الوزير الإسرائيلي الذي هدد غزة بالقنبلة النووية: الأصل والفصل

يعدّ من «المعتدلين» في حزب بن غفير والوحيد الذي لا يشارك في زيارات الأقصى الاستفزازية

البحث عن ناجين أو جرحى تحت الأنقاض في مخيم مغازي في قطاع غزة (أ.ب)
البحث عن ناجين أو جرحى تحت الأنقاض في مخيم مغازي في قطاع غزة (أ.ب)
TT

الوزير الإسرائيلي الذي هدد غزة بالقنبلة النووية: الأصل والفصل

البحث عن ناجين أو جرحى تحت الأنقاض في مخيم مغازي في قطاع غزة (أ.ب)
البحث عن ناجين أو جرحى تحت الأنقاض في مخيم مغازي في قطاع غزة (أ.ب)

التقط رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خطورة الدعوة التي أطلقها وزير التراث اليهودي في حكومته، عميحاي إلياهو، بإلقاء قنبلة نووية على غزة، فسارع إلى منعه من حضور جلسات الحكومة، واعتبر تصريحه «غير واقعي».

هذا العقاب يبدو تافهاً أمام تصريحات الوزير إلياهو. ففي أوساط المعارضة الإسرائيلية، يقال إن أقل عقاب له يجب أن يكون إقالته من الحكومة ورفع الحصانة عنه ومحاكمته. ولكن، ليس عند نتنياهو. فهو لا يتمتع بجرأة القائد الذي يضع الأمور في نصابها ويتخذ القرارات الحاسمة، كما أنه لا يريد فتح جبهة مع غلاة اليمين المتطرف، داخل حكومته.

لكن تصريحات إلياهو، وإن كانت تسيء إلى حكومة نتنياهو داخلياً وخارجياً، فإنها تعكس ما هو طابع هذه الحكومة وما هو «الأصل والفصل» في العقيدة التي تحكم شكل الحرب على غزة ومضمونها. ففي هذه الحكومة توجد قوى كبيرة ومؤثرة تحمل فكراً فاشياً ينظر إلى العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً، على أنهم ليسوا بشراً، وأن إبادتهم جائزة. وما القصف المدمر لقطاع غزة، الذي حصد حتى الآن 10 آلاف شخص، بينهم 7 آلاف طفل وامرأة، سوى برهان واحد.

وإذا كان إلياهو ينحدر من تيار فكري عنصري متأصل، ورثه عن والده المشهور بتصريحات عنصرية فوقية (حرم على اليهود بيع بيوتهم لعرب)، وحزبه «عظمة يهودية» الذي يبني سياسته على ترحيل الفلسطينيين من وطنهم، فإن هناك وزراء آخرين من أحزاب «أكثر اعتدالاً» تحدثوا هم أيضاً بروح لا تقل عدائية وفاشية. فقد صرح وزير الدفاع الإسرائيليّ، يوآب غالانت، عشية الدخول إلى غزة قائلاً: «سنفرض حصاراً مشدّداً على مدينة غزّة، لا كهرباء، لا غذاء، لا ماء، لا وقود. كلّ شيء مغلق، نحن نحارب حيوانات بشريّة، وسنتصرّف بما يلائم».

ولهذا، فإن تصريحات إلياهو تأتي كـ«ارتقاء درجة» في سلم العربدة والجنون الذي تتسلّقه الحكومة الإسرائيلية.

وسارع كثير من السياسيين إلى استنكار تلك الدعوات، كونها تلحق ضرراً كبيراً على مستويين؛ العالم من جهة، والداخل الإسرائيلي من جهة ثانية. فعالمياً هبّ العالم حتى أصدقاء إسرائيل إلى شجب وإدانة الوزير إلياهو والمطالبة بإقالته. وبحسب مقربين من نتنياهو، فإن هذه التصريحات «قوّضت الدعم العالمي الذي تحظى به إسرائيل منذ اعتداء (حماس) النازي على بلدات الجنوب في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، ووضعت إسرائيل في خانة (الإرهاب العملاق)، الذي لا مجال لمقارنته بـ(حماس) ولا (داعش)، وأحدثت ضرراً في الموقف الأميركي والغربي الذي يصمت على النووي الإسرائيلي، من منطلق اعتبار إسرائيل دولة مسؤولة لا تبادر إلى استخدام السلاح النووي».

