الدول العربية والغربية تتسابق لإجلاء رعاياها من لبنان

إجراء وقائي لتجنّب تجربة عام 2006

الدخان يتصاعد في قرية أفيفيم الإسرائيلية بعد قصف من لبنان (إ.ب.أ)
الدخان يتصاعد في قرية أفيفيم الإسرائيلية بعد قصف من لبنان (إ.ب.أ)
TT

الدول العربية والغربية تتسابق لإجلاء رعاياها من لبنان

الدخان يتصاعد في قرية أفيفيم الإسرائيلية بعد قصف من لبنان (إ.ب.أ)
الدخان يتصاعد في قرية أفيفيم الإسرائيلية بعد قصف من لبنان (إ.ب.أ)

لم تستكمل بعد الدول العربية والغربية مهمّة إجلاء رعاياها من لبنان تحسباً لحرب قد تقع في أي لحظة بين إسرائيل و«حزب الله»، في ظلّ السخونة المتزايدة للجبهة الجنوبية، وسقوط مزيد من الخسائر في الأرواح على الجانبين، وتسعى هذه الدول لتجنّب تجربة عام 2006، حين اندلعت الحرب فجأة وتم إقفال مطار بيروت الدولي جرَّاء استهدافه بالطيران الإسرائيلي وفرض حصار جوّي وبرّي وبحري على لبنان، مما صعّب على سفارات الدول الكبرى بما فيها السفارة الأميركية مهمّة إخراج مواطنيها العالقين في لبنان.

أمام السباق القائم بين احتواء التوتّر واستمرار العمليات العسكرية على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، يبقى قلق الدول قائماً حيال مصير مواطنيها المقيمين على الأراضي اللبنانية، غير أن سفير لبنان الأسبق في واشنطن رياض طبارة، وضع عملية إجلاء الرعايا الأجانب في سياق «الإجراءات الوقائية». وأوضح أن «مثل هذا التدبير تلجأ إليه الدول عند كلّ أزمة أو مؤشرات حرب، وهذا ما اعتمدته الأمم المتحدة ودول أجنبية في محطات متعددة خلال سنوات الحرب الأهلية، حفاظاً على أرواح مواطنيها». وقال طبّارة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لا أحد يملك معطيات ومعلومات حاسمة حول إمكانية اندلاع حرب بين إسرائيل و(حزب الله)، بما فيهم الأميركيون، بدليل أن الإدارة الأميركية ما زالت توجّه رسائل تحذير لإيران من الدخول في حرب لأن ذلك سيفرض تدخلها المباشر، بدليل وجود حاملات الطائرات والبوارج الحربية الأميركية إلى المنطقة، بالإضافة إلى طمأنة إسرائيل بأنها لن تبقى وحيدة إذا دخلت أطراف أخرى على خطّ ما يجري في غزّة».

بموازاة عمليات الإجلاء وإمكانية تدهور الأوضاع قبل إتمام هذه المهمّة، لجأت سفارات الدول الأجنبية إلى الطلب من رعاياها الابتعاد عن مناطق التوتر، وإعلامها بعناوين إقاماتهم، ووضعت أرقام هاتف بتصرفهم للاتصال بها عند الضرورة، وعدَّ الخبير في الشؤون الجيوسياسية زياد الصائغ، «قرار بعض الدول بإجلاء رعاياها مؤشراً على مسار وقائي، إذ ليست هناك معلومة واضحة عن كيفية اتخاذ قرار بتوسيع رقعة الصراع، سواء من الجانب الإسرائيلي أو من الجانب الإيراني، في غياب كامل للدولة اللبنانية، التي تحوّلت إلى جهاز إداري في خدمة أجندة غير لبنانية». وعبَّر الصائغ في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عن أسفه، لأن «قرار إجلاء الرعايا الأجانب يلقي بتبعاته على صدقية الدولة اللبنانية في كيفية اتخاذها قراراً سيادياً، واحترامها الدستور اللبناني والقرارات الدولية وبمقدمها القرار 1701». وقال إن «انفلات المواجهة على الجبهة الجنوبية يؤشر عملياً على أن أي قرار بالمواجهة أكان محدوداً أو موسعاً هو قرار غير لبناني»، لافتاً إلى أن «دعوة الدول بما فيها دول الخليج والمملكة العربية السعودية رعاياها لمغادرة لبنان تندرج في إطار الإجراءات الوقائية، لأن الدبلوماسية اللبنانية أثبتت غيابها الكامل ليس فقط بعدم تحمل مسؤولياتها، بل في تبنيها سرديّة لا علاقة لها بأمن لبنان ولا بأمن شعبه».

ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤولين أميركيين أن إدارة الرئيس جو بايدن «تخطط بشكل طارئ لتنفيذ خطط إجلاء مئات الآلاف من المواطنين الأميركيين، من الشرق الأوسط، في حال تطورت تهديدات إيران باتجاه القيام بعمل عسكري أوسع ضد قواتها». ووفقاً لتقديرات الخارجية الأميركية، فإن «هناك 600 ألف أميركي في إسرائيل و86 ألفاً في لبنان (يحملون جنسيات مزدوجة)». وعبَّر مسؤول أميركي بحسب الصحيفة عن قلقه البالغ «بشأن الجبهة الشمالية». وقال: «لقد أصبحت هذه مشكلة حقيقية، إن الإدارة (الأميركية) قلقة جداً من أن يخرج هذا الأمر عن نطاق السيطرة».

