المقاربة الأميركية في مجلس الأمن تصطدم باعتراضات الخصوم والحلفاء

ركزت على «إرهاب حماس» وتجاهلت عقود النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي

المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد تتشاور مع السفير الأميركي روبرت وود خلال اجتماع لمجلس الأمن حول الشرق الأوسط (أ.ف.ب)
المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد تتشاور مع السفير الأميركي روبرت وود خلال اجتماع لمجلس الأمن حول الشرق الأوسط (أ.ف.ب)
TT

المقاربة الأميركية في مجلس الأمن تصطدم باعتراضات الخصوم والحلفاء

المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد تتشاور مع السفير الأميركي روبرت وود خلال اجتماع لمجلس الأمن حول الشرق الأوسط (أ.ف.ب)
المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد تتشاور مع السفير الأميركي روبرت وود خلال اجتماع لمجلس الأمن حول الشرق الأوسط (أ.ف.ب)

كسرت كل من الإمارات العربية المتحدة روسيا والصين وسويسرا ومالطا الإجراء الصامت، الذي وضعته الولايات المتحدة، حتى صباح الاثنين، على مشروع قرارها المعدل لمجلس الأمن في شأن الحرب في غزة، ما يعني أن هذه الدول لا تقبل المقترحات الأميركية بصيغتها الراهنة التي تتعامل مع ما يحصل بوصفه نتيجة حصرية للهجوم «الإرهابي» الذي نفذته «حماس» ضد إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عوض وضعه في سياق النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي المتواصل منذ عقود.

فلسطيني يحمل طفلاً قُتل في قصف إسرائيلي على غزة (أ.ب)

ويدل هذا الخلاف على أن مجلس الأمن لا يزال بعيداً عن إمكان التوصل إلى توافق معقول على التفاوض حول مشروع قرار، يمكن أن تضعه الولايات المتحدة بالحبر الأزرق للتصويت عليه في القريب العاجل، لا سيما أن الدبلوماسيين الروس والصينيين طلبوا مزيداً من الوقت، من أجل «التشاور مع العواصم» قبل طلب أي تعديلات إضافية. بينما كرر نظراؤهم الإماراتيون والسويسريون والمالطيون، المطالبة بـ«نص متوازن» يركز أولاً على وقف النار وإيصال المساعدات الإنسانية إلى أكثر من مليوني مدني فلسطيني محاصرين في قطاع غزة، وفقاً لما كشف عنه دبلوماسيون لـ«الشرق الأوسط».

تعديلات مطلوبة

شاحنة تابعة للأمم المتحدة تنقل إمدادات غذائية لفلسطينيين مقيمين في إحدى مدارس «الأونروا» برفح (د.ب.أ)

وكشف دبلوماسي، طلب عدم نشر اسمه نظراً إلى دقة المداولات الجارية حول مشروع القرار، عن أن «فرنسا طلبت إدخال تعديلات عدة تركز على ضرورة المطالبة بوقف لإطلاق النار وإيجاد فسحات لهدنات إنسانية»، والعمل على «تجنّب توسع الحرب إقليمياً»، والعمل على حل الدولتين بين الفلسطينيين والإسرائيليين. أما بالنسبة إلى سويسرا ومالطا فـ«تركزان بشكل أساسي على الجوانب الإنسانية والتزام القوانين الدولية بشأن تداعيات الحرب»، بالإضافة إلى التركيز بشكل واضح على «المطالبة بهدنات إنسانية».

وأعدّت الولايات المتحدة مشروع قرارها المعدل، استناداً إلى الأعراف والمواثيق الدولية التي شاعت في سياق الحرب على الإرهاب، إذ تنطلق مقدمة ديباجته من أن «مجلس الأمن إذ يشير إلى قراراته في شأن مكافحة الإرهاب، وضد اختطاف المدنيين واحتجازهم رهائن من المنظمات الإرهابية (...)، وإذ يعبر عن قلقه العميق إزاء حالات التمييز والتعصب والتطرف العنيف (...)، وإذ يؤكد من جديد أن الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره يشكل أحد أخطر التهديدات التي يتعرض لها السلم والأمن الدوليان». علماً بأن النص الأميركي المعدل أضاف عبارات للتعبير عن «القلق البالغ من تدهور الوضع في المنطقة»، مع التأكيد على «ضرورة حماية جميع السكان المدنيين، بمَن فيهم الإسرائيليون والفلسطينيون».

الدمار الذي خلفته غارة إسرائيلية على مدينة غزة (د.ب.أ)

أثر خطير

وكذلك أوردت الديباجة الأميركية تعبيراً عن «القلق البالغ من الوضع الإنساني في غزة وتأثيره الخطير على السكان المدنيين، خاصة التأثير غير المتناسب على الأطفال»، مشددة على «الحاجة إلى توصيل المساعدات الإنسانية بشكل كامل وسريع وآمن ودون عوائق»، طبقاً لما ورد في مشروع قرار أعدّته البرازيل وعطلته الولايات المتحدة باستخدامها حق النقض (الفيتو) ضده.