وأما في الداخل، فيثير التصريح مخاوف عائلات الأسرى لدى «حماس» بأن الحكومة تمهد لعمليات يموت فيها الأسرى. فقد كان الصحافي في الإذاعة الدينية «كول برما» سأله: «عندما تلقي قنبلة نووية على غزة، ألا تخشى من احتمال أن يتعرض المختطفون الإسرائيليون والأجانب للأذى؟»، فأجاب: «في الحرب تُدفع الأثمان، لماذا نعتبر أن حياة المختطفين أغلى من حياة الجنود الذين قد تُسفك دماؤهم في الحرب؟».

ويبدو أن هذا ما أزعج غالبية الإسرائيليين، وليس الحديث عن استخدام النووي ضد غزة. فالشعب في إسرائيل ملتف حول الحكومة في حربها على غزة، وهو مشحون بكراهية مريعة وسط تعبئة جماهيرية تبيح أي شيء ضد أهلها. وينطلق البعض من رفض ممارسات بعض المشاركين في هجوم «حماس»، ممن قتلوا نساءً وأطفالاً وأحرقوا عائلات وأسروا أطفالاً بينهم رضيع، ومسنين ومرضى، وعاثوا خراباً في البيوت، فيما هناك كثيرون يكرهون «حماس» بسبب هجومها العسكري الذي تضمن أيضاً عناصر نجاح. فقد ضللوا المخابرات الإسرائيلية طيلة شهور قبل العملية واقتحموا خط الدفاع الأول للجيش «الذي لا يقهر» وسددوا للغطرسة والغرور لكمة موجعة على الأنف. أما الوزير إلياهو، الذي يعاني حزبه من انحسار قوته ويتهمه كثير من المصوتين بأنه فاشل، فقد انطلق من هذه الكراهية ليحتل العناوين، فلم يبتعد عن أجواء التدمير حين أدخل النووي.

لكن التفريط بالأسرى والقول إن حياة المخطوفين ليست أغلى من حياة الجنود، كان بمثابة اعتراف بأن «بروتوكول هنيبعل»، الذي يدعو إلى قتل الآسرين والأسرى، حاضر بقوة في هذه الحرب. لذلك قالت عائلات المخطوفين والمفقودين في توجهها لرئيس الوزراء إن «كلام هذا الوزير صادم ويتعارض مع كل مبدأ من مبادئ الأخلاق والضمير اليهودي والإسرائيلي. ونطالب رئيس الوزراء باتخاذ الإجراءات الفورية بحق أي وزير يسعى للمساس بالمخطوفين والمفقودين». وأضافوا: «اليوم وزير في حكومة إسرائيل يدعو إلى قتل جميع المختطفين والمفقودين، ويجب أن يدفع الثمن. الوزير إلياهو يلقي بظلاله الثقيلة على نوايا الحكومة فيما يتعلق بخطة العمل لعودة جميع المخطوفين والمفقودين الأشخاص». وطالبوا نتنياهو «رئيس الوزراء باتخاذ إجراءات فورية ضد أي وزير ينادي بالمس بالمختطفين والمفقودين».

وما بين الحسابات الدولية والمحلية، يطالب حزب إلياهو «عدم تضخيم الموضوع زيادة على الحد»، معتبراً أن «قصده أن ما يستخدم من قوة بطش حالياً لا يكفي لتلقين (حماس) درساً بأن الإرهاب لا يجدي»، وأن «أي عاقل يدرك أن الحديث عن قنبلة ذرية هو تعبير مجازي».

