عودة النازحين «طبخة بحص» والاتصال اللبناني بدمشق لرفع العتب!

سوريا تربطها بإنهاء «الاحتلالين» الأميركي والتركي لأراضيها

الرئيس نجيب ميقاتي مجتمعاً مع وزير المهجرين عصام شرف الدين والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد مصطفى (دالاتي ونهرا)
الرئيس نجيب ميقاتي مجتمعاً مع وزير المهجرين عصام شرف الدين والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد مصطفى (دالاتي ونهرا)
TT

عودة النازحين «طبخة بحص» والاتصال اللبناني بدمشق لرفع العتب!

الرئيس نجيب ميقاتي مجتمعاً مع وزير المهجرين عصام شرف الدين والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد مصطفى (دالاتي ونهرا)
الرئيس نجيب ميقاتي مجتمعاً مع وزير المهجرين عصام شرف الدين والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد مصطفى (دالاتي ونهرا)

سرعان ما تضاءلت الآمال المعقودة على أن الاجتماع الموعود بين وزير الخارجية والمغتربين اللبناني عبد الله بوحبيب ونظيره السوري فيصل المقداد سيمهّد الطريق أمام وضع جدول زمني لإعادة النازحين السوريين إلى ديارهم كما كان يتمنى وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين الذي حاول أن يوحي مراراً بأن تعطيل عودتهم يقع على عاتق الحكومة اللبنانية التي لم تحسم أمرها بتشكيل الوفد الوزاري - الأمني للتفاوض مع الحكومة السورية لتنظيم عودتهم الطوعية والآمنة إلى بلداتهم وقراهم.

فالوزير شرف الدين، كما يقول وزراء في حكومة تصريف الأعمال لـ«الشرق الأوسط»، أخطأ في تقديره لحقيقة الموقف السوري وطحش مراراً لتشكيل الوفد بذريعة أن لبنان لم يقابل بالمثل استعداد النظام السوري لاستقبالهم، من دون أن يدرك حقيقة الموقف السوري على خلفية أن دمشق تربط عودة مواطنيها إلى ديارهم بتجاوب المجتمع الدولي مع مطالبتها بإعادة إعمار ما تهدّم في سوريا، محمّلة التحالف الدولي مسؤولية ما لحق بالبلدات والقرى السورية من دمار، بحجة أنه كان وراء الحرب المدمرة التي استهدفتها.

وزير المهجرين اللبناني عصام شرف الدين (يسار) خلال زيارته الأخيرة لدمشق مع وزير الإدارة المحلية السوري حسين مخلوف المكلف ملف النازحين (الوكالة الوطنية)

لكن إصرار الوزير شرف الدين على إعفاء النظام السوري من مسؤوليته بعدم تجاوبه مع الجهود الرامية لإعادة النازحين، لما يترتب على وجودهم العشوائي في لبنان من أثقال سياسية وأمنية واقتصادية لم يعد في مقدوره أن يتحمّلها في ظل تدهور أوضاعه على كافة المستويات، اصطدم برفض سوريا لعودتهم، وإلا لماذا قررت اللجنة الوزارية العربية التي تشكّلت بعد عودة سوريا إلى الجامعة العربية تجميد اجتماعاتها بالحكومة السورية نظراً لعدم تجاوبها مع خريطة الطريق التي رسمتها لإعادة تطبيع العلاقات العربية - السورية.

وفي هذا السياق، كشفت مصادر دبلوماسية عربية لـ«الشرق الأوسط» أن النظام السوري لم يقدّم التسهيلات الأمنية والسياسية المطلوبة لوقف «تصدير» الممنوعات، وعلى رأسها الكبتاغون، إلى دول الجوار من جهة، وامتناعه عن التجاوب مع المتطلبات المؤدية للانتقال بدمشق تدريجياً إلى مرحلة الدخول في الحل السياسي لإنهاء الحرب في سوريا.

ولفتت المصادر نفسها إلى أن النظام السوري يسعى باستمرار إلى رمي مسؤولية عدم استقباله للنازحين على عاتق المجتمع الدولي بذريعة عدم تجاوبه مع دعوته للمساهمة في إعمار سوريا، وكشفت المصادر أن البرنامج الذي كانت أعدّته سابقاً الحكومة السورية بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية لإعادة النازحين الذين لجأوا إلى لبنان، أصابته حالات من الخلل، لأن الأجهزة الأمنية السورية أصرت على التدقيق في اللوائح الخاصة بأسماء الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم، واستثنت منهم المئات لدوافع أمنية وسياسية، وقالت بأن ادعاء الأجهزة الأمنية السورية بعدم ملاحقتها للعائدين أمر طبيعي طالما أنها أخضعت اللوائح إلى تدقيق أمني وحذفت منها أسماء غير المرغوب فيهم بالعودة لدوافع أمنية وسياسية.

