نهر الفرات... متنفس السوريين من ضغوط الحياة ولهيب الحر

TT

نهر الفرات... متنفس السوريين من ضغوط الحياة ولهيب الحر

زحمة على ضفة الفرات (الشرق الأوسط)
زحمة على ضفة الفرات (الشرق الأوسط)

يقصد سكان مدينة الرقة شمالي سوريا ضفتي نهر الفرات لتبريد أجسامهم والترفيه عن أنفسهم وممارسة هواية صيد الأسماك وتدريباتهم الرياضية، وسط ارتفاع درجات الحرارة لأكثر من 40 درجة مئوية وانقطاع التيار الكهربائي، ليعود هذا النهر بعد سنوات من سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي مقصداً للكثير من الزوار والباحثين عن متنفس يخلصهم من درجات الحرارة غير المسبوقة هذا العام، مع توقف العمليات القتالية وعودة الحياة إلى طبيعتها.

تقول ساجدة ذات الـ45 عاماً التي كانت جالسة بجانب زوجها على ضفة النهر يحتسيان الشاي المغلي على أعواد الحطب، إن الفرات بالنسبة لعائلتهما ولكثير من أبناء المدينة شيء عظيم.

جسر الرقة القديم (الشرق الأوسط)

وأوضحت لـ«الشرق الأوسط» أن «الفرات هو كل شيء، إذا ما في فرات ما في حياة، نأتي يومياً إلى هنا بالصيف للاستمتاع بقضاء وقت مريح بجانب مياه النهر». وأضافت أن الكهرباء تبقى مقطوعة طوال ساعات النهار مع ارتفاع درجات الحرارة لمعدلات قياسية، وأكدت أنها «عندما يأتي الصيف أتعقد من التكيف مع درجات الحرارة المرتفعة، لذلك نأتي يومياً لقضاء فسحة من الوقت بجانب برودة هذه المياه».

فوق جسر الرقة القديم الذي يوصل شمالي المدينة بجنوبها، يتسلّق فتية وشبان السلالم للصعود إلى أعلى نقطة مرتفعة ثم يلقون بأنفسهم إلى النهر للتمتع برياضة السباحة، وتحت الجسر يلتقط الزائرون صوراً تذكارية قرب مياه النهر، بينما تكتظ ضفاف الفرات الرملية بالرواد والزائرين من داخل المدينة وخارجها.

وقرر عبد الجليل القادم من بلدة الحزيمة التابعة لريف الرقة اصطحاب ضيوفه القادمين من مدينة حلب شمالي سوريا، بجولة على نهر الفرات وإعداد الطعام بعيداً عن ازدحام المدينة ودرجاتها المرتفعة. وقال: «الفرات معلم سياحي لمدينة الرقة، نأتي لقضاء وقت ممتع هنا حتى ترتاح نفسيتنا من ضغوط الحياة ولهيب شدة الحر». ولم يخف هذا الشاب فرحته بعودة الحياة لمدينته بعد سنوات من الحروب الدائرة في مسقط رأسه والمناطق المحيطة، وأشار إلى أن الجسر القديم تعرض للدمار خلال سنوات سيطرة «داعش» وبعد ترميمه بجهود «الإدارة الذاتية» ومنظمات إنسانية: «عندما عاد الجسر للعمل شعرنا أن الحياة عادت للرقة، وعند مشاهدة الناس وهم يتنقلون بين ضفتيه تغيرت الحياة 180 درجة نحو الأفضل».

نزهة نهرية عصراً (الشرق الأوسط)

ولطالما حظي الريفيون وسكان القرى المجاورة لضفاف هذا النهر بسقاية زراعتهم والتمتع بالصيد الوفير من الأسماك النهرية. وشدد الصياد محمود (55 سنة) على أن نهر الفرات «لا نبدله بكل دول العالم ومدنه الحديثة وأنهاره وبحيراته، نقضي أوقاتا هنا للتنفس والاستمتاع ببرودة مياهه لأنها مريحة نفسياً وجسدياً». وعلى الرغم من تدهور الأوضاع المعيشية وتدهور الليرة السورية أمام الدولار بعدما سجلت 14 ألفاً، «يبقى الفرات كريماً على صياديه، فمنذ كان عمري 17 عاماً وأنا صياد هاو لأكلنا اليومي»، على حد تعبيره.

وعلى ضفاف النهر، ينفث شبان دخان نارجيلتهم وتفترش عائلات رمال النهر واضعة أطعمة وفواكه وعصائر، ويلهو أطفال قربها بالسباحة واللعب بالمياه الباردة بينما تصدح أصوات الموسيقى في الأرجاء من فرقة موسيقية متنقلة، ويعقد الزائرون مجموعات من الدبكات المحلية على أصوات أغانٍ شعبية متداولة بين أهالي الرقة.

وفي الطرف الثاني من النهر، تنافس فتيان على القفز من أعلى صخرة إلى المياه للسباحة، ويذكر سليمان البالغ من العمر 22 عاماً كيف يعيش بالقرب من نهر الفرات أباً عن جد، حيث تمتلك عائلته أرضاً زراعية بالقرب من ضفافه. وقال: «نقصد الفرات أنا وأصدقائي للتسلية والشعور بالبرود وأعود أحياناً لمنزلنا بعد منتصف الليل، فلا كهرباء عندنا لذلك أبقى هنا حتى نتنفس ونستريح من ضغوط الحياة». وفي كل صيف تتكرر معاناة هذا الشاب كحال غالبية المناطق السورية حيث يصل انقطاع التيار الكهرباء اليومي إلى أكثر من 12 ساعة، وترافق هذا العام مع ارتفاع درجات الحرارة متجاوزة 40 درجة، ليضيف: «لولا نهر الفرات لكنا متنا من لهيب حرارة الصيف، وجوده نعمة كبيرة في حياتنا».

ومن مدينة منبج الواقعة أقصى شرقي محافظة حلب، قصد عماد برفقة زوجته وأطفاله النهر في رحلة استغرقت أكثر من 3 ساعات بالسيارة، تجاوباً مع رغبة العائلة في تمضية ساعات غروب الشمس والليل على سرير نهر الفرات. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أتينا من منبج إلى النهر للسباحة والترفيه وتمضية ساعات الليل هنا، نشكر الله لهذه السعادة ورؤية الناس بالعودة لحياتهم الطبيعة».


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)
الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)
TT

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)
الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

دعت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى لبنان، اليوم (الجمعة)، مجدداً إلى التوصل لوقف فوري لإطلاق النار والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن «1701» بشكل كامل.

وأكدت البعثة مجدداً على منصة «إكس» أن الاتحاد الأوروبي ملتزم بدعم لبنان وشعبه وسيادته على أراضيه.

ووسعت إسرائيل حربها التي تشنها على قطاع غزة لتشمل لبنان في الأسابيع الماضية، وقتلت العديد من كبار قادة جماعة «حزب الله» التي تتبادل معها إطلاق النار، منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وتسببت الهجمات الإسرائيلية في مقتل الآلاف ونزوح ما لا يقل عن مليون لبناني من جنوب لبنان، وألحقت دماراً واسعاً في أنحاء مختلفة من البلاد.