السوداني يحذر من «شلة» تنتظر الانقضاض على الأموال

رئيس الوزراء العراقي بدأ حرباً على الفساد من بوابة «الموازنة المالية»

السوداني يرأس جلسة مجلس الوزراء الثلاثاء الماضي (رئاسة الوزراء)
السوداني يرأس جلسة مجلس الوزراء الثلاثاء الماضي (رئاسة الوزراء)
TT

السوداني يحذر من «شلة» تنتظر الانقضاض على الأموال

السوداني يرأس جلسة مجلس الوزراء الثلاثاء الماضي (رئاسة الوزراء)
السوداني يرأس جلسة مجلس الوزراء الثلاثاء الماضي (رئاسة الوزراء)

كشف رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، وجود «شلة» من الفاسدين تنتظر الانقضاض على الموازنة المالية للعراق العام الحالي، التي تعد الأكبر في تاريخ البلاد.

السوداني، وفي سياق حديث داخل مجلس الوزراء، قال: «هناك شلة من الفاسدين تنتظر الانقضاض على التخصيصات المالية المرتبطة بالموازنة المالية... هذه الشلة تعد العدة؛ لكي تستثمر هذه الأموال كما استثمرت الأموال طوال الموازنات المالية في السنوات الماضية، ولم تترك أثراً للمواطن».

ويجيء حديث السوداني، على صعيد محاربة الفساد، بالتزامن مع بدء سلسلة إجراءات أقدمت عليها هيئة النزاهة، في ملاحقة أطراف متورطة في الفساد في عدد من المحافظات والأجهزة الحكومية.

وبين المحافظات التي شملتها ملاحقات الفساد، محافظة الأنبار غرب العراق. فبعد اعتقال مدير هيئة النزاهة فرع الأنبار بتهم فساد، قامت الأجهزة الأمنية المرتبطة بالهيئة باعتقال مدير تقاعد المحافظة، كاشفة، في بيان لها، عن العثور في منزله على مبلغ قدره 30 مليون دولار أميركي، فضلاً عن 3 سيارات فاخرة بأرقام مميزة يبلغ سعر الرقم عشرات آلاف الدولارات.

وبينما تعلن هيئة النزاهة يومياً إجراءاتها في المحافظات كافة، على صعيد محاربة الفساد وإلقاء القبض على مسؤولين وموظفين كبار، ومنهم موظفون تابعون لهيئة النزاهة نفسها، فإن السوداني أصدر أوامر بإعفاء رئيس ديوان الرقابة المالية، وهو أحد الأجهزة الأكثر عراقة في الدولة، وتكليف شخصية جديدة إدارته من دون معرفة الأسباب والدوافع.

كما أصدر السوداني (الأربعاء) قراراً لافتاً، وهو تعيين أبو علي البصري رئيساً لجهاز الأمن الوطني خلفاً لرئيسه السابق حميد الشطري، الذي نُقل بصفة «مستشار» إلى جهاز الأمن القومي.

وبحسب المراقبين السياسيين، فإن تعيين البصري على رأس جهاز الأمن الوطني أتي لأنه أصبح إحدى الأذرع الأساسية التي يعتمد عليها السوداني في محاربة الفساد، كون جهاز الأمن الوطني هو مَن يتولى في الغالب تنفيذ عمليات إلقاء القبض على المتهمين بالفساد.

السوداني يتحدث للصحافيين (أرشيفية - د.ب.أ)

إلى ذلك، وجّه السوداني نقداً لفريقه الحكومي؛ بسبب كثرة الإيفادات بين الوزراء ومن هم بدرجتهم. وقال السوداني مخاطباً الوزراء خلال جلسة مجلس الوزراء: «علينا تقليل الإيفادات، حيث لاحظنا هناك كثرة في الإيفادات».

وفيما حدد السوداني فترة 6 أشهر من أجل «تحقيق إنجاز خلال هذه الفترة بعد بدء تنفيذ بنود الموازنة المالية» فإنه أكد «ضرورة العمل ليل نهار من قبل الوزراء خلال فترة الستة أشهر؛ لكي يرى المواطن العراقي، الذي يسمع بموازنة مالية قدرها 200 تريليون دينار عراقي (نحو 180 مليار دولار أميركي)، إنجازات على أرض الواقع».

