القوى الشيعية تسرع تشكيل تحالفاتها مع اقتراب نهاية التسجيل للانتخابات العراقية

أعلنت مفوضية الانتخابات تسجيل 30 تحالفاً سياسياً... منها 20 تحالفاً جديداً

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يبحث مع مفوضية الانتخابات التحضيرات الجارية لانتخابات مجالس المحافظات الشهر الماضي (رئاسة الوزراء العراقية)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يبحث مع مفوضية الانتخابات التحضيرات الجارية لانتخابات مجالس المحافظات الشهر الماضي (رئاسة الوزراء العراقية)
TT

القوى الشيعية تسرع تشكيل تحالفاتها مع اقتراب نهاية التسجيل للانتخابات العراقية

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يبحث مع مفوضية الانتخابات التحضيرات الجارية لانتخابات مجالس المحافظات الشهر الماضي (رئاسة الوزراء العراقية)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يبحث مع مفوضية الانتخابات التحضيرات الجارية لانتخابات مجالس المحافظات الشهر الماضي (رئاسة الوزراء العراقية)

تسرع القوى السياسية الشيعية عملية الدخول في تحالفاتها التي اصطدمت بتعديل جديد في قانون الانتخابات، وذلك مع اقتراب الموعد النهائي لتسجيل التحالفات في انتخابات مجالس المحافظات العراقية في السادس من أغسطس (آب).

وقال مصادر عراقية لوكالة «أنباء العالم العربي»: إن هناك مؤشرات على توافق بين «تيار الحكمة» بزعامة عمار الحكيم و«حركة عصائب أهل الحق» بقيادة قيس الخزعلي و«منظمة بدر» بزعامة هادي العامري، بينما وجد التقارب طريقاً إلى «ائتلاف دولة القانون» الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي و«حزب الفضيلة» التابع لرجل الدين محمد اليعقوبي.

وتسعى الحركات السياسية الصغيرة إلى الانضواء في تكتل يرأسه وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي رئيس «كتلة السند الوطني»، ويضم رئيس «هيئة الحج والعمرة» سامي المسعودي، و«كتائب الإمام علي» التابعة إلى شبل الزيدي، و«حركة أنصار الله الأوفياء» بزعامة حيدر الغراوي، و«المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» بقيادة همام حمودي، بحسب المصادر. ويعوّل محافظ البصرة أسعد العيداني على حصول قائمته على دعم التيار الصدري بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر الذي انسحب نوابه من البرلمان العراقي العام الماضي احتجاجاً على ترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء. وما زال «تحالف النصر» بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي يدرس خياراته. وقال سلام الزبيدي، المتحدث باسم «تحالف النصر»: إن «التحالف اجتمع مع السيد العبادي مرات عدة، وطرح خيارات عدة، إما الدخول منفردين، وفي هذه الحالة سنصطدم بـ«قانون سانت ليغو» الذي لا يحمي القوائم الصغيرة، أو استمرار التحالف مع (تيار) الحكمة... أو الدخول في تحالف واسع مع كل قوى الإطار التنسيقي، والخيار الرابع هو الانسحاب من الانتخابات». وشكّل «تحالف النصر» و«تيار الحكمة» تحالفاً أوسع تحت اسم «قوى الدولة الوطنية» وحصل على أربعة مقاعد في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 2021. وكتلة (الإطار التنسيقي) هي أحد مكونات ائتلاف «إدارة الدولة» الذي شكّل الحكومة العراقية الحالية.

وأضاف الزبيدي: «هذه الانتخابات خدمية، وإذا لم نحصل على مقاعد كافية لتقديم الخدمات ستكون مشاركتنا غير مجدية. نشترط أساس المشروع الوطني للدخول في أي تحالفات مع القوى الأخرى. في حال لم نتوصل إلى تفاهمات للتحالف مع قوى أخرى، سنكون مع (الحكمة)».
من جانبه، قال محمد حسام الحسيني، عضو المكتب السياسي لـ«تيار الحكمة»: «هناك قوى تشاطرنا الرأي في التحالف قبل الانتخابات، وأخرى تذهب باتجاه التحالفات بعد الانتخابات وظهور النتائج». وأضاف: «الخط الثالث يرى عدم جدوى التحالفات الكبيرة؛ كون (نظام الانتخابات الجديد) لا يخدم التكتلات الكبيرة، وبالتالي يرى أن تدخل القوى السياسية منفردة... ثم التحالف بعد الانتخابات».

