«نعاني من الإهمال والحرمان، وباختصار شديد من سوء الإدارة وغياب الإرادة». هكذا يصف باسم جابر أحد الموظفين في «تلفزيون لبنان» الرسمي، أوضاعه مع زملائه في هذه المؤسسة. فهو يعمل مخرجاً فيها منذ نحو 35 عاماً، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنه هذه الشركة المملوكة من الدولة تعاني تراكمات ومشاكل بالأطنان.
وانفجرت أزمة التلفزيون أخيراً، إثر الإضراب الذي نفذه الموظفون، مطالبين بتحسين أوضاعهم المعيشية. وبات تراكم المشاكل والعجز عن التمويل، والفراغ في مجلس الإدارة، سبباً للقلق على استمرار التلفزيون الرسمي الذي كان أول شاشة تلفزيونية عربية في عام 1957.
وقال وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري في حديث تلفزيوني مساء الأربعاء، إن ميزانية تلفزيون لبنان الشهرية تبلغ 15 ألف دولار، مضيفاً: «كنا أمام خيارين، إما حلّه وإما بقاؤه». وأشار إلى أنه «اتفق مع موظفي تلفزيون لبنان على إعطائهم الزيادة مع مفعول رجعي». كما لفت إلى «أنني طالبت بمزيد من الصلاحيات في تلفزيون لبنان لمحاولة تنظيم الأمور، والتلفزيون مديون بأكثر من مليوني دولار، وهناك مديرون فيه يتقاضون 25 و30 دولاراً في الشهر!».
ومع أن الأزمة انفجرت نتيجة الأزمة المعيشية التي تعصف بالبلاد، فإن التعثر يعود إلى سنوات خلت. يقول جابر: «لم يمر على هذه الشركة سوى شخصين فقط استطاعا تحقيق فرق. فؤاد نعيم كان السباق في تطوير هذه المؤسسة، مستعيداً دورها كرمز من رموز لبنان الإعلامية العريقة، فأغناها بالبرامج التي تليق بها. وكانت حقبة تلفزيونية ناجحة».
أما الشخص الثاني الذي اجتهد أيضاً لانتشال المؤسسة من أوضاعها السيئة، فكان مديرها العام السابق طلال المقدسي. «لقد عمل على تطوير تلفزيون لبنان وأغدق عليه بالتقنيات الحديثة وجدده على أكمل وجه. كما دفع باللبنانيين إلى متابعة هذه الشاشة من جديد بفضل نقلها مباريات عالمية لكرتي القدم والسلة».
وبرأي باسم جابر، فإن الدولة تعمل على إنهاء هذه المؤسسة، ولذلك تتهرب من مسؤولياتها، وكذلك من تعيين مدير عام جديد لها يكون الرجل المناسب في المكان المناسب. ويختم: «أنا شخصياً أعمل 70 ساعة في الأسبوع، لأني أحب هذه المؤسسة ووفي لها. ولكن أن تصبح رواتبنا بالكاد توازي 30 دولاراً فهو أمر غير مقبول».
وبات «تلفزيون لبنان» يقف اليوم أمام منعطف خطر، وشاشته مهددة بالانطفاء، وكذلك استمراريته. فالمؤسسة منذ 14 عاماً، لا مدير عام لها، ولا رئيس مجلس إدارة يديرها. والموظفون الذين لا يزيد عددهم على 190 شخصاً يعانون من الإهمال ومن ضياع حقوقهم المادية والمعنوية.
ونفذ الموظفون اعتصاماً أمام مقر التلفزيون في تلة الخيّاط ليؤكدوا أنهم وتلفزيون لبنان يشكلون آخر همّ عند الدولة. كان الاعتصام بمثابة صرخة للدولة والرأي العام، وطالبوا فيها بالالتفات إليهم والعمل على إعطائهم حقوقهم المادية بالحد الأدنى. فرواتبهم لا تتجاوز 60 دولاراً شهرياً، ولا تخولهم العيش بكرامة.
وتؤكد نقابة موظفي «تلفزيون لبنان» التي دعت إلى هذا الاعتصام بأن كل الوعود التي تلقتها حتى اليوم لم تترجم على الأرض. ولذلك قررت وضع الدولة أمام مسؤولياتها. فاعتصم موظفوها وهددوا بتحركات تصاعدية في حال لم يستجب أحد إلى مطالبهم.
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، عدّ رئيس نقابة الموظفين في تلفزيون لبنان حنا بويري، أن لا مرجع رسمياً لديهم إلا وزير الوصاية زياد مكاري. وكون مكانته لا تخوله البت في مشاكل التلفزيون وأخذ القرارات اللازمة بشأنه، فهم يطالبون بتعيين مدير عام في أسرع وقت كي يقف على حقوقهم المادية والمعنوية. «إننا نتقاضى رواتبنا على تسعيرة 1500 ليرة للدولار منذ عام 2017، فيما السعر الحقيقي للدولار بات يناهز 100 ألف ليرة. لم نحصل على أي مساعدات وإعانات ولا أحد يهتم بأوضاعنا أو يسأل عن أحوالنا. وكان في استطاعة الدولة أن تطبق علينا المرسوم الصادر مؤخراً عن مجلس الوزراء والذي يعطي الحق بتزويد موظفي القطاع العام بـ6 رواتب إضافية. ولكنهم رفضوا ذلك تحت ذريعة أن تلفزيون لبنان شركة خاصة. ولكننا فعلياً مؤسسة مملوكة من قبل الدولة. وتحق لنا الاستفادة من المال العام، لأن رواتبنا نتقاضاها من المال العام».
ماذا ستكون الخطوات المقبلة في حال لم تنظر الدولة اللبنانية إلى مطالب موظفي تلفزيون لبنان؟ يرد بويري: «لقد أعطيناها مهلة محددة حتى أول شهر يوليو (تموز)، وإلا فنحن ذاهبون إلى القضاء. كما سنوسع تحركاتنا بإضرابات مفتوحة ونوقف بث البرامج ونشرات الأخبار. ولكننا في الوقت نفسه نتمسك بإبقاء هذا الصرح مفتوحاً على الهواء. فيصبح شبيهاً تماماً بتلفزيون (المستقبل) الذي أقفل أبوابه، ولكنه لا يزال يعرض إعادات لبرامج فنية وترفيهية».
وعندما نسأل إحدى الموظفات في الشركة، التي كما تقول عانت الأمرين من أوضاع غير مستقرة في «تلفزيون لبنان»، تقول: «كل وزير إعلام يحمل معه أجندته الخاصة من محسوبيات واستنسابيات. قلة منهم جاءت وحاولت أن تصلح ما أفسده سلفها. إنهم يدخلوننا في متاهات ويغضون النظر عن إعطائنا حقوقنا الطبيعية. يعينون من يريدون ويطردون من يرغبون من مركز عمله. وهي أمور لم يسبق أن شهدناها في تلفزيون لبنان. وكل ما نريده أن ينظروا إلى هذا الصرح ويفكروا في كيفية إنهاضه من جديد. ولكن مع الأسف لم يعمل أحد منذ سنوات طويلة لمصلحة هذا الصرح».