كركوك تفتح سجالاً بين بغداد وأربيل حول المستحقات المالية

صورة نشرها مكتب مسعود بارزاني من استقباله رئيس تحالف السيادة السني خميس الخنجر (تلغرام)
صورة نشرها مكتب مسعود بارزاني من استقباله رئيس تحالف السيادة السني خميس الخنجر (تلغرام)
TT

كركوك تفتح سجالاً بين بغداد وأربيل حول المستحقات المالية

صورة نشرها مكتب مسعود بارزاني من استقباله رئيس تحالف السيادة السني خميس الخنجر (تلغرام)
صورة نشرها مكتب مسعود بارزاني من استقباله رئيس تحالف السيادة السني خميس الخنجر (تلغرام)

عادت الحكومة الاتحادية في العراق إلى إحكام سيطرتها ثانية على مركز مدينة كركوك غداة زيارة وفد عسكري برئاسة رئيس أركان الجيش، لكن أزمة كركوك فجرت سجالاً جديداً - قديماً بين بغداد وأربيل حول الالتزامات المتبادلة بشأن الموازنة المالية.

وجرى تأجيل مظاهرة أمس (الخميس)، التي كان يعد لها أنصار للحزب الديمقراطي، على وقع الانتشار الأمني الكثيف في المدينة وأطرافها ومع وصول الوفد العسكري.

من جانب آخر، واصلت بغداد صمتها على دعوات الحزب الديمقراطي الكردستاني بتشكيل لجنة محايدة لتبيان أسباب ما حصل في كركوك، وبدا أنها تهدئة بين الطرفين جاءت عن طريق وسيط حزبي لا حكومي، وهو رئيس تحالف السيادة السني خميس الخنجر.

ولا يحمل الخنجر صفة رسمية من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أو ائتلاف إدارة الدولة. وعلى ما يبدو، فإن وساطته تكللت بنجاح نسبي، عبرت عنه بيانات القادة الذين التقى بهم في إقليم كردستان.

في الأثناء، طالب الحزب الديمقراطي الكردستاني بالتحقيق في أحداث كركوك في سياق تكريس للتهدئة في كركوك، نائياً بذلك عن أي محاولة لخرق الهدنة. ومنها المظاهرة التي كان متوقعاً حصولها يوم الخميس الماضي.

لجنة محايدة

وطالب الحزب، في بيان، تشكيل لجنة محايدة للتحقيق بأسباب رفض بعض الأطراف عودة الحزب إلى كركوك، وما ترتب على ذلك من أحداث.

وطبقاً للبيان، فإن اللجنة «تضم ممثلاً عن حكومة إقليم كردستان، وممثلاً عن الحكومة الاتحادية للتحقيق في القضية، لتحديد أسباب صنع العوائق أمام تنفيذ قرار رئيس وزراء الحكومة الاتحادية، وتقديم المحرضين إلى العدالة».

وشدد أيضاً على «تقديم من أصدر أوامر إطلاق النار، ومن أطلقوا النار، إلى المحكمة، وتعويض ذوي الضحايا والجرحى والمتضررين».

وحثّ المكتب السياسي الحكومة الاتحادية على «اتخاذ القرارات على أساس التوازن والتوافق والشراكة، وأن يكون دور وتمثيل المكونات السياسية أساسياً في القرارات المصيرية».

حكومة السوداني تلوم الإقليم

وفي أول ردّ حكومي رسمي على مواقف القادة الكرد في أربيل، سواء بشأن كركوك أو الالتزامات المتبادلة، أكد المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي، الجمعة، أن الحكومة نفذت التزاماتها المالية كاملة تجاه الإقليم.

وقال العوادي، في بيان، إن «الحكومة الاتحادية حريصة على حقوق المواطنين في إقليم كردستان كحرصها على حقوق المواطنين في سائر المحافظات»، مردفاً بالقول إنّ «الالتزام بالقوانين الفيدرالية والاتفاقات المبرمة، في ظل الدستور، أقصر طريق لاستكمال التحويلات المالية وتعزيز الثقة».

وذكر أيضاً: «كما أوجب تسليمها قانون الموازنة الاتحادية، وبرغم عدم التزام حكومة الإقليم، أخذت الحكومة الاتحادية قراراً بعدم تحميل المواطنين العراقيين هناك جريرة عدم الالتزام، وعملنا بما يسمح به القانون بإقراض الإقليم لحين حسم مشكلاته المالية أصولياً». وقال إن «حكومة الإقليم لم تسلم حكومة الإقليم الإيرادات النفطية وغير النفطية».

