بطريرك الكلدان غاضب من الرئيس العراقي

بعد إلغاء مرسوم «توليه» أوقاف الطائفة

صورة من صفحة البطريركية في «فيسبوك» لساكو مع رشيد والمطران يلدو (يمين) في لقاء سابق
صورة من صفحة البطريركية في «فيسبوك» لساكو مع رشيد والمطران يلدو (يمين) في لقاء سابق
TT

بطريرك الكلدان غاضب من الرئيس العراقي

صورة من صفحة البطريركية في «فيسبوك» لساكو مع رشيد والمطران يلدو (يمين) في لقاء سابق
صورة من صفحة البطريركية في «فيسبوك» لساكو مع رشيد والمطران يلدو (يمين) في لقاء سابق

ما زالت قضية إلغاء مرسوم «المتولي» الذي أصدره رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، الجمعة الماضي، ونص على إلغاء تولي بطريرك الكلدان في العراق والعالم لويس ساكو أوقاف الطائفة، تثير ردود أفعال مختلفة، سواء من الحلقة القريبة من الكردينال وأتباعه وبين أوساط رئاسة الجمهورية وخصوم البطريرك من الساسة المسيحيين الذين يتزعمهم رئيس كتلة «بابليون» (5 مقاعد) في البرلمان ريان الكلداني.

ويتوزع مسيحيو العراق على 4 مذاهب رئيسية (كلدان، وأشوريون، وسريان، وأرمن)، إلى جانب أقليات مذهبية صغيرة، ولكل طائفة من المذاهب الرئيسية مرجعية دينية عليا خاصة بها. وتناقصت أعدادهم في العراق خلال العقدين الأخيرين بشكل كبير نتيجة الهجرة إلى خارج البلاد هروباً من أعمال العنف والإرهاب التي ضربت البلاد.

وبعد سلسلة رسائل غاضبة ومستنكرة وجهها ساكو إلى رئاسة الجمهورية، يقول مصدر مطلع في رئاسة الجمهورية لـ«الشرق الأوسط»، إن «عوامل مجتمعة أفرزت هذه القضية للعلن، ضمنها عدم دستورية المرسوم الجمهوري الصادر عام 2013 وتم إلغاؤه، إلى جانب الخلافات ذات الطابع السياسي والمذهبي بين الأطراف المسيحية». ورجح المصدر «صدور مراسيم أخرى تلغي مراسيم مماثلة بحق رجال دين مسيحيين من طوائف أخرى».

وكان رشيد قد أصدر، في وقت سابق، «مرسوماً جمهورياً بسحب المرسوم الجمهوري رقم (147) لسنة 2013 الخاص بتعيين البطريرك لويس ساكو، بطريرك بابل على الكلدان في العراق والعالم، ومتولياً على أوقافها». والمرسوم المشار إليه صدر في زمن رئيس الجمهورية الراحل جلال طالباني.

وأكدت الرئاسة، في بيان لاحق على إلغاء المرسوم، أن «سحبه ليس من شأنه المساس بالوضع الديني أو القانوني للكاردينال لويس ساكو كونه معيناً من قبل الكرسي البابوي بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم، لكن سحب المرسوم جاء لتصحيح وضع دستوري إذ صدر المرسوم رقم (147) لسنة 2013 دون سند دستوري أو قانوني، فضلاً عن مطالبة رؤساء كنائس وطوائف أخرى بإصدار مراسيم جمهورية مماثلة ودون سند دستوري».

وشددت الرئاسة على أن «البطريرك لويس ساكو يحظى باحترام وتقدير رئاسة الجمهورية باعتباره بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم».

لكن تأكيدات الرئاسة لم تجد القبول المناسب من قبل ساكو، وعاد مساء الثلاثاء، وهاجم في تصريحات صحافية قضية إلغاء المرسوم. وقال فيها: «هذا شيء غريب جداً، فخامة الرئيس كان كبير مستشاري مام (جلال طالباني)، رئيس الجمهورية الأسبق، إن المرسوم مجرد عرف معنوي وقديم جداً منذ العصر العباسي والعثمانيين مروراً بالعهدين الملكي والجمهوري في العراق؛ حيث كان يصدر فرمان من السلطان العثماني أو مرسوم ملكي أو جمهوري فيما بعد، وهو إجراء تقليدي معنوي فأنا لست موظفاً عند رئيس الجمهورية، وهذا العرف، وأعني المرسوم الجمهوري أو الملكي، معمول به في سوريا ولبنان والأردن ومصر».

