّ من المخيم المكتظ غير آبهات بالتحديات التي ستواجهنها خارج أسواره، فالأوضاع المعيشية ورفض المجتمع وحالات التنمر ربما تكون عليهن أشد قسوة من المخيم، لكنهن فضلنّ المضي في الطريق والاندماج مع ظروف الحياة القاهرة.

جلسات دعم نفسي

تتلقى النازحات الخارجات من مخيم «الهول»، مجموعة من التدريبات برعاية جهات ومنظمات مدنية عبر تنظيم جلسات دعم نفسي، تساهم في تعزيز العلاقات الاجتماعية بينهن، بالإضافة لتعزيز النفسية السوية لهن وإعادة دمجهن في المجتمع المحلي، بحسب المدير التنفيذي لمنظمة «شباب أوكسجين» بشار الكراف، والذي أكد في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن عقبات عديدة تواجه الأسر العائدة من «الهول»، بينها «الحصول على الوثائق الشخصية، والوصول للخدمات المتاحة مثل المحروقات والخدمات الصحية، تضاف إلى مشاكل أخرى ضمن الأسرة العائدة ورفض المجتمع المحيط لها».

السوق المركزية التجارية في مدينة الرقة (الشرق الأوسط)

ساجدة، التي بقيت في مخيم «الهول» لأكثر من 3 سنوات بين 2017 و2020 وعادت لمسقط رأسها الرقة، تروي كيف واظبت على حضور البرامج الخاصة بالمشاريع الصغيرة المقدمة من قبل تلك المنظمات المدنية، العاملة في مجال دمج العائدات بـ«الهول»، وحل مشاكلهن النفسية والاجتماعية للمساعدة في الدمج السريع في سوق العمل والمجتمع على حدٍّ سواء.

«لجان حل النزاع» هي بمثابة فرق وساطة مجتمعية، تشكلت قبل ثلاث سنوات في مدينتي الرقة وريف دير الزور، ضمن المناطق الخارجة عن سيطرة القوات الحكومية، وتخضع لنفوذ «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) المدعومة من تحالف دولي تقوده واشتطن، بجهود من منظمات «ديرنا» و«فراتنا» و«شباب أوكسجين» و«ماري» و«إنصاف للتنمية»، حيث نجحت في حل مشكلات تتعلق بقضايا معيشية، وحل قضايا الخلافات الشخصية بين سكان المنطقة والنازحين من مخيم «الهول» ومن المناطق الثانية، وحل القضايا التي تُقلق السلم والاستقرار المجتمعي.

وأوضحت نجاح آمين، وهي عضو في «لجان حل النزاع» بالرقة، أن أعضاء اللجان يتحدرون من هذه المناطق، شرط امتلاك خبرات عملية في حل القضايا وخضوعهم لتدريبات قانونية واجتماعية مكثفة لتراكم الخبرات، بغية حل الخلافات والشكاوى اليومية. وقالت: «نلعب دور الوسيط بالطرق السلمية للتخفيف من حدة النزاعات ومنع تفاقمها، وكسر دائرة العنف التي حكمت المنطقة خلال السنوات الماضية»، وأكدت أنهم يقدمون المساعدات للنازحات الراغبات بالعمل في مهنة الخياطة ومحال الإكسسوار واللاحقة النسائية والمهن التي تدار من المنازل.

يذكر أن هذه اللجان تدخلت في كثير من القضايا المحلية؛ كمنع وقوع حالات طلاق وحل خلافات الميراث والنزاعات الشخصية بين النازحين وسكان المنطقة، وإرساء الضوابط القانونية بغية توفير أجواء الأمان والاستقرار، التي أسهمت بحماية المجتمع وتماسكه ورسخَت مبدأ المصالحة وفضّ النزاعات بالتسوية والطرق السلمية.


مقالات ذات صلة

أنقرة: الأسد لا يريد عودة السلام في سوريا

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان متحدثاً في البرلمان التركي (الخارجية التركية)

أنقرة: الأسد لا يريد عودة السلام في سوريا

أوضح وزير الخارجية التركي فيدان أن الرئيس السوري لا يريد السلام في سوريا، وحذر من أن محاولات إسرائيل لنشر الحرب بدأت تهدد البيئة التي خلقتها «عملية أستانة».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي دخان الغارات في تدمر (متداولة)

ارتفاع حصيلة الغارات الإسرائيلية على تدمر إلى 79 قتيلاً موالياً لإيران

طائرات إسرائيلية استهدفت ثلاثة مواقع في تدمر، من بينها موقع اجتماع لفصائل إيرانية مع قياديين من حركة «النجباء» العراقية وقيادي من «حزب الله» اللبناني.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال مؤتمر صحافي في ختام مشاركته بقمة الـ20 بالبرازيل ليل الثلاثاء - الأربعاء (الرئاسة التركية)

تركيا تؤكد استعدادها لمرحلة «ما بعد أميركا في سوريا»

أكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن تركيا مستعدة للوضع الجديد الذي سيخلقه الانسحاب الأميركي من سوريا، وعازمة على جعل قضية الإرهاب هناك شيئاً من الماضي.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية صورة جوية للقصف التركي على مواقع «قسد» في شمال سوريا (وزارة الدفاع التركية)

تركيا تصعد هجماتها على «قسد» شمال وشرق سوريا

واصلت القوات التركية تصعيد ضرباتها لمواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال وشرق سوريا، وسط حديث متصاعد في أنقرة عن احتمالات القيام بعملية عسكرية جديدة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع في المنطقة

لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)
لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)
TT

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع في المنطقة

لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)
لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)

اعتبر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، بعد لقائه وزير الخارجية السوري بسام الصباغ في دمشق، الأحد، أنه «من الضروري للغاية ضمان أن يكون هناك وقف فوري لإطلاق النار في غزة ولبنان وأن نجنب جر سوريا» إلى النزاع في المنطقة. وأضاف بيدرسن: «نرى أنه من الضروري للغاية تهدئة التصعيد حتى لا يتم جر سوريا أكثر إلى هذا النزاع».

من جانبها، لم تصدر الخارجية السورية أي تفاصيل حول نتائج لقاء بيدرسن والصباغ، واكتفت ببيان مختزل أعلنت فيه عن اللقاء دون تفاصيل.

وكانت تقارير إعلامية محلية قد أفادت في وقت سابق بأن زيارة بيدرسن الثانية إلى دمشق خلال هذا العام تهدف إلى بحث إمكانية استئناف اللجنة الدستورية اجتماعاتها المتعثرة منذ أكثر من عامين، بسبب الخلاف على مكان عقد الاجتماع، وذلك بعد الرفض الروسي القاطع لعقدها في جنيف على خلفية موقف سويسرا من الحرب الروسية - الأوكرانية.

ونقلت صحيفة «الوطن» السورية، المقربة من الحكومة، عن مصادر قولها إن بيدرسن «بات على قناعة بأنه لا بد من انعقاد هذه اللجنة في العواصم العربية المرشحة لاستضافتها، وهي بغداد والرياض والقاهرة، لكون الجانب الروسي يرفض رفضاً قاطعاً انعقادها في جنيف».

وعقدت اللجنة الدستورية 8 جلسات وتم تأجيل الجلسة التاسعة بعد طلب روسيا تغيير مكان انعقاد المحادثات، ولم يتم التوافق على مكان آخر. وحسب صحيفة «الوطن»، يجري بيدرسن مباحثات مع المسؤولين السوريين في دمشق التي وصلها يوم الأربعاء، حول إمكانية استئناف اجتماعات اللجنة الدستورية.

وكان المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف، صرّح في وقت سابق لوكالة «تاس» الروسية بأن جنيف هي المكان الوحيد المرفوض من قبل الجانب الروسي، لافتاً إلى قبول موسكو بأي من الأماكن الأخرى المقترحة. وفيما يتعلق بمقترح عقد الاجتماع في بغداد، قال لافرنتيف إن المعارضة السورية رفضت هذا الاقتراح باعتبار بغداد مكاناً غير محايد لها؛ لأن الحكومة العراقية داعمة لدمشق. وأضاف: «لا تزال المعارضة تصر على رفض هذا الخيار، رغم أنه لا يمكن أن يؤثر على سير المفاوضات الدستورية». وحسب المسؤول الروسي، فقد أكدت موسكو لبيدرسن ضرورة مواصلة الجهود لاستئناف اجتماعات اللجنة الدستورية، كما دعته لبذل الجهود بدلاً من الدعوة إلى ممارسة النفوذ على هذا الجانب أو ذاك.

ومنذ بدء النزاع في سوريا، شنّت إسرائيل مئات الضربات الجوية، مستهدفة مواقع تابعة للقوات الحكومية وأهدافاً إيرانية وأخرى تابعة لـ«حزب الله» اللبناني. وازدادت وتيرة الغارات على وقع المواجهة المفتوحة التي تخوضها إسرائيل مع «حزب الله» في لبنان المجاور. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بمقتل 105 أشخاص، معظمهم مقاتلون موالون لإيران، في حصيلة جديدة لغارات إسرائيلية استهدفت، الأربعاء، 3 مواقع في مدينة تدمر بريف حمص الشرقي، ضمّ أحدها اجتماعاً «لمجموعات سورية موالية لطهران مع قياديين من حركة (النجباء) العراقية و(حزب الله) اللبناني». وكان المرصد أحصى مقتل 92 شخصاً في حصيلة سابقة لهذه الغارات. ونادراً ما تؤكّد إسرائيل تنفيذ الضربات، لكنّها تكرّر تصدّيها لما تصفه بمحاولات إيران لترسيخ وجودها العسكري في سوريا. وتقول في الفترة الأخيرة إنها تعمل على منع «حزب الله» من «نقل وسائل قتالية» من سوريا إلى لبنان.