وقالت بأن النظام السوري ليس في وارد تقديم التسهيلات للحكومة اللبنانية في مقابل حجبها عن اللجنة الوزارية العربية، رغم أن لديه مصلحة في المضي بتطبيع علاقاته العربية بعد عودة سوريا إلى الجامعة العربية.

بدورها لفتت مصادر وزارية لبنانية إلى أنه لا مشكلة في التواصل بين بيروت ودمشق تحضيراً للزيارة التي يُفترض أن يقوم بها الوزير بوحبيب إلى دمشق على رأس وفد أمني يقتصر على المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري، وأمين عام المجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد مصطفى، بعدما تقرر تقنين الوفد. وقالت بأن الزيارة في حال حصولها تأتي في سياق رفع العتب، لأنه ليس لدى دمشق الجهوزية المطلوبة، ليس لاستقبال الموجة الأولى من النازحين إلى لبنان، وإنما لوقف تدفق الموجة الثانية منهم إلى الأراضي اللبنانية عبر سلوك الألوف منهم المعابر غير الشرعية، وتحديداً من المناطق الحدودية المتداخلة بين البلدين، خصوصاً أن الإجراءات التي يتولاها الجيش اللبناني لضبط الحدود ووقف حالات التسلُّل من الداخل السوري إلى لبنان لا تكفي ما لم تلقَ التجاوب المطلوب من الجيش السوري المرابط على طول الحدود بين البلدين.

واعتبرت المصادر نفسها أن لبنان يتعرض إلى موجة جديدة من «الاجتياح» السوري للبنان من خلال إبقاء الحدود السورية مشرّعة لتسهيل تسلّلهم إلى الداخل اللبناني، وقالت بأن لبنان يرزح حالياً تحت وطأة تراكم الأزمات المفتوحة على أزمة سياسية من نوع آخر تتعلق باختلال التوازن الذي يهدد تركيبته السياسية ويفتح الباب أمام اللعب بنسيجه الطائفي والسياسي، وهذا ما أخذ يشكل قلقاً قد يكون الجامع الوحيد للبنانيين، يُفترض أن يُصار إلى معالجته رغم الاختلاف الذي لا يزال يعطّل انتخاب رئيس للجمهورية.

لذلك، فإن زيارة بوحبيب إلى سوريا، في حال حصولها، لن تقدّم أو تؤخّر بكل ما يتعلق بعودة النازحين السوريين في ظل ارتفاع منسوب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع بالألوف من السوريين للتسلل إلى لبنان، وهذا ما يدعو للسؤال المشروع حول مصير الموجة الأولى من النازحين التي أُلحقت بها موجة جديدة عبر حالات التهريب المنظّم إلى الداخل اللبناني.

وعليه، فإن المحاولات اللبنانية لإقناع النظام السوري بإعداد برنامج لاستقبال النازحين، ما هي إلا «طبخة بحص»، لأن ما تطالب به دمشق يفوق قدرة لبنان على تلبيته بعد أن ألحق مطالبته المجتمع الدولي بإعادة إعمار سوريا بنداً جديداً يشترط فيه «إنهاء الاحتلالين» الأميركي والتركي للشمال السوري.


مقالات ذات صلة

​الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيراً جديداً بالإخلاء لمناطق في جنوب لبنان

المشرق العربي نار ودخان يظهران من موقع تعرض لقصف إسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

​الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيراً جديداً بالإخلاء لمناطق في جنوب لبنان

أصدر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي تحذيراً جديداً لإخلاء نحو 25 منطقة في جنوب لبنان وطالب السكان بالتوجه فوراً إلى شمال نهر الأولي

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي (رويترز)

ميقاتي يطالب «بالضغط على إسرائيل» لوقف إطلاق النار في لبنان

دعا رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، الأحد، إلى «الضغط على إسرائيل» من أجل «وقف إطلاق النار» بعد ليلة من الغارات العنيفة هزّت الضاحية الجنوبية لبيروت.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم العربي لبناني يشاهد الدخان يتصاعد من الضاحية الجنوبية لبيروت بعد قصف إسرائيلي (أ.ب)