تعديل دستوري

وكان البرلمان العراقي قد أقرّ في مارس (آذار) تعديلاً على قانون الانتخابات الذي كان يسمح للقوائم الصغيرة بالحصول على عدد أكبر من المقاعد.
وجاء التعديل بطلب من الحكومة العراقية بدعوى أن النظام السابق سمح لأفراد وقوى صغيرة بالفوز بمقاعد برلمانية على نحو عطل تشكيل الحكومة لأشهر عدة؛ إذ إن صغر حجم هذه القوى لم يؤهلها لتغيير كفة الميزان لصالح أي من التحالفات التي سعت إلى ذلك.
وقال المحلل السياسي شريف الحداد: إن «التعديل الأخير في قانون الانتخابات يجبر القوائم الصغيرة والنواب المنفردين، لا سيما المعارضة، على التوحد في تحالفات لرصّ صفوفهم، لكن غالبيتهم توزعوا على الكتل الكبيرة على ما يبدو عليه الشكل الحالي».
وأجريت آخر انتخابات محلية في العراق في 2013. ومع اجتياح تنظيم «داعش» الأراضي العراقية في العام التالي، واصلت مجالس المحافظات عملها حتى قرر رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي إلغاءها في 2019.
وقال الحداد لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: إن «قانون سانت ليغو (قانون الانتخابات الجديد) أربك القوى السياسية الكبيرة والصغيرة في قرارات تحالفاتها».
وقالت المتحدثة باسم مفوضية الانتخابات جمانة الغلاي لوكالة الأنباء العراقية، اليوم (الثلاثاء): إن عدد التحالفات السياسية المسجلة حتى الآن هو 30 تحالفاً سياسياً، منها 20 تحالفاً جديداً جرى تسجيلها لدى دائرة شؤون الأحزاب للتنظيمات السياسية، بالإضافة إلى عشرة تحالفات راجعت الدائرة لإبداء الرغبة في المشاركة في الانتخابات المحلية. ومن المنتظر عقد انتخابات مجالس المحافظات في 18 ديسمبر (كانون الأول).

وقالت الغلاي: إن «عملية تحديث سجل الناخبين مستمرة، حيث إن المراكز ما زالت تستقبل الناخبين الذين يودون إجراء أي حالة تحديث سواء التسجيل الجديد أو الإضافة أو التصحيح أو النقل أو الحذف»، مبينة أن «عدد حالات التحديث في 1970 مركز تسجيل بلغت 362 ألفاً و567 حالة تحديث لغاية 31 يوليو (تموز) الماضي، من ضمنهم تسجيل النازحين والمهجرين، وهي 2079 حالة في محافظات دهوك وأربيل والسليمانية». وأضافت أن «عدد المسجلين في التصويت الخاص بلغ 725، موزع بواقع 706 للذكور و19 للإناث لغاية يوم أمس 31 يوليو».


مقالات ذات صلة

العراق... لجنة للتحقيق في حادث الأكاديمية العسكرية بذي قار

المشرق العربي قائد القوة البرية خلال زيارته أحد الطلاب المصابين (إعلام وزارة الدفاع)

العراق... لجنة للتحقيق في حادث الأكاديمية العسكرية بذي قار

باشرت لجنة التحقيق العليا الخاصة المُكلفة بالتحقيق في حادث طلاب الأكاديمية العسكرية الرابعة في محافظة ذي قار(جنوباً)، السبت، مهامها بشأن حالات الإغماء.