وتجدر الإشارة إلى أن الوزير إلياهو (44 عاماً) هو واحد من نواب حزب «عظمة يهودية»، الذي يعدّ من «المعتدلين». فهو الوحيد من نواب الحزب الذي يمتنع عن القيام بزيارات استفزازية في باحات المسجد الأقصى، ويقيم علاقات ودية مع الحركات اليهودية الليبرالية. وخدم في الجيش الإسرائيلي، على عكس عدد من رفاقه الذين تم تسريحهم لانشغالهم في الدراسة الدينية.


مقالات ذات صلة

ترمب يلتقي نتنياهو وينتقد تصريحات هاريس عن إسرائيل

المشرق العربي ترمب مستقبلاً نتنياهو في «بالم بيتش» أمس (آموس بن - غيرشوم / جي بي أو / د.ب.أ)

ترمب يلتقي نتنياهو وينتقد تصريحات هاريس عن إسرائيل

نفى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب وجود أي توتر في العلاقات بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، معرباً عن تأييده ومساندته لإسرائيل.

هبة القدسي (واشنطن) علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي القوات الإسرائيلية تطلق قنابل إنارة فوق خان يونس في جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: معارك خان يونس أجبرت 180 ألف شخص على النزوح

أفادت الأمم المتحدة بأن أكثر من 180 ألف فلسطيني اضطروا للنزوح خلال أربعة أيام من القتال العنيف حول مدينة خان يونس في جنوب قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (خان يونس)
الولايات المتحدة​ صورة آخر لقاء جمع الرئيس دونالد ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المكتب البيضاوي في 15 سبتمبر 2020 (أ.ب)

نتنياهو يلتقي ترمب بأمل الحصول على تأييد أكبر لإسرائيل

يراهن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في لقائه بالرئيس الأميركي السابق والمرشح الجمهوري، دونالد ترمب، على نيل تأييد أكبر لأمن إسرائيل.

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)

أميركا ترجئ ترحيل بعض اللبنانيين بسبب التوتر بين إسرائيل و«حزب الله»

أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، الجمعة، أن الولايات المتحدة أرجأت ترحيل بعض المواطنين اللبنانيين من البلاد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي الرئيس الأميركي جو بايدن يستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض 25 يوليو (أ.ب)

البيت الأبيض يحذّر نتنياهو من خطورة تنازلاته للمتطرفين في حكومته

كشفت مصادر سياسية في تل أبيب عن أن اللقاءات الثلاثة التي أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في واشنطن مع بايدن وهاريس وسوليفان، كانت صعبة للغاية.

نظير مجلي (تل أبيب)

العراق يحقق في اختفاء 50 ألف باكستاني

إسلام آباد تعتزم تنظيم الزيارات الدينية بعد اختفاء 50 ألف باكستاني في العراق (إ.ب.أ)
إسلام آباد تعتزم تنظيم الزيارات الدينية بعد اختفاء 50 ألف باكستاني في العراق (إ.ب.أ)
TT

العراق يحقق في اختفاء 50 ألف باكستاني

إسلام آباد تعتزم تنظيم الزيارات الدينية بعد اختفاء 50 ألف باكستاني في العراق (إ.ب.أ)
إسلام آباد تعتزم تنظيم الزيارات الدينية بعد اختفاء 50 ألف باكستاني في العراق (إ.ب.أ)

أعلن العراق، أمس الجمعة، فتح تحقيق في اختفاء آلاف الباكستانيين، كانوا قد دخلوا البلاد لزيارة المراقد الدينية خلال شهر محرم.

ونقلت صحيفة «الأمة» الباكستانية عن وزير الشؤون الدينية، شودري حسين، أن 50 ألف مواطن باكستاني اختفوا في العراق خلال السنوات الماضية.

وأعرب وزير العمل العراقي، أحمد الأسدي، عن قلقه واستنكاره لتزايد عدد العمالة غير القانونية في البلاد، مؤكداً أن وزارته ستحقق في اختفاء آلاف الباكستانيين في العراق، وأن هذا الأمر «سيكون محل اهتمام للتحقق واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بحقهم».

وأعلنت الشرطة العراقية اعتقال العشرات من الباكستانيين، يبدو أنهم من الذين تسربوا خلال زيارتهم المراقد الدينية.