«رائحة البارود تقتلنا»... اجتياح جنين يعيد ذكريات «مجزرة 2002»

TT

«رائحة البارود تقتلنا»... اجتياح جنين يعيد ذكريات «مجزرة 2002»

دخان يتصاعد خلال العملية العسكرية الإسرائيلية في جنين بالضفة الغربية (إ.ب.أ)
دخان يتصاعد خلال العملية العسكرية الإسرائيلية في جنين بالضفة الغربية (إ.ب.أ)

على أطراف مخيم جنين بالضفة الغربية، تفوح رائحة البارود، ومن أحد شوارعه الضيقة يحاول 3 رجال إسعاف التقدم أكثر في المخيم، لكن سرعان ما يتراجعون تحت وقع زخات رصاص لا تنقطع، وسط عملية عسكرية أعادت إلى الأذهان اجتياح المدينة والمجزرة التي ارتُكبت فيها عام 2002.

يُطلق «الهلال الأحمر الفلسطيني» نداء استغاثة، طالباً فتح ممر آمن لطواقم الإسعاف، في ظل واقع مجهول داخل المخيم، وفق ما نقلته «وكالة أنباء العالم العربي».

ويتحدث محمد العمري، وهو شاهد عيان من جنين، للوكالة، عن الظروف الغامضة في مدينة جنين ومخيمها. يقول: «نحن على بُعد أمتار من المخيم، نشاهد آليات عسكرية تحتشد أكثر وأكثر، لكن لا أحد يعلم ما يجري في الداخل».

ويضيف: «هنا تقتلنا رائحة البارود، فكيف بمن يصيبهم البارود نفسه داخل المخيم؟ نحاول التواصل مع كثير من الناس في داخل المخيم، لكن يبدو أن خللاً أصاب شبكات الهاتف».

عربات عسكرية إسرائيلية تتقدم على طريق خلال العملية العسكرية في جنين (أ.ف.ب)

وأمام مستشفى ابن سينا في جنين، يحتشد عشرات الصحافيين، بعدما منعهم الجيش الإسرائيلي من دخول المخيم. هناك يتحدثون عن ذكريات اجتياح أبريل (نيسان) في عام 2002، ووسط الحديث يهرع المزيد من سيارات الإسعاف المحملة بالجرحى تباعاً.

وفي الفترة من 1 إلى 11 أبريل 2002، اقتحمت القوات الإسرائيلية مدينة جنين، ودارت معركة عنيفة راح ضحيتها مئات الفلسطينيين، وفق السلطة الفلسطينية التي اتهمت الاحتلال آنذاك بالقتل العشوائي واستخدام دروع بشرية، فيما عُرف بـ«مجزرة جنين».

وكانت طائرات إسرائيلية قد استهدفت بالصواريخ عدة مواقع داخل مخيم جنين وعلى أطرافه، فجر اليوم الاثنين.

وفي أعقاب القصف، اقتحمت قوات كبيرة من الجيش، ترافقها جرافات عسكرية مدرَّعة، مدينة جنين من عدة محاور، وحاصرت مخيم جنين، وقطعت الطرق التي تربط المدينة بالمخيم، واستولت على عدد من المنازل والبنايات المُطلة على المخيم، ونشرت قناصتها فوق أسطحها، وقطعت التيار الكهربائي عن أجزاء كبيرة من المخيم.

وقال شهود عيان إن النيران اشتعلت في أكثر من مبنى.

ويصف عضو المجلس الثوري لحركة «فتح» جمال حويل، وهو من مخيم جنين، ما يجري بأنه «اجتياح»، ونقلت «وكالة أنباء العالم العربي» عنه القول: «الوضع ما زال خطيراً. أحاطوا المخيم من جميع الجهات، وأحضروا الجرّافات وناقلات الجيش والدبابات، وفتحوا نقاطاً وطاقات في المنازل، ووضعوا سواتر ترابية في أكثر من مكان، ونشروا القناصة حول المخيم، وهناك طائرات إسرائيلية استطلاعية في السماء».

وأضاف: «المقاوِمون يديرون المعركة بحنكة وقوة وحكمة، ويواجهون الجيش وينتظرون قدومه وجهاً لوجه».

دمار عند مدخل مخيم جنين وفي الخلفية عربة عسكرية إسرائيلية (إ.ب.أ)

ويؤمن حويل بأن الفصائل الفلسطينية في جنين قادرة على ردع الجيش الإسرائيلي، وقال: «هذه الدولة التي تعتبر نفسها الأولى من الناحية التكنولوجية والتقنية، وتملك كل أنواع الصواريخ والطائرات، استطاع المقاوِمون أن يلقّنوا جيشها درساً، كما فعل آباؤهم في معركة 2002».