وقال: «الجهات الرقابية كلها في حالة استنفار، والأجهزة الأمنية تتابع عمليات الفساد؛ بهدف تنفيذ البرنامج الحكومي والإصلاح الاقتصادي» مؤكداً في الوقت نفسه أن «ما نقوم به كله قانوني».

وحول ما قيل عن عزم الحكومة الطعن في 12 مادة في الموازنة المالية، قال السوداني: «هناك مواد أُضيفت خارج الصلاحيات سوف ندرسها، ونرى إذا كانت تنسجم مع البرنامج الحكومي فيمكن اعتمادها... وفي حال كانت خارج البرنامج الحكومي والبرنامج الاقتصادي فإننا لن نعتمدها، حيث لا مجال للمجاملة».

وزير الكهرباء العراقي الأسبق، الدكتور لؤي الخطيب، رأى أن التحذيرات لا تكفي، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «تحذيرات رؤساء وزراء العراق ضد الفساد متطابقة حد الملل، ولن تردع فاسداً ما دام المال العام تحكمه المحاصصة السياسية بنظام اشتراكي في ظل احتكار حكومي للقطاعات التشغيلية».

وأضاف الخطيب: «دور الحكومة إداري / تنظيمي، وجباية الضرائب برقابة الهيئات المستقلة ومجلس النواب». وعدّ أن «مكافحة الفساد تبدأ بوأد المحاصصة من خلال إنهاء موروث النظام الاشتراكي والهيمنة الحكومية على القطاعات جميعها لضبط سلوك الموظف الحكومي بعيداً عن الإغراءات، وتفعيل دور القطاع الخاص في إدارة الأذرع التشغيلية للدولة بمعايير عالمية ورقابة صارمة، بخطة واضحة وسقف زمني محدد».


مقالات ذات صلة

«نزاهة» السعودية توقف 139 متهماً في قضايا فساد

الخليج هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في السعودية (الشرق الأوسط)

«نزاهة» السعودية توقف 139 متهماً في قضايا فساد

أعلنت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في السعودية «نزاهة»، أنها حققت مع 380 موظفاً بوزارات الداخلية والدفاع والعدل والصحة والتعليم والبلديات والإسكان.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أوروبا صورة التقطتها وزارة الدفاع الروسية يناير 2015 تُظهر نائب وزير الدفاع السابق بافيل بوبوف في الصورة الرسمية بموسكو (أ.ب)

اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي السابق بتهمة الاحتيال

أمرت السلطات الروسية باحتجاز مسؤول عسكري روسي سابق بتهمة الاحتيال، اليوم (الخميس)، في أحدث اعتقال رفيع المستوى لمسؤول عسكري كبير بالبلاد.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
المشرق العربي صورة متداولة لـ«نور زهير» المتهم الرئيسي لما تُعرف بـ«سرقة القرن» (فيسبوك)

​المتهم بـ«سرقة القرن» مطارداً بمذكرة قبض عراقية

بات المتهم بـ«سرقة القرن» نور زهير مطارداً بمذكرة قبض أصدرتها محكمة الفساد العراقية بعدما ألغت الكفالة المشروطة التي منحت له لاسترداد صكوك الأمانات الضريبية.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي نور زهير المتهم الرئيسي بـ«سرقة القرن» خلال حوار تلفزيوني (قناة الشرقية)

غموض يلفُّ إصابة المتهم بـ«سرقة القرن» العراقية في بيروت

تحوّل خبر حادث مروري مزعوم في بيروت إلى سجال عراقي حول قضية المتهم الرئيسي بـ«سرقة القرن» في العراق.

«الشرق الأوسط» (بيروت - بغداد)
الخليج هيئة الرقابة أكدت مضيها في تطبيق ما يقتضيه النظام بحق المتجاوزين دون تهاون (الشرق الأوسط)

السعودية: إيقاف ضابط متقاعد و3 مقيمين تورطوا بقضية فساد

أعلنت «هيئة الرقابة» السعودية إيقاف ضابط متقاعد وثلاثة مقيمين تورطوا بقضية فساد منظورة لديها، مؤكدة أن العمل جارٍ لاتخاذ الإجراءات النظامية بحقهم.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

القضاء العراقي: معلومات «شبكة التنصت» مبنية على «التحليل والاستنتاج»

رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني (د.ب.أ)
رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني (د.ب.أ)
TT

القضاء العراقي: معلومات «شبكة التنصت» مبنية على «التحليل والاستنتاج»

رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني (د.ب.أ)
رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني (د.ب.أ)

أعاد مجلس القضاء الأعلى العراقي، الأحد، التذكير بقضية «شبكة التنصت» التي تفجرت قبل نحو أسبوعين، وضمت مسؤولين وضباطاً متخصصين في الأمن الرقمي، يعملون في مكتب رئاسة الوزراء.