فاضل النشمي (بغداد)
خاص الأكاديمية الإسرائيلية - الروسية إليزابيث تسوركوف في إسطنبول مايو 2017 (أ.ف.ب)

خاص مفاوضات المختطَفة الإسرائيلية في العراق تصل إلى «مرحلة نهائية»

أبلغت ثلاثة مصادر، أحدها مسؤول حكومي، «الشرق الأوسط»، بأن مفاوضات إطلاق سراح المختطَفة الإسرائيلية في العراق، إليزابيث تسوركوف، وصلت إلى نهايتها.

علي السراي (لندن)
المشرق العربي حارس أمني يظهر بالقرب من ساحة التحرير في بغداد الأسبوع الماضي (أ.ب)

ملامح الحملة الانتخابية العراقية تتبلور مع تصاعد المنافسة

قبل نحو 4 أشهر من موعد الانتخابات البرلمانية العراقية المقررة نهاية العام الحالي، بدأت ملامح أكبر حملة انتخابية تتشكل وسط منافسة محتدمة بين مئات الأحزاب.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي عراقي يلطف الحرارة المرتفعة بمياه نهر شط العراق جنوب البصرة (أ.ف.ب)

الحرارة تصل إلى 49 درجة مئوية في جنوب العراق

سجلت الحرارة أعلى معدلاتها في العراق لهذا العام؛ إذ بلغت 49 درجة مئوية في محافظتين جنوبيتين، وفق هيئة الأنواء الجوية العراقية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي عناصر من قوات «الناتو» في قاعدة عسكرية شمال الموصل بالعراق (رويترز - أرشيفية)

فرنسا تتسلم قيادة مهمة حلف الناتو في العراق

تولى لواء فرنسي الخميس قيادة مهمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في العراق ما يسلط الضوء على الشراكة الاستراتيجية بين باريس وبغداد في وقت تتفاقم التوترات الإقليمية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

كيف انهارت علاقة كندا بإسرائيل بعدما كانت «أفضل صديق»؟

صورة من المسيّرات التي خرجت في كندا دعماً لغزة (أ.ف.ب)
صورة من المسيّرات التي خرجت في كندا دعماً لغزة (أ.ف.ب)
TT

كيف انهارت علاقة كندا بإسرائيل بعدما كانت «أفضل صديق»؟

صورة من المسيّرات التي خرجت في كندا دعماً لغزة (أ.ف.ب)
صورة من المسيّرات التي خرجت في كندا دعماً لغزة (أ.ف.ب)

شهدت العلاقة بين كندا وإسرائيل تحولاً مفاجئاً من النقيض للنقيض، فالحكومة الكندية التي كانت تقف مع إسرائيل وتدافع عنها لسنوت أمام الانتقادات الدولية بسبب سياساتها ضد الفلسطينيين، أصبحت حالياً من الدول البارزة في مهاجمة إسرائيل.

واستعرضت هيئة الإذاعة الكندية في تقرير تاريخ العلاقات بين البلدين لتبرز التناقض الذي تشهده، وكانت حرب غزة نقطة التحول في العلاقات التي كانت توصف فيها كندا بـ«أفضل صديق» لإسرائيل.

جنود إسرائيليون ودبابات قرب حدود غزة مع إسرائيل وسط استمرار العمليات العسكرية (رويترز)

وقالت الهيئة إن علاقة كندا بإسرائيل قطعت شوطاً طويلاً منذ عام 2015، عندما تنافس رئيس الوزراء ستيفن هاربر ومنافسه الطموح جاستن ترودو على لقب «أفضل صديق» للدولة اليهودية.

وبعد فوزه بالأغلبية في عام 2011، جعل هاربر كندا تنضم إلى الكتلة المؤيدة بشدة لإسرائيل في الأمم المتحدة التي تضم الولايات المتحدة ومجموعة من الدول الصغيرة في جزر المحيط الهادئ التي تتبع عادةً نهج واشنطن.

وغالباً ما تنضم إلى هذه الكتلة دائرة أوسع من الدول المؤيدة لإسرائيل؛ إلا أنه في أكثر القضايا إثارة للجدل، صوّت أعضاؤها الأساسيون منفردين مع إسرائيل ضد أغلبية ساحقة.