وأضاف: «لدي مرسوم من بابا الفاتيكان، البابا فرنسيس، وأنا أكبر شخصية دينية مسيحية تمثل الكلدان في العالم وليس في العراق أو الشرق الأوسط فحسب وليس رئيس كنيسة الكلدان الكاثوليك في العالم فقط، بل أنا كاردينال أهم شخصية دينية بعد البابا ويحق لي الترشيح على الكرسي البابوي وخوض الانتخابات لمنصب البابا، أنا كاردينال كل الكلدان في العالم، على الأقل كان على فخامة رئيس الجمهورية احترام مرسوم البابا».

وعن الأسباب التي دفعت الرئيس لطيف رشيد لاتخاذ هذا القرار، قال ساكو إن «فخامة الرئيس اعتمد على شائعات غير صحيحة على الإطلاق واعتمد على فيلم (فيديو) مفبرك يتحدث عن قيامي ببيع كنيسة في قرية (كربليس) وهي تابعة لنا وتحويلها إلى مول، مع أن القرية صغيرة جداً وفيها 400 عائلة وبضعة دكاكين صغيرة. فكيف أبيع الكنيسة وأحولها إلى مول؟!».

ورأى أن «سحب المرسوم الجمهوري لا يؤثر عليّ شخصياً بشيء ولكن تأثيره خطير على المسيحيين في العراق، فقد خلق حالات من الرعب والقلق عندهم، وبدأوا يفكرون بالهجرة من العراق حتى إن غالبيتهم يتصلون بنا ونحن نطمئنهم، هذا بالإضافة إلى الإهانة للديانة المسيحية».

وذكر ساكو معاتباً: «كتبت 3 رسائل إلى فخامة رئيس الجمهورية ولم يرد على أي منها، كل ما فعله إصدار تصريح لكنه ليس هو الحل».

رد الرئاسة

ثم أصدر مكتب رئاسة الجمهورية بياناً جاء فيه: «تداولت بعض وسائل الإعلام خبراً مفاده أن سحب المرسوم الجمهوري رقم (147) لسنة 2013 مقصود به رمز ديني بعينه، وهنا نود أن نبين أنه سبق وأن صدر مرسومان جمهوريان لرمزين دينيين في الفترة نفسها، ولم يتم تجديدهما أيضاً لعدم وجود سند دستوري أساساً لصدورهما، إذ لا تصدر المراسيم الجمهورية بالتعيين إلا للعاملين في المؤسسات والرئاسات والوزارات والهيئات الحكومية، وبالتأكيد لا تُعد المؤسسة الدينية دائرة حكومية ولا يُعد رجل الدين القائم عليها موظفاً في الدولة كي يصدر مرسوم بتعيينه. من هنا نؤكد مرة أخرى أن سحب المرسوم الجمهوري رقم (147) كان بقصد تصحيح وضع دستوري بعيداً عن أي اعتبارات أخرى».

ومنذ سنوات يخوض الكاردينال ساكو صراعاً شديداً مع حركة «بابليون» التي لها 5 مقاعد برلمانية وتمكنت تقريباً من «احتكار» كوتا التمثيل المسيحي في البرلمان، ويتهمها ساكو والحلقة القريبة منه بالتعدّي على الأموال المسيحية في سهل نينوى وبغداد بالنظر إلى نفوذها السياسي المرتبط بهيئة «الحشد الشعبي» وعلاقاتها الوطيدة مع بعض الفصائل الشيعية المسلحة وامتلاكها فصيلاً عسكرياً يعمل تحت مظلة الحشد. وفي مقابل ذلك، تتهم «بابليون» الكردينال ساكو بـ«السعي لاستثمار القضايا الدينية في المجال السياسي» وأيضاً بمحاولة السيطرة على الأملاك المسيحية، وقد قام مقربون من الحركة، نهاية أبريل (نيسان) الماضي، بإصدار أوامر قبض قضائية ضد ساكو بتهمة «الاحتيال وتزوير سندات عقارية بهدف الاستحواذ عليها»، قبل أن يقوم القضاء برد الدعوى.

