الإعلام الإسرائيلي: هجوم «حماس» إهانة عظمى غير مسبوقة

تحميل نتنياهو مسؤولية الإخفاق واتهامه بتقوية «حماس»

جنود إسرائيليون يحملون مصاباً نقلته مروحية إلى مركز «سوروكا» الطبي في مدينة بئر السبع الأحد (إ.ب.أ)
جنود إسرائيليون يحملون مصاباً نقلته مروحية إلى مركز «سوروكا» الطبي في مدينة بئر السبع الأحد (إ.ب.أ)
TT

الإعلام الإسرائيلي: هجوم «حماس» إهانة عظمى غير مسبوقة

جنود إسرائيليون يحملون مصاباً نقلته مروحية إلى مركز «سوروكا» الطبي في مدينة بئر السبع الأحد (إ.ب.أ)
جنود إسرائيليون يحملون مصاباً نقلته مروحية إلى مركز «سوروكا» الطبي في مدينة بئر السبع الأحد (إ.ب.أ)

مع التأكيد على المبدأ السائد في إسرائيل، بأن على الإسرائيليين ترك خلافاتهم جانباً والتوحد في الحرب على «حماس»، وتأجيل طرح الانتقادات والمحاسبة على الإخفاقات، إلى ما بعد انتهاء الحرب، أجمعت وسائل الإعلام العبرية، على مهاجمة قيادات الجيش والمخابرات على القصور الخطير في حماية سكان البلدات اليهودية القائمة حول قطاع غزة، وكذلك المستوى السياسي بقيادة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو وحكومته على إدارة سياسية تسببت في تقوية حركة «حماس» وحكمها قطاع غزة وجعلها قوة عسكرية فتاكة.

وفي حين ركزت وسائل الإعلام التابعة لمعسكر اليمين على توجيه الانتقادات للجيش، كما فعلت قبل الحرب، راحت وسائل الإعلام المستقلة واليسارية تركز على دور نتنياهو في الإخفاقات. وخرجت صحيفة «هآرتس» بمقال افتتاحي تحت عنوان: «نتنياهو مسؤول»، فقالت: «رئيس الوزراء الذي تباهى بتجربته السياسية الهائلة وبحكمته التي لا يحل محلها شيء في شؤون الأمن، فشل تماماً في تشخيص الخطر الذي قاد إليه الدولة، عن وعي، حين أقام «حكومة الضم والنهب»، وعين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير في منصبين أساسيين فيها، وأيضاً حين اتخذ سياسة خارجية تجاهلت على رؤوس الأشهاد وجود وحقوق الفلسطينيين.

وتابعت «هآرتس»، أن نتنياهو بالتأكيد سيحاول التملص من مسؤوليته، ويلقيها على قادة الجيش والمخابرات الذين أخفقوا عندما قللوا من احتمال شن حرب من «حماس» مستخفّين بقدراتها العسكرية. ولكن القصور الاستخباري والعسكري لا يعفي نتنياهو من مسؤوليته الشاملة عن الأزمة، بصفته المقرر الأعلى لشؤون الخارجية والأمن في إسرائيل.

بنيامين نتنياهو في حملة انتخابية قرب القدس قبل يومين من الانتخابات العامة عام 2022 التي فاز فيها (غيتي)

ولفتت إلى أن نتنياهو سوّق نفسه بوصفه «سياسياً حذراً»، يمتنع عن الحروب، ويسعى للحد من القتلى في الجانب الإسرائيلي، لكنه بعد انتصاره في الانتخابات الأخيرة استبدل بالحذر سياسة «يمين كامل»: خطوات علنية لضم الضفة الغربية، وتطهير عرقي في المناطق (ج) في جبل الخليل وغور الأردن، وتوسيع مكثف للمستوطنات، وتعزيز الوجود اليهودي في (الأقصى).

