بغداد تطلب من واشنطن ولندن تسليم مسؤولين متورطين في «سرقة القرن»

من ضمنهم وزير المالية ومدير جهاز المخابرات في حكومة الكاظمي

القاضي حيدر حنون خلال مؤتمر صحافي في بغداد (وكالة الأنباء العراقية)
القاضي حيدر حنون خلال مؤتمر صحافي في بغداد (وكالة الأنباء العراقية)
TT

بغداد تطلب من واشنطن ولندن تسليم مسؤولين متورطين في «سرقة القرن»

القاضي حيدر حنون خلال مؤتمر صحافي في بغداد (وكالة الأنباء العراقية)
القاضي حيدر حنون خلال مؤتمر صحافي في بغداد (وكالة الأنباء العراقية)

دعا رئيس هيئة النزاهة في العراق حيدر حنون اليوم (الأحد) كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا لتسليم مدير مكتب رئيس مجلس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، ورئيس جهاز المخابرات، ووزير المالية السابقين لتورطهم في قضية سرقة الأمانات الضريبية التي تُعرف إعلاميا بـ«سرقة القرن».

وقضت محكمة الكرخ الثانية في بغداد بضبط وإحضار كل من رائد حوجي رئيس الجهاز المخابرات سابقا وعلي علاوي وزير المالية للحكومة السابقة وأحمد نجاتي مدير مكتب رئيس الوزراء السابق.

وذكر القاضي حيدر حنون رئيس هيئة النزاهة العراقية في بيان أن الهيئة أصدرت إشارات حمراء بحق المسؤولين السابقين، مشيرا إلى أن المطلوبين في سرقة القرن لا يقل استيلاء كل منهم عن 100 مليار دينار.

وقال القاضي حنون في مؤتمر صحافي عقده في العاصمة بغداد، إن «قضية الأمانات الضريبية هي قضية الفساد الأكبر المكتشفة لهذا اليوم، ولها خصوصية كونها جريمة فساد امتزجت بالخيانة، لأن ما يُستشف من أحداثها أن الهدف منها ليس سرقة المال العام فقط، وإنما كان من أهدافها إضعاف ثقة المواطنين بالدولة ومؤسساتها والقائمين عليها».

وأضاف حنون أن «قضية سرقة الأمانات الضريبية لن تموت، ونقول لمرتكبي هذه الجريمة: لا تراهنوا على الزمن فإن مضي الأيام لن ينسينا الجريمة، وستبقى في ذاكرة الشعب اليومية، وكذلك فإن بقاءكم خارج القضبان تتمتعون بأموال العراق المسروقة لن يستمر طويلا، وسنسلُك السبل كافة حتى نتمكن من تنفيذ مذكرات القبض الصادرة بحقكم، ونؤمّن مثولكم أمام القضاء العادل، ونسترد منكم الأموال المسروقة».

ودعا حنون الدول التي يحمل المطلوبون بقضية سرقة الأمانات الضريبية «جنسياتها، والهاربون إليها، والمحتمون بها، لأن تمكن هيئة النزاهة الاتحادية، ومديرية الشرطة العربية والدولية في وزارة الداخلية من الوصول إليهم، والتعاون في مجال استردادهم واسترداد الأموال التي سرقوها بغية تأمين مثولهم أمام القضاء العراقي لاستكمال الإجراءات التحقيقية والقضائية بحقهم».

وطبقاً للقاضي حنون فإن الإشارات الحمراء التي تم تنظيمها لدى الشرطة الدولية (الإنتربول) تشمل «كلا من مدير مكتب رئيس مجلس الوزراء، ورئيس جهاز المخابرات في الحكومة السابقة التي كانت برئاسة مصطفى الكاظمي، وكذلك السكرتير الخاص في الحكومة السابقة، وهم يحملون الجنسية الأميركية».

كما أعلن عن تنظيم «النشرة الحمراء بخصوص وزير المالية في الحكومة السابقة (علي عبد الأمير علاوي) التي كان يرأسها الكاظمي، وهو يحمل الجنسية البريطانية»، مؤكدا أن «هؤلاء من كبار المتهمين بالقضية».