30 غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية الليلة الماضية

شهدت الضاحية الجنوبية لبيروت ليل السبت - الأحد أعنف ليلة منذ بداية القصف الإسرائيلي، إذ استهدفت بأكثر من 30 غارة، سمعت أصداؤها في بيروت.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي تصاعد اللهب وسحب الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)

غارات إسرائيلية عنيفة «تشعل» الضاحية الجنوبية لبيروت

شن الطيران الإسرائيلي غارات عنيفة، ليل السبت-الأحد، على الضاحية الجنوببة لبيروت أدت إلى ارتفاع كرات ضخمة من اللهب من المواقع المستهدفة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عناصر من الجيش الإسرائيلي تغلق نفقاً وبنية تحتية لـ«حزب الله» في جنوب لبنان (موقع الجيش الإسرائيلي)

الجيش الإسرائيلي يغلق نفقاً طوله نحو 250 متراً عثر عليه جنوب لبنان

قال الجيش الإسرائيلي، السبت، إنه دمر نفقاً طوله نحو 250 متراً في منطقة جنوب لبنان، عثر بداخله على وسائل قتالية وأماكن إعاشة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

«من الحياة المريحة إلى الخراب»... قصة أسرة فلسطينية وعام من النزوح

الفلسطيني نعمان أبو جراد وأسرته (أ.ب)
الفلسطيني نعمان أبو جراد وأسرته (أ.ب)
TT

«من الحياة المريحة إلى الخراب»... قصة أسرة فلسطينية وعام من النزوح

الفلسطيني نعمان أبو جراد وأسرته (أ.ب)
الفلسطيني نعمان أبو جراد وأسرته (أ.ب)

قضى الفلسطيني نعمان أبو جراد وزوجته ماجدة وبناتهما الست العام الماضي بأكمله في نزوح على طول قطاع غزة، محاولين البقاء على قيد الحياة، في حين كانت القوات الإسرائيلية تلحق الدمار من حولهم.

وأدى القصف الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى نزوح 1.9 مليون من أصل 2.3 مليون فلسطيني من سكان القطاع، ومقتل أكثر من 41 ألف شخص، وفقاً لوزارة الصحة في غزة.

ومنذ بدء الحرب في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فرت أسرة أبو جراد سبع مرات، وانتقلت من «حياة الطبقة المتوسطة المريحة إلى الخراب»، وفقاً لوصفها.

وقال أبو جراد لوكالة أنباء «أسوشييتد برس»: «حياتنا الآن تختلف تماماً عن حياتنا في منزلنا في بيت حانون بشمال غزة. منزلنا كان مليئاً بالراحة والحب والعاطفة والأمان. كان المكان الذي يجتمع فيه الأحباء حول طاولة المطبخ أو على السطح في أمسيات الصيف وسط رائحة الورود وأزهار الياسمين».

وأضاف: «إن منزلك هو وطنك. كل شيء جيد في حياتنا كان في المنزل، كل شيء، الأسرة، والجيران، وإخوتي الذين كانوا حولي. إننا نفتقد كل ذلك».

قبل الحرب: حياة مريحة

كانت حياة أسرة أبو جراد في بيت حانون هادئة قبل الحرب. فقد كان أبو جراد يخرج كل صباح للعمل سائق تاكسي. وكانت زوجته تقضي معظم يومها في الأعمال المنزلية. وكانت أصغر بناتهما، لانا، قد بدأت الصف الأول الابتدائي، في حين أن هدى، التي تبلغ من العمر 18 عاماً، كانت في سنتها الأولى في الجامعة. أما أكبرهن، بلسم، فقد أنجبت طفلها الأول قبل بدء الحرب مباشرة.

7 أكتوبر: الهجوم

في صباح يوم 7 أكتوبر، سمعت الأسرة أخبار هجوم «حماس» على إسرائيل، الذي قُتل فيه نحو 1200 شخص واختُطف 250.

وأدركت الأسرة حينها أن الرد الإسرائيلي سيكون سريعاً وأن منزلهم، الذي يبعد نحو 2 كيلومتر فقط عن السياج الحدودي مع إسرائيل، سيكون على خط المواجهة.

وبحلول الساعة 9 صباحاً، حزم أبو جراد وزوجته وبناتهما وشقيقته ما في وسعهم وهربوا، حيث أصدر الجيش الإسرائيلي أحد أوامره الأولى بالإخلاء.