ومنذ عام 2011، عارضت كندا تقريباً جميع القرارات التي تُؤيد الفلسطينيين أو تنتقد إسرائيل وهو ما يُمثل تراجعاً شبه كامل عن تصويتها على القرارات السنوية نفسها المتعلقة بإسرائيل وفلسطين قبل 15 عاماً.

وطوّر هاربر صداقة شخصية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حتى إنه عزف له على البيانو عام 2014، ولا يزال هاربر شخصية محبوبة في إسرائيل حتى اليوم.

ومع ذلك، زعم ستيفن برونفمان، كبير جامعي التبرعات لجاستن ترودو، أن السياسي الليبرالي هو الصديقُ الأفضل لإسرائيل، مشيراً إلى أنه، على عكس هاربر، زارها بالفعل، وهو ما عوّضه هاربر عدة مرات منذ ذلك الحين.

وقال ترودو خلال حملته الانتخابية عام 2015: «يجب أن تكون كندا دائماً صديقاً قوياً وحقيقياً لإسرائيل»، ولعدة سنوات تلت ذلك، لم يكن لدى إسرائيل أي سبب للشك في هذا الشعور.

واتخذت حكومة هاربر موقفاً مفاده أن إسرائيل تُستهدف بشكل غير عادل في الأمم المتحدة، وأصدرت تعليماتٍ للدبلوماسيين الكنديين بالدفاع عنها وواصل ترودو هذا النهج بل كانت حكومته مستعدة لقبول العزلة الدبلوماسية لدعمها إسرائيل، كما حدث في 2016، عندما انضمت إلى إسرائيل والولايات المتحدة ودول أخرى في معارضة قرار أممي يضمن حماية اتفاقية جنيف للمدنيين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، بينما اصطفت بريطانيا وفرنسا وألمانيا و167 دولة أخرى في الجانب الآخر.

أمام مركز لتوزيع الطعام في خان يونس بجنوب قطاع غزة (أ.ب)

2019: بدء تحول الأصوات

بدأ تحول موقف كندا في عام 2019، بعد أن شكل نتنياهو حكومته الإسرائيلية الخامسة والرابعة على التوالي.

بعد عام من الهجمات العنيفة التي شنها المستوطنون اليهود في الضفة الغربية، صوّتت كندا لصالح قرار في الأمم المتحدة يؤكد حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وتقلصت الكتلة الأساسية المؤيدة لإسرائيل.

وأدانت الجماعات المؤيدة لإسرائيل في كندا بشدة هذا التغيير في التصويت ووصفه مركز إسرائيل والشؤون اليهودية بأنه «انحراف كبير عن سجلّ دعم إسرائيل في الأمم المتحدة على مدى عشر سنوات».

ومع ذلك، واصلت كندا في الغالب اتباع نمط التصويت الذي أرساه هاربر، وواجه ترودو مجدداً انتقادات من وزراء ودبلوماسيين سابقين في عام 2020 بسبب سلبيته الملحوظة في مواجهة الخطط الإسرائيلية لضم أجزاء من الضفة الغربية.

2022: المستوطنون المتطرفون في إسرائيل يستولون على السلطة

في نهاية عام 2022، فاز نتنياهو بولاية سادسة بعد فترة وجيزة من الفراغ، لكن شركاءه التقليديين في الائتلاف رفضوا التعامل معه، فاضطر إلى اللجوء إلى أحزاب كانت سابقاً على هامش الساحة السياسية الإسرائيلية لتشكيل حكومة.

وشهدت اتفاقية الائتلاف الناتجة عن ذلك دخول بعض أكثر الشخصيات تطرفاً في الساحة السياسية الإسرائيلية إلى مناصب وزارية رئيسية، بمن فيهم بتسلئيل سموتريتش، الذي ساهم كثيراً في تدهور العلاقات مع كندا وحلفاء آخرين، والذي يعدّه العديد من الإسرائيليين الرجل الذي يمنع نتنياهو من التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة.