وكما هو متوقع، تقول الصحيفة إن مؤشرات الانفجار بدأت في الضفة الغربية، وشعر فيها الفلسطينيون بثقل يد الاحتلال الإسرائيلي، و«حماس» استغلت الفرصة كي تخرج إلى هجوم مفاجئ، لكن أكثر من كل شيء، شددت الصحيفة، إلى أن رئيس وزراء متهم بثلاث قضايا فساد «لا يمكنه أن يهتم بشؤون الدولة».

وقاحة إسرائيلية

وفي الصحيفة نفسها، كتب جدعون ليفي: «وراء كل ما يجري توجد وقاحة إسرائيلية؛ فنحن اعتقدنا أنه مسموح لنا بفعل كل شيء، وأننا لن ندفع أي ثمن أو عقاب. ندافع عن المستوطنين الذين ينفذون المذابح، الحج إلى قبر يوسف وقبر عتنئيل ومذبح يهوشع، التي جميعها في الأراضي الفلسطينية، وبالطبع إلى الحرم القدسي، حيث اقتحمه أكثر من 5 آلاف يهودي فقط في عيد العرش.

مستوطنون يقتحمون البلدة القديمة في الخليل بحماية الجنود الإسرائيليين (وفا)

وأضاف خروقات أخرى، مثل إطلاق النار على الأبرياء، وقلع العيون، وتحطيم الوجوه، والطرد، والسرقة، واختطاف الناس من السرير، والتطهير العرقي. وبالطبع مواصلة الحصار الذي لا يصدق على غزة، وأن كل شيء، (بعد ذلك)، سيكون على ما يرام. لافتاً: «اعتقدنا أننا سنواصل التنكيل بغزة، ونرمي عليها فتات الإحسان على شكل بضع عشرات من آلاف تصاريح العمل في إسرائيل، مشروطة دائماً بحسن السلوك».

وقال إن بضع مئات من المسلحين الفلسطينيين اقتحموا الجدار، ودخلوا إسرائيل «بصورة لم يتخيل أي إسرائيلي بينه وبين نفسه أنها ممكنة». وقد أثبت بضع مئات من المسلحين الفلسطينيين، أنه «لا يمكن سجن مليوني شخص إلى الأبد دون أن يجبي ذلك ثمناً باهظاً»، مثلما مزقت الجرافة الفلسطينية القديمة السبت الجدار الأكثر إحكاماً من أي جدار آخر.

الهجوم المهين

وفي «يديعوت أحرونوت»، رأى ناحوم برنياع، هجوم «حماس» «مهيناً لإسرائيل». وقال إن 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 كانت إهانة عظمى لم يشهد لها الجيش الإسرائيلي مثيلاً في كل سنواته. ووصف الإهانة الأولى بأنها استخبارية. ومثلما في 1973، رأت المنظومة (الحاكمة) كل المؤشرات الدالة، لكنها استنتجت بغرورها أن «هذه مجرد مناورة وتدريبات عابثة».

أما الثانية، وفق التقرير «فكانت السهولة التي تجاوز فيها مخربو (حماس) العائق»؛ والثالثة كانت «السهولة التي عادوا فيها إلى غزة مع عشرات الرهائن»؛ أما الرابعة، فهي «البطء الذي رد به الجيش الإسرائيلي على التوغل». فقد تجول العشرات في معسكر مدرعات كأنهم في بيوتهم، ولم توجد مروحية هجومية تطلق عليهم النار.

فلسطينيون يقومون بنقل أسيرة إسرائيلية إلى داخل قطاع غزة السبت (أ.ب)

