التدقيق الجنائي بحسابات «المركزي» يكشف مدى استباحة أموال الدولة اللبنانية 

​خبير لـ«الشرق الأوسط»: غياب الرقابة والتلاعب بالميزانيات يفسدان القطاع العام 

مقر «مصرف لبنان» (البنك المركزي) في بيروت (رويترز)
مقر «مصرف لبنان» (البنك المركزي) في بيروت (رويترز)
TT

التدقيق الجنائي بحسابات «المركزي» يكشف مدى استباحة أموال الدولة اللبنانية 

مقر «مصرف لبنان» (البنك المركزي) في بيروت (رويترز)
مقر «مصرف لبنان» (البنك المركزي) في بيروت (رويترز)

تتواصل تفاعلات التدقيق الجنائي في حسابات البنك المركزي اللبناني وخلاصاته المثيرة، بصورة دراماتيكية في الأوساط الداخلية كافة، فيما تتوالى عمليات الكشف عن الثقوب السوداء التي تزخر بها البيانات المالية الأساسية للمؤسسة، بما يشمل مصروفات خاصة بالدولة، وتوظيفات الجهاز المصرفي المسندة خصوصاً بكتلة الودائع، فضلاً عن احتياطات البلاد من العملات الصعبة.

وبما يتعدى حيازته موقع الصدارة في الميادين الداخلية، سياسياً واقتصادياً وشعبياً، اكتسب تقرير «ألفاريز أند مارسال» المنجز بصيغته الأولية، وفقاً لمصادر مصرفية ومالية موثوقة، أرجحية التصنيف المرجعي الموثق لدى سلطات مالية عالمية، وبالأخص لدى المؤسسات المنغمسة بأزمات البلد وانهياراته، وفي طليعتها صندوق النقد والبنك الدوليان. كما يرتقب أن يشكل دعامة أساسية لمؤسسات تقييم التصنيف السيادي والجدارة الائتمانية للبنان.

جانب من احتجاجات المودعين أمام «مصرف لبنان» (البنك المركزي) في بيروت يوم 23 يونيو الماضي (إ.ب.أ)

ومن دون أي شك أو مبالغة، ووفقاً لتحليل الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور جو سرّوع، فإن «ما بعد التدقيق لن يشبه ما قبله»، في بلد يشرف على ختام السنة الرابعة من الأزمات الحادة والكوارث الاجتماعية والمعيشية. فالتقرير المنجز وضع لبنان واقتصاده الوطني ومنظومة الحكم بطبقاتها كافة، في مواجهة حقائق المال العام «السائب» والفساد والهدر، بدءاً من المؤسسة (البنك المركزي) المفترض أن تشكل النموذج للإدارة الرشيدة، وصولاً إلى طغيان المصالح الخاصة، واستغلال المواقع والنفوذ في الدولة والقطاع العام.

وبالفعل، شهدت القيود المحاسبية الخاصة بتمويلات المركزي للدولة، بداية سجالات يرجّح تحولها سريعاً إلى اشتباك جدلي جديد بين الأطراف السياسية المتنازعة، وخصوصاً بعدما أظهرت الكشوفات ضخ نحو 48 مليار دولار لتغطية مصروفات عائدة للقطاع العام، أو استجابة لتعليمات حكومية، مع التنويه بأن نصف هذه المبالغ، أي نحو 24 مليار دولار، تم استهلاكها في تلبية احتياجات مالية لمؤسسة الكهرباء ووزارة الطاقة، في حين جرى إنفاق نحو 7.57 مليار دولار على الدعم الحكومي لمواد غذائية واستهلاكية.

ولم يتأخر رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، الذي تولى مباشرة أو عبر اختيار الوزراء، وزارة الطاقة تباعاً منذ عام 2010، في الإدلاء بمداخلته الأولى، مؤكداً أن المعركة لم تنتهِ بالتقرير، ويجب تسليم كل المستندات المطلوبة، معتبراً أن هذه مسؤولية النائب الأول للحاكم (الحاكم بالإنابة)، بغية استكمال التدقيق بالمصرف المركزي، وبكل مؤسسة أو إدارة، وخاصةً وزارة الطاقة لتبيان كل الحقائق والأكاذيب.

