علامات استفهام حول «براعة الاستخبارات الإسرائيلية» بعد هجوم «حماس»

جنرال متقاعد: عناصر الحركة «عادوا إلى العصر الحجري» بلا هواتف أو كومبيوتر

جنود إسرائيليون يحملون نعش جندي قتل على يد مسلحي «حماس» باتجاه المقبرة العسكرية بتل أبيب الاثنين (أ.ب)
جنود إسرائيليون يحملون نعش جندي قتل على يد مسلحي «حماس» باتجاه المقبرة العسكرية بتل أبيب الاثنين (أ.ب)
TT

علامات استفهام حول «براعة الاستخبارات الإسرائيلية» بعد هجوم «حماس»

جنود إسرائيليون يحملون نعش جندي قتل على يد مسلحي «حماس» باتجاه المقبرة العسكرية بتل أبيب الاثنين (أ.ب)
جنود إسرائيليون يحملون نعش جندي قتل على يد مسلحي «حماس» باتجاه المقبرة العسكرية بتل أبيب الاثنين (أ.ب)

لطالما اكتسبت وكالات الاستخبارات الإسرائيلية سُمعة بأنها لا تُقهر على مَر العقود بسبب سلسلة من الإنجازات التي حققتها، إذ أحبطت إسرائيل مخططات في الضفة الغربية، وطاردت نشطاء «حماس» في دبي، كما اتُهمت بقتل علماء نوويين إيرانيين في قلب طهران، وحتى عندما كانت تتعثر جهودها، حافظت وكالات استخباراتية مثل الموساد، والشين بيت، والاستخبارات العسكرية، على غموضها.

ولكن الهجوم الذي شنته «حماس» مطلع الأسبوع، والذي فاجأ إسرائيل في عطلة يهودية مهمة، يلقي بظلال من الشك على هذه السُمعة، ويثير تساؤلات حول مدى استعداد البلاد لمواجهة هذا العدو الأضعف، بحسب تقرير وكالة «أسوشييتد برس» للأنباء.

يقول ياكوف أميدرور، وهو مستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: «ما حدث يمثل فشلاً كبيراً»، مضيفاً أن «هذه العملية تثبت فعلياً أن القدرات الاستخباراتية في غزة لم تكن جيدة». ولكن أميدرور رفض تقديم تفسير لهذا الفشل، مشدداً على أنه «يجب تعلم الدروس عندما تهدأ الأوضاع».

فلسطينيون يحتفلون على ظهر دبابة إسرائيلية قرب الجدار العازل بخان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ب)

من جانبه، اعترف الأدميرال دانييل هاغاري، وهو كبير المتحدثين العسكريين في إسرائيل، بأن الجيش مدين للجمهور بتفسير، لكنه قال إن «الوقت الحالي غير مناسب لذلك، سنقاتل أولاً، ثم نحقق في الأمر».

يقول البعض إنه من السابق لأوانه إلقاء اللوم على حدوث خطأ استخباراتي فقط، مشيرين إلى موجة العنف في الضفة الغربية، باعتبارها سبباً أدى إلى نقل بعض الموارد العسكرية إلى هناك، وكذلك الفوضى السياسية التي تعصف بإسرائيل بسبب الخطوات التي اتخذتها حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة لإصلاح السلطة القضائية، وهي الخطة المثيرة للجدل التي هددت تماسك الجيش الإسرائيلي.

ولكن من المرجح أن يُنظر إلى الافتقار الواضح إلى المعرفة المسبقة بهجوم «حماس»، باعتباره السبب الرئيسي في سلسلة الأحداث التي أدت إلى الهجوم الأكثر دموية ضد الإسرائيليين منذ عقود.

وكانت إسرائيل قد سحبت قواتها ومستوطنيها من قطاع غزة عام 2005، مما جردها من السيطرة الوثيقة على القطاع. ولكن حتى بعد سيطرة حركة «حماس» على القطاع عام 2007، كان يبدو أن إسرائيل تستمر في المحافظة على تفوقها باستخدام الذكاء التكنولوجي والبشري، إذ زعمت أنها تعرف مواقع قيادات الحركة بشكل دقيق، وقد أثبتت ذلك من خلال اغتيال بعض هؤلاء القادة، وأحياناً أثناء نومهم. كما عرفت إسرائيل أماكن الأنفاق الموجودة تحت الأرض التي تستخدمها «حماس» لنقل المقاتلين والأسلحة، وضربتها؛ الأمر الذي أدى إلى تدمير كيلومترات من الممرات المخفية.

ورغم هذه القدرات، تمكنت «حماس» من إبقاء خطتها طي الكتمان، ويبدو أن الهجوم الشرس الذي استغرق على الأرجح شهوراً من التخطيط والتدريب الدقيق، وشمل التنسيق بين مجموعات مسلحة متعددة، قد وقع بعيداً عن أعين المخابرات الإسرائيلية.

