«التقرير الجنائي» في حسابات «مصرف لبنان» يأخذ مساره القضائي

مصدر لـ«الشرق الأوسط»: مصير رياض سلامة يتقرر خلال أيام

من مظاهرة لمودعين لبنانيين يطالبون باستعادة أموالهم التي احتجزتها المصارف (أ.ف.ب)
من مظاهرة لمودعين لبنانيين يطالبون باستعادة أموالهم التي احتجزتها المصارف (أ.ف.ب)
TT

«التقرير الجنائي» في حسابات «مصرف لبنان» يأخذ مساره القضائي

من مظاهرة لمودعين لبنانيين يطالبون باستعادة أموالهم التي احتجزتها المصارف (أ.ف.ب)
من مظاهرة لمودعين لبنانيين يطالبون باستعادة أموالهم التي احتجزتها المصارف (أ.ف.ب)

سلك تقرير «التدقيق الجنائي» الذي أعدته شركة «ألفاريز ومارسال» مساره القضائي، عبر المطالعة القانونية التي أعدّها النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، وكلّف بموجبها كلّاً من النيابة العامة المالية والنيابة العامة الاستئنافية في بيروت وهيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان بـ«إجراء التحقيقات الخاصة كلّ ضمن اختصاصه وصلاحياته، واتخاذ المقتضى القانوني حيال ما أورده التقرير عن عمليات تزوير في حسابات مصرف لبنان، واستفادة شركة (فوري) من الأموال العامة من دون أن تقدّم أي خدمات للبنك المركزي».

وبيّنت مطالعة عويدات التي تلقت «الشرق الأوسط» نسخة عنها، أن «تقرير التدقيق الجنائي أظهر وجود تضليل في الاحتياطات بالعملات الأجنبية في مصرف لبنان، وعمليات تزوير في ميزانياته وفي الهندسات المالية وحسابات العمولات وتكلفة تشغيل البنك المركزي وغياب مفوض الحكومة لدى المصرف، والخلل في استعمال احتياطات البنك المركزي بالعملات الأجنبية ما بين عامي 2010 و2020».

وأكد مصدر قضائي بارز لـ«الشرق الأوسط»، أن «التقرير ستكون له تداعيات سريعة على رياض سلامة، الذي يتحمّل مع مديرين في المصرف وشركات التدقيق ولجان الرقابة على المصارف مسؤوليات ما آلت إليه حال البنك المركزي والإخفاقات في إدارة السياسة المالية والنقدية في البلاد».

وتحدّث المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، عن «عمليات تزوير فاضحة في حسابات البنك المركزي، خصوصاً ما يتعلّق بشركة (فوري) (يملكها رجا سلامة، شقيق رياض سلامة)، التي كسبت أموالاً طائلة من دون أن تقدّم أي خدمات لمصرف لبنان». وقال: «بعد صدور تقرير التدقيق الجنائي الذي ينقصه الكثير من التوضيحات، ويحتاج إلى استكمال، يمكن الجزم بأن رياض سلامة بات بوضع قانوني دقيق، وأن مصيره سيتقرر خلال الأيام القليلة المقبلة، خصوصاً على أثر جلسة استجوابه المقررة أمام الهيئة الاتهامية في بيروت الثلاثاء المقبل».

وأفادت مطالعة النائب العام التمييزي بأن مصرف لبنان «استعمل الاحتياط في العملة الأجنبية ما بين 2010 و2021 على النحو التالي: 18 مليار دولار ديون كهرباء لبنان، 6 مليارات دولار لوزارة الطاقة، و543 مليون دولار تحويلات لكهرباء لبنان، و8 مليارات دولار تحويلات للقطاع العام، و235 مليون دولار ديون القطاع العام، و7 مليارات دولار تمويل الدعم، و7 مليارات دولار تكلفة حركة (اليورو بوند)، و470 مليون دولار مدفوعات مصرف لبنان».

وطلب النائب العام التمييزي من الجهات القضائية المشار إليها «التوسّع بالتحقيق بما خصّ الهندسات المالية التي اعتمدها البنك المركزي وعمليات الاستفادة من تقديمات شخصية منحها الحاكم من الأموال المودعة بالبنك المركزي». وشدد على «ضرورة التحقيق بما ورد في تقرير التدقيق الجنائي عن مبلغ 111 مليون دولار تمّ توزيعه (من جانب رياض سلامة) على أشخاص مختلفين لم يؤت على ذكر أسمائهم». وطلب أن «يشمل التحقيق هذه الواقعة لكشف هويات الأشخاص والمؤسسات الذين استفادوا من هذه التقديمات والأسباب الكامنة وراءها ومدى ارتباطها بشركة (فوري) أو الحسابات العائدة لها وتحديد المعايير التي اعتمدت لذلك».