داخل الصندوق

في هذا السياق، يرى القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، محمود خوشناو، أن «المشكلة تكمن في أن الجميع يفكرون داخل الصندوق، لا خارجه، وكأنما نعيش منذ عقود حيث كانت الخلافات بأدوات قديمة، والآن بأدوات جديدة»، مبيناً أن «كل الأطراف متمسكة بنفس الصيغ القديمة، حيث يطغى البعد القومي والبعد الطائفي. وحب السيطرة والنفوذ هو المهيمن على الذهنية السياسية في العراق، سواء على المستوى الاتحادي أو على مستوى إقليم كردستان».

ويضيف خوشناو لـ«الشرق الأوسط» أن «الضغط الإقليمي موجود كذلك، وآخر ذلك ما أعلنه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي وجّه رئيس الاستخبارات بشأن كركوك، وهو تدخل في شأن محلي عراقي». وأوضح أن «الدستور لا ينفذ في كركوك، بدءاً من المادة 140 والمواد الأخرى، لأسباب تتعلق بالأجندات السياسية، سواء أكانت الداخلية أم الخارجية، وربما كركوك الآن تستخدم كمنطقة رخوة لافتعال أزمة جديدة بالعراق، وهو حذرنا منه نحن في الاتحاد الوطني، لأن هناك معلومات بهذا الشأن، وهو ما يتطلب منا جميعاً ترك الصيغ القديمة وانتهاج صيغ جديدة للحل».

ويقول الأكاديمي وأستاذ الإعلام، الدكتور غالب الدعمي، إن «استخدام حصة الإقليم المالية لغرض تصفية حسابات مع شعب عراقي، هم الكرد، أمر غير صحيح، وبالتالي يتطلب من بغداد تسديد حصة كردستان من الموازنة المالية التي أقرها مجلس النواب».

وأكد الدعمي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «في قضية كركوك تحديداً لا ينبغي أن تكون أملاك الدولة عرضة للخلافات بين الجهات السياسية. وبالتالي، يجب احترام إجراءات الدولة في هذا السياق، عبر منع سيطرة الأحزاب السياسية على ممتلكات الدولة، بمن فيها تلك التي خصصت في النظام السابق». وتابع أنه «إذا كانت الأملاك في كركوك ملكاً للدولة، يجب أن تعود للدولة، مثلما حصل في محافظات الوسط والجنوب، باستثناء ما خصصه النظام السابق من مقرات لأجهزته القمعية، فيمكن أن تعود إلى كردستان، أو أي جهة تدعي ملكيتها». وأوضح أن «المشكلات التي تحصل حالياً ليست في صالح البلاد، لأن الأوضاع ليست مستقرة، وهو مؤشر سلبي ينبغي الالتفات إليه، علماً أن الحكومة ليست مسؤولة عن محاولات تقويض عدم الاستقرار. لذلك، فإن محاولات إضعاف الدولة مقصودة».


مقالات ذات صلة

تركيا تسقط مسيّرات تابعة لـ«العمال الكردستاني» شمال العراق

شؤون إقليمية جنود أتراك مشاركون في عملية «المخلب - القفل» شمال العراق (وزارة الدفاع التركية)

تركيا تسقط مسيّرات تابعة لـ«العمال الكردستاني» شمال العراق

قالت وزارة الدفاع التركية إن القوات المشاركة في عملية «المخلب - القفل» شمال العراق أسقطت مسيّرات تابعة لحزب العمال الكردستاني (المحظور) وقتلت 11 من عناصره.