أمير أفيفي جنرال إسرائيلي متقاعد (مواقع)

تحايل على التكنولوجيا

وقال أمير أفيفي، وهو جنرال إسرائيلي متقاعد، إنه في ظل غياب الوجود الإسرائيلي داخل غزة، أصبحت أجهزة الأمن الإسرائيلية تعتمد بشكل متزايد على الوسائل التكنولوجية للحصول على المعلومات الاستخباراتية، وقد وجد المسلحون في القطاع طرقاً للتهرب من جمع المعلومات الاستخبارية التكنولوجية، ما أعطى إسرائيل صورة غير كاملة عن نواياهم.

وأضاف أفيفي، الذي عمل بوصفه قناة لنقل المواد الاستخباراتية في عهد أحد رؤساء أركان الجيش السابقين: «لقد تعلم الجانب الآخر كيفية التعامل مع هيمنتنا التكنولوجية وتوقفوا عن استخدام التكنولوجيا التي يمكن أن تكشفهم». وأفيفي هو رئيس ومؤسس «منتدى الدفاع والأمن الإسرائيلي»، وهو مجموعة متشددة من القادة العسكريين الإسرائيليين السابقين.

وقال: «لقد عادوا إلى العصر الحجري»، موضحاً أن المسلحين لم يكونوا يستخدمون الهواتف أو أجهزة الكومبيوتر، وكانوا يتولون إدارة أعمالهم الحساسة داخل غرف محصنة بوجه خاص من التجسس التكنولوجي أو كانوا يختبئون تحت الأرض.

تحمل لافتة خلال مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في لندن الاثنين (أ.ب)

ومع ذلك، يرى أفيفي أن الفشل يمتد إلى ما هو أبعد من مجرد جمع المعلومات الاستخبارية، وأن أجهزة الأمن الإسرائيلية فشلت في تكوين صورة دقيقة من المعلومات الاستخبارية التي كانت تتلقاها. وأعاد ذلك إلى ما اعتبره «فهماً خاطئاً» من جانب هذه الأجهزة تجاه نوايا «حماس».

خلال السنوات الأخيرة، نظرت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إلى «حماس»، على نحو متزايد، باعتبارها جهة فاعلة مهتمة بالحكم، وتنمية اقتصاد غزة، وتحسين مستوى معيشة سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة. وعبر أفيفي وآخرون، عن اعتقادهم بأن «حماس»، التي لطالما دعت إلى تدمير إسرائيل، لا تزال ترى في هذا الهدف أولوية لها.

عمال فلسطينيون يدخلون معبر «إيريز» الذي أعيد فتحه مع إسرائيل نهاية سبتمبر (رويترز)

يذكر أن إسرائيل سمحت في السنوات الأخيرة، لما يصل إلى 18.000 عامل فلسطيني من غزة بالعمل داخل أراضيها، حيث يمكنهم الحصول على رواتب أعلى بنحو 10 مرات من رواتبهم في القطاع الساحلي الفقير. واعتبرت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية هذه «الجزرة» وسيلة للحفاظ على الهدوء النسبي.

في هذا السياق، كتب آموس هاريل، المعلق الدفاعي، في صحيفة «هاآرتس» اليومية: «من الناحية العملية، كان المئات، إن لم يكن الآلاف من رجال (حماس)، يستعدون لشن هجوم مباغت على مدار أشهر عدة، دون أن تتسرب أنباء ذلك. وجاءت النتائج كارثية».

تحذير من «شيء كبير»

من ناحية أخرى، اعترف حلفاء كانوا يتبادلون المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل، بأن الوكالات الأمنية أخطأت في قراءة الواقع.

ونقلت وكالة «أسوشييتد برس» عن مسؤول في الاستخبارات المصرية، أن بلاده، التي غالباً ما تضطلع بدور الوسيط بين إسرائيل و«حماس»، تحدثت مراراً وتكراراً إلى الإسرائيليين حول «شيء كبير»، دون الخوض في تفاصيل. وأضاف أن المسؤولين الإسرائيليين ركزوا اهتمامهم على الضفة الغربية، وقللوا من شأن التهديد القادم من غزة.

حرق برج مراقبة إسرائيلي على حدود قطاع غزة السبت (أ.ب)

وقال المسؤول، الذي اشترط عدم كشف هويته: «لقد حذرناهم من أن ثمة انفجاراً وشيكاً في الأوضاع، ووشيكاً للغاية، وسيكون كبيراً».

غير أن مصدراً مصرياً مطلعاً، قال لـ«الشرق الأوسط»، معلقاً عما ورد في تقرير الوكالة، إن جزءاً من الصراع السياسي في إسرائيل، محاولة بعض الأطراف «إظهار خصومهم في موقع الضعيف وعديم الكفاءة والمتعجرف».

