سلّط النزاع الدائر حالياً في قطاع غزة بين حركة «حماس» وإسرائيل، الضوء من جديد على أوضاع الجاليات العربية المهاجرة في دول الغرب، في ظل قيام بعض المؤيدين للفلسطينيين بمظاهرات ضد إسرائيل في مقابل موقف رسمي موحد من الحكومات الغربية يدين ما قامت به «حماس» ويؤيد «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها».
وكانت هذه المسألة قد ظهرت فور وقوع هجوم «حماس» على مواقع ومستوطنات إسرائيلية في غلاف قطاع غزة، نهاية الأسبوع الماضي؛ إذ انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لأشخاص في إحدى ضواحي غرب العاصمة البريطانية يحتفلون بما قامت به «حماس» ويرفعون أعلاماً فلسطينية ويطلقون هتافات مؤيدة للفلسطينيين. وأثار مقطع الفيديو ضجة واسعة، خصوصاً أنه جاء في ظل موقف حكومي صارم يؤيد إسرائيل ويدين ما قامت به «حماس». وفي حين سجلت الشرطة اعتداءً على متجر يهودي في منطقة أخرى بضواحي لندن، كان لافتاً أن وزيرة الداخلية سويلا برافرمان وجهت رسالة مثيرة للجدل إلى الشرطة البريطانية، طالبت فيها بقمع أي نشاطات مؤيدة لـ«حماس» وتعزيز الدوريات في المناطق التي يقيم فيها اليهود، مشيرة إلى أنه «كلما تعرضت إسرائيل لهجوم فإن إسلامويين وعنصريين آخرين يسعون إلى استخدام الإجراءات الدفاعية الإسرائيلية الشرعية كمبرر لإثارة الكراهية ضد اليهود البريطانيين وزيادة الخوف في أوساط المجتمع اليهودي» في المملكة المتحدة.
وقالت وزيرة الداخلية في رسالتها إن «حماس» منظمة إرهابية محظورة في المملكة المتحدة، وبالتالي فإن الشخص يكون قد ارتكب «جريمة جنائية» إذا انتمى إليها أو دعا إلى تأييدها، أو عبّر عن دعم لها، أو نظم لقاءات دعماً لها، أو ارتدى ملابس أو حمل أغراضاً في مكان عام بما يثير شبهة في أنه عضو في «حماس» أو داعم لها. وأشارت إلى أن الشعارات ليس بالضرورة أن تكون صريحة في دعمها «حماس» كي تمثّل «جريمة جنائية»، موردة مثلاً هتاف «فلسطين حرة... من البحر إلى النهر»؛ كونه يعني في شكل غير مباشر «إزالة» إسرائيل من الوجود.
ولم تردع رسالة الوزيرة، كما يبدو، قيام فلسطينيين ومؤيدين لهم باحتجاجات ضد إسرائيل في العاصمة البريطانية؛ إذ جمعت مظاهرة قرب السفارة الإسرائيلية قرابة خمسة آلاف شخص رفعوا شعارات تنادي بـ«فلسطين حرة». في المقابل، ظهر إصرار رسمي على تأييد إسرائيل، بحسب ما تجلى في رفع أعلام الدولة العبرية على مؤسسات حكومية وقيام رئيس الوزراء ريشي سوناك بزيارة كنيس يهودي للتضامن مع إسرائيل واليهود البريطانيين.
وتكرر ما حصل في بريطانيا في دول غربية أخرى. ففي الولايات المتحدة، سُجلت مظاهرات حاشدة مؤيدة للفلسطينيين، في تحدٍ واضح للموقف الرسمي لإدارة الرئيس بايدن والمؤيد في شكل تام لإسرائيل. وأثار الرئيس بايدن نفسه هذا الأمر في كلمته في البيت الأبيض يوم الثلاثاء؛ إذ قال: «نحن نتخذ خطوات داخل بلدنا. ففي مدن عبر الولايات المتحدة الأميركية، قامت أقسام الشرطة بتعزيز الإجراءات الأمنية حول مراكز الحياة اليهودية. ووزارة الأمن الداخلي ومكتب التحقيقات الفيدرالي يعملان بشكل وثيق مع شركاء إنفاذ القانون على مستوى الولاية والمجتمع المحلي وشركاء المجتمع اليهودي لتحديد وتعطيل أي تهديد محلي قد ينشأ وله ارتباط بهذه الهجمات المروعة». وتابع الرئيس الأميركي قائلاً: «لنكن واضحين: لا يوجد مكان للكراهية في أميركا - لا ضد اليهود، ولا ضد المسلمين، ولا ضد أي شخص».
وفي فرنسا، قالت الحكومة الفرنسية اليوم (الأربعاء): إن الشرطة ألقت القبض على أكثر من 20 شخصاً بسبب القيام بعشرات الأعمال المعادية للسامية منذ يوم السبت شملت مضايقات تعرّض لها أطفال يهود من زملائهم. وأشارت وكالة «رويترز» إلى أن فرنسا تعدّ موطناً لبعض أكبر الجاليات من المسلمين واليهود في أوروبا، وقد تؤدي الصراعات في الشرق الأوسط إلى توترات هناك.
وقال وزير الداخلية جيرالد دارمانان: إن الحكومة تهدف إلى تجنب التوترات من خلال تشديد حماية الشرطة للمواقع اليهودية التي تشمل مدارس ومعابد.
وخلال زيارة قام بها هو ووزير التعليم غابرييل أتال لمدرسة يهودية قريبة من باريس، أضاف دارمانان: «من المهم أن يعرف جميع الفرنسيين اليهود أنهم يتمتعون بالحماية». وذكر أن نحو عشرة آلاف شرطي يحمون 500 موقع.
وقال أتال: إن التلاميذ اليهود تعرّضوا لمشاكل في مدارسهم شملت هجوم تلاميذ في منطقة باريس الكبرى على زميل لهم وتمزيق قميصه. وأضاف أن مثل هذه الحوادث سيُحال على السلطات القضائية.