«غارة إسرائيلية» في القدس على سيارة تحمل كتباً مدرسية فلسطينية

«الحرب الصامتة» تستهدف الرواية والهوية… وهي جزء من حرب سيادية أوسع

إضراب الكلية الإبراهيمية الفلسطينية الخاصة ضمن إضراب شمل مدارس القدس الشرقية 2022 (أ.ف.ب)
إضراب الكلية الإبراهيمية الفلسطينية الخاصة ضمن إضراب شمل مدارس القدس الشرقية 2022 (أ.ف.ب)
TT

«غارة إسرائيلية» في القدس على سيارة تحمل كتباً مدرسية فلسطينية

إضراب الكلية الإبراهيمية الفلسطينية الخاصة ضمن إضراب شمل مدارس القدس الشرقية 2022 (أ.ف.ب)
إضراب الكلية الإبراهيمية الفلسطينية الخاصة ضمن إضراب شمل مدارس القدس الشرقية 2022 (أ.ف.ب)

بدأت إسرائيل حربا استباقية على المنهاج الفلسطيني في مدارس القدس قبل بداية العام الدراسي المفترض أن ينطلق رسميا يوم الأحد المقبل.

واعترض رجال أمن إسرائيليون سيارة في القدس الخميس، كانت في طريقها إلى إحدى مدارس البلدة القديمة، وصادروا الكتب المدرسية ثم اعتقلوا السائق وأحد موظفي المدرسة، في عملية بدت كأنها مطاردة لسيارة أسلحة أو مخدرات أو أي بضاعة مهربة أخرى.

وقال ناطق إعلامي باسم محافظة القدس إن رجال مخابرات إسرائيليين أوقفوا سيارة كانت تنقل كتبا فلسطينية لإحدى المدارس، وصادروها جميعا ثم اعتقلوا ركاب السيارة.

ووصف الناطق ما جرى بأنه اعتداء على حق الفلسطينيين في التعليم واختيار مناهجهم الخاصة.

وطالبت محافظة القدس، وهي المحافظة التي تمثل السلطة الفلسطينية ولا يسمح لها بالعمل في القدس، في بيان المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان بالتصدي لهذه الجرائم العنصرية بحق التعليم في القدس. ودعت المقدسيين إلى التصدي لهذه الجرائم ورفض تسلم مناهج مزورة ومزيفة ومحرفة تحاول سلطات الاحتلال فرضها على أبنائنا في مدارسنا الوطنية.

وحذرت المحافظة من سعي «القوة القائمة بالاحتلال» إلى تهويد المناهج والمدارس العربية في القدس وقالت إنها لن تسمح بذلك.

وتدعم السلطة الفلسطينية تدريس المنهاج الفلسطيني في القدس وتوفره للطلاب، لكن تدخلها «محدود للغاية».

غارة على الكتب

والغارة الإسرائيلية على سيارة الكتب المدرسية الفلسطينية تعطي انطباعا حول شكل العام الدراسي الذي تنتظره مواجهة ساخنة بالنظر إلى تركيبة الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، والتي أطلقت خطة ضخمة من أجل تعزيز السيادة الإسرائيلية على المدينة المقدسة.

وتدخل المناهج التعليمية الفلسطينية في صلب الصراع الكبير الذي يتخذ أشكالاً مختلفة بين الطرفين في القدس، سياسية واقتصادية وأمنية، وعلى الأرض، وهو صراع قديم على «الرواية».

احتجاج على موضوع عن هيئة الأسرى الفلسطينيين

واستخدمت إسرائيل كل الوسائل الممكنة من أجل السيطرة على نظام التعليم في القدس (الشرقية) التي تعتمد مدارسها (نحو 150 مدرسة) المنهاج الفلسطيني لما يقرب من 110 آلاف طالب يدرسون في مدارس متنوعة تخضع لإدارات متعددة، فلسطينية وخاصة وبلدية ومعارف و«أونروا».