وطالب رئيس هيئة النزاهة العراقي الجهات المعنية في الولايات المتحدة، وفي بريطانيا بتنفيذ مذكرات القبض الصادرة بحقهم وفقا لأحكام المادة 316 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، معرباً عن أمله في أن «تتعاون الدولتان في تسليم المطلوبين والمتهمين المذكورين، وأن تثبتا دعمهما لجمهورية العراق في مجال مكافحة الفساد ومنع انتشاره، واسترداد المطلوبين والأموال المسروقة بالقول والفعل».

 وفي السياق نفسه، دعا حنون دولة الإمارات إلى «تسليم المستشار السياسي لرئيس مجلس الوزراء في الحكومة السابقة المقيم حالياً على أراضيها»، قائلا: «لم يثبت لنا حصوله على جنسية أجنبية». كما طالب دولة تركيا بتسليم مطلوب وزوجته، وهما موظفان سابقان في هيئة النزاهة الاتحادية، وهما يحملان الجنسية التركية.

وفي هذا السياق، أبلغ مسؤول حكومي «الشرق الأوسط» طالبا عدم الإشارة إلى هويته أن «العراق يؤكد على أهمية التعاون الدولي مع بغداد في مكافحة الفساد، خاصة أن الدول التي ذكرت بالمؤتمر تعلن دائماً أن دعمها للتجربة السياسية في العراق مرهون بمؤشر مكافحة الفساد».

وأضاف أن «حث ومطالبة الجانبين الأميركي والبريطاني على بذل الجهود والمساعدة من أجل تسليم المطلوبين سواء الموجود منهم على أراضي هاتين الدولتين أو الذين يحملون جنسيتهما أمر مهم على صعيد كيفية التعامل مع ملفات من هذا النوع»، مبيناً أن «ما حصل من مطالبات رسمية لهذه الدول إنما يؤكد بالدليل القاطع أن الحكومة لا يمكن أن تنسى هذه القضية المسماة بسرقة القرن بعكس ما تم الترويج له في وسائل الإعلام».

وأوضح المصدر أن «استرداد الأموال والمطلوبين استراتيجية ثابتة منذ تشكيل حكومة السوداني الذي سبق له أن أعلن أن ذلك يأتي في سياق الأولويات التي حددها في برنامج حكومته، وهي إجراءات عملية وجزء من خطة محكمة لمكافحة الفساد وليس مجرد كلام».

وتفجرت قضية «سرقة القرن» في أواخر حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي. وأثارت القضية غضبا وسخطا شعبيا شديدا في العراق، ويواجه مسؤولون سابقون ورجال أعمال بارزون تهما في التورط فيها.

وتقول الحكومة العراقية إنه تم الاستيلاء على ما لا يقل عن 2.5 مليار دولار بين سبتمبر (أيلول) 2021، وأغسطس (آب) 2022 من خلال 247 صكا تم صرفها من قبل خمس شركات، ثم سحبت هذه الأموال نقدا من حسابات هذه الشركات، التي فر معظم مالكيها خارج البلاد.

وجرى اعتقال المتهم الرئيسي في «سرقة القرن» بعد محاولته الهرب بطائرته الخاصة، حيث تم إنزاله منها في مشهد معروف، لكن أطلق سراحه بكفالة في عهد الحكومة الحالية على أن يسترد ما بذمته من هذه السرقة التي بلغت أكثر من مليارين ونصف المليار دولار، حصته منها نحو مليار دولار أميركي.

 وفيما يواصل المتهم الرئيسي إعادة الأموال التي بذمته إلى الحكومة والتي بلغت حتى الآن نحو 350 مليون دولار، فإن المتهم الثاني في القضية تم تسليمه مؤخراً من قبل المملكة الأردنية الهاشمية إلى السلطات العراقية وتم إيداعه السجن بانتظار قرار القضاء. 


مقالات ذات صلة

دعوات عراقية لعقد المؤتمر الأول لـ«الإقليم السني» في سبتمبر المقبل

المشرق العربي السوداني خلال استقباله شيوخ عشائر من الأنبار في مناسبة سابقة (مكتب رئاسة الوزراء)

دعوات عراقية لعقد المؤتمر الأول لـ«الإقليم السني» في سبتمبر المقبل

شهدت الأسابيع الماضية تصاعداً غير مسبوق في المطالبة بإقامة إقليم سني في العراق، وصل حتى تحديد شهر سبتمبر (أيلول) المقبل موعداً لمناقشتها.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي مجلس الأمن يصوّت على قرار بشأن تجديد تفويض بعثة «يونامي» لدى العراق في مايو الماضي (الأمم المتحدة)