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
المشرق العربي عناصر من «البيشمركة» يتموضعون تحت صورة لمسعود بارزاني في كركوك (أرشيفية - إ.ب.أ)

حكومة كركوك الجديدة تواجه المقاطعة السياسية

أعلنت أحزاب تمثّل العرب والكرد والتركمان مقاطعتها مجلس محافظة كركوك، الذي سيعقد يوم غد (السبت) أول اجتماع بعد انتخاب محافظ جديد للمدينة.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي لقطة من مقطع فيديو يظهر أنقاض مبنى في سكينية شمال العراق الذي تعرض لغارة جوية عام 2021 (رويترز)

تركيا: تحييد 16عنصراً من «العمال الكردستاني» شمال العراق

أعلنت وزارة الدفاع التركية «تحييد» 16 عنصراً من تنظيم «حزب العمال الكردستاني» (بي كيه كيه) شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
شؤون إقليمية وزيرا الدفاع العراقي والتركي يوقّعان مذكرة تفاهم لإنهاء خطر «العمال الكردستاني» (إكس)

العراق وتركيا يوقعان مذكرة «بالأحرف الأولى» لمحاربة «العمال»

أكدت تركيا والعراق رغبتهما في تعزيز علاقاتهما بمختلف المجالات، وفي مقدمتها التنسيق الأمني ومكافحة التنظيمات الإرهابية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
شؤون إقليمية لقطة من مقطع فيديو يُظهر أنقاض مبنى في شمال العراق بعد تعرّضه لغارة جوية عام 2021 (رويترز)

تركيا تعلن مقتل 17 مسلّحاً كردياً بضربات جوية شمال العراق

قالت وزارة الدفاع التركية، الاثنين، إن الجيش نفّذ ضربات جوية في شمال العراق أسفرت عن «تحييد» 17 عضواً بحزب العمال الكردستاني المحظور بتركيا.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)

طريق «أبيض - أبيض» تربط محافظتَي الحسكة والرقة بمناطق نفوذ دمشق

تصل «طريق أبيض» إلى بلدة الطبقة ونقطة العبور إلى المناطق الخاضعة للنظام والداخل السوري (الشرق الأوسط)
تصل «طريق أبيض» إلى بلدة الطبقة ونقطة العبور إلى المناطق الخاضعة للنظام والداخل السوري (الشرق الأوسط)
TT

طريق «أبيض - أبيض» تربط محافظتَي الحسكة والرقة بمناطق نفوذ دمشق

تصل «طريق أبيض» إلى بلدة الطبقة ونقطة العبور إلى المناطق الخاضعة للنظام والداخل السوري (الشرق الأوسط)
تصل «طريق أبيض» إلى بلدة الطبقة ونقطة العبور إلى المناطق الخاضعة للنظام والداخل السوري (الشرق الأوسط)

تمكنت سلطات «الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا» من إعادة افتتاح طريق رئيسية حيوية تربط محافظتَي الحسكة والرقة مع مناطق الداخل السوري، بإمكانات وجهود محلية، بعد توقف الطريق الرئيسية «إم4 (M4)» وخروجها عن الخدمة نهائياً بسبب التصعيد والقصف المتبادل بين الجيش التركي و«قوات سوريا الديمقراطية (قسد)»، في أعقاب سيطرة الجيش التركي وفصائل سورية مسلحة على مدينتَي رأس العين وتل أبيض في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وهي المنطقة التي باتت تُعرف بمنطقة عملية «نبع السلام».

«طريق أبيض» قديمة، وعمرها يتجاوز 70 سنة، وعندما أعيد افتتاحها مؤخراً، أُطلق عليها اسم «طريق أبيض - أبيض»، أو ما تُعرف محلياً بـ«طريق السلام»، وهي تصل محافظتَي الحسكة والرقة بمناطق ومحافظات الداخل السوري، وتمتد على طول 170 كيلومتراً؛ تبدأ من دوار حي الغويران جنوب الحسكة، حتى «باب بغداد» الأثري شرق الرقة، وتستمر حتى معبر بلدة الطبقة، مروراً بالرقة، ومنها تكمل نحو محافظتَي حماة وحمص عبر بلدة السلمية وسط سوريا.

وكان «معبر الطبقة» تحول إلى منطقة تماس تفصل مناطق سيطرة القوات الموالية للرئيس السوري، عن مناطق سيطرة «قسد» المدعومة من تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة الأميركية.

«باب بغداد» الأثري في المدخل الشرقي لمحافظة الرقة شمالاً (الشرق الأوسط)

يقول هفال ريدور، وهو أحد المسؤولين عن الدوريات الأمنية المنتشرة على هذه الطريق، إن قوى الأمن الداخلي، وبالتنسيق مع قيادة المرور لشمال شرقي سوريا، «نصبت 16 حاجزاً ونقطة تفتيش على طول هذه الطريق لتأمينها والتدقيق في هوية العابرين، ولدينا نقطة كل 10 كيلومترات»؛ نظراً إلى أن المناطق صحراوية مترامية الأطراف ومتداخلة مع مناطق سيطرة القوات التركية وفصائلها الموالية من جهتها الشمالية، ومناطق سيطرة النظام السوري من الجهة الجنوبية.