ورغم أن السلطات الإسرائيلية استسلمت منذ احتلال الشق الشرقي للقدس عام 1967 أمام العصيان المقدسي، آنذاك، ضد إدخال المناهج الإسرائيلية إلى مدارس المدينة، لكنها لم تتوقف لاحقا عن محاولات «أسرلة» النظام التعليمي، مؤمنة بضرورة السيطرة على «الرواية» وهي محاولات أصبحت شرسة أكثر.

والعام الماضي، أجبرت السلطات الإسرائيلية مدارس في القدس على إلغاء تدريس المنهاج الفلسطيني، وفرضت عليها منهاجا معدلا بعد جولات من المواجهة شملت سحب الترخيص الدائم من 6 مدارس في القدس، وهي مدارس «الإيمان»، بحجة «التحريض في الكتب المدرسية» والتهديد بإغلاق أخرى إذا ضبطت وهي تدرس المنهاج الفلسطيني.

وفي رسالة صارمة، أرسلتها وزارة المعارف الإسرائيلية إلى جميع المدارس في القدس، خيرتهم بين تصحيح المناهج الفلسطينية أو الإغلاق، وأرفقت نسخا من كتب تحوي ما اعتبرته «تحريضا»، مثل دروس تتحدث عن الأسرى الفلسطينيين، ومنع الجيش الإسرائيلي سيارات إسعاف فلسطينية من أداء عملها، وحول أزمة المياه التي تسببها السيطرة الإسرائيلية على منابع المياه الفلسطينية، وبعض الدروس التي تعالج نكبة عام 1948 عندما احتلت إسرائيل 77 في المائة من فلسطين ونفذت مجزرة بحق الفلسطينيين ودمرت 531 قرية فلسطينية وتسببت في هجرة مليون فلسطيني ونكسة 1967.

حذف أشعار وآيات

والحرب على المنهاج الفلسطيني قديمة، وبدأت قبل حوالي عقد من الزمن بحذف شعار السلطة الفلسطينية من الكتب، ثم حذف بعض الآيات ونصوص مكتوبة وأخرى شعرية شملت أشعارا للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، وصفتها بلدية القدس بـ«مواد تحريضية»، قبل أن يتم فرض التقويم الأكاديمي «اليهودي».

وفي أحد الأعوام عممت وزارة المعارف وبلدية الاحتلال كتابا رسميا على مديري المدارس طالبت فيه بعدم تدريس كتاب «التنشئة الوطنية والاجتماعية» للصف الثالث الابتدائي، وسحبه من الطلبة، وتبين لاحقا أن الاعتراض على الكتاب كان بسبب وحدة دراسية بعنوان «أحب وطني فلسطين» وتشتمل على تعليم الطلاب النشيد الوطني الفلسطيني، ومعلومات عن مدينة القدس بصفتها عاصمة فلسطين، وتفاصيل عن إعلان الاستقلال.

غلاف كتاب الحرب الصامتة في المدارس تأليف أهالي طلبة مدارس الإيمان

صفحة من كتاب أصدره أهالي الطلبة

والحرب الصامتة عنوان كتاب أطلقه أولياء الأمور يرصد التعديلات الإسرائيلية على المنهاج الفلسطيني في القدس.

وقال طارق العكش المسؤول في لجنة أولياء الأمور في مدارس الإيمان «إن الحرب الصامتة على التعليم هنا تستهدف الهوية، وتستهدف الوعي». مضيفا لـ«الشرق الأوسط»: «إنها حرب على الوعي». ويرى العكش أنهم «يريدون أن يحولوا المقدسيين من أنداد إلى عبيد. من شعب يعتز بهويته إلى شعب مستعبد». والحرب الصامتة عنوان كتاب أطلقه أولياء الأمور في مدارس الإيمان قبل أيام قليلة يرصد التعديلات الإسرائيلية على المنهاج الفلسطيني في القدس والتي تستهدف «كي الوعي» كما قال العكش الذي أكد أن «المعركة مستمرة ولها ما بعدها ولن نقبل أن نستسلم»

وتستند إسرائيل في حربها على المدارس، بالإضافة إلى كونها الجهة المسيطرة على المدينة، إلى حاجة المدارس في المدينة بشتى أنواعها لدعم مالي أو ترميم أو مساعدات أو توظيف معلمين، وتقوم بالمساومة. وتخضع 70 في المائة من المدارس تحت سيطرة المؤسسة الإسرائيلية، 45 في المائة تابعة لها، و25 في المائة يجري تمويلها من المعارف الإسرائيلية.