وكانت حركة «بابليون» قد أصدرت، في وقت سابق، بياناً أيّدت فيه إلغاء المرسوم 147، قالت فيه إن «حجة التولية، أو المرسوم، هي إجراءات إدارية ومُخلفات لأنظمة سياسية واجتماعية كانت تتعامل مع البطاركة على أنهم رؤساء لطوائفهم لتمثيلها في شؤونها لدى الولاة والحُكام، ومن أجل جمع الجزية من أبناء الطائفة لصالح بيت المال أو لولي الأمر». ورأت الحركة، أن المادة 43 من الدستور تنص على أن «أتباع كل دين أو مذهب أحرار في ممارسة الشعائر الدينية بما فيها الشعائر الحسينية وإدارة الأوقاف وشؤونها ومؤسساتها، لذلك فإن إجراء رئيس الجمهورية الأخير بسحب المرسوم الجمهوري 147 هو إجراء صحيح وقانوني».


مقالات ذات صلة

مصادر عراقية: إيران لا تريد إحراج السوداني في حرب لبنان

المشرق العربي السوداني خلال لقائه أنطونيو غوتيريش في نيويورك (إعلام حكومي)

مصادر عراقية: إيران لا تريد إحراج السوداني في حرب لبنان

رغم أن الحكومة العراقية انخرطت في الجهود الدولية الهادفة إلى وقف النار في لبنان، فإنها تجاهلت إعلان الفصائل المسلحة الموالية لإيران استعدادها للمشاركة في الحرب.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي الرئيس العراقي السابق برهم صالح (الشرق الأوسط)

برهم صالح لـ«الشرق الأوسط»: العراق أفضل شاهد على العنف... والمنطقة قريبة من الهاوية

دشّنت «الشرق الأوسط» سلسلة جلسات حوارية مع صنّاع القرار حول العالم، بدأت مع الرئيس العراقي السابق برهم صالح، الذي قدّم تصوراته عن مستقبل التصعيد في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد الاجتماع بين نائب وزير الخزانة الأميركي والي أدييمو ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (وكالة الأنباء العراقية)

العراق يتعاقد مع شركات عالمية لإعادة هيكلة المصارف الحكومية

تسعى الحكومة العراقية والاتجاهات المالية والمصرفية القريبة منها إلى تسويق فكرة «الإصلاح المالي» وتجاوز العقبات التي تواجهها البلاد جرّاء تخلف نظامها المصرفي.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي مسؤولون في مفوضية الانتخابات خلال إعلان انطلاق الحملات الانتخابية في كردستان (موقع المفوضية)

انطلاق الحملات الانتخابية لبرلمان كردستان العراق

انطلقت، الأربعاء، الحملات الدعائية لانتخابات برلمان إقليم كردستان العراق المقرر إجراؤها في 20 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي صورة إطلاق طائرة مُسيَّرة من فيديو نشرته «المقاومة الإسلامية في العراق» عبر «تلغرام»

«المقاومة الإسلامية في العراق» تشن هجمات بالمُسيَّرات والصواريخ على إسرائيل

أعلنت جماعات مسلحة تطلق على نفسها «المقاومة الإسلامية في العراق» فجر اليوم (الأربعاء) أنها شنت 3 هجمات بالطيران المُسيَّر والصواريخ، استهدفت مناطق في إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

شعبية نتنياهو ترتفع بفضل الحرب ضد «حزب الله»

دمار جرّاء الغارات الإسرائيلية على السكسكية بجنوب لبنان (رويترز)
دمار جرّاء الغارات الإسرائيلية على السكسكية بجنوب لبنان (رويترز)
TT

شعبية نتنياهو ترتفع بفضل الحرب ضد «حزب الله»

دمار جرّاء الغارات الإسرائيلية على السكسكية بجنوب لبنان (رويترز)
دمار جرّاء الغارات الإسرائيلية على السكسكية بجنوب لبنان (رويترز)

أظهر الاستطلاع الأسبوعي للرأي العام في إسرائيل، الذي تجريه صحيفة «معاريف» العبرية، واستطلاع آخر تجريه قناة «آي 24» (I 24)؛ أن حزب «الليكود»، برئاسة بنيامين نتنياهو، سيفوز بـ25 مقعداً في «الكنيست» إذا أُجريت الانتخابات اليوم. ويعني ذلك أن الحزب يحقّق تقدماً في نتائجه المتوقعة، وذلك بفضل النجاحات التي يراها الإسرائيليون في إدارته للحرب على لبنان.