وشددت الديباجة هذه أيضاً على «رغبة» مجلس الأمن «في ألا يتم التوصل إلى نهاية دائمة للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني إلا بالوسائل السلمية»، مع إضافة فقرة تفيد بأن «(حماس) وغيرها من الجماعات الإرهابية في غزة، لا تدافع عن كرامة الشعب الفلسطيني أو تقرير مصيره».

الدفاع عن النفس

لافتات خلال مظاهرة في تل أبيب تضامناً مع عائلات الأسرى (رويترز)

وتنص «الفقرات العاملة» المقترحة في النص الأميركي المعدل على أن مجلس الأمن «يرفض ويندد، بشكل لا لبس فيه، بالهجمات الإرهابية الشنعاء التي شنتها (حماس) وغيرها من الجماعات الإرهابية في إسرائيل»، بالإضافة إلى «أخذ وقتل الرهائن»، معبراً عن «تعاطفه العميق وتعازيه» لذوي الضحايا وحكومة إسرائيل وكل الحكومات الأخرى المعنية، بالإضافة إلى التعبير عن «أعمق تعاطفه وتعازيه» لذوي المدنيين الفلسطينيين وجميع المدنيين الآخرين، وبينهم ضحايا المستشفى الأهلي المعمداني في غزة.

ويؤكد «الحق الأصيل لكل الدول في الدفاع عن نفسها فردياً أو جماعياً على النحو المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة»، مشدداً على أنه «يجب على الدول الأعضاء، عند الرد على الهجمات الإرهابية، أن تمتثل تماماً لكل التزاماتها بموجب القانون الدولي». ويندد «بأشد العبارات» بـ«كل أعمال العنف والأعمال العدائية ضد المدنيين، فضلاً عن (...) أعمال التدمير الوحشية التي ترتكبها (حماس)، بما في ذلك استخدامها المؤسف للمدنيين دروعاً بشرية».

مصير الرهائن

المندوبة الأميركية ليندا توماس غرينفيلد على الهاتف خلال مشاورات لمجلس الأمن 18 أكتوبر (أ.ف.ب)

ويطالب المشروع بـ«إطلاق فوري وغير مشروط لجميع الرهائن المتبقين الذين احتجزتهم (حماس) والجماعات الإرهابية الأخرى»، مقدراً «الجهود التي بذلتها كل الدول، بما فيها قطر، من أجل إطلاق الرهينتين اللتين احتجزتهما (حماس)».

ويدعو إلى «اتخاذ كل التدابير اللازمة للسماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وسريع وآمن ومن دون عوائق، وفقاً للقانون الإنساني الدولي (...) لتسهيل التوفير المستمر والكافي ومن دون عوائق للسلع والخدمات الأساسية المهمة لرفاه المدنيين في غزة، بما في ذلك على وجه الخصوص المياه والكهرباء والوقود والغذاء والإمدادات الطبية»، بالإضافة إلى «استكشاف خطوات عملية» إضافية، مثل فترات التوقف الإنساني، وإنشاء ممرات إنسانية ومبادرات أخرى للتوصيل المستدام للمساعدات الإنسانية للمدنيين».

ويشدد على أن «المرافق المدنية والإنسانية، بما في ذلك المستشفيات والمرافق الطبية والمدارس ودور العبادة ومرافق الأمم المتحدة، فضلاً عن العاملين في المجال الإنساني، والعاملين الطبيين الذين يعملون حصراً في الواجبات الطبية، ووسائل النقل الخاصة بهم، يجب احترامها وحمايتها».

تمويل «حماس»

ويحض النص الدول الأعضاء على «تكثيف جهودها لقمع تمويل الإرهاب، بما في ذلك عن طريق تقييد تمويل (حماس)». ويدعو كل الدول والمنظمات الدولية إلى «تكثيف الخطوات العاجلة والملموسة لدعم جهود الأمم المتحدة ودول المنطقة لمنع تصاعد العنف في غزة أو امتداده أو توسعه إلى مناطق أخرى في المنطقة»، مطالباً «أصحاب النفوذ بالعمل على تحقيق هذا الهدف، بما في ذلك مطالبة (حزب الله) وغيره من الجماعات المسلحة بالوقف الفوري لكل الهجمات التي تشكل انتهاكات واضحة للقرار 1701 وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة». ويدعو إلى اتخاذ «خطوات عملية لمنع تصدير الأسلحة والعتاد إلى الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية العاملة في غزة، بما في ذلك (حماس)».

ويذكر أخيراً، أن «السلام الدائم لا يمكن أن يقوم إلا على الالتزام الدائم بالاعتراف المتبادل، والاحترام الكامل لحقوق الإنسان، والتحرر من العنف والتحريض»، مؤكداً «الحاجة الملحة إلى بذل جهود دبلوماسية لتحقيق سلام شامل على أساس رؤية المنطقة، حيث تعيش دولتان ديمقراطيتان؛ إسرائيل وفلسطين، جنباً إلى جنب في سلام مع حدود آمنة ومعترف بها على النحو المتصور في قراراته السابقة»، مع «تضامنه» مع الأشخاص الذين «يتوقون إلى سلام دائم على أساس حل الدولتين».