الدبلوماسيون الدوليون خلال زيارتهم مدرسة «الأونروا» في جنين

وتوجد في القدس 5 أنواع من المدارس: مدارس تابعة للبلدية ومدارس خاصة ومدارس تابعة للسلطة معروفة بمدارس الأوقاف ومدارس المقاولات التي تمولها المعارف كليا، ومدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا). وتريد إسرائيل من جميع هذه المدارس الخضوع لشروطها.

والعام الماضي قاومت مدارس الضغوط ونفذ معلمون وطلاب وأهاليهم في القدس عدة وقفات تحت عنوان «لن ندرس أبناءنا إلا المنهاج الفلسطيني» وقاموا بتوزيعه على الطلاب متحدين إسرائيل. لكن إسرائيل لجأت إلى التهديد المباشر بإغلاق المدارس وشنت غارات عليها وقامت بتفتيش حقائب الطلبة كذلك.

والحرب على المناهج الفلسطينية ليست مقتصرة على القدس، بل أيضا في الضفة الغربية وقطاع غزة، باعتبار أنها «تحريضية».

إضراب شهدته مدارس القدس في سبتمبر 2022 رفضا لأسرلة المناهج (وفا)

ويرى الدكتور غسان الخطيب، أستاذ الدراسات الدولية في «جامعة بيرزيت» أن المسألة متعلقة بالأساس بالرواية. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «إنه صراع على الرواية... إنهم ينكرون علينا روايتنا، ويريدون منا أن نتبنى روايتهم للصراع».

وخلال سنوات ماضية، أرسلت إسرائيل للدول والأمم المتحدة صورا من المنهاج لجرافة إسرائيلية تقتلع شجرة زيتون، ورصدت أسئلة في الرياضيات حول أعداد «الشهداء» وخرائط لم يُذكر فيها اسم إسرائيل. وقدم باحثون إسرائيليون ومنظمات دولية خلال سنوات طويلة دراسات مختلفة لدعم هذه الرواية الرسمية الإسرائيلية.

وفي أوقات متفرقة، قدمت مراكز إسرائيلية شكاوى للاتحاد الأوروبي بوقف تمويل بناء مدارس تحمل أسماء «شهداء» فلسطينيين. وليس سرا أن إسرائيل نجحت أكثر من مرة في دفع الأميركيين والأوروبيين إلى مراجعة المناهج الفلسطينية، والضغط على السلطة الفلسطينية بشأنها، كما ضغطت من خلالهم على وكالة «أونروا» لاستبدال هذه المناهج في مدارسها في المخيمات في الضفة وغزة.

صحيح أن الفلسطينيين غيروا مناهجهم أكثر من مرة، وعانوا من قطع مساعدات بسببها، لكنهم قالوا إن المناهج الفلسطينية حتى الجديدة منها كانت وستبقى شأناً سيادياً بامتياز؛ لارتباطها الوثيق بالهُوية الفلسطينية والرواية الوطنية.

وقال معلمون لـ«الشرق الأوسط»: «المناهج في النهاية ليست كل شيء. في الطابور الصباحي، في الحصص المدرسية نعلمهم كل شيء عن فلسطين. نقول لهم ما لا تستطيع المناهج قوله».

اقرأ أيضاً


مقالات ذات صلة

تبرع آل ساويرس للجامعة الأميركية بالقاهرة يثير جدلاً «سوشيالياً»

المشرق العربي حرم الجامعة الأميركية بالقاهرة الجديدة (موقع الجامعة)

تبرع آل ساويرس للجامعة الأميركية بالقاهرة يثير جدلاً «سوشيالياً»

أثار الإعلان عن تبرع عائلة ساويرس، بمبلغ ضخم للجامعة الأميركية في القاهرة، جدلاً واسعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي في مصر.