القلق الأميركي المرتفع لا يعني أن الحرب واقعة حتماً، برأي السفير رياض طبّارة، الذي أكد أن «الدول دائماً ما تلجأ إلى خطوات استباقية للحفاظ على حياة مواطنيها حتى لا تربك أو تفاجأ إذا وقعت الحرب بشكل مفاجئ»، لافتاً إلى أن «كلّ مصالح الدول الفاعلة تتضرر في حال نشبت الحرب، لذلك لا بدّ من اعتماد هذا الأسلوب حتى لا تقع الدول في الإرباك، لكنّ الجهد الدولي قائم الآن على تفعيل العمل السياسي والسعي إلى تخفيف حدّة التصعيد في المنطقة».

ولا يخفي الخبير في الشؤون الجيوسياسية زياد الصائغ أن الدول «تخشى تكرار ما حصل معها في عام 2006، فهذه مسألة دقيقة، خصوصاً أن الاتساع المفاجئ الذي قد يحدث لرقعة الصراع، لا يمكن أن يأخذ بالحسبان لا آلة التدمير الإسرائيلية، ولا طبيعة الردّ الذي سيعتمده القرار الإيراني الذي لا يأخذ بالاعتبار مصالح الشعب اللبناني ولا علاقاته الإقليمية والدولية». وإذ شدد على أن «لبنان ما زال ملتزماً بثوابته التاريخية الداعمة للقضية الفلسطينية، وحلّ الدولتين وحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره وقيام دولته وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين»، عزا الصائغ تسابق الدول لإجلاء رعاياها إلى «افتقاد الدولة اللبنانية لأي صدقية من خلال تعاطيها الهشّ مع المجتمع الدولي والعالم العربي».


مقالات ذات صلة

وزير الدفاع السوري لنظيره الإيراني: نحن في القارب نفسه

المشرق العربي رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)

وزير الدفاع السوري لنظيره الإيراني: نحن في القارب نفسه

هنأ وزير الدفاع السوري، العماد علي محمود عباس، في اتصال هاتفي اليوم، نظيره الإيراني، العميد عزيز نصير زاده، بتعيينه وزيراً للدفاع.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي برّي يتحدّث في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر (رئاسة البرلمان)

برّي يؤكد تمسّك لبنان بالـ«1701»: الطرف المطلوب إلزامه به هو إسرائيل

أكد رئيس البرلمان اللبناني نبيه برّي التزام لبنان بنود ومندرجات القرار الأممي رقم 1701، وتطبيقه حرفياً، مشيراً إلى أن الطرف الوحيد المطلوب إلزامه به هو إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جانب من تشييع خليل المقدح القيادي في «كتائب شهداء الأقصى» الذي قتلته إسرائيل في غارة على سيارته بمدينة صيدا اللبنانية يوم 21 أغسطس (أ.ب)

تسليح الضفة... ما دور الجماعات الناشطة في لبنان؟

فتح اغتيال إسرائيل قبل أيام قياديّاً في «كتائب شهداء الأقصى»، جنوب لبنان، الباب واسعاً أمام تساؤلات حول دور فصائل فلسطينية في إرسال أسلحة إلى الضفة الغربية.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي صورة متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي لقافلة شاحنات تخلي بضائع من مخازن في ميس الجبل

تجار القرى الحدودية يسحبون بضائعهم بمواكبة الجيش اللبناني

نظّم الجيش اللبناني بالتنسيق مع القوات الدولية عمليات نقل بضائع مخزنة في مستودعات لتجار في مناطق جنوبي الليطاني التي تشهد مواجهات عنيفة بين إسرائيل و«حزب الله»

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي صورة لمسيّرة تحمل شعار «حزب الله» مرفوعة على جدار في ساحة فلسطين في طهران (أ.ف.ب)

«حزب الله» يعيد تأهيل آلته العسكرية بعد ضربات إسرائيل «الاستباقية»

أعاد «حزب الله» الزخم إلى عملياته العسكرية في جنوب لبنان، بعد تراجع في العدد والحجم، ظهر إثر الضربات الاستباقية الإسرائيلية التي استهدفت منصات صواريخه الأحد.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

«الصحة الفلسطينية»: قتيلان إضافيان برصاص الجيش الإسرائيلي في شمال الضفة

جانب من الدمار جراء القصف الإسرائيلي في الضفة الغربية (أ.ف.ب)
جانب من الدمار جراء القصف الإسرائيلي في الضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

«الصحة الفلسطينية»: قتيلان إضافيان برصاص الجيش الإسرائيلي في شمال الضفة

جانب من الدمار جراء القصف الإسرائيلي في الضفة الغربية (أ.ف.ب)
جانب من الدمار جراء القصف الإسرائيلي في الضفة الغربية (أ.ف.ب)

أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية اليوم (الأحد)، مقتل فلسطينيين اثنين برصاص الجيش الإسرائيلي في بلدة كفر دان القريبة من مدينة جنين في شمال الضفة الغربية حيث تتواصل العملية العسكرية الإسرائيلية منذ الأربعاء.

وقالت الوزارة في بيان مقتضب: «وصول شهيدين إلى مستشفى (ابن سينا التخصصي) في جنين جراء عدوان الاحتلال في بلدة كفر دان». وبذلك ترتفع حصيلة قتلى العملية العسكرية في شمال الضفة الغربية إلى 24 بينهم 14 مقاتلاً.