ورأى أن «يوم الغفران» 1973 كلّف عدداً أكبر بكثير من الضحايا، لكن المواجهة وقتها، «كانت مع أكبر الجيوش العربية، وليس منظمة إرهاب من الدرجة الثانية». وقال إنه من تلك الحرب الأليمة خرج سلام يصمد بعد 50 سنة من وقف النار. مشدداً على أنه «من الصعب رؤية الخير الذي سيخرج من الحرب الحالية». منتقداً سياسة نتنياهو في كل حكمه، الذي دفع بـ«حماس» قُدماً على حساب السلطة الفلسطينية، بسياسة «فرق تسد»، وتهدئة بكل ثمن. وأعطى في الأشهر الأخيرة، حركة «حماس» كل ما أوصى به الجيش، ومنها تصاريح عمل لعشرين ألف غزي، وتوسيع الواردات، وتحويل المال القَطري. إن سموتريتش، «وزير نصف الدفاع في حكومته»، قال مؤخراً، إن «حماس» ذخر والسلطة عبء، فهل نتنياهو مستعد لأن يغير القاعدة؟».

صيغة «حماس» الأولى

وفي صحيفة «معاريف»، كتب بن كسبيت: «من خاف الخروج إلى عملية برية في غزة خرجت هي إلى عملية برية عنده، ومن سمى نفسه «قوي حيال (حماس)، وجد نفسه السبت ضعيفاً حيال (حماس) قوية». ومن اعتقد أنه يمكنه أن يربي «حماس» كي يصغر السلطة الفلسطينية، وجد نفسه، السبت، صغيراً أمام الاثنتين. ورأى أن إسرائيل أخطأت في صيغة «حماس» الأولى حين شجعتها، وسمحت بقيامها «لأجل إضعاف (منظمة التحرير الفلسطينية)»، وأنها لم تتعلم من هذا الفشل. نتنياهو وصف «حماس»، مرات عديدة، كذخر لإسرائيل. «هذا الذخر ضربنا السبت بغير قليل من الذخائر».

ولفت بن كسبيت، إلى أنه في عام 2009، أراد إيهود أولمرت أن ينهي الانشغال في غزة. كان هذا سهلاً نسبياً، لكنه كان في حينه إوزة عرجاء. وانتظر الجميع نتنياهو، الذي وعد، عند بوابات عسقلان، بأنه فوراً حين يعود إلى الحكم، سيصدر الأمر بإسقاط حكم «حماس» في غزة. وفعل العكس.

ورأى أن يائير لبيد فعل الأمر الصائب باقتراح الانضمام إلى حكومة طوارئ ضيقة دون المتطرفين. وهي خطوة قيادية صحيحة ومناورة سياسية ذكية. لكن لا يوجد أي سبب لأن ينضم لبيد وغانتس إلى حكومة الكوابيس الحالية. معتبراً أن «هذه الطبخة أعدها نتنياهو وهو الذي سيشربها».

وأنهى تقريره بسؤال هو: هل المصيبة الجسيمة كافية كي تقنع نتنياهو بأن المغامرة مع المتطرفين استنفدت نفسها؟ هل الدولة هامة لنتنياهو حقاً؟

تجويع غزة

وفي صحيفة «يسرائيل هيوم» اليمينية وتحت عنوان: «أعيدوا غزة إلى العصر الحجري»، كتب أرئيل كهانا: «بعد 50 سنة بالضبط من حرب (يوم الغفران)، وجدت إسرائيل نفسها مرة أخرى تحت هجوم مفاجئ. وإنه لا حاجة لأن يكون المرء خبيراً عظيماً كي يفهم أنه كان هناك «عمى استخباراتي»، وأن الجيش الإسرائيلي الذي أمسك به «غير مستعد». الوقت لاستيضاح القصور لا بد سيأتي. في هذه اللحظة ينبغي التركيز على تحول الهزيمة إلى نصر، باستعادة المبادرة وقبل كل شيء إيقاع الهزيمة بالعدو.

