إسرائيل تمحو «حي الرمال» الراقي وسط غزة

200 ألف نازح في مدارس «أونروا»... وعباس يطالب بوقف التهجير وإدخال المواد الغذائية والطبية

TT

إسرائيل تمحو «حي الرمال» الراقي وسط غزة

فلسطينيون يتفقدون الدمار الهائل بعد غارات إسرائيلية على حي الرمال وسط مدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتفقدون الدمار الهائل بعد غارات إسرائيلية على حي الرمال وسط مدينة غزة (أ.ف.ب)

لم يُبق الجيش الإسرائيلي حجراً على حجر في حي الرمال الراقي وسط مدينة غزة، وسواه بالأرض، في اليوم الرابع للحرب التي بدأتها «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس»، بهجوم شامل على قيادة الجيش الإسرائيلي في فرقة غزة ومستوطنات الغلاف، مخلفة أكثر من 900 قتيل إسرائيلي.

وشنت طائرات إسرائيلية غارات مكثفة على الحي، الذي طالما عدّه الجيش «مركز عصب حماس» وهدم المنازل على رؤوس ساكنيها، بعدما تخلى عن سياسة إنذار المساكن المستهدفة، مخلفاً الكثير من الضحايا والجرحى والدم والألم، ومشاهد غير مسبوقة من الدمار، ضمن سياسية انتقامية تطول تقريباً كل جزء في القطاع.

وإذا كان يمكن وصف الطريقة التي يعمل بها «الجيش» في غزة، فإنها تشبه إلى حد كبير سياسة «الأرض المحروقة» تمهيداً للاجتياح البري الوشيك، وهي سياسة متصاعدة ورفعت عدد الضحايا في قطاع غزة حتى صباح اليوم الثلاثاء إلى 687، وإصابة 3726 مواطناً بجروح متفاوتة، بينهم 140 طفلاً و105 سيدات.

يحملون الخبز في شارع تعرض لقصف شديد على مدينة غزة الثلاثاء (أ.ف.ب)

وحسب أرقام فلسطينية رسمية، قتلت إسرائيل 15 عائلة بالكامل في القصف الذي كان يستهدف أبراجاً وعمارات وشققاً سكنية وأحياء كاملة ولا يزال متواصلاً.

واشتد القصف الإسرائيلي على المدنيين في غزة، على الرغم من أن «كتائب القسام» الجناح العسكرية لحركة «حماس» هددت بإعدام رهائن إسرائيليين إذا تم استهداف المدنيين الفلسطينيين دون سابق إنذار، وهي خطوة يُعتقد أن إسرائيل ترغب في الوصول إليها، ومن الصعب أن تقدم عليها «كتائب القسام» فعلاً.

وينتظر أن توسع إسرائيل القصف، حسب مسار العملية، الذي بدأ السبت، وهو مسار أدى حتى اليوم إلى نزوح حوالي 190 ألف فلسطيني.

وأعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، الثلاثاء، أن أكثر من 187518 شخصاً في قطاع غزة نزحوا من منازلهم في قطاع غزة، جراء عدوان الاحتلال المتواصل منذ أربعة أيام، والعدد مرشح للارتفاع.

لجوء عائلات من غزة الى مدارس الأونروا فرارا من القصف (إ.ب.أ)

واضطرت عائلات إلى مغادرة منازلها قبل القصف وتحته وبعده، ولم يجدوا إلا مدارس «أونروا» التي تحولت إلى مراكز إيواء، واختنقت بالعائلات التي لم يعد كثير منها يجد مكاناً له هناك.

وقالت «أونروا» إن 137500 نازح يقيمون في 83 مدرسة تابعة لـ«الأونروا» في كل مناطق قطاع غزة، فيما لا يزال آلاف في غزة مهجرين.

وأكدت «أونروا» تزايد أعداد النازحين الباحثين عن مأوى في مدارسها، مع استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة. وتعاني مدارس «أونروا»، إضافة إلى الاكتظاظ، من محدودية توافر المياه الصالحة للشرب، ناهيك عن أنها مدارس ليست مخصصة ملاجئ طوارئ.