أدى القصف الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى نزوح 1.9 مليون شخص (أ.ب)

7 - 13 أكتوبر: الإقامة مع والدي الزوجة

مثل العديد من الأسر الفلسطينية التي نزحت من منازلها، حاولت أسرة أبو جراد في البداية البقاء بالقرب من البيت. وذهبوا للإقامة مع والدي الزوجة، في بيت لاهيا على بعد كيلومتر واحد.

وقالت الزوجة: «كان المكان مريحاً للغاية، لأكون صادقة. شعرت وكأنني في المنزل. لكننا كنا نعيش في خوف ورعب».

وبالفعل، تعرضت بيت لاهيا لقصف كثيف. على مدار الأيام الستة التي قضوها هناك، فقد قامت إسرائيل بـ9 غارات على البلدة على الأقل، مما أسفر عن مقتل العشرات.

واخترقت الشظايا خزانات المياه في منزل والدي الزوجة. وتحطمت النوافذ بينما تجمعت العائلة في الداخل، الأمر الذي دفع الأسرة للنزوح مرة أخرى.

13- 15 أكتوبر: اللجوء إلى المستشفى

توجهت الأسرة إلى مستشفى القدس للإقامة بها بعد ترك منزل أسرة الزوجة.

وكان المبنى ومحيطه مكتظاً بآلاف الأشخاص. ففي جميع أنحاء شمال غزة، لجأت الأسر إلى المستشفيات، على أمل أن يكونوا في مأمن.

ووجدت الأسرة مساحة صغيرة على الأرض، بالكاد يكفي للنوم ​​وسط الطاقم الطبي المحموم الذي يكافح مع الجرحى.

وقالت الزوجة: «كانت ليلة سوداء وكانت هناك ضربات إسرائيلية متواصلة، ورأينا القتلى والجرحى متناثرين على الأرض».

وفي اليوم التالي لوصولهم، أصابت ضربة إسرائيلية منزلاً على بعد بضع مئات من الأمتار من المستشفى، مما أسفر عن مقتل طبيب بارز وحوالي عشرين فرداً من عائلته، الكثير منهم من الأطفال.

وأمر الجيش الإسرائيلي جميع المدنيين بعد ذلك بمغادرة شمال غزة، مما أدى إلى توجه مئات الآلاف من الأشخاص جنوباً، من بينهم أسرة أبو جراد.

15 أكتوبر - 26 ديسمبر (كانون الأول): مدرسة مكتظة

سارت الأسرة 10 كيلومترات حتى وصلت إلى مدرسة إعدادية للبنات تديرها الأمم المتحدة في مخيم النصيرات للاجئين.

وكان كل فصل دراسي وممر مكتظاً بالعائلات القادمة من الشمال. ووجدت الأسرة مساحة صغيرة في فصل دراسي يضم بالفعل أكثر من 100 امرأة وطفل. وللحفاظ على الخصوصية، انتقل أبو جراد للعيش مع الرجال في خيام بالخارج، في ساحة المدرسة.

كان هذا مكان إقامتهم لأكثر من 10 أسابيع. كانت الزوجة وبناتها ينمن على الأرض، دون مساحة كافية حتى لتمديد أرجلهن. ومع حلول الشتاء، لم يكن هناك ما يكفي من البطانيات.

وقالت الزوجة إن الحمامات كانت أسوأ شيء في الأمر. فلم يكن هناك سوى عدد قليل من المراحيض التي يستخدمها الآلاف من الناس.

وأشارت إلى أن الاستحمام كان بمثابة «معجزة». فقد ظل الناس عاجزين عن الاستحمام لأسابيع. وانتشرت الأمراض الجلدية على نطاق واسع.

ويومياً، كانت البنات يذهبن عند الفجر للانتظار في الطوابير أمام المخابز القليلة الموجودة بالمنطقة، ويعدن بعد الظهر، وفي بعض الأحيان يحملن رغيف خبز واحداً فقط. وفي أحد الأيام، سار أبو جراد وبناته مسافة 5 كيلومترات إلى مدينة دير البلح، بحثاً عن مياه صالحة للشرب.

وقال أبو جراد: «لولا أهل دير البلح الطيبين الذين أشفقوا علينا وأعطونا نصف غالون من المياه، لكنا عدنا بلا شيء».