وكشفت المطالعة القانونية أن «أعضاء المجلس المركزي في مصرف لبنان انصاعوا لأوامر وإغراءات وحوافز حاكم مصرف لبنان السابق، ولم يقوموا واجباتهم الوظيفية، فيقتضي التوسع بالتحقيق معهم توصلاً لوصف أفعالهم، كما أن شركات التدقيق المالي لم تقم بواجباتها لإعطاء الصورة الحقيقية عن الوضع المالي، وبيان حقيقة الأزمة المالية في المصرف المركزي، ما يقتضي إخضاعها للتحقيق والمساءلة لمعرفة الحقيقة». واستشفّ عويدات من التقرير أن «اللجنة السابقة للرقابة على المصارف لم تواكب العمليات المجراة أو اللاحقة على سياسة المخاطر في المصارف المحليّة، ما ساهم في خسارة أموال المودعين».

وبانتظار أن تبدأ الهيئات القضائية تحقيقاتها، أمر عويدات بإبلاغ البرلمان اللبناني وديوان المحاسبة وهيئة التفتيش المركزي، نسخة عن مطالعته، لوضع المؤسسات المذكورة في صورة المسار القضائي لهذا الملفّ.



حي المزة 86 بدمشق... شاهد على حقبة الأسدين

بزات عسكرية وصور الأسدين ملقاة في موقع مخصص للقمامة في المزة 86 (الشرق الأوسط)
بزات عسكرية وصور الأسدين ملقاة في موقع مخصص للقمامة في المزة 86 (الشرق الأوسط)
TT

حي المزة 86 بدمشق... شاهد على حقبة الأسدين

بزات عسكرية وصور الأسدين ملقاة في موقع مخصص للقمامة في المزة 86 (الشرق الأوسط)
بزات عسكرية وصور الأسدين ملقاة في موقع مخصص للقمامة في المزة 86 (الشرق الأوسط)

في حي المزة جبل 86 غرب العاصمة دمشق، لا تزال أسماء كثير من المحال التجارية وبقالياته وساحاته العامة تذكّر بحقبة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، ووالده حافظ الأسد، حيث يدلك على ذلك: «مطعم الحافظ» أحد أبرز معالم هذا الحي، أما ساحات «العرين» و«الضباط» و«عروس الجبل»، فتذكّرك بأن هذه الأبنية المحيطة بها كانت مساكن لمسؤولين وضباط كبار، كانوا نافذين في أجهزة المخابرات والسلك الأمني، وأرهبوا السوريين على مدار خمسين سنة خلت، قبل فرارهم ليلة السقوط التاريخية.

في هذا الحي، بدت آثار القصف الإسرائيلي بارزة للعيان بعدما تعرض لعدة استهدافات، في حين أن شوارعه وأزقته الضيقة امتلأت بالبزات العسكرية ورتب لقيادات فرّت قبل وصول إدارة العمليات العسكرية وتحرير المنطقة من قبضتهم في 8 ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي.

حي مزة جبل 86 يعود إلى الهدوء النسبي (الشرق الأوسط)

هنا... التناقضات الصارخة بدت واضحة أثناء جولة «الشرق الأوسط» في منطقة غالبية سكانها كانت لوقت قريب موالية للرئيس السابق. يروي معاذ (42 سنة)، وهو من سكان الحي، كيف خلع غالبية الضباط وعناصر الأمن بزاتهم العسكرية وألقوها في الطرقات ليلة هروب الأسد: «الكثير منهم ألقوا أسلحتهم ورتبهم العسكرية في الشوارع وفروا إلى مناطقهم الأصلية في الساحل السوري».

يتبع حي المزة 86 إدارياً لمدينة دمشق، وهو عبارة عن كتل أسمنتية بُنيت بشكل عشوائي تتوسّط منطقتَي مزة فيلات غربية وأوتوستراد المزة وحي الشيخ سعد التجاري المعروف. وتعود ملكيته إلى أهالي المنطقة الدمشقيين الذين كانوا يعيشون في المزّة، وكانت المنطقة عبارة عن أحراش زراعية وصخور جبلية، أمّا القمم الممتدّة نحو جبل قاسيون، فقد استولت عليها وزارة الدفاع سابقاً، وأوعزت لعناصر الأمن والجيش ببناء منازل من دون شرط تقديم أوراق ملكية.

العلم السوري الجديد ينتشر على السيارات والمحلات في مزة جبل 86 بدمشق (الشرق الأوسط)

سليمان (30 عاماً) الذي يمتلك محلاً للحوم البيضاء والفروج، ويتحدر من مدينة جبلة التابعة لمحافظة اللاذقية الساحلية، قدم والده لهذا الحي في سبعينات القرن الماضي ليعمل مساعداً في الجيش.

يقول سليمان إنه يسمع أصوات إطلاق الرصاص كل مساء، أما دوريات الأمن العام فتجول الشوارع «بحثاً عن فلول النظام السابق والمطلوبين الذين يرفضون تسليم أسلحتهم. نخشى من الانتقامات ونريد العيش بأمان فقط».