وعدّ مستوطنو الضفة الغربية العنيفون الحكومة الجديدة إشارة لتصعيد هجماتهم، وسرعان ما وجدت حكومة نتنياهو الجديدة نفسها على خلاف مع حلفائها، بدرجات متفاوتة، بشأن توسيع المستوطنات والتهجير ومصادرة الأراضي.

ولكن كما حدث في الماضي، فإن ما تسبب في النهاية في حدوث خلاف هو سلوك إسرائيل في الحرب.

هجوم 7 أكتوبر

بعد هجوم حركة «حماس» على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 قدمت حكومات غربية منها أميركا وكندا وفرنسا وبريطانيا دعماً قوياً لإسرائيل.

مذكرات التوقيف ومحادثات وقف إطلاق النار

مع ارتفاع عدد القتلى المدنيين بشكل حاد في الأشهر الأولى من الحرب الحالية في غزة، وجدت حكومة ترودو نفسها ممزقة بين دعمها الراسخ للمحكمة الجنائية الدولية ورغبتها الراسخة في عدم ملاحقة المحكمة لإسرائيل وهو ما عبرت عنه مراراً وتكراراً مع التهديد الضمني بأن تمويل كندا للمحكمة الجنائية الدولية على المحك.

وتفاقم الارتباك بشأن موقف كندا من مذكرات التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو في ربيع العام الماضي بسبب ضعف التواصل، الذي شابه عدم رغبة ترودو في إثارة غضب مؤيدي أيٍّ من الجانبين.

وشعر المسؤولون الكنديون بأن إسرائيل تلاعبت بهم عندما ضُغط عليهم لخفض تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بناءً على مزاعم بتواطؤ موظفيها مع «حماس» في هجمات 7 أكتوبر.

وفي مارس(آذار) 2024، بعد شهرين من تعليق تمويلها للأونروا، أعادت كندا تمويلها.

وظلت حكومة ترودو تدعم إسرائيل حتى عندما ردّ المستوطنون الإسرائيليون في الضفة الغربية على هجوم 7 أكتوبر بتصعيد هجماتهم على المزارع والمنازل الفلسطينية، في ظل إفلات الحكومة الإسرائيلية من العقاب، وتواطؤ متزايد مع الجيش الإسرائيلي.

وتراجعت كندا في البداية حتى مع فرض حلفائها في أوروبا وواشنطن عقوبات على المستوطنين وعندما أجبر العنف أوتاوا في النهاية على إعلان العقوبات، ترددت في تطبيقها فعلياً.

جنود إسرائيليون ينفّذون عمليات في رفح بغزة (رويترز)

وبرزت بوادر معارضة متزايدة داخل الكتلة الليبرالية، لا سيما مع ارتفاع عدد قتلى الأطفال في غزة. وكشفت استطلاعات الرأي عن أن الشباب الكنديين تحديداً انقلبوا على إسرائيل.

وفي يوليو (تموز) 2024، ومع سقوط نحو 40 ألف قتيل في غزة، انضم ترودو إلى رئيسي وزراء أستراليا ونيوزيلندا للدعوة إلى وقف إطلاق النار.

وفي يناير (كانون الثاني) 2024، أضرّ مقتل الطفلة هند رجب، البالغة من العمر خمس سنوات، التي قضت أياماً وحيدة في سيارة مثقوبة بالرصاص مع جثث عائلتها، وما تلاه من مقتل المسعفين الذين حاولوا إنقاذها، بصورة الجيش الإسرائيلي وقد هدمت تحقيقات صحيفة «واشنطن بوست» وشبكة «سكاي نيوز» نفي الجيش الإسرائيلي لتورطه في الحادث.

وشكّل الهجوم على قافلة مساعدات تابعة لمنظمة «وورلد سنترال كيتشن» غير الحكومية في أبريل (نيسان) 2024، الذي أودى بحياة عامل الإغاثة والجندي السابق في الجيش الكندي جاكوب فليكينجر، بداية نهاية دعم الحكومة الكندية غير المشروط لحملة إسرائيل على غزة.