ولاحظ أن التقرير «أظهر كثيراً من المخالفات والسرقات للمال العام وأموال المودعين، وأخطر ما كشفه أن كلفة الهندسات المالية المباشرة، بالإضافة إلى العلاوات، بلغت 76 مليار دولار، وهي جريمة مالية غير مسبوقة بتاريخ البشرية، ومسؤولية القضاء التحقيق، والمجلس النيابي يتحرّك، لأن من حق اللبنانيين أن يعرفوا من سرق أموالهم».

نائب حاكم «المركزي» اللبناني وسيم منصوري (أ.ب)

ثم أضاف: «نحنا أمام سابقة تاريخية»، واصفاً التقرير بأنه «إدانة لحقبة سياسية بكاملها، ولمنظومة، أمين صندوقها هو حاكم المصرف المركزي، وهي تناصبنا العداء بكل الطرق، وبشراء ذمم قضاة وإعلاميين وسياسيين، تبيّن كم كانوا مرتشين».

وإذ تشير حيثيات التقرير إلى تعمد عدم تسليم مستندات وبيانات حيوية وأساسية للتوسع في عمليات التدقيق وإنجاز المهمة على الوجه المطلوب، يؤكد سرّوع في حديثه مع «الشرق الأوسط» على أولوية مبادرة الحكومة إلى المعالجة السريعة لهذه الثغرة، وبما يفضي إلى سبر مجمل الحسابات العامة، والدفع صوب استكمال عمليات التقصي والمتابعة وفق الأصول المهنية، ومقتضيات الشفافية المطلوبة، بغية الكشف عن كل مكامن الخسائر وتوثيقها، وبما يمهد لاجتراح خطة إنقاذية حقيقية تحظى بدعم صندوق النقد الدولي والدول المانحة.

ولا تقتصر المسؤوليات، وفق روحية التقرير وخلاصاته، على السلطة التنفيذية وحدها، بحسب قراءة سرّوع، «فالفضائح والتحليلات والجداول المرفقة، تشكل بذاتها إخبارات موثقة توجب الملاقاة التلقائية من قبل المرجعيات القضائية المختصة، كونها لا تثبت فقط أوجه القصور في إدارة القطاع العام، وغياب مجمل أشكال الرقابة الإدارية والمالية، بل تدل بالإثباتات، على سرقات موصوفة للمال العام، وهدره والتلاعب الجسيم في الميزانيات، فضلاً عن الطمس المتعمّد لعمليات وقيود تحتمل شبهات الجرائم المالية».

كورنيش المنارة في العاصمة اللبنانية بيروت (رويترز)

وليست الإدارة الجديدة للبنك المركزي بمنأى عن الموجبات التي يمكن استنباطها بسهولة من العرض المنهجي للوقائع والموانع والجداول المرفقة في التقرير. فهذه المؤسسة، كما يصفها الخبير الذي شغل مناصب قيادية في مؤسسات مصرفية دولية ومحلية، هي «المرآة العاكسة لمستوى الحوكمة في العالم أجمع»، وهي «تتمتع في لبنان باستقلالية دستورية كسلطة نقدية وبمسؤوليات شبه مطلقة في إدارة السيولة والتضخم والفوائد».

بالتالي، فإن ما تم كشفه من فجوات إدارية ومالية ومن ممارسات غير سويّة، «لا يصيب بالضرر هذه المؤسسة وحدها، إنما يؤشر إلى درك أدنى تقع فيه الدولة بكل سلطاتها ومؤسساتها»، حسب تقييم سرّوع. ولذا، فإن «الأوجب حالياً الشروع فوراً بإعادة هيكلة البنك المركزي وإداراته، والتركيز خصوصاً على التشاركية الحقيقية في صناعة القرارات، ولا سيما ذات المضمون المالي، ثم العناية الاستثنائية بفاعلية الرقابة الإدارية والمالية، والالتزام بكل إفصاحات الميزانية وتصويباتها المطلوبة من قبل المدقق الداخلي أولاً، وشركات المحاسبة والتدقيق الدولية المتعاقد معها».