الحسّان يخلف بلاسخارت في «مهمة تصريف أعمال يونامي» لدى العراق

أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في بيان مقتضب (الاثنين)، تعيين محمد الحسّان من سلطنة عمان ممثلاً خاصاً جديداً له في العراق، ورئيساً لـ«يونامي».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي عَلم العراق يرفرف أمام حقل نفطي (رويترز)

مخاوف عراقية من «التطبيع» مع إسرائيل... فما السبب؟

يبلغ عمر مشروع أنبوب نقل النفط من البصرة في العراق إلى ميناء العقبة الأردني، أكثر من 40 عاماً، لكنَّ الجدل حوله تجدد اليوم، وسط مخاوف من التطبيع مع إسرائيل.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي وزير الداخلية العراقية عبد الأمير الشمري (إعلام حكومي)

طرد 320 شرطياً و36 ضابطاً عراقياً خلال 6 أشهر

أعلنت وزارة الداخلية العراقية، الأحد، عن «طرد 320 شرطياً، و36 ضابطاً من الخدمة خلال النصف الأول من العام الجاري»، وذلك في إطار مساعيها لمحاربة «الفساد».

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لدى إعلانه استرداد أموال من قضية «سرقة القرن» (أ.ف.ب)

بعد مرور سنتين... ما مصير «سرقة القرن» العراقية؟

أعاد رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني، التذكير بالقضية المعروفة باسم بـ«سرقة القرن» إلى الواجهة، بعدما أقر بأن «نصف أموال القضية هُرِّب إلى خارج البلاد».

فاضل النشمي (بغداد)

«هدنة غزة»: الوسطاء يبحثون عن «حلحلة» قبل زيارة نتنياهو لواشنطن

جثة مغطاة لأحد الفلسطينيين قُتل في غارات إسرائيلية في دير البلح وسط قطاع غزة (رويترز)
جثة مغطاة لأحد الفلسطينيين قُتل في غارات إسرائيلية في دير البلح وسط قطاع غزة (رويترز)
TT

«هدنة غزة»: الوسطاء يبحثون عن «حلحلة» قبل زيارة نتنياهو لواشنطن

جثة مغطاة لأحد الفلسطينيين قُتل في غارات إسرائيلية في دير البلح وسط قطاع غزة (رويترز)
جثة مغطاة لأحد الفلسطينيين قُتل في غارات إسرائيلية في دير البلح وسط قطاع غزة (رويترز)

يواصل الوسطاء محادثاتهم على أمل إقرار هدنة ثانية في قطاع غزة، قبل زيارة تحمل مخاوف على المسار التفاوضي، سيجريها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو لواشنطن، بعد أقل من أسبوعين، وسط تبادل طرفي الحرب المستعرة منذ 10 أشهر اتهامات بالمسؤولية عن عرقلة المفاوضات.

مسار التفاوض، وفق خبراء في حديث لـ«الشرق الأوسط»، بات أمام نقطة مفصلية هامة قبل زيارة نتنياهو الوشيكة لإلقاء خطاب أمام الكونغرس، التي قد يعود بعدها مدفوعاً بإتمام اتفاق الهدنة أو نسفه، لافتين إلى أن جهود الوسطاء ستستمر في «سياق حلحلة» أي أزمة تعوق التوصل لاتفاق لإنجاز المرحلة الأولى من المراحل الثلاث التي طرحها الرئيس الأميركي جو بايدن.

جهود تتواصل

الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الذي تقود بلاده الوساطة في أزمة حرب غزة، شدد خلال اتصال هاتفي مع نظيره التشيكي بيتر بافل، على ضرورة تكاتف الجهود الدولية للتوصل لوقف فوري لإطلاق النار بقطاع غزة، وفق بيان للرئاسة المصرية، الثلاثاء.

بينما اجتمع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في واشنطن، مع كل من وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، وركزت المحادثات، على «الجهود المبذولة راهناً للتوصل لوقف لإطلاق النار بين إسرائيل و(حماس)»، وفق ما ذكره المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر للصحافيين.

وتأتي زيارة هذين المسؤولين قبل أيام من زيارة سيقوم بها نتنياهو إلى واشنطن، وسيلقي خلالها في 24 يوليو (تموز) كلمة أمام الكونغرس بمجلسيه.