وأكدت «الأونروا» بذل كل جهد ممكن لتوفير الخدمات الأساسية للنازحين داخلياً، وأنها بالتنسيق مع برنامج الأغذية العالمي، وزعت الخبز على النازحين في الملاجئ.

وتقدم «أونروا» وجبة غذاء واحدة ومياهاً للنازحين ومواد طبية ودعماً نفسياً، لكن استمرار ذلك محل شك، بعدما فرضت إسرائيل حصاراً شاملاً على قطاع غزة يتضمن إغلاق المعابر كافة، وقطع الإمدادات الكهربائية والمياه والغذاء والطاقة عن القطاع.

وتم الثلاثاء إخلاء مقر المفوض العام لـ«الأونروا» في غزة وإيقاف العمل فيه بشكل كامل، بسبب تضرره جراء العدوان على غزة.

وفيما حذرت السلطة الفلسطينية من جريمة قطع الاحتياجات الأساسية عن قطاع غزة «بغطاء من أطراف دولية»، وعدّته «انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والإنساني واتفاقيات جنيف والتزامات دولة الاحتلال»، أكد أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ، أن القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس أجرت وتجري اتصالات مكثفة مع كل زعماء العالم، لوقف الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة فوراً.

وأوضح الشيخ أن الاتصالات جارية لوقف شلال الدم النازف والتدمير المذهل والتهجير القسري.

ينظران إلى الدمار خارج مبنى سكني تضرر من الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

وطالبت القيادة بإدخال المواد الغذائية والطبية العاجلة إلى قطاع غزة. كما طالبت وزارة الخارجية الفلسطينية، مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة والأطراف كافة، بتحمل مسؤولياتها في وقف هذا العدوان فوراً، ورفع جميع أشكال العقوبات الجماعية، وتأمين وصول الاحتياجات الأساسية إلى شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.

كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عبّر، يوم الاثنين، عن قلقه من الوضع في غزة بعد الغارات والحصار الإسرائيلي على القطاع، قائلاً إن «الوضع الإنساني في غزة كان سيئاً للغاية من قبل تفجر الأعمال العدائية، وسيزداد سوءاً».


مقالات ذات صلة

هل بات لـ«حماس» قدرات تمكّنها من مساندة «حزب الله»؟

المشرق العربي لبنانيون يرفعون الحطام من منزل شمال بيروت الخميس بعد غارة إسرائيلية (رويترز)

هل بات لـ«حماس» قدرات تمكّنها من مساندة «حزب الله»؟

تكثيف النيران الإسرائيلية بقوة ضد «حزب الله» أعاد طرح التساؤلات عن «جبهة المساندة» له، وتحديداً من حركة «حماس».

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي طفل فلسطيني وشقيقته يبكيان أمام جثمان والدهما الذي قُتل بغارة إسرائيلية في دير البلح بوسط قطاع غزة الأربعاء (رويترز)

الحرب الإسرائيلية مستمرة على جبهتي غزة والضفة

واصلت إسرائيل حربها على جبهتي قطاع غزة والضفة الغربية بالتوازي مع الهجوم الكبير على جبهة لبنان.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي جانب من الدمار جرَّاء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ف.ب)

عام من الحرب أضعف «حماس» ولكن لم يقضِ عليها

بعد عام على الحرب، تراجعت قوة حركة «حماس» مع تدمير مراكزها وقتل قادتها، واضطرارها لخوض حرب من داخل الأنفاق، إلا أن العمليات العسكرية الإسرائيلية لم تقضِ عليها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي جنود إسرائيليون يشيعون زملاءهم الذين قتلوا في غزة (أرشيفية - أ.ب)

«القسام» تعلن تفجير 3 ناقلات جند إسرائيلية في رفح... ومقتل 3 فلسطينيين في مداهمة بالضفة الغربية

أعلنت كتائب «القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس»، اليوم (الخميس)، تفجير واستهداف ثلاث ناقلات جند إسرائيلية في مدينة رفح جنوب غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح بوسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

اشتباكات وكمائن وقتلى إسرائيليون في رفح

في ظل ضغوط على الحكومة الإسرائيلية لتبنّي خطة تتضمّن حصاراً كاملاً على شمال قطاع غزة، احتدم القتال في الساعات الماضية برفح أقصى جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (رام الله)