فلسطينية فرت وأسرتها من منزلها إلى مدرسة «أونروا» وسط الضربات الإسرائيلية على غزة الأحد (رويترز)

وشدد على أنه لا يكفي «جباية ثمن هائل»، مثلما قال رئيس الوزراء. وإذا كان التخوف هو من لاهاي (محكمة العدل)، فثمة ما يكفي من المتطوعين للمهمة ليبقوا في البلاد حتى نهاية حياتهم، مقترحاً أن «نعيد غزة إلى العصر الحجري، بأن نختطف كبار رجالات (حماس) وأبناءهم، وندمر بيوتهم الفاخرة، وأبراجهم العالية، والمطاعم والمتنزهات في غزة». مقترحاً إضافة إلى وقف توريد الكهرباء الإسرائيلية إلى غزة، قصف محطة توليد الطاقة في القطاع، وحظر الصيد تماماً. كما اقترح الكاتب، مطالبة المصريين بإغلاق معبر رفح، ومنع إدخال الماء والغذاء واغتيال كل قيادة «حماس».


مقالات ذات صلة

هل يؤثر التصعيد في المنطقة على خيار الناخب الأميركي؟

تحليل إخباري ترمب وهاريس في المناظرة الرئاسية ببنسلفانيا في 10 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

هل يؤثر التصعيد في المنطقة على خيار الناخب الأميركي؟

الانتقاد الأبرزالموجّه للمرشحة الديمقراطية هاريس يرتبط بتداعيات خبرتها المحدودة في السياسة الخارجية.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ف.ب)

بايدن: العواقب على طهران لم تتبين بعد عقب الهجوم على إسرائيل

قال الرئيس الأميركي جو بايدن اليوم الثلاثاء إن هناك نقاشاً دائراً حول كيفية رد إسرائيل على الهجوم الصاروخي الإيراني، وإن العواقب على طهران لم تتبين بعد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ فلسطينيون يحتفلون فوق صاروخ إيراني صقط في رام الله (أ.ف.ب) play-circle 01:17

واشنطن: الهجوم الإيراني تصعيد كبير له عواقب وخيمة

شدد جيك سوليفان مستشار الامن القومي الأميركي، اليوم (الثلاثاء)، على أن إطلاق إيران لأكثر من 200 صاروخ باليستي ضد إسرائيل يعد تصعيداً كبيراً.

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ جنود إسرائيليون ينتشرون بمعدات عسكرية في منطقة الجليل الأعلى بشمال إسرائيل بالقرب من الحدود مع لبنان في 29 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

الإدارة الأميركية تخشى «حرباً واسعة» بين إسرائيل وحزب الله وإيران

أبدى مسؤولون في الإدارة الأميركية مخاوف من اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل و«حزب الله» وإيران بعد مقتل حسن نصر الله.

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي (رويترز)

واشنطن: الحرب الشاملة ليست السبيل لإعادة سكان شمال إسرائيل إلى ديارهم

قال البيت الأبيض، اليوم (الأحد)، إن إسرائيل لن تكون بوسعها إعادة سكانها بأمان إلى منازلهم في شمال إسرائيل من خلال شنّ حرب شاملة مع «حزب الله» أو إيران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

أسئلة حول حصر تكليف قاسم لـ«الأخ الأكبر» بوقف النار؟

نعيم قاسم في إطلالته الأخيرة: ندعم الحراك السياسي لـ«الأخ الأكبر» نبيه برّي (الشرق الأوسط)
نعيم قاسم في إطلالته الأخيرة: ندعم الحراك السياسي لـ«الأخ الأكبر» نبيه برّي (الشرق الأوسط)
TT

أسئلة حول حصر تكليف قاسم لـ«الأخ الأكبر» بوقف النار؟

نعيم قاسم في إطلالته الأخيرة: ندعم الحراك السياسي لـ«الأخ الأكبر» نبيه برّي (الشرق الأوسط)
نعيم قاسم في إطلالته الأخيرة: ندعم الحراك السياسي لـ«الأخ الأكبر» نبيه برّي (الشرق الأوسط)

يسجّل عدد من أصدقاء «حزب الله» عتبه على نائب أمينه العام، الشيخ نعيم قاسم، لتأييده «الأخ الأكبر»، رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، في حراكه الذي يقوده بعنوانه الأساسي «وقف النار»، وأن «لا محل، قبل وقفه، لأي نقاش بالنسبة إلينا»، من دون أن يتبنّى حَرفية الموقف الذي توصّل إليه برّي في اجتماعه برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، والرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، الذي أرفقه بطلب نشر الجيش اللبناني في جنوب الليطاني، وتطبيق القرار 1701؛ كونه يشكّل الآلية المطلوبة دولياً لعودة الهدوء إلى الجنوب.

