أنهت الاحتجاجات في السويداء شهرها الأول (الأحد) بزخم متصاعد، يتجه نحو مزيد من التنظيم، والإبداع الفني في اللافتات والأغاني المستقاة من روح التراث والهوية المحلية، مع التفاف أوسع حول الزعامات الروحية المؤيدة للحراك الشعبي، والرموز السياسية التاريخية، بما تعنيه من نضال ضد الاحتلال الأجنبي.
ودعت قرية «ذيبين» للمشاركة (الاثنين) بحفل رفع صور ضخمة لأبطال الاستقلال السوري 1946، على مدخل القرية، تضمنت صورة وزير الحربية يوسف العظمة شهيد معركة ميسلون 1920، وصورة الزعيم الوطني وقائد ثورة 1925 سلطان باشا الأطرش. وقال موقع «الراصد»، المعني بمتابعة الاحتجاجات في السويداء، إن رفع صور أبطال الاستقلال رسالة تؤكد رفض «أي وجود أجنبي على الأرض السورية»، وعلى النضال من أجل «سوريا واحدة موحدة مستقلة».
وواصل أهالي محافظة السويداء تجمعاتهم في الساحات صباحاً ومساءً رافعين لافتات مناهضة للحكومة في دمشق ولحزب «البعث» العربي الاشتراكي الحاكم في سوريا منذ 60 عاماً، مطالبين بالتغيير السياسي، وتطبيق القرار الأممي 2254، ورفع المحتجون لافتات ترفض الوجود الأجنبي على الأراضي السورية، بما فيه الاحتلال الأميركي، وذلك عقب الأنباء التي أفادت باتصال السيناتور الأميركي فرينش هيل بالشيخ حكمت الهجري يوم الجمعة.
وكان موقع «السويداء 24» قد أفاد في وقت سابق بأنه استفسر من مصدر مقرب للرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز حول اتصال هيل بالشيخ الهجري، وردّ المصدر بأن الاتصال حدث في سياق الوفود والاتصالات اليومية التي يستقبلها الشيخ الهجري، وأن هيل استفسر عن الأوضاع في السويداء وعموم سوريا، وأكد له الهجري «المطالب المحقة للشعب السوري، ورفض الظلم على كل السوريين، والتأكيد على العيش الكريم لكل السوريين في وطنهم، سوريا الموحدة».
وفي تطور لافت، كشف الإعلامي رفيق لطف، المقرب من الحكومة والميليشيات الإيرانية، عن استخدام الميليشيات الرديفة لقوات النظام مقرات حزب «البعث» مخازن للسلاح، وقال في فيديو تداولت وسائل التواصل الاجتماعي أجزاءً منه، تعقيباً على حادثة إطلاق النار على المتظاهرين في السويداء يوم الثلاثاء الماضي، إن إطلاق النار حدث على متظاهرين حاولوا اقتحام مقر الحزب بهدف الاستيلاء على السلاح المخزن فيه. وأضاف أن المقر كان به سلاح، لكن نُقل، وهو سلاح بكميات كبيرة. وقال لطف: «لا أخفيكم أن هناك كمية سلاح كبيرة في السويداء ودرعا، بحجة أنها مناطق حدودية مع إسرائيل»، لافتاً إلى أن السلاح نُقل إلى أماكن أخرى بعد اندلاع الاحتجاجات. وفي سياق آخر، ذكرت مصادر محلية في ريف دمشق عن قيام الميليشيات التابعة لإيران بنصب حواجز جديدة في محيط مقام السيدة زينب، جنوب العاصمة دمشق، وإغلاق بعض الطرق الفرعية بسواتر ترابية، ومنع دخول السيارات والدراجات النارية إلى محيط المقام، دون أن ترد معلومات حول أسباب تشديد الإجراءات الأمنية في تلك المنطقة التي تعد معقلاً للميليشيات التابعة لإيران وعائلاتهم.
اتصالات درزية - أميركية
وتناقلت صفحات محلية وناشطون في السويداء أنباءً عن اتصال بين مسؤول أميركي ورئاسة طائفة الموحدين الدروز بالسويداء، ممثلة بالشيخ حكمت الهجري قبل أيام قليلة، في وقت يستقبل الشيخ الهجري وفوداً واتصالات شبه يومية محلية وإقليمية ودولية، للوقوف على الأوضاع التي تعيشها محافظة السويداء والمنطقة، بحسب ما أفادت شبكة «السويداء 24».
وتتكرر مؤخراً مشاهد الزيارات والوفود التي تصل منازل المرجعيات الدينية بالسويداء، والتي تعرف محلياً بـ«مضافة الشيخ»، مثل مضافة الشيخ حكمت الهجري والشيخ حمود الحناوي، ويبدو أن الشارع بالسويداء يريدها أن تتحمل زمام الأمور، حتى لو كان هذا ليس خيارها (المرجعيات الدينية). في الوقت الذي بدت المشيخة في بياناتها ولقاءاتها الأخيرة أكثر قرباً من الناس وهمومهم، ورغم لغة البيانات المحايدة والممسكة للعصا من المنتصف، إلا أنها كانت أكثر حدة من سابقاتها، وتميز بهذا الخطاب الشيخ حكمت الهجري الذي أيّد مطالب المحتجين بالحياة الكريمة.
موقف المرجعية الدينية بالسويداء كان جديداً بنسبة للنظام السوري، الذي اعتاد أن تكون مشيخة العقل خارج الدور السياسي، وبقيت على الحياد لسنوات، باعتبار أنها مرجعية دينية لا تتدخل بالشأن السياسي.
وفي حين كان موقف السويداء يتسم بالمهادنة مع النظام السوري منذ بداية الحدث السوري في عام 2011، ورغم مرور هذه العلاقة بمجموعة من المنحنيات التي تراوحت بين الصدام أحياناً، والصمت أمام أحداث هزت المحافظة في أحايين كثيرة، بقيت السويداء محافظة على صلابتها في مواقفها.
لكن التصعيد الحاصل على المستويين الشعبي من قبل الأهالي والديني من قبل المرجعية الدينية في الأحداث الأخيرة بالسويداء، أوجدت النظام السوري أمام اختبار لم يعهده من قبل في المحافظة، فثمت احتجاجات مستمرة، ومبانٍ حكومية أغلقت، أضف إلى ذلك رفع المتظاهرين شعارات سياسية كإسقاط النظام.
جاء ذلك في سياق أزمة اقتصادية كبيرة، يمر بها عموم البلاد، أدت إلى تردي الوضع المعيشي وهبوط كبير لقيمة الأجور والرواتب أمام غلاء السوق، وزادت من حدتها أزمات أمنية، كان لمجموعات مدعومة من الأجهزة الأمنية النصيب الأكبر، وما ضاعف من عملية فرز المواقف في السويداء عجز النظام عن إدارة أزمتها حتى اليوم.