ووصف مجلس القضاء الأعلى المعلومات المتداولة بشأن القضية بأنها «غير دقيقة». وأكد في بيان «عدم دقة المعلومات المتداولة في بعض مواقع التواصل الاجتماعي، بخصوص التحقيق فيما تعرف بقضية (شبكة محمد جوحي) كون هذه المعلومات مبنية على التحليل والاستنتاج، بعيداً عن الحقيقة». وجوحي المشار إليه شغل منصب معاون مدير عام الدائرة الإدارية في مكتب رئيس الوزراء، وهو ابن أخٍ لرائد جوحي، مدير مكتب رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.

وفي مقابل البيان القضائي الذي أشار إلى المتورط في «قضية التنصت» بصراحة، أصدر الناطق الرسمي باسم الحكومة، باسم العوادي، الأحد، بياناً يشير إلى القضية نفسها التي تتوالى فصولها منذ أيام.

وقال بيان الناطق إن حكومته «تتابع من منطلق التزامها ومسؤولياتها القانونية، الحملات المضللة التي تستهدف إعاقة عملها في مختلف المجالات، ومنها ما جرى تناوله من معلومات غير دقيقة تستبطن الغمز، وبعضها تضمن الاتهام المباشر للحكومة تجاه قضايا تخضع الآن لنظر القضاء؛ إذ تنتظر السلطة التنفيذية ما سيصدر عنه بهذا الصدد، مع تأكيد الحكومة المستمر على الالتزام بالقانون واحترام قرارات القضاء».

وأضاف أن «الحكومة تشدد على المضي في محاربة الفساد وكل أشكال التعدي على القانون، وذلك بالتعاون المستمر والوثيق مع السلطتين القضائية والتشريعية، كما أنها تعوّل في هذا المسار على يقظة المواطن ووعيه، حتى لا يكون ضحيّة لمن يشوه الحقائق ويتعمد تضليل الرأي العام».

وذكر بيان الناطق الحكومي أن «هناك من يعمل على جرّ الحكومة وإشغالها عن نهجها الوطني، عبر محاولات يائسة لا تصمد أمام الإجراءات القانونية الحقيقية والفعلية التي تعمل الحكومة على تنفيذها ودعمها. وقد أثبتت السنتان الماضيتان من عمر الحكومة قوة الإرادة في هذا الاتجاه، والتصميم المتواصل على تنفيذ الإصلاحات، وعدم التهاون في الحق العام، مهما كانت الضغوط والتبعات».

رد متأخر

بيان القضاء الجديد، وكذلك الحكومة، صدرا بعد 4 أيام من بيان مماثل أصدره القضاء، وقال فيه إنه «لا صحّة لما يجري تداوله على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بشأن وجود محاولات تنصت على القاضي فائق زيدان»، بالنظر إلى أن المعلومات التي رشحت عن عمل شبكة التنصت، ذهبت إلى أن زيدان كان ضمن لائحة المستهدفين.

ويضفي البيانان الجديدان مزيداً من الغموض على القضية بدلاً من تفكيك تفاصيلها، حسب مراقبين؛ خصوصاً مع ما يتردد عن تورط مسؤولين كبار في رئاسة الوزراء. وتشير بعض المصادر إلى صدور أوامر قبض جديدة على مسؤولين رفيعين في مكتب رئيس الوزراء.

وكان السوداني قد أمر في 20 أغسطس (آب) الماضي بـ«تشكيل لجنة تحقيقية بحقّ أحد الموظفين العاملين في مكتب رئيس مجلس الوزراء؛ لتبنّيه منشوراً مُسيئاً لبعض المسؤولين، وعدد من السادة أعضاء مجلس النواب، وإصدار أمر سحب يد لحين إكمال التحقيق».