مناورات دبابة إسرائيلية بالقرب من الحدود مع غزة (رويترز)

التحركات المصرية والأميركية تأتي في إطار «حلحلة» العقبات إزاء المفاوضات وفق ما يراه مساعد وزير الخارجية الأسبق المصري، علي الحنفي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، معتقداً أن الوسطاء يريدون تكثيف الجهود وإنجاحها قبل أي متغيرات تمس مسار التفاوض.

فلا يمكن الجزم بما يمكن أن تسفر عنه زيارة نتنياهو لواشنطن على مسار المفاوضات، وفق الحفني، الذي أوضح أن نتنياهو لا يقبل بالضغوط وليس بالضرورة يعود ويغير موقفه مباشرة، ويجمد المفاوضات.

ويعتقد أن الزيارة ستحمل مناقشات سيناريوهات كثيرة بشأن الحرب والمسار التفاوضي، واصفاً نتنياهو بأنه «طرف لا يتنازل عن عناده بسهولة بمواجهة جهود الوسطاء في حل أزمة غزة».

وتهدف جهود الوسطاء، حسب المحلل السياسي الأردني، منذر الحوارات، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى التوصل لاتفاق يهدئ الأوضاع في المنطقة، متوقعاً أن تغير زيارة نتنياهو لواشنطن، مشهد المفاوضات، مع وجود شواهد على أن واشنطن تريد الذهاب لإبرام اتفاق بشأن غزة في مقابل رغبة من نتنياهو لإطالة أمد الحرب لما بعد وصول دونالد ترمب للرئاسة المحتمل في نوفمبر (تشرين الثاني).

ويوم الخميس، قال بايدن عقب أيام من سلسلة اجتماعات بين القاهرة والدوحة: «لا تزال هناك فجوات»، لكننا «نحرز تقدماً، والاتجاه إيجابي»، وأنا مصمم على إنجاز هذه الصفقة، ووضع نهاية لهذه الحرب التي «يجب أن تنتهي الآن».

ويواجه نتنياهو ضغوطاً داخلية تطالب بالتوصل إلى اتفاق يعيد الرهائن المتبقين المحتجزين في غزة، وذلك عبر احتجاجات منتظمة ومتواصلة من آلاف المتظاهرين الإسرائيليين بشوارع تل أبيب.

بينما قدرت وكالة المخابرات المركزية الأميركية أن زعيم «حماس» في غزة، يحيى السنوار، يتعرض لضغوط داخلية كبيرة لقبول اتفاق وقف إطلاق النار، وفق ما أفاد به تقرير نشرته شبكة «سي إن إن»، الثلاثاء، نقلاً عن تصريحات حديثة بمؤتمر مغلق أدلى بها مدير الاستخبارات الأميركية، بيل بيرنز.

جاء ذلك مع تأكيد صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين ودبلوماسي غربي كبير أن إسرائيل ومصر ناقشتا بشكل خاص انسحاباً محتملاً للقوات الإسرائيلية من حدود غزة مع مصر بوصفه جزءاً من اتفاق وقف إطلاق النار مع «حماس».

ووفق «نيويورك تايمز»، فإن استعداد إسرائيل للقيام بذلك يمكن أن «يزيل إحدى العقبات الرئيسية» أمام الهدنة مع «حماس»، التي قالت إن انسحاب إسرائيل من المناطق، بما في ذلك الحدود، شرط أساسي لوقف إطلاق النار.

وفي ظل سيطرة نتنياهو ميدانياً بغزة على مجريات الأمور، سيحاول الوسطاء، وفق منذر الحوارات، الضغط أكثر على «حماس»، مع إصرار نتنياهو على تعظيم مكاسبه وتهميش ورقة الأسرى التي لدى «حماس»، وجعلها ورقة ليست ذات أولوية لديه.

وسيتجه نتنياهو إلى «وضع عراقيل أكبر» سواء بالبقاء في معبر رفح ومحور فيلادلفيا، أو رفض عودة سكان لشمال غزة وغيرها، يضيف المحلل السياسي منذر الحوارات، «لكن هذا يتوقف على رد الفعل المصري» الذي قال إن إسرائيل تضع له «ألف حساب».

ومحادثات الوضع النهائي في معبر رفح ومحور فيلادلفيا تحمل قدراً من الأهمية مثل مفاوضات هدنة غزة، ويجب حلهما معها سواء على طاولة تفاوض واحدة أم مباحثات منفصلة، وفق المصري الحنفي.