ووفق وزارة الصحة الفلسطينية، أدت العملية العسكرية، الجارية حالياً في جنين، إلى مقتل 9 أشخاص، وإصابة 28 بجراح، بينهم 8 جروحهم خطيرة. وأضافت الوزارة أن من بين القتلى 3 سقطوا نتيجة القصف، في حين تبقى الحصيلة مرشحة للارتفاع بسبب وجود إصابات حرِجة.

وقال الجيش الإسرائيلي، في بيانات متتابعة، إن نشاطه في جنين سيتواصل لحين تحقيق الأهداف التي وضعتها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. وذكر أن جندياً أُصيب بجروح طفيفة؛ جراء شظية قنبلة أطلقها فلسطينيون، وأنه نُقل للمستشفى.

وأثارت العملية ردود فعل فلسطينية وعربية واسعة مندِّدة بالهجوم.

دخان يتصاعد خلال العملية العسكرية الإسرائيلية في جنين (إ.ب.أ)

وأصدرت الرئاسة الفلسطينية بياناً قالت فيه: «إسرائيل ترتكب جريمة حرب جديدة في جنين، ولن نرفع الراية البيضاء»، ووصفت ما يجري بأنه «جريمة حرب».

وفي قطاع غزة، أصدرت غرفة العمليات المشتركة، التي تجمع الفصائل المسلَّحة في غزة، بياناً قالت فيه إنها في حالة انعقاد دائم. وأضافت: «المقاومة في كل الساحات لن تسمح للعدو بالتغول على أهلنا في جنين أو الاستفراد بهم. وندعو كل فصائل المقاومة في جنين ومخيمها للتكاتف وخوض المواجهة بشكل موحد».

من جانبه، قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية إن «الجرائم» في جنين ونابلس وغزة لن تجلب الأمن لإسرائيل، ما دام يُعتدى على شعبنا الفلسطيني.

وأضاف رئيس الوزراء، في كلمته بمستهلّ جلسة الحكومة في رام الله، اليوم، أن ما يجري هو محاولة جديدة لإزالة المخيم عن الوجود وتهجير أهله، مؤكداً أن الشعب الفلسطيني سيتصدى لهذا الهجوم «الذي يجري تحت أنظار المجتمع الدولي وأعينه، إذ الأبرياء يُقصفون بالطائرات... وسنبقى في مواجهة إلى أن يزول هذا الاحتلال المجرم».


مقالات ذات صلة

الشتاء يضرب غزة... ووفاة رضيعة بسبب البرد القارس

المشرق العربي الرضيعة عائشة عدنان سفيان القصاص التي توفيت في غزة (المركز الفلسطيني للإعلام)

الشتاء يضرب غزة... ووفاة رضيعة بسبب البرد القارس

يضرب البرد القارس الفلسطينيين، البالغ عددهم نحو مليونَي شخص، الذين نزحوا؛ بسبب الحرب الإسرائيلية، في حين توفيت رضيعة من البرد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي رجل أمام جثمان أحد ضحايا الغارات الإسرائيلية على منزل في دير البلح بوسط غزة اليوم (رويترز)

مقتل 17 فلسطينياً في غارات إسرائيلية على غزة

قال مسعفون إن ضربات نفذها الجيش الإسرائيلي على أنحاء قطاع غزة أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 17 فلسطينياً منهم 8 قتلوا في مدرسة تؤوي عائلات نازحة بمدينة غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي إسماعيل هنية ويحيى السنوار (لقطة من فيديو لـ«كتائب القسام»)

لأول مرة... «القسام» تنشر فيديو يجمع هنية والسنوار والعاروري

نشرت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، (السبت)، فيديو يُظهِر عدداً من قادتها الراحلين لمصانع ومخارط تصنيع الصواريخ.

أحمد سمير يوسف (القاهرة)
المشرق العربي الشرطة الفلسطينية تفرق متظاهرين يحتجون على الاشتباكات بين قوات الأمن والمسلحين في مدينة جنين... السبت (أ.ف.ب)

«السلطة» الفلسطينية تعمّق عمليتها في مخيم جنين: لا تراجع ولا تسويات 

بدأت السلطة الفلسطينية، قبل نحو أسبوعين، عمليةً واسعةً ضد مسلحين في مخيم جنين، في تحرك هو الأقوى منذ سنوات طويلة، في محاولة لاستعادة المبادرة وفرض السيادة.