حي مزة جبل 86 العشوائي (الشرق الأوسط)

وأخبر بأن الأسعار قبل 8 ديسمبر كانت فاحشة وخارج قدرة السوريين على الشراء، بعدما جاوز سعر كيلو الفروج 60 ألفاً، وطبق البيض 75 ألفاً، وأضاف سليمان: «بيعت البيضة الواحدة بمبلغ 2500 ليرة، وهي قدرة شرائية تفوق قدرة أي موظف في القطاع العام أو الخاص»، جراء تدني الرواتب وتدهور الوضع المعيشي في عموم البلاد.

على قارعة الطرق، مُزقت صور الرئيس الهارب ووالده حافظ الأسد، في حين ركنت السيارات العسكرية تنتظر تعليمات التسوية التي أعلنتها الإدارة السورية المؤقتة التي افتتحت مركزاً في المزة فيلات غربية. أما حديث الساعة بين غالبية سكان هذا الحي، فهو ضرورة الإسراع في إجراءات التسوية.

تقول مرام (46 سنة) التي كانت تعمل موظفة مدنية في وزارة الدفاع، إنها تنتظر تسوية شؤون العاملين في مؤسسات الجيش: «حتى اليوم لا توجد أي تعليمات بخصوص وضعنا. قوات الجيش وعناصر الأمن فتحوا باب التسوية لهم، أما نحن فلا حديث يخصنا».

يعود تاريخ الحي بصورته الحالية إلى ثمانينات القرن الماضي بعدما سُمح لرفعت الأسد، الشقيق الأصغر للرئيس الأسبق حافظ الأسد، ببناء «سراي الدفاع» التي أُطلقَ عليها اسم «اللواء 86»، وكان مقره نفس المكان الذي يُطلق عليه اليوم مزة جبل 86.

تنقسم المنطقة إلى مزة مدرسة ومزة خزان، وقد أخذ الحي الأول اسمه نسبةً لأول مدرسة شُيدت وافتُتحت في المنطقة، أما الثاني فاسمه من خزان المياه الذي يروي ويغذي كامل مناطق المزة.

يسكن حسام (55 عاماً) هذا الحي منذ تسعينات القرن الماضي، ولم يغادره حتى عندما احتدمت المعارك بين النظام وقوات المعارضة، والأخيرة سيطرت على بلدات بارزة مثل داريا ودوما وحرستا، وكان هذا المكان منطلقاً لتجييش الشبيحة والميليشيات.

يمتلك هذا الرجل مكتباً عقارياً يعمل فيه حتى اليوم. يقول لنا: «قسم كبير من العقارات، بينها منازل ومحلات، استولى عليه ضباط الأمن وقادة أجهزة المخابرات. غيّروا ثبوتيات ساعة الكهرباء والمياه لسرقة ملكياتها»، منوهاً بوجود قسم كبير من العقارات بدأ أصحابها يطالبون بحقوقهم فيها بعد عودتهم.

بزات عسكرية وصور الأسدين ملقاة في موقع مخصص للقمامة في المزة 86 (الشرق الأوسط)

لكن رياح الحرب لم تمر من حي المزة دون أن تترك عليه آثاراً عميقة قد تستغرق إزالتها سنوات، يضيف حسام: «هناك عقارات بيعت أكثر من مرة، وهذه إشكالية قانونية؛ لأن العقار يباع بوكالة مزورة وعقد لا صحة له. وهذا ينطبق على الكثير من الممتلكات».

ويقول مصدران من بلدية المزة وديوان المختار، إن عدد سكان الحي يقدر اليوم بنحو 200 ألف نسمة، بعد أن تجاوز 300 ألف قبل سقوط الأسد، غالبيتهم يتحدرون من مناطق الساحل السوري، يليهم سكان محافظات الداخل مثل حمص وحماة. وكان هناك قسم من الأكراد قدموا من منطقة الجزيرة شمال شرقي سوريا وسكنوه، لكن غالبيتهم عادوا إلى مناطقهم بسبب القبضة الأمنية، وبعد تفجير خلية الأزمة منتصف 2012.

على طول الشارع الرئيس الواصل بين ساحة «الهدى» وصيدلية «السهلة»، تطالع المارة صور الرئيس حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في هذه المنطقة منذ خمسة عقود، وعلى الشرفات والجدران لا تزال آثار صور بشار الأسد شاهدة على حقبته التي استمرت 24 عاماً.

سمير الذي يعمل سائقاً لـ«ميكروباص» (مزة جبل 86 خزان)، يقول: «سكان هذه المنطقة من عناصر الأمن والجيش تسببوا بجرائم ضد غالبية السوريين، ونحن نخشى من الانتقامات وتجدد النعرات الطائفية».