البرلمان اللبناني (رويترز)

ويشير سروع إلى أن «تحديد مبلغ فجوة الحقوق المالية لدى المركزي بما يصل إلى 52 مليار دولار، ومحاولة الحاكم السابق التعمية عليها بطبع العملة، يكفيان وحدهما للإدانة بانعدام الحوكمة في المؤسسة، وبإساءة الإدارة المالية للموازنة، وبغياب شبه تام للرقابة والمساءلة على مدى سنوات طويلة»، بينما تتجلى شبهة الفساد والنفع الخاص في ضخ العمولات والأرصدة في حسابات شركة «فوري» وفي جداول المنح والمخصصات.

ويسأل: «كيف جرى إخفاء التلاعب بقيود الميزانية، وتظهير أرباح تم تحويل حصص سنوية منها إلى وزارة المال، بموجب قانون النقد والتسليف، لتنقلب بذلك القاعدة القانونية التي تفرض على الدولة تغطية أي خسائر طارئة تصيب رأسمال البنك المركزي؟»، موضحاً أن «الربح الصافي، بموجب نص المادة 113 من القانون، يتألف من فائض الواردات على النفقات العامة والأعباء والاستهلاكات وسائر المؤونات. وإذا كانت نتيجة سنة من السنين عجزاً، تغطى الخسارة من الاحتياطي العام، وعند عدم وجود هذا الاحتياطي، أو عدم كفايته، تغطى الخسارة بدفعة موازية من الخزينة».


مقالات ذات صلة

قوافل الإغاثة السعودية تواصل التدفق إلى لبنان

الخليج الطائرة السعودية الإغاثية حملت مواد غذائية وطبية وإيوائية (واس)

قوافل الإغاثة السعودية تواصل التدفق إلى لبنان

واصلت قوافل الإغاثة السعودية التدفق إلى لبنان، إنفاذاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج رجل يُلوّح بعَلم لبنان بمدينة صيدا في حين يتجه النازحون إلى منازلهم بعد سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

السعودية ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

أعربت وزارة الخارجية السعودية عن ترحيب المملكة بوقف إطلاق النار في لبنان.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي طفل يقف بالقرب من المراتب بينما يحزم النازحون أمتعتهم للعودة إلى قراهم بجنوب لبنان في ملجأ بصيدا (رويترز) play-circle 00:52

بري: نطوي مرحلة تاريخية كانت الأخطر على لبنان

قال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إن الحرب مع إسرائيل مثّلت «مرحلة تاريخية كانت الأخطر» التي يمر بها لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي على هامش أعمال «القمة العربية الإسلامية» الأخيرة بالرياض (الرئاسة المصرية)

دعم مصري للبنان... تحركات سياسية وإنسانية تعزز مسار التهدئة بالمنطقة

تحركات مصرية مكثفة سياسية وإنسانية لدعم لبنان في إطار علاقات توصف من الجانبين بـ«التاريخية» وسط اتصالات ومشاورات وزيارات لم تنقطع منذ بدء الحرب مع إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي النواب في جلسة تشريعية سابقة للبرلمان اللبناني (الوكالة الوطنية للإعلام)

التمديد لقائد الجيش اللبناني ورؤساء الأجهزة «محسوم»

يعقد البرلمان اللبناني جلسة تشريعية الخميس لإقرار اقتراحات قوانين تكتسب صفة «تشريع الضرورة» أبرزها قانون التمديد مرّة ثانية لقائد الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنية.