مقالات ذات صلة

الجيش الإسرائيلي يعتزم البقاء في غزة حتى نهاية 2025

شؤون إقليمية صورة ملتقَطة 13 ديسمبر 2023 تُظهر جنوداً إسرائيليين قرب الحدود مع قطاع غزة خلال الصراع المستمر بين إسرائيل و«حماس» (د.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يعتزم البقاء في غزة حتى نهاية 2025

قالت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، اليوم (الأربعاء)، إن الجيش الإسرائيلي يعتزم على ما يبدو البقاء في قطاع غزة حتى نهاية 2025 على الأقل.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي بلينكن: نحتاج إلى هُدَنٍ حقيقية وممتدة في غزة ليتسنى وصول المساعدات الإنسانية

بلينكن: نحتاج إلى هُدَنٍ حقيقية وممتدة في غزة

قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، للصحافيين، الأربعاء، إن الولايات المتحدة تريد هُدَنَاً حقيقية وممتدة في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي فلسطينيون يتجمعون على أنقاض مبنى دمرته غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة 12 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تندد بـ«أعمال تذكّر بأخطر الجرائم الدولية» في قطاع غزة

ندّدت مسؤولة أممية رفيعة، الثلاثاء، بـ«وحشية يومية» تواجه سكان قطاع غزة المحاصر، الذي تقصفه إسرائيل، واصفة ما يجري هناك بـ«أعمال تذكّر بأخطر الجرائم الدولية».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا مائدة تجمع مصريين وغزيين داخل شقة في القناطر الخيرية (الشرق الأوسط)

«غزيو مصر» لم يحملوا الغربة في حقائبهم

بينما يجمع الغزيون الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» في مصر، على رغبتهم في العودة إلى القطاع، فإن أحداً منهم لم يشر إلى «الغربة»، أو يشكو «الوحشة والقلق».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
خاص نازحون فلسطينيون من بيت لاهيا خلال انتقالهم إلى جباليا في شمال قطاع غزة الثلاثاء (أ.ف.ب)

خاص شتاء صعب ينتظر أهالي غزة مع استمرار الحرب الإسرائيلية

يستقبل سكان قطاع غزة فصل الشتاء الثاني على التوالي، في ظل ظروف صعبة وكارثية في السنة الثانية للحرب الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (غزة)

طلاب يحتلون مقر شركة دفاعية إيطالية احتجاجاً على حرب غزة

وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو (إ.ب.أ)
وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو (إ.ب.أ)
TT

طلاب يحتلون مقر شركة دفاعية إيطالية احتجاجاً على حرب غزة

وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو (إ.ب.أ)
وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو (إ.ب.أ)

احتل نحو مائة طالب مقر شركة «ليوناردو» في مدينة تورينو الإيطالية للتنديد بما يقولون إنه تواطؤ مجموعة الصناعات الدفاعية الإيطالية في القصف الإسرائيلي لقطاع غزة.

وقال الطلاب، الذين رفعوا علم الأراضي الفلسطينية من فوق مبنى «ليوناردو»، إن الشركة تدعم إسرائيل من خلال توفير المساعدة الفنية عن بعد وقطع الغيار لسلاح الجو الإسرائيلي.

وتظهر الصور المنشورة الطلاب في مقر ليوناردو وهم يلوحون بالأعلام الفلسطينية ويحملون علب رش الألوان. وفي الخارج علقوا لافتات على المباني تقول «لا أسلحة لإسرائيل» وتحول اتهامات للمجموعة بالتواطؤ في الإبادة الجماعية.

كما تسلقوا سطح هيكل طائرة داخل مقر الشركة.

وندد  وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو بالاحتجاج، قائلاً على «إكس» إن الطلاب كانوا «يدمرون ويشوهون» المقر حيث كان ينعقد «اجتماع مهم مع موظفي وزارة الدفاع».

وأضاف: «يجب أن نعامل هؤلاء الأشخاص على حقيقتهم، فهم مخربون خطرون. المجرمون ليس لديهم أي لون سياسي، إنهم مجرد مجرمين».

وقال كروسيتو في مارس (آذار) إن إيطاليا استمرت في تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، على الرغم من تأكيدات الحكومة العام الماضي على أنها ستمنع مثل هذه المبيعات في أعقاب العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة بعد الهجمات التي شنتها حركة «حماس» على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأضاف أن الطلبات الموقعة مسبقاً فقط هي التي ستجري تلبيتها بعد إجراء عمليات التحقق لضمان عدم استخدام الأسلحة ضد المدنيين في قطاع غزة.

ومن خلال شركتها التابعة في الولايات المتحدة، تزود «ليوناردو» إسرائيل بالطائرات وتملك شركة «رادار» إسرائيلية تسمى رادا.

ويحظر القانون الإيطالي تصدير الأسلحة إلى الدول التي تخوض حرباً وتلك التي ينظر إليها على أنها تنتهك حقوق الإنسان.