فقاسم لم يكن مضطراً لحصر تأييده لبرّي بوقف النار، ولم يكن ليلقى إحراجاً داخل الحزب ما دام أن أمينه العام حسن نصر الله، قبل اغتياله بساعات، كان وافق على هذه الآلية لعودة الاستقرار إلى الجنوب، والتي شكّلت الضوء الأخضر الذي شجّع ميقاتي للسفر إلى نيويورك، وأن يتلاقى في خطابه مع النداء الأميركي - الفرنسي المدعوم دولياً لوقف النار، برغم أن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو هو من أردى هذا النداء أرضاً، مستعصياً على إرادة المجتمع الدولي، بانقلابه على موافقته، بعد أن قطع وعداً للرئيس الأميركي جو بايدن بتأييده.

بين موقف قاسم وبيان «المقاومة الإسلامية»

وبرغم أن نتنياهو هو من تصدى للنداء، ولم يسمح له بأن يرى النور، فلا مجال، كما يقول هؤلاء الأصدقاء، لترف الوقت، وكان الأفضل لنعيم قاسم تدعيم الموقف اللبناني بتأييده - بلا شروط - ثلاثيةَ: وقف النار، ونشر الجيش، وتطبيق القرار 1701، في ضوء ما يُنقَل على لسان السفيرة الأميركية لدى لبنان، ليزا جونسون، بأن النداء لم يَمُت ولا يزال مطروحاً على الطاولة، وأن الرئيس بايدن يواصل ضغطه على نتنياهو؛ للعودة عن تعطيل تطبيقه، الذي يحظى بتأييد لبناني كان موضع إشادة من قِبلها، حسبما أبلغته إلى كبار المسؤولين الذين التقتهم في الساعات الأخيرة.

ومع أن قاسم تجنّب استحضار إسناد الحزب حركة «حماس» في غزة، في إطلالته الثانية على جمهور المقاومة وبيئته، مكتفياً بالقول إن جبهة لبنان مسانِدة لغزة، واستنزفت العدو 11 شهراً، مدافعاً عن إيران في دعمها للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية، فإنه في المقابل أغفل الإشارة إلى الربط بين جبهتَي غزة والجنوب، بخلاف البيان الصادر عن غرفة عمليات «المقاومة الإسلامية»، الذي جاء بعد انقضاء ساعات على خطاب قاسم، وورد فيه حرفياً: «أمّا لغزة الحبيبة فنقول: نحن على العهد والوعد، ولن نتخلى عن دعمنا وإسنادنا لشعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة ومقاومته الباسلة والشريفة، وهذه وصية سيد شهداء طريق القدس، وهي أمانة في أعناقنا ونحن أهل الأمانة».

موقف بلا مفاعيل على الأرض

فهل جاء البيان في سياق الحرص على تسجيل موقف مبدئي تحت عنوان أن لا خيار للمقاومة الإسلامية سوى مُضيّها في إسناد «حماس»؛ التزاماً بموقفها المبدئي الداعم لها، وأنه لن يترتب على هذا الموقف مفاعيل على الأرض، في حال أن الجنوب بدأ يستعيد هدوءه بضغط من واشنطن على نتنياهو لوقف عدوانه وتَماديه في تدمير القرى وإحراقها، وهذا ما يقطع الطريق على من يراهن بأن المقاومة تتمايز - في موقفها بعدم الفصل بين الجبهتين - عن قاسم، ويحاول أن يؤسّس عليه سياسياً إلى أن يكتشف أن رهانه في غير محله، وأن التنسيق قائم، ولا مجال لاستحضار خلاف لا أساس له من الصحة.