يوسف دياب (بيروت)

«حزب الله» أمام ضغوط غير مسبوقة بعد الضربات الإسرائيلية المدمّرة

نساء يحملن أعلام «حزب الله» أثناء مرورهن بمبنى متضرر عند مدخل الضاحية الجنوبية لبيروت بعد سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» لبنان 27 نوفمبر 2024 (رويترز)
نساء يحملن أعلام «حزب الله» أثناء مرورهن بمبنى متضرر عند مدخل الضاحية الجنوبية لبيروت بعد سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» لبنان 27 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

«حزب الله» أمام ضغوط غير مسبوقة بعد الضربات الإسرائيلية المدمّرة

نساء يحملن أعلام «حزب الله» أثناء مرورهن بمبنى متضرر عند مدخل الضاحية الجنوبية لبيروت بعد سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» لبنان 27 نوفمبر 2024 (رويترز)
نساء يحملن أعلام «حزب الله» أثناء مرورهن بمبنى متضرر عند مدخل الضاحية الجنوبية لبيروت بعد سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» لبنان 27 نوفمبر 2024 (رويترز)

بعد الضربات الدامية والمدمرة التي تعرض لها من إسرائيل، يبدو «حزب الله» اليوم تحت ضغط غير مسبوق بعد موافقته على اتفاق وقف لإطلاق النار ينص على انسحابه مع أسلحته من مناطق واسعة في جنوب لبنان، وفق تقرير لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ويبقى الحزب المدعوم من إيران، رغم ذلك، لاعباً أساسياً على الساحة السياسية اللبنانية، رغم الأصوات المتزايدة التي باتت تطالب بنزع ترسانته الضخمة من السلاح.

تظهر هذه الصورة الجوية الملتقطة بعد يوم من سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» حركة مرورية تمر بجوار مبانٍ مدمرة في مدينة النبطية جنوب لبنان في 28 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وكان «حزب الله» القوة اللبنانية المسلحة الوحيدة التي احتفظت بأسلحتها بعد الحرب الأهلية (1975 - 1990) بحجة «مقاومة إسرائيل»، ما يطرح أسئلة حول ضرورة احتفاظه بسلاحه إن كان سينسحب من الحدود. ويتهم خصوم «حزب الله» في الداخل الحزب الذي يعتبر أيضاً أكثر القوى السياسية نفوذاً في البلد الصغير، باستخدام سلاحه للتحكّم بالحياة السياسية.

وتقول الباحثة في معهد «تشاتام هاوس» لينا الخطيب لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «يتعرّض (حزب الله) لضغوط غير مسبوقة»، موضحة أن «بنود اتفاق وقف إطلاق النار تمهّد لتفكيك قدراته العسكرية».

ودفع «حزب الله» ثمناً باهظاً لفتحه «جبهة إسناد» لقطاع غزة من جنوب لبنان، غداة اندلاع الحرب بين حركة «حماس» وإسرائيل إثر هجوم غير مسبوق لحركة «حماس» على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

فبعد قرابة سنة من تبادل القصف بين الجيش الإسرائيلي والحزب، بدأت إسرائيل في 23 سبتمبر (أيلول) حملة قصف مدمّر ضد مناطق تعتبر معاقل للحزب اللبناني في ضاحية بيروت الجنوبية وفي جنوب البلاد وشرقها. وأطلقت في نهاية الشهر ذاته عمليات توغل بري في مناطق حدودية. وشنّت غارات دامية قتلت فيها قيادات عدّة من الصفّ الأول في الحزب على رأسهم الأمين العام للحزب حسن نصر الله، والعديد من القادة العسكريين.

وفجّرت إسرائيل قبل ذلك الآلاف من أجهزة اتصال يستخدمها عناصر في «حزب الله»، مخلّفة قتلى وجرحى.

ويقول مصدر مقرّب من الحزب، من دون الكشف عن اسمه إن «حزب الله» خسر المئات من مقاتليه منذ نهاية سبتمبر.

ويرى رئيس قسم العلاقات الدولية والسياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية عماد سلامة أن «الحرب من دون شك أضعفت (حزب الله) عسكرياً، بعدما مُني بخسائر كبرى على مستوى القيادة وتمّ تقليص قدراته التشغيلية»، لكنه «لم يُهزم».

نازحون لبنانيون مؤيدون لجماعة «حزب الله» يعودون إلى بلدهم عبر معبر جديدة يابوس (المصنع) بين لبنان وسوريا في 28 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

«انتصار»

وتصدّى «حزب الله» بشراسة للقوات الإسرائيلية خلال تقدّمها إلى بلدات حدودية على محاور عدة في جنوب لبنان.