وتفاقم نفور الرأي العام الأوروبي في مارس من هذا العام عندما انتهكت القوات الإسرائيلية وقف إطلاق النار الذي استمر شهرين، وبعد خمسة أيام، هاجمت قافلة من سيارات الإسعاف في غزة، مما أسفر عن مقتل 15 مسعفاً وعامل إغاثة، وعندما عُثر على الجثث بعد أيام، ادّعى الجيش الإسرائيلي أنهم اقتربوا من نقطة تفتيش وأضواؤهم مطفأة، وأن الوفيات كانت نتيجة ارتباك مأساوي.

واضطر الجيش الإسرائيلي إلى تغيير روايته بعد أن ناقضها مقطع فيديو على جوّال عُثر عليه في جثة أحد المسعفين، لم يترك مجالاً للشك في أن الجنود كانوا يعرفون من يهاجمون.

القشة التي قصمت ظهر البعير: استخدام الجوع «سلاحاً»

في حين أن كندا والمملكة المتحدة وفرنسا طالبت إسرائيل سابقاً بضبط النفس، إلا أن البيان المشترك الذي أصدرته يوم الاثنين يختلف تماماً في لهجته ومضمونه عن أي بيان سابق.

يبدو أن ما دفع كندا وبريطانيا وفرنسا أخيراً إلى قول «كفى» هو استخدام الغذاء سلاحَ حرب.

وكشف الخطاب الذي ألقاه وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي أمام البرلمان البريطاني هذا الأسبوع عن مدى الضرر الذي لحق بالعلاقات، فقد وصف عملية «عربات جدعون» الإسرائيلية - وهي خطة للسيطرة على غزة بالكامل - بأنها «قاسية ولا يمكن الدفاع عنها»، واستهدف لامي نتنياهو مباشرةً بقوله إنه «ينوي الاستمرار في استخدام الجوع ورقةَ ضغط».

وقال لامي أمام البرلمان: «هذا أمر بغيض. يواجه المدنيون في غزة المجاعة والتشرد والصدمة، وهم في أمسّ الحاجة إلى إنهاء هذه الحرب، قصفاً متجدداً ونزوحاً ومعاناة».

وقصفت إسرائيل المستشفيات مراراً وتكراراً، وتوقفت ثلاثة مستشفيات أخرى في شمال غزة عن العمل نهاية هذا الأسبوع. ومع ذلك، قُتل المزيد من عمال الإغاثة والعاملين في المجال الطبي، بعد أن كان العام الماضي الأكثر دموية على الإطلاق للعاملين في المجال الإنساني.

إطلاق نار في جنين

في اليوم التالي للبيان المشترك بين كندا والمملكة المتحدة وفرنسا، تعرض دبلوماسيون من عدة حكومات غربية أدانت حكومة نتنياهو لإطلاق نار من قِبل جنود إسرائيليين في أثناء زيارتهم لمدينة جنين بالضفة الغربية.

وادعى الجيش الإسرائيلي أنه أطلق طلقات تحذيرية في الهواء بعد أن انحرف الدبلوماسيون عن مسار متفق عليه، على الرغم من أن لقطات فيديو من موقع الحادث أظهرت جنوداً يوجهون بنادقهم أفقياً وكان أربعة من موظفي السفارة الكندية، بمن فيهم رئيس البعثة، من بين الذين اضطروا للاختباء.

ووصف رئيس الوزراء الكندي مارك كارني إطلاق النار بأنه «غير مقبول بتاتاً: إنه واحد من أمور كثيرة غير مقبولة بتاتاً تحدث في المنطقة».

بعد وقت قصير من انتقاد لامي للجيش الإسرائيلي لقصفه المستشفيات، شنّت القوات الإسرائيلية هجمات جديدة على مستشفى في جباليا شمال غزة.

واختتمت هيئة الإذاعة الكندية تقريرها بقولها: «بالنسبة لبنيامين نتنياهو، ينذر هذا الأسبوع بمستقبل صعب، فرغم أنه لا يزال موضع ترحيب في واشنطن، لكن من الصعب تخيله يفكر يوماً في زيارة أوتاوا أو لندن أو باريس مرة أخرى، في ظل وجود مذكرة توقيف دولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب معلقة فوق رأسه».