وتابع أن «مصر واصلت التحذير من الإجراءات التصعيدية» منذ وصول الحكومة الإسرائيلية إلى السلطة. وأعلن المتحدث باسم الخارجية المصرية ذلك بوضوح، كما نشرت صحف إسرائيلية تقارير عن تلك التحذيرات.

وشدد المصدر على أن سياسة مصر واضحة، تقوم على محاولة تنفيذ مقررات الشرعية الدولية، ووقف التصرفات العدوانية والاستفزازية، وإيجاد سبل وآليات للتفاهم. والخطاب المصري في هذا الإطار علني، ويتم إيصاله لكل الأطراف.

من جهة أخرى، أصدر مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بياناً، قال فيه إن ما يتم تداوله عن تحذير مصري لإسرائيل من عملية في غزة «كاذب وغير صحيح».

خطة نتنياهو للإصلاح القضائي

علاوة على كل ذلك، كانت إسرائيل منشغلة وممزقة، جراء خطة نتنياهو للإصلاح القضائي. وكان نتنياهو قد تلقى تحذيرات متكررة من قبل قيادات المؤسسة الدفاعية لديه، بالإضافة إلى العديد من القادة السابقين لوكالات الاستخبارات في البلاد، من أن الخطة المثيرة للانقسام تقوض تماسك الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.

في هذا السياق، قال مارتن إنديك، الذي عمل مبعوثاً خاصاً لشؤون المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية خلال إدارة أوباما، إن «الانقسامات الداخلية حول التغييرات القانونية، كانت عاملاً فاقم من شعور الإسرائيليين بالمفاجأة».

وأضاف: «لقد أزعج ذلك الجيش الإسرائيلي على نحو أعتقد أننا اكتشفنا لاحقاً أنه كان بمثابة مصدر كبير لتشتيت الانتباه».


مقالات ذات صلة

نتنياهو يمهد لإقالة رئيس أركان الجيش بموجة انتقادات

شؤون إقليمية نتنياهو متوسطاً وزير الدفاع المُقال يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي في أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

نتنياهو يمهد لإقالة رئيس أركان الجيش بموجة انتقادات

بعد أن نجح في التخلص من وزير دفاعه، يوآف غالانت، من دون خسائر فادحة، يتجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لإزاحة رئيس أركان الجيش، هيرتسي هاليفي.

نظير مجلي (تل ابيب)
المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ) play-circle 01:47

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

أفادت وزارة الصحة في غزة، الأحد، بارتفاع عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 44 ألفاً و211 وإصابة 104 آلاف و567 منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مبنى مدمّر نتيجة القصف الإسرائيلي في جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

«القسام»: مقتل أسيرة في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة

أعلن المتحدث باسم «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» الفلسطينية، أبو عبيدة، اليوم (السبت)، مقتل أسيرة إسرائيلية في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)

إسرائيل ليست عضواً في «الجنائية الدولية»... كيف تلاحق المحكمة نتنياهو وغالانت؟

ما يجب أن نعرفه عن النطاق القانوني للمحكمة الجنائية الدولية، حيث تسعى إلى اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية صور للمحتجَزين لدى «حماس» (رويترز)

تقرير: إسرائيل لا ترى إمكانية التفاوض مع «حماس» إلا بعد الاتفاق مع «حزب الله»

التفاوض بشأن الرهائن الإسرائيليين تقلَّص منذ تعيين يسرائيل كاتس وزيراً للدفاع.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

​تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت

تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (رويترز)
تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (رويترز)
TT

​تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت

تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (رويترز)
تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (رويترز)

تجددت الغارة الإسرائيلية، (الأحد)، على ضاحية بيروت الجنوبية، عقب إنذارات وجهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء موقعين.

ووجَّه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، إنذار إخلاء مرفقاً بخرائط إلى سكان منطقتي الحدث وبرج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت.

وقال: «أنتم توجدون بالقرب من منشآت ومصالح تابعة لـ(حزب الله)»، محذّراً من ضربات وشيكة على منطقة الغبيري.

وارتفعت وتيرة الغارات الإسرائيلية على مناطق عدة في لبنان منذ إنهاء المبعوث الأميركي، آموس هوكستين، زيارته إلى بيروت، الأربعاء الماضي، في إطار وساطة يتولاها للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل.

وبعد تبادل القصف مع «حزب الله» مدة عام تقريباً، بدأت إسرائيل منذ 23 سبتمبر (أيلول)، حملة جوية واسعة تستهدف خصوصاً معاقل الحزب في ضاحية بيروت الجنوبية وفي جنوب البلاد وشرقها. وأعلنت منذ نهاية الشهر نفسه بدء عمليات توغل بري في جنوب لبنان. وأحصى لبنان مقتل 3583 شخصاً على الأقل بنيران إسرائيلية منذ بدء «حزب الله» وإسرائيل تبادل القصف.