ويقول الحزب إن الجيش الإسرائيلي لم يتمكّن من «تثبيت وجوده» في أي من هذه البلدات. ومنذ فجر الأربعاء، مع دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، يحتفل أنصار الحزب بـ«النصر» رغم الدمار واسع النطاق الذي خلّفته الغارات الإسرائيلية.

ونظّم «حزب الله» جولات للصحافيين الأربعاء في جنوب لبنان، في مسعى لتأكيد حضوره ونفوذه في المنطقة.

وردّاً على سؤال عمّا إذا كان الحزب يعتزم تفكيك بنيته العسكرية، قال النائب من «حزب الله» حسن فضل الله لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» من مدينة بنت جبيل القريبة من الحدود مع إسرائيل، إنه ليس «للمقاومة» أي «سلاح ظاهر أو قواعد منتشرة».

وأكد في الوقت ذاته أنه لا يستطيع أحد أن يبعد مقاتلي «حزب الله» من القرى والبلدات التي يتحدّرون منها في جنوب البلاد.

ويمتلك «حزب الله» ترسانة ضخمة من السلاح، تفوق بحسب الخبراء، ترسانة الجيش اللبناني.

صورة ملتقطة في 28 نوفمبر 2024 في مدينة النبطية بجنوب لبنان تظهر مباني مدمرة جراء غارات إسرائيلية بعد يوم واحد من الاتفاق على وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل (د.ب.أ)

وينصّ اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تمّ التوصل إليه برعاية فرنسية-أميركية ولم تُنشر بنوده رسمياً، على أن ينسحب «حزب الله» إلى شمال نهر الليطاني (30 كلم عن الحدود مع إسرائيل)، وأن يتسلّم الجيش اللبناني المواقع التي يسيطر عليها حالياً الجيش الإسرائيلي والحزب. ويستند الاتفاق إلى القرار الدولي 1701 الذي أنهى الحرب بين «حزب الله» وإسرائيل في العام 2006.

بعد حرب العام 2006، احتفظ «حزب الله» بوجود غير ظاهر في جنوب لبنان وعزّز ترسانته العسكرية وبنى شبكة من الأنفاق، وفق خبراء عسكريين. ونصّ القرار 1701 على حصر الوجود العسكري في المنطقة الحدودية بالجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة الموقتة (يونيفيل).

وقال مسؤول لبناني مفضّلاً عدم كشف اسمه إن انضواء فرنسا والولايات المتحدة في آلية مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار قد يساعد على ردع «حزب الله» هذه المرة.

انتخابات رئاسية

وينصّ الاتفاق أيضاً على مراقبة الحدود بين لبنان وسوريا لمنع عبور شحنات السلاح لجماعة «حزب الله» عبر سوريا، بحسب خبراء عسكريين.

ويرى عماد سلامة أن «حزب الله» «لا يمكن أن يتحوّل إلى حزب سياسي بحت، لأنه يستمدّ شرعيته ونفوذه من دوره أنه حركة مقاومة مسلحة».

على المستوى الداخلي، يضيف سلامة أن «الحزب سيواصل استخدام نفوذه» للتحرك على الساحة السياسية اللبنانية، مستنداً إلى قاعدة شعبية واسعة في الطائفة الشيعية، وشبكة مؤسسات اجتماعية واقتصادية كبيرة.

ويرى أن «حزب الله» قد يظهر «مرونة أكثر» في بعض الملفات لا سيما الانتخابات الرئاسية التي حدّد موعدها اليوم في التاسع من يناير (كانون الثاني). ومنذ اندلاع الحرب، تتزايد الأصوات الناقدة لجماعة «حزب الله» في الداخل والتي تحمّله مسؤولية جرّ لبنان إلى الحرب.

وتعتبر لينا الخطيب أن «لبنان أمام فرصة لإعادة تركيب المشهد السياسي الداخلي للتخلص من هيمنة (حزب الله) للمرة الأولى منذ أن طغى الحزب على الحياة السياسية في البلاد قبل نحو عقدين». وتضيف «أن ذلك لا يمكن أن يحصل إلا من خلال حوار وطني حقيقي يضمّ الجميع، ويدعمه المجتمع الدولي».