بخطوات بطيئة جداً، يسير الحوار بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، والذي انطلق قبل فترة بعدما طرح رئيس «التيار» النائب اللبناني جبران باسيل «مقايضة» رئاسة الجمهورية باللامركزية الموسعة والصندوق الائتماني، أي أنه يقترع لمرشح «حزب الله» وحلفائه للرئاسة (الوزير السابق سليمان فرنجية) مقابل موافقة هذا الفريق على مطلب باسيل.
وتؤكد مصادر قريبة من «حزب الله»، أن «المنحى العام إيجابي، لكن أي خرق لم يتحقق لا في جدار الأزمة الرئاسية ولا على صعيد الاقتراب من التفاهم على مشروعي باسيل». وتكشف المصادر لـ«الشرق الأوسط»، عن أن «الاتفاق على قانون اللامركزية قد يكون أسهل بعد التفاهم على الصندوق الائتماني الذي سيتحول وزارة مال ثانية، أضف أن إقراره يحتاج برأينا إلى تعديل دستوري».
وبحسب معلومات «الشرق الأوسط»، فإن «ما يجعل (الثنائي الشيعي) المتمثل بـ(حزب الله) وحركة (أمل)، غير مقتنع على الإطلاق بالسير بالصندوق الائتماني، هو أنه سيؤدي إلى فصل مالي موسع يُفقد وزارة المال، التي يصر (الثنائي) على أن تكون من حصته الوزارية منذ سنوات، دورها وفاعليتها ومواردها». وتشير المعلومات إلى أنه «يربط السير بالمشروع بأن تكون وزارة المال هي المشرفة على الصندوق ما يرفضه باسيل جملة وتفصيلاً؛ كون ذلك يضرب جوهر الاقتراح ويطيح هدفه الرئيسي».
أبي خليل
ويوضح النائب في تكتل «لبنان القوي» سيزار أبي خليل، أن ما يطرحه التكتل هو «صندوق ائتماني لحفظ أصول الدولة وإدارتها واستثمارها؛ وذلك بغاية تحسين إنتاجيتها وتحسين الخدمة للمواطنين عبر تفعيل هذه الأصول وزيادة ربحيتها عن طريق إدارة فعالة وشراكة مع القطاع الخاص». وشدد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن «هذا إصلاح أساسي بنيوي على المستوى الإنمائي وتطوير البنى التحتية والبيئة الاستثمارية في البلد... وتصويره بمقايضة هو تسخيف لعمل إصلاحي وتطويري كبير نسعى لإمراره عبر إقناع الأفرقاء به».
ويشير أبي خليل إلى أن «سلطة التنظيم سوف تبقى للوزارات والهيئات الناظمة، وسوف تدار هذه الأصول وفقاً للقانون الخاص؛ وعليه ليس من تضارب أو أي شيء يتعارض مع الدستور»، عادّاً أن «من السابق لأوانه طرح من سوف يستلم الصندوق، ولكن يمكن تعيين مجلس الإدارة بالطريقة الشفافة نفسها التي لحظها قانون الصندوق السيادي لحفظ واستثمار العائدات النفطية».
وفي نهاية يوليو (تموز) الماضي، أقرّت لجنة المال والموازنة اقتراح قانون الصندوق السيادي اللبناني للنفط والغاز؛ ما يجعل الصندوق أشبه بمؤسسة عامة ذات طابع خاص، لا تخضع للوصاية التقليدية التي كانت تمارَس من الحكومات والسلطة التنفيذية، كما تتمتع بالاستقلال المالي والإداري وبأوسع الصلاحيات الاستقلالية عن تدخل السلطة السياسية.
الصندوق السيادي
ومن المفترض أن يشبه قانون الصندوق الائتماني بكثير من مندرجاته قانون الصندوق السيادي. ويقول المحامي والأستاذ الجامعي الدكتور عادل يمين: إن هذا الأخير «هو كيان قانوني وشخصية معنوية مستقلة عن القطاع العام يهدف إلى تولي إدارة واستثمار أصول الدولة في الداخل والخارج، وحفظ الإيرادات وتخصيصها لحقول وقطاعات معينة بقسم منها وبقسم آخر كادخار للأجيال المقبلة»، مشدداً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن «هذا الكيان يفترض أن يتمتع بالاستقلال المالي والإداري، وأن تكون آليات إدارته والإنفاق بما خص عائداته وتوفير الإيرادات من خارج الأطر التقليدية التي تتبعها الإدارات العامة في ما يتعلق بعملها. إذ يفترض أن يكون له آليات وأصول خاصة يحددها القانون الخاص به». ويضيف: «قد يؤثر ذلك على جزء من دور وزارة المال، لكن هناك صلاحيات كثيرة للوزارة لا يمس بها».
ورداً على سؤال، يرى يمين أنه «يفترض أن يكون رئيس الجمهورية هو المشرف على الصندوق؛ لأنه رمز وحدة الوطن»، عادّاً أن «إقرار هذا الصندوق لا يحتاج إلى تعديل دستوري؛ إذ إن هناك مؤسسات عامة ومرافق عدة أُنشئت بموجب قوانين».
خشية الخصخصة
أما الباحث الاقتصادي والمالي الدكتور محمود جباعي، فيرى أن «الأساس بالصندوق الائتماني هو تحديد كيفية إدارته، فإذا تم ذلك من قِبل القطاع العام سنقع في المشكلة نفسها التي نتخبط فيها اليوم، أما إذا أقمنا شراكة بين القطاعين العام والخاص فسيصبح هناك إدارة تؤدي لتنشيط الإنتاج وتمنع المحسوبيات والفساد وترفع إيرادات الدولة وتدفع قدماً عجلة الاقتصاد المحلي؛ ما ينعكس إيجاباً أيضاً على كل الوضع النقدي وعلى أموال المودعين»، لافتاً في تصريح ل»الشرق الأوسط» إلى أن «الخشية هي ألا تكون الخصخصة حقيقية كما هو حاصل اليوم في عدد من القطاعات، حيث هناك خصخصة مع احتكار».
ويعدّ جباعي أن التفاؤل يبقى محدوداً بطروحات مثل الصندوق الائتماني أو السيادي، إذا كانت القوى نفسها التي أدارت وزارات الدولة طوال السنوات الماضية هي نفسها ستدير هذه الصناديق».