محمد عجم (القاهرة)
آسيا فتيات أفغانيات في الطريق إلى المدرسة في كابل (متداولة)

«طالبان» تغلق المعاهد الطبية أمام النساء في أحدث القيود

أصدر بشكل فعال زعيم «طالبان» الملا هبة الله آخوندزاده توجيهاً جديداً يمنع النساء من الالتحاق بالمعاهد الطبية؛ ما يقطع فرص التعليم الأخيرة المتاحة أمام النساء.

«الشرق الأوسط» (كابل (أفغانستان))
يوميات الشرق التدهور المفترض للحالة العقلية أو الفكرية للشخص في العصر الحديث يحدث نتيجة الإفراط في استهلاك الإنترنت وفقاً لـ«أكسفورد» (أ.ب)

«تعفن الدماغ»... كلمة عام 2024 من جامعة أكسفورد

اختيرت كلمة «تعفن الدماغ» لتكون كلمة عام 2024 في «أكسفورد».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق تعليم ما قبل المدرسة يُشكل مرحلة حاسمة في حياة الأطفال (جامعة مونتريال)

التعليم في سن الرابعة يعزز اكتساب لغة ثانية

أظهرت دراسة كندية أن التعليم بسن الرابعة من خلال الالتحاق برياض الأطفال له تأثير كبير في تعزيز اكتساب الأطفال للغة ثانية

الخليج الرئيس التركي مستقبلاً سلطان عُمان بالقصر الرئاسي في أنقرة (الرئاسة التركية)

السلطان هيثم وإردوغان يبحثان العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية

اتفقت تركيا وسلطنة عمان على تعزيز علاقات الصداقة والتعاون فيما بينهما وأكدتا دعمهما لأي مبادرات لوقف إطلاق النار في غزة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

ما حدود الدعم العربي لسوريا بمواجهة الفصائل المسلحة؟

نازحون فروا من ريف حلب يركبون سيارة تحمل أمتعتهم بجوار إشارة طريق في حلب (رويترز)
نازحون فروا من ريف حلب يركبون سيارة تحمل أمتعتهم بجوار إشارة طريق في حلب (رويترز)
TT

ما حدود الدعم العربي لسوريا بمواجهة الفصائل المسلحة؟

نازحون فروا من ريف حلب يركبون سيارة تحمل أمتعتهم بجوار إشارة طريق في حلب (رويترز)
نازحون فروا من ريف حلب يركبون سيارة تحمل أمتعتهم بجوار إشارة طريق في حلب (رويترز)

اتصالات عربية مع دمشق تتواصل بشأن التطورات الميدانية في شمال سوريا، كان أحدثها مناقشات وزيري الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره السوري بسام صباغ، التي تناولت «سبل الدعم العربي للدولة السورية في ظل التطورات الأخيرة، خاصة في إطار جامعة الدول العربية» بعد سيطرة فصائل مسلحة على مناطق بمحافظتي حلب وإدلب.

مسؤول حكومي سوري، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، يؤكد «أهمية الاتصالات العربية السورية، وأن يشمل الدعم العربي، بخلاف إمكانية عقد اجتماعات بالجامعة العربية، عدم توفير ملاذات آمنة للإرهابيين وتقديم المعلومات ومساعدات عسكرية، سواء عبر خبراء أو بجهود منظمة كما حدث من قبل في الموصل»؛ في إشارة إلى تدخل دولي كالذي حدث سابقاً ضد تنظيم «داعش» الإرهابي في العراق.

تلك الاتصالات العربية - السورية تعد، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، الأكبر منذ 2011، وتتوافق بشكل مباشر على مساندة دمشق، متوقعين أن تحمل دعماً عبر مستويات سياسية وقانونية ودبلوماسية وإغاثية وإمكانية عقد اجتماع طارئ بالجامعة العربية. وأحد الخبراء استبعد التدخل العسكري العربي في ظل «عدم التوافق على هذه الآلية حالياً».