وأبلغت مصادر مطلعة «الشرق الأوسط» الخميس الماضي، بأن «زعيمين بارزين في (الإطار التنسيقي) من ضحايا عملية التنصت التي قامت بها الشبكة المذكورة، وأنهما أبلغا القضاء بمعطيات القضية».

وحسب إفادات سابقة للنائب مصطفى سند، فإن محكمة تحقيق الكرخ، المختصة بقضايا الإرهاب، قامت، الأسبوع الماضي، بـ«اعتقال شبكة من القصر الحكومي لمكتب رئيس الوزراء؛ وعلى رأسهم المقرَّب (محمد جوحي)، وعدد من الضباط والموظفين».

وذكر أن الشبكة «كانت تمارس عدة أعمال غير نظيفة؛ ومنها التنصت على هواتف عدد من النواب والسياسيين (وعلى رأسهم رقم هاتفي)، كذلك تقوم الشبكة بتوجيه جيوش إلكترونية، وصناعة أخبار مزيفة، وانتحال صفات لسياسيين ورجال أعمال ومالكي قنوات».

حجاج شيعة على طريق كربلاء لإحياء «ذكرى عاشوراء» في أغسطس 2024 (رويترز)

«تمثيلية» أو تصفية حساب

وترى أوساط مقربة من السوداني أن تلك محاولات لتصفية الحسابات معه، نظراً إلى أن معلومات كهذه سوف تتسبب في إحراج كبير له، قد يؤثر على وضعه السياسي على مشارف الانتخابات. لكن القيادي السابق بالتيار الصدري، ونائب رئيس الوزراء الأسبق، بهاء الأعرجي، وصف الأمر بأنه لا يخرج عن إطار «التمثيلية».

الأعرجي -في لقاء متلفز- قال إن «(الإطار التنسيقي) قام بتمثيلية إعلامية ضد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، من أجل أن يعود إلى صفوفه في الانتخابات المقبلة». وأضاف الأعرجي أن «بعض الخلافات بين السوداني و(الإطار) قديمة، وظهرت الآن مع قرب الانتخابات»، مضيفاً أن «الهجمة الإعلامية ضد رئيس الوزراء هي تمثيلية، من أجل أن يعود إلى صفوف (التنسيقي) في التحالفات الانتخابية». وأكد الأعرجي أن «بعض الأطراف في (الإطار) كانت تتصور أن يكون السوداني سهلاً، ويمكن أن يمرر كثيراً من الأمور والعقود والمصالح، وأن يكون مديراً لهم؛ لكنه لا يقبل بذلك، وأصبح قائداً سياسياً».

ورقة ضغط انتخابية

في وقت بدأت فيه بعض الأطراف داخل «الإطار التنسيقي» الشيعي التي بدأت خلافاتها مع السوداني تظهر على السطح، ترفع سقف طموحاتها بشأن نتائج التحقيقات في قضية التنصت، والتي أشاعوا تسميتها «شبكة التجسس»، لا تزال هناك قوى ضمن دائرة «الإطار» نفسه، لا ترغب في هذا التصعيد؛ كونها داعمة للسوداني أصلاً، ولكونها ترى أن أي هزة في البيت الشيعي، وفي هذا الظرف، لن تتوقف تداعياتها عند منصب رئيس الوزراء.

وفي هذا السياق، ورغم عدم عقد اجتماع دوري لقوى «الإطار التنسيقي»، فإن قائدين بارزين، هما: زعيم «تيار الحكمة» عمار الحكيم، وزعيم «العصائب» قيس الخزعلي، التقيا مؤخراً ليصدرا بياناً يؤازران فيه حكومة السوداني.

لكن بالنسبة للأطراف التي تعتمد على تسريبات متداولة حول تقديم موعد الانتخابات البرلمانية، من نهاية العام المقبل إلى منتصفه، بعدما فشلت في إجراء انتخابات مبكرة نهاية العام الحالي، فإن تركيزها الآن ينصب على المطالبة بتغيير قانون الانتخابات، من الدائرة الواحدة إلى دوائر متعددة، للحد من قدرة السوداني والمتحالفين معه على الحصول على الأغلبية التي تؤهلهم لتشكيل الحكومة المقبلة.