النزوح اللبناني زاد جراح السوريين

لبنانيون وسوريون فارُّون من الحرب بلبنان ينتظرون في معبر جديدة يابوس الحدودي لدخول الأراضي السورية الأربعاء الماضي (إ.ب.أ)
لبنانيون وسوريون فارُّون من الحرب بلبنان ينتظرون في معبر جديدة يابوس الحدودي لدخول الأراضي السورية الأربعاء الماضي (إ.ب.أ)
TT

النزوح اللبناني زاد جراح السوريين

لبنانيون وسوريون فارُّون من الحرب بلبنان ينتظرون في معبر جديدة يابوس الحدودي لدخول الأراضي السورية الأربعاء الماضي (إ.ب.أ)
لبنانيون وسوريون فارُّون من الحرب بلبنان ينتظرون في معبر جديدة يابوس الحدودي لدخول الأراضي السورية الأربعاء الماضي (إ.ب.أ)

مع أن أعداد اللاجئين السوريين في لبنان تتجاوز ضعف النازحين اللبنانيين إلى سوريا، فإن جهود الحكومة السورية تركز على تقديم الاستجابة السريعة للبنانيين (الجيران)؛ الأمر الذي أثار انتقادات شرائح واسعة من السوريين (أهل البلد) الذين يعانون من تجاهُل حكومتهم لمعاناتهم المعيشية القاسية، ومن التعصب ضدهم في أغلب الدول التي لجأوا إليها.

مصادر في دمشق قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «النزوح من لبنان زاد جراح السوريين»، مشيرة إلى أن تمييز الحكومة السورية بين الوافدين اللبنانيين واللاجئين السوريين العائدين من لبنان «مفهوم» لمن يعرف خلفيات الموقف من دمشق، فهو ليس تمييزاً بين لبناني وسوري، وإنما بين حليف ومعارض، وهذا أمر مؤسف في ظل الوضع الإنساني الكارثي الذي تعيشه شعوب المنطقة عموماً، وغالباً من يدفع الثمن الأكبر هو اللاجئ الفقير الذي لا سند له.

وأضافت المصادر أن العائلات اللبنانية التي تتوافد على الأغلب ليست بحاجة ماسَّة لمساعدة الحكومة السورية، إلا من جانب التسهيلات اللوجيستية، لأن الغالبية منها حلت في منازل أقارب ومعارف والمجموعات المرتبطة بـ«حزب لله» وإيران في سوريا، مع التأكيد على أن الحكومة السورية بـ«الأساس منهكة اقتصادياً، وليست لديها القدرة على معالجة تداعيات حركة نزوح ضخمة باتجاه أراضيها، ما لم تتلقَّ دعماً خارجياً».

وزيرا الداخلية والإدارة المحلية ومحافظا دمشق وريفها يتفقدون إجراءات استقبال الوافدين من لبنان في معبر جديدة يابوس (سانا)

ويشار إلى ظهور موجة ارتفاع كبيرة بالأسعار طرأت على المناطق الحدودية، لا سيما مصاريف النقل وإيجارات المنازل، بالإضافة لأسعار السلع الأساسية.

في محافظة حمص، قالت مصادر أهلية إن اللبنانيين الذين دخلوا من منطقة القصير معظمهم استقروا في بيوت أقارب لهم في المنطقة، أو بيوت مهجورة بشكل مؤقت، قبل نقلهم إلى مناطق أخرى من المحافظة تم تجهيزها لهم، وقد استُقبلوا باهتمام رسمي وإعلامي لافت، أثار حفيظة السوريين العائدين من لبنان الذين عوملوا معاملة السوريين المغتربين، من حيث إلزامهم بتصريف 100 دولار عند الحدود حسب سعر الصرف الرسمي، باستثناء الفقراء بشكل مدقع، ومن عبر منهم سيراً على الأقدام.