وعلى مدى الأيام الماضية، شنّت فصائل مسلّحة في شمال غربي سوريا، بقيادة «هيئة تحرير الشام»، هجوماً عسكرياً سيطرت خلاله على مناطق في محافظتي حلب وإدلب، خاضعة لسيطرة الحكومة، بعد أربع سنوات من الهدوء النسبي.

وتلقى عبد العاطي، الأربعاء، اتصالاً هاتفياً من صباغ «تناول آخر المستجدات والتطورات الميدانية في شمال سوريا، والتداعيات الوخيمة لهذه التطورات على أمن واستقرار سوريا والمنطقة بأسرها»، مجدداً «موقف القاهرة الثابت والداعم للدولة السورية وسيادتها ووحدة وسلامة أراضيها والأهمية البالغة لحماية المدنيين»، وفق بيان للخارجية المصرية.

وعن مستجدات المواقف العربية، قال مستشار مجلس الوزراء السوري عبد القادر عزوز، لـ«الشرق الأوسط» إن «المباحثات العربية - السورية مستمرة، وخاصة أن جميع الأشقاء العرب لهم دور كبير، لأن ما يحدث يهدد استقرار المنطقة وليس شأناً سورياً على الإطلاق»، موضحاً أنه «عندما تسيطر جبهة النصرة، فرع تنظيم (القاعدة)، على الشمال السوري، فهذا أمر يقوض الأمن والاستقرار، وسيجعل هناك تمكين أكبر للتنظيمات الإرهابية، وقد يحرك الخلايا النائمة في دول المنطقة».

ويعد هذا التحرك العربي الرسمي المباشر للدولة السورية، هو الأكبر منذ 2011، وفق تقدير الخبير في العلاقات الدولية، الدكتور بشير عبد الفتاح؛ في إشارة لمطالب الدول العربية بدعم استقرار الدولة ووحدة ترابها.

وبحث الاتصال الهاتفي بين وزيري خارجية مصر وسوريا أيضاً «سبل الدعم العربي للدولة السورية في ظل التطورات الأخيرة، خاصة في إطار جامعة الدول العربية»، وفق بيان صحافي للخارجية المصرية، الأربعاء، فيما أكد رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الأربعاء، في مؤتمر صحافي بالقاهرة «دعم مصر لدولة سوريا الشقيقة ووحدة أراضيها، في ضوء التحدي الراهن الذي تواجهه».

وبرأي مستشار مجلس الوزراء السوري عبد القادر عزوز، فإن «أشكال الدعم العربي بخلاف إمكانية عقد اجتماع بالجامعة العربية لبحث تقديم الدعم، تتمثل في تقديم المعلومات للدولة السورية، وعدم توفير ملاذات آمنة لهؤلاء الإرهابيين، وعدم السماح باستغلال الثروات السورية».

ولا يستبعد المسؤول السوري إمكانية أن «يصل الدعم للشكل العسكري، خاصة أن أحد صنوف مكافحة سيطرة الإرهاب على مدينة هو مواجهته عسكرياً، كما حدث في الموصل من قبل».

ويري نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور مختار غباشي، أنه قد يكون هناك اجتماع عربي طارئ بالجامعة العربية لدعم سوريا، غير أنه يرى أن الدعم الدبلوماسي لن يكون مفيداً بالشكل الذي يماثل وجود دعم حقيقي على الأرض بالمعدات العسكرية مثلاً.

وباعتقاد غباشي، فإن سوريا تريد دعماً حقيقياً عربياً لتأكيد عودتها التي تمت للجامعة العربية مؤخراً، بعيداً عن الحاضنة الإيرانية، وبالتالي تطورات الموقف العربي والدعم على الأرض هما الأهم حالياً، خاصة وأن الموقف شديد الخطورة، وقد «يجعل سوريا مختطفة مرة أخرى».