ومع استمرار الضربات، قررت الأسرة الذهاب إلى أبعد مدى ممكن، فساروا مسافة 20 كيلومتراً إلى رفح، في أقصى جنوب غزة.

26 ديسمبر - 14 مايو (أيار): الحياة في خيمة

ذاقت أسرة أبو جراد طعم العيش في خيمة لأول مرة في رفح، وقد أقامت خيمتها وسط عشرات الآلاف من الخيام على مشارف المدينة.

وقالت الزوجة: «في الشتاء، كان الأمر أشبه بالجحيم، حيث غمرتنا المياه. وكنا ننام على الأرض، لا شيء تحتنا، ولا أغطية».

وأضافت: «لم يكن لدينا المال لشراء الطعام من الأسواق، حيث ارتفعت الأسعار. وأصيبت بناتنا بنزلات البرد والإسهال، ولم تكن هناك صيدلية قريبة لشراء الدواء. وعشنا بالكامل على المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة من الدقيق وغيره من المواد الأساسية».

وقال أبو جراد: «كان شراء حبة طماطم أو خيارة أشبه بالحلم».

ومثل كثيرين غيرهم، كانوا يعتقدون أن رفح هي آخر مكان آمن في غزة. ولكنها لم تكن كذلك.

وفي الأسبوع الأول من شهر مايو، أمرت إسرائيل بإخلاء رفح بالكامل. ثم توغلت قواتها في المدينة. واشتد القصف.

وحاولت الأسرة البقاء لأطول فترة ممكنة هناك. ولكن غارة جوية ضربت مكاناً قريباً، فقتلت أربعة من أبناء عم أبو جراد وفتاة صغيرة.

أسرة فلسطينية تحمل أغراضها أثناء النزوح من قطاع غزة (أ.ب)

16 مايو - 16 أغسطس (آب): «منطقة إنسانية»

نزح أكثر من مليون شخص من رفح هرباً من الهجوم الإسرائيلي، وتفرقوا في جنوب ووسط غزة. وملأت الخيام شواطئ المدن والحقول والأراضي الفارغة وساحات المدارس والمقابر وحتى مكبات النفايات.

وتوجهت أسرة أبو جراد إلى المواصي، التي كانت في السابق بلدة ساحلية، بعد أن أعلنت إسرائيل إنها «منطقة إنسانية» ـ رغم قلة المساعدات أو الغذاء أو الماء.

وفي هذا المكان، كانت الأسرة تستخدم أكواماً من العصي لإشعال النار وطهي الطعام، واستخدموا دلواً من الماء للاستحمام من حين لآخر. وكان الصابون باهظ الثمن. وتسللت العناكب الكبيرة والصراصير والحشرات الأخرى إلى الخيمة.

16 - 26 أغسطس: الفرار إلى البحر

أجبرت غارة شنتها إسرائيل على بعد أقل من كيلومتر أسرة أبو جراد على النزوح مرة أخرى. وتوجهت الأسرة نحو ساحل البحر الأبيض المتوسط، دون أن تعرف أين ستقيم.

لكن، لحسن الحظ، وجدت الأسرة بعض المعارف في إحدى الخيام.

وقال أبو جراد: «باركهم الله، لقد فتحوا خيمتهم لنا وسمحوا لنا بالعيش معهم لمدة 10 أيام».

أواخر أغسطس: لا نهاية في الأفق

عندما عادت الأسر إلى المواصي، وجدت أسرة أبو جراد أن خيمتها قد سُرِقَت وأن طعامها وملابسها اختفت بالكامل.

ومنذ ذلك الحين، تتكرر الأيام دون أي جديد. وتجد الأسرة أن البقاء على قيد الحياة يفقد معناه في صراع يبدو أنه لا نهاية له.

وأصبح العثور على الطعام أكثر صعوبة مع انخفاض الإمدادات التي تدخل غزة إلى أدنى مستوياتها خلال الحرب.

أصبح العثور على الطعام أكثر صعوبة مع انخفاض الإمدادات التي تدخل غزة (أ.ب)

وتحلق الطائرات المسيرة الإسرائيلية فوق رؤوس الأسرة باستمرار، حيث يعيش الجميع في رعب وضغط نفسي مستمر.

وتحلم الأسرة بالعودة إلى منزلها. وقال أبو جراد إنه علم أن منزل شقيقه المجاور دُمر في غارة، وأن منزله تضرر، لكنه لا يعرف حجم الضرر الذي لحق به.