وأضاف المسؤول الكردي أن الحواجز «متعاونة مع كل الوافدين أو المسافرين بين مناطق الإدارة، فالغرض هو حماية أرواح وممتلكات الأهالي الذين يسلكون هذه الطريق الحيوية وتأمينها»، بعد أن أُغلقت طريق «إم4 (M4)» بشكل كلي أمام حركة المسافرين.

السوق المركزية لمدينة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة (الشرق الأوسط)

وتعدّ «طريق أبيض» طريقاً حيوية تربط مناطق نفوذ «الإدارة الذاتية» في شمال شرقي البلاد وأقاليمها السبعة الخاضعة لسيطرتها، حيث تصل مدينتَي الحسكة والرقة ببلدة الطبقة، وتشكل عقدة مواصلات تربط باقي مناطق الإدارة، وتتفرع منها طريق إلى بلدة عين عيسى في الرقة، ومنها إلى مدينتَي منبج وعين العرب أو «كوباني»، وفق تسميتها الكردية، الواقعتين في الريف الشرقي لمحافظة حلب، كما تتصل بالطريق التي تربط بلدات ريف دير الزور الشرقي بمركز مدينة دير الزور، ومناطق سيطرة القوات النظامية في الضفة الجنوبية من نهر الفرات.

«طريق أبيض» الرئيسية تربط محافظتَي الحسكة والرقة شمال شرقي سوريا بطول 170 كيلومتراً (الشرق الأوسط)

ويفضل سائقو السيارات المدنية والشاحنات التجارية وحافلات نقل الركاب بين الحسكة والرقة والعاصمة دمشق، استخدام «طريق أبيض» لسلامتها. يقول لقمان (58 سنة)، وهو سائق حافلة «بولمان» ينقل الركاب من مناطق الجزيرة السورية إلى دمشق: «نسلك هذه الطريق ليلاً ونهاراً لضمان سلامتنا وسلامة الركاب، وهي أسرع طريق بعد إغلاق طريق حلب ودير الزور، حيث تستغرق الرحلة من الحسكة إلى دمشق نحو 16 ساعة»، بعد أن كانت هذه الرحلة تستغرق 24 ساعة؛ أي يوماً كاملاً في أوقات سابقة.

لافتة مرورية على «جسر الرشيد» بالرقة تشير إلى مناطق الداخل السوري (الشرق الأوسط)

ووفق «مركز جسور للدراسات»، تسيطر القوات النظامية على نحو 75 في المائة من الشبكة الطرقية في عموم سوريا، التي تُقدّر بـ53431.4 كيلومتر، بطول هو الأكبر مقارنة مع بقية أطراف النزاع.

أما «قسد» فتسيطر على نحو 16 في المائة من الشبكة الطرقية، بطول 11581.4 كيلومتر، فيما تسيطر فصائل المعارضة المسلحة و«هيئة تحرير الشام» على 12 في المائة من الشبكة الطرقية، بطول هو الأصغر ويقدّر بـ8842.4 كيلومتر.

لافتة مرورية تشير إلى مدينة حلب شمال سوريا على «طريق أبيض»... (الشرق الأوسط)

يذكر أن «طريق أبيض» يعود تاريخها إلى خمسينات القرن الماضي، وكانت طريقاً رئيسية تربط محافظتَي الحسكة والرقة، لكنها خرجت عن الخدمة بعد دخول طريق «إم4 (M4)» الخدمة، وكانت تصل محافظة حلب شمالاً بمدينة القامشلي شرقاً، وكانت شرياناً اقتصادياً يصل سوريا بالعراق وتركيا وشواطئ البحر الأبيض المتوسط، وباتت اليوم شريطاً حدودياً فاصلاً ومنطقة تماس بين المناطق الخاضعة لفصائل «درع الفرات» و«نبع السلام» الموالية لتركيا من جهة، و«قسد» المدعومة من التحالف الدولي من جهة ثانية، والقوات النظامية المدعومة من روسيا من جهة ثالثة.