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي من آثار الصاروخ الذي سقط في تل أبيب (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يقول إنه اعترض مسيّرة آتية من جهة الشرق

أعلن الجيش الإسرائيلي أنه اعترض، اليوم (السبت)، طائرة مسيّرة آتية من جهة الشرق.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

مقتل 17 فلسطينياً في غارات إسرائيلية على غزة

رجل أمام جثمان أحد ضحايا الغارات الإسرائيلية على منزل في دير البلح بوسط غزة اليوم (رويترز)
رجل أمام جثمان أحد ضحايا الغارات الإسرائيلية على منزل في دير البلح بوسط غزة اليوم (رويترز)
TT

مقتل 17 فلسطينياً في غارات إسرائيلية على غزة

رجل أمام جثمان أحد ضحايا الغارات الإسرائيلية على منزل في دير البلح بوسط غزة اليوم (رويترز)
رجل أمام جثمان أحد ضحايا الغارات الإسرائيلية على منزل في دير البلح بوسط غزة اليوم (رويترز)

قال مسعفون إن ضربات نفذها الجيش الإسرائيلي على أنحاء قطاع غزة، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 17 فلسطينياً، منهم 8 قتلوا في مدرسة تؤوي عائلات نازحة بمدينة غزة. جاء ذلك في وقت أمر فيه الجيش الإسرائيلي بإخلاء مستشفى كمال عدوان بشمال القطاع. وذكر مسعفون فلسطينيون أن 8 بينهم أطفال قتلوا في مدرسة موسى بن النصير التي تؤوي عائلات نازحة في مدينة غزة، حسبما أوردت وكالة «رويترز» للأنباء.

مواطنون يبحثون عن الأحياء في موقع تعرض لغارة إسرائيلية بدير البلح بغزة (أ.ف.ب)

وقال الجيش الإسرائيلي في بيان، إن الضربة استهدفت مسلحين من حركة «حماس» يعملون من مركز قيادة داخل المدرسة. وأضاف أن مسلحين من «حماس» استخدموا المكان للتخطيط لهجمات ضد القوات الإسرائيلية وتنفيذها.

وفي مدينة غزة أيضاً، قال مسعفون إن 4 فلسطينيين قتلوا عندما ضربت غارة جوية إسرائيلية إحدى السيارات. وقتل ما لا يقل عن 5 فلسطينيين في غارتين جويتين منفصلتين على رفح وخان يونس جنوب القطاع.

الجيش يأمر بإخلاء مستشفى كمال عدوان

وفي بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، حيث يواصل الجيش العمليات منذ أكتوبر (تشرين الأول)، قال حسام أبو صفية مدير مستشفى كمال عدوان، إن الجيش أمر العاملين بالمستشفى بالإخلاء ونقل المرضى والجرحى إلى مستشفى آخر في المنطقة.

وقال أبو صفية إن المهمة شبه مستحيلة لأن العاملين لم يكن لديهم سيارات إسعاف لنقل المرضى. ويواصل الجيش الإسرائيلي تنفيذ عمليات في بلدتي بيت لاهيا وبيت حانون بشمال قطاع غزة، وكذلك في مخيم جباليا القريب منهما منذ 3 أشهر تقريباً.

أجساد ضحايا غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات أمس خارج مستشفى شهداء الأقصى (أ.ب)

ويتهم الفلسطينيون إسرائيل بتنفيذ «تطهير عرقي» لإخلاء تلك المناطق من السكان لإنشاء منطقة عازلة. وتنفي إسرائيل ذلك وتقول إن الحملة العسكرية في المنطقة تهدف إلى محاربة مسلحين من «حماس»، ومنعهم من إعادة تنظيم صفوفهم. وقالت إن قواتها قتلت مئات المسلحين وفككت بنية تحتية عسكرية منذ بدء العمليات هناك. وقال الجناحان العسكريان لحركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، إنهما قتلا كثيراً من الجنود الإسرائيليين في كمائن خلال الفترة نفسها.

نقاط عالقة في اتفاق وقف إطلاق النار

ولم يتمكن الوسطاء بعد من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة «حماس». وقالت مصادر قريبة من المناقشات لـ«رويترز» يوم الخميس، إن قطر ومصر تمكنتا من حل بعض نقاط الخلاف التي تعوق الاتفاق بين طرفي القتال، لكن لا تزال هناك نقاط عالقة.

مواطنون يبحثون عن متاعهم في موقع تعرض لغارة إسرائيلية بدير البلح وسط قطاع غزة اليوم (أ.ف.ب)

وشنت إسرائيل حربها على غزة بعد أن اقتحم مقاتلون بقيادة «حماس» بلدات إسرائيلية في 7 أكتوبر 2023، في هجوم تقول الإحصاءات الإسرائيلية إنه أسفر عن مقتل 1200 واحتجاز أكثر من 250 رهينة. وتقول إسرائيل إن نحو 100 رهينة ما زالوا محتجزين، لكن من غير الواضح عدد من لا يزالون على قيد الحياة منهم، وفق وكالة «رويترز» للأنباء. ومنذ 7 أكتوبر 2023، تشن إسرائيل حرباً واسعة النطاق ضد حركة «حماس» في غزة، أدت إلى مقتل أكثر من 45 ألف شخص ودمار كبير في المنازل والبنية التحتية، وأسفرت الحرب عن نزوح معظم السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة وتدمير أغلب القطاع الساحلي.