لكن هذه النتائج تشير إلى أن «الليكود» ما زال بعيداً عن الأرقام التي تتيح له البقاء في الحكم وتشكيل حكومة. إذ إن الزيادة في عدد نوابه، مقارنة باستطلاعات الرأي السابقة، تأتي بالأساس على حساب حلفائه في اليمين. في المقابل، ما زال المعسكر المعارض له يحقّق نتائج أفضل. فقد أشار الاستطلاعان إلى أنه في حال تشكيل رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، حزباً جديداً وتحالفاً جديداً مع جهات أخرى فإنه سيكتسح المعركة ويحصل على ما يمكنه من هزم نتنياهو وتشكيل حكومة ذات أكثرية ساحقة.

ومع أن هذه النتائج تعبّر عن استمرار رغبة الإسرائيليين في التخلص من نتنياهو، إلا أن الارتفاع في شعبيته 4 مقاعد خلال الشهر الأخير تبثّ روح التفاؤل في صفوف حزبه ومعسكره. ويعتقد مناصرو نتنياهو أنه سيستطيع استعادة شعبيته ببطء، ولكن بثقة.

وحسب استطلاع «معاريف»، الذي أجراه معهد «لزار» للبحوث، وبمشاركة «Panel4All»، فإن المعسكر المؤيد لنتنياهو يهبط من 64 مقعداً حالياً إلى 53 مقعداً، فيما لو بقيت تركيبة الأحزاب كما هي.

بينما المعارضة ستحصل على 53 مقعداً، تُضاف إليها 10 مقاعد للأحزاب العربية (6 مقاعد لـ«تحالف الجبهة» بقيادة أيمن عودة و«الحركة العربية للتغيير» بقيادة أحمد الطيبي، و4 مقاعد لـ«الحركة الإسلامية» بقيادة منصور عباس). وفي هذه الحالة تستطيع المعارضة تشكيل حكومة، إذا غيّرت موقفها وقبلت تشكيل تحالف مع قائمة منصور عباس. وإذا لم تقبل، ولم تجد حليفاً لها من معسكر نتنياهو، فإن الانتخابات ستُعاد مرة أخرى، وسيبقى نتنياهو في الحكم لعدة شهور أخرى حتى تُجرى انتخابات جديدة.

وتشير نتائج استطلاع «آي 24» إلى نتائج شبيهة جداً.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتحدث أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم الجمعة (رويترز)

وقد جاء لافتاً للنظر جواب المواطنين الإسرائيليين عن السؤال حول رأيهم في وقف إطلاق النار. فحسب استطلاع «آي 24»، قال 63 في المائة من المستطلعين إنهم يؤيّدون استمرار القتال، و28 في المائة فقط يؤيّدون وقف إطلاق النار الذي قد يؤدي إلى تسوية في الشمال (مع لبنان)، و9 في المائة لا يوجد لديهم أي موقف.

وحسب استطلاع «معاريف» جاءت النتائج أكثر حدة؛ فقد أعرب 57 في المائة عن اعتقادهم أن على إسرائيل مواصلة الحرب على لبنان من خلال الغارات الجوية فقط، في حين عدّ 24 في المائة أن على إسرائيل شن اجتياح بري في لبنان، وقال 19 في المائة إن لا موقف لديهم. ويتبيّن من الاستطلاع أن 69 في المائة من ناخبي أحزاب المعارضة يؤيدون استمرار الغارات الجوية فقط على لبنان، في حين يؤيّد ذلك 48 في المائة من ناخبي أحزاب الائتلاف، مقابل 38 في المائة من هؤلاء الناخبين الذين يؤيّدون اجتياحاً برياً.

ويؤيّد 48 في المائة من الجمهور في إسرائيل استمرار الحرب على غزة، في حين يؤيّد 42 في المائة وقف الحرب والتوصل إلى اتفاق تبادل أسرى مع حركة «حماس»، ولم يعبر 10 في المائة عن موقفهم.

وقال 86 في المائة من ناخبي أحزاب الائتلاف اليميني الحاكم، إنهم يؤيّدون استمرار الحرب على غزة، في حين يفضّل 66 في المائة من ناخبي أحزاب المعارضة وقف الحرب واتفاق تبادل أسرى.

وقال 66 في المائة من الإسرائيليين إنهم يرفضون المبادرة الأميركية - الفرنسية لوقف إطلاق النار في لبنان. وقد بلغت هذه النسبة بين المواطنين اليهود 74 في المائة، لكن تأييد غالبية المواطنين العرب لهذه المبادرة خفّف من حدة هذا الرفض.