لذلك، تبقى الكلمة للميدان في الجنوب، وإسناد «المقاومة الإسلامية» لـ«حماس» ما هو إلا ورقة سياسية لم يَعُد لها دور في ظل التراجع الملحوظ لـ«حماس» في تصدّيها لإسرائيل، ولا يمكن للحزب التفريط بها ما لم تُصرَف في وضع حدّ للعدوان الإسرائيلي، في ظل ارتفاع المخاوف من طول أمد الحرب إلى ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية، تحت ضغط الابتزاز الذي يمارسه نتنياهو لتغيير الوضع في الجنوب، على نحو يؤدي إلى تبدُّل ميزان القوى في الشرق الأوسط.

عراقجي والذراع العسكرية للحزب

وعليه، فإن تجنّب قاسم الإشارة إلى الربط بين الجبهتين يأتي ترجمةً لانسجامه مع المداولات التي دارت بين برّي وميقاتي وجنبلاط، وانتهت إلى صرف النظر عن التلازم بين غزة والجنوب، بينما لا تستبعد مصادر مواكِبة أن الدوافع التي أمْلت على وزير خارجية إيران عباس عراقجي في زيارته لبيروت، التمسكَ بالتلازم بين الجبهتين، هي اعتقاده بأن القرار يعود للذراع العسكرية لـ«حزب الله» الذي هو على صلة وثيقة بـ«الحرس الثوري»، ما يُملي عليه إيداع قرار وقف النار في عهدة طهران التي تتحضر لرد إسرائيل على قصفها عدداً من منشآتها؛ ثأراً منها لاغتيالها رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية في عقر دار «الحرس الثوري»، واغتيال الأمين العام لـ«حزب الله».

وبكلام آخر، هل تتريث «المقاومة الإسلامية» في حسم أمرها حيال الفصل بين الجبهتين إلى ما بعد قيام إسرائيل بالرد على إيران، ليكون في وسع الأخيرة تحديد المسار العام للمواجهة التي يمكن أن تتوسّع من الجنوب نحو الإقليم، في حال أن واشنطن لم تتمكّن من ضبط إيقاع الرد الإسرائيلي بشكل لا يجعله يخرج عن طابع السيطرة، أسوةً بضبط إيقاع الردود التي حصلت بين طهران وتل أبيب في أعقاب قيام الأخيرة باستهداف القنصلية الإيرانية في دمشق؟

تبادل أدوار؟

لكن هناك من يدعو إلى عدم الذهاب بعيداً في الاجتهاد بتقديم التباين بين قاسم و«المقاومة الإسلامية»، حول الربط بين الجبهتين وكأنه قائم حُكماً، ويتعامل معه على أنه مجرد تبادل لوجهات النظر على قاعدة توزيع الأدوار، وبالتالي لن يكون حاضراً في حسابات الحزب الذي قطع شوطاً على طريق استيعابه للصدمة التي هزّته باغتيال نصر الله، وهو يكاد الآن يستعيد عافيته بملء الشواغر في الميدان التي نجمت عن اغتيال أبرز قياداته وكوادره العسكرية.

وفي هذا السياق تُبدي المصادر تفاؤلها بديمومة العلاقة بين الحزب وبرّي، وتقول إن تفويضه لم يكن عابراً ومرحلياً لتقطيع الوقت، وإنما ينم عن رغبة الحزب في تعزيز تحالُفه مع «أمل»، وأن مقاربتهما للملف الرئاسي تشكّل محطة لاختبار عمق تعاونهما، وتفهّم برّي لوجهة نظر الحزب بإصراره على ترحيل انتخاب الرئيس إلى ما بعد تبيان الوجهة النهائية للحرب في الجنوب، وبالتالي فإن الحراك الرئاسي يبقى تحت سقف ملء الفراغ إلى حين توافر الشروط لانتخابه.