وعن إمكانية تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك، التي تم توقيعها عام 1950، استبعد عبد الفتاح وصول الأمر لدعم عسكري؛ لأنه «لا توجد أي آلية عربية واضحة لهذا الإطار، ولا يوجد توافق بهذا الخصوص»، مؤكداً أن «الدعم سيكون على جميع المستويات سواء السياسية والقانونية والدبلوماسية والإغاثية لوقف إطلاق النار ومنع التدخلات الخارجية».

ويرى «أهمية النظر للبعد الإنساني في سوريا، حيث هناك 7 ملايين نازح و16 مليوناً يحتاجون للمساعدات والتركيز على هذا الجانب مع التحرك في المسارات القانونية والدبلوماسية الأخرى ضد التدخلات الخارجية، والعمل على دعم وحدة التراب السوري وتمسك الدولة السورية ومؤسساتها، خاصة أن هناك تداعيات كبيرة للأزمة».

وخلال جلسة لمجلس الأمن بشأن التطورات السورية، الثلاثاء، أكد ممثل الجزائر لدى مجلس الأمن، عمار بن جامع، أنه لا يوجد حل عسكري للأزمة السورية، وطالب بضرورة التوصل إلى حل سياسي يحافظ على وحدة وسيادة سوريا.

وفي كلمته، وجه المندوب السوري لدى الأمم المتحدة قصي الضحاك، أصابع الاتهام إلى إسرائيل وتركيا قائلاً إن «الهجوم على شمال سوريا لم يكن من الممكن تنفيذه دون ضوء أخضر وأمر عمليات تركي إسرائيلي مشترك»، مطالباً بإلزام «الدول المشغلة لهذه التنظيمات» بالعدول عن سياساتها.

فيما أكدت نائبة السفير التركي لدى الأمم المتحدة سيرين أوزغور، خلال الجلسة، أن عودة النزاع للظهور مرة أخرى في سوريا تعكس التحديات العالقة. وقالت: «سوريا ستبقى في حلقة العنف دون إطلاق عملية حقيقية للمصالحة الوطنية»، مضيفة أن وجود التنظيمات «الإرهابية» في سوريا يقوض أمن تركيا، التي قالت إنها «ستواصل اتخاذ كل التدابير المطلوبة لحماية أراضيها ومصالحها».

وفي ظل تلك المتغيرات، حذر مستشار مجلس الوزراء السوري عبد القادر عزوز من «خطر إحياء تنظيمي (القاعدة) و(داعش)»، مطالباً «بتحرك عربي قبل فوات الأوان، وتهديد ذلك الخطر للمنطقة كلها».

ويتفق عبد الفتاح مع هذه المخاطر، قائلاً إن المشهد في شمال سوريا يحمل تداعيات خطيرة أبزرها عودة «داعش»، مثلما تحذر الولايات المتحدة، مع البيئة المتوفرة لظهور ذلك التنظيم الإرهابي مع هشاشة الحالة السورية، معتقداً أن تلك التداعيات قد تحمل ارتدادات سياسية واقتصادية وأمنية واسعة تهدد دول الجوار وتنقل اضطرابات لدول بالمنطقة.

وفي جلسة سرية للبرلمان العراقي، الأربعاء، أكد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني قدرة الأجهزة الأمنية على ضبط الحدود، ومنع أي اختراق أمني، في ظل التوترات السورية، وقالت مصادر برلمانية لـ«الشرق الأوسط»، إن «السوداني قدم عرضاً مفصلاً حول الوضع في سوريا، والاحترازات الأمنية التي يقوم بها العراق، خصوصاً على الحدود»، وأشارت إلى أن «رئيس الحكومة أكد انخراط الدبلوماسية العراقية في حوارات إقليمية ودولية لإعادة الاستقرار في سوريا».

وبرأي عبد الفتاح، فإن الموقف العراقي تحرك سريعاً منذ بداية الأحداث ولم ينتظر الموقف العربي، غير أنه غير متفائل بإمكانية إبداء الرئيس السوري أي تنازل في أي حوار مستقبلي قد يحدث.