وأشارت المصادر إلى عبور مئات السوريين بشكل غير شرعي، والتواري عن الأنظار خشية ملاحقة الأجهزة الأمنية، على الرغم من الإعلان عن فتح السلطات مكاتب تسجيل للعائدين السوريين عند المعابر مع لبنان بهدف تسوية أوضاعهم، لا سيما أن كثيراً من الحالات ليست لديها أوراق ثبوتية. وفي المقابل رأت المصادر أنه رغم المخاوف يمكن عَدُّ ذلك فرصة لحصول هؤلاء على أوراق ثبوتية، وتسوية أوضاعهم، والعودة إلى مناطقهم في سوريا.

وأعداد النازحين من لبنان إلى سوريا مرشَّحة للازدياد مع مواصلة إسرائيل هجومها على لبنان، والتهديد باجتياح بري. وبينما أشارت تصريحات مسؤولين في الأمم المتحدة إلى أن آلاف الأسر اللبنانية والسورية عبرت إلى سوريا خلال الأيام القليلة الماضية، قال نائب محافظ ريف دمشق جاسم المحمود إن أكثر من 42 ألف شخص دخلوا سوريا من معبر جديدة يابوس الحدودي في ريف دمشق، منذ يوم الثلاثاء وحتى ظهر يوم الخميس، وأضاف في تصريحات لإذاعة «شام إف إم المحلية» أن محافظة ريف دمشق جهزت مراكز إيواء للنازحين اللبنانيين في 3 فنادق بمنطقة السيدة زينب، ومراكز أخرى في كل من الحرجلة والدوير ويبرود والنبك وداريا.

وقام محافظ ريف دمشق، أحمد إبراهيم خليل، بزيارة عدد من الأسر اللبنانية النازحة إلى سوريا في أماكن إقامتهم في مدينة السيدة زينب، جنوب دمشق. وأكد خليل أنه تم توجيه كل المعنيين في محافظة ريف دمشق للبقاء على أهبة الاستعداد للاستجابة العاجلة للحالات الطارئة، وتقديم كل الدعم والمساندة للوافدين من لبنان.

كذلك قام محافظ حماة، معن صبحي عبود، بزيارة العائلات اللبنانية التي نزحت إلى مصياف بريف حماة، ويقدَّر عدد أفرادها بـ80 فرداً، وطلب المحافظ من الجهات المعنية بالمحافظة حسن استقبال الوافدين من حيث تجهيز مراكز الإيواء، وتوفير كل الخدمات الضرورية لهم.

سوريون غادروا لبنان ينتظرون عند معبر جديدة يابوس الحدودي (أرشيف - رويترز)

كما أصدرت الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد تعميماً يقضي بإعطائها موافقة للشركات الخلوية على تسهيل بيع الخطوط الخلوية عن طريق الهوية اللبنانية، مع سمة الدخول، أو عن طريق جواز السفر، إضافةً إلى منح باقات إنترنت مجانية لهم. ومن ثم أرسلت شركات الاتصالات في سوريا سيارات جوّالة لمناطق محددة لتسهيل شراء اللبنانيين للخطوط بسرعة. وذلك في الوقت الذي تعاني فيه شبكة الاتصالات الخلوية من تردٍّ كبير وانقطاعات متواترة في شبكة الإنترنت، وارتفاع في تكاليف الاتصالات.

وكانت وزارة الصحة أصدرت تعميماً لمديريات صحة ريف دمشق وحمص وطرطوس ودمشق ومشافي الهيئات العامة، وذلك لتوفير الخدمات الصحية للوافدين من الأراضي اللبنانية.

وفي اجتماع للحكومة، طلب رئيس مجلس الوزراء محمد غازي الجلالي من وزارة الصحة تأهُّب منظومة الإسعاف السريع في المراكز الحدودية، وزجّ الطاقات الطبية المادية والبشرية المتوفرة لمعالجة الجرحى والمصابين، وأي حالات أخرى، مع وضع المشافي العامة والخاصة والمراكز الطبية على درجة الاستعداد القصوى، وتأمين الأدوية المنقِذة للحياة، مؤكداً على تقديم كل التسهيلات لإدخال المساعدات الطبية والإغاثية عبر الأراضي السورية إلى لبنان. وذلك رغم ما تعانيه سوريا من أزمات في القطاع الصحي عموماً، من حيث الكوادر الطبية، وتوفُّر الأدوية، وجاهزية المستشفيات.