أضاحي السوريين تنتظر حوالات المغتربين

تراجع سعر الليرة والرواتب... وللعلف والكهرباء دور أيضاً

اتفاق على شراء رؤوس غنم في سوق للماشية بمعرة مصرين شمال غربي سوريا (أ.ف.ب)
اتفاق على شراء رؤوس غنم في سوق للماشية بمعرة مصرين شمال غربي سوريا (أ.ف.ب)
TT

أضاحي السوريين تنتظر حوالات المغتربين

اتفاق على شراء رؤوس غنم في سوق للماشية بمعرة مصرين شمال غربي سوريا (أ.ف.ب)
اتفاق على شراء رؤوس غنم في سوق للماشية بمعرة مصرين شمال غربي سوريا (أ.ف.ب)

ارتفعت أسعار الأضاحي، ومعها زادت المسافات بين اللحوم وموائد معظم السوريين مع اقتراب حلول عيد الأضحى، حتى في المناسبة التي تعد يوماً لحصول الفقراء على لحوم الأضاحي.

وترتفع الأسعار في الشهر الذي يسبق عيد الأضحى في سوريا، لقلة العرض؛ حيث يمتنع المربون عن البيع بغية تسمين المواشي، لزيادة أرباحهم مع حلول العيد. وتعتمد سوق الأضاحي بشكل رئيسي على حوالات المغتربين، لذا من المتوقع أن يزيد الطلب في العيد.

أبو أحمد، من دمشق، خفَّض هذا العام عدد الأضاحي التي يقدمها هو وإخوته المغتربون، من خمس أضاحي إلى اثنتين فقط، مبرراً ذلك بأن الأسعار عالية. وقال: «رأينا وأشقائي الاكتفاء بأضحيتين، وتقديم بدل نقدي للمحتاجين. فهناك من لديه حاجة حياتية ملحة أكثر من تناول اللحوم».

أغنام متجمعة لأضاحي العيد في دوما بالغوطة الشرقية (رويترز)

وتتراوح أسعار لحوم الأغنام في دمشق بين 65 و100 ألف ليرة؛ حسب جودتها ونوعها. وأرخص اللحوم هي المفرومة الناعمة مع الدهن، وأغلاها الفتيلة والمتلة، بينما تتراوح أسعار لحم العجل بين 60 و75 ألف ليرة. والمفروم منه مع الدهن بـ50 ألف ليرة، في حين أن معدل الدخل الحكومي بين 150 و300 ألف ليرة.

وشهدت الأشهر الأخيرة انحساراً في الإقبال على اللحوم بسبب ارتفاع الأسعار. تقول سيدة دمشقية ذات دخل متوسط، إن استهلاك أسرتها المكونة من 5 أشخاص قبل عامين، كان 4 كيلوغرامات من اللحوم الحمراء شهرياً، مع 5 كيلوغرامات من لحم الدجاج، إلا أن هذه الكميات بدأت تتقلص منذ عامين حتى وصلت إلى 3 كيلوغرامات من لحم الدجاج، وكيلوغرام واحد من اللحوم حمراء. وتقول إن ارتفاع الأسعار اضطرها لترشيد استهلاك اللحوم: «حتى لو توفر لدينا ثمنها؛ لأنني لم أعد أتقبل ارتفاع الأسعار. أشعر بأنها غير منطقية».

فوضى الأسعار

ورغم تحديد محافظة دمشق أسعار اللحوم والمواد الغذائية، فإن الأسواق لا تتقيد بالأسعار، ويصل الفارق بين السعر الحكومي التأشيري وسعر السوق إلى 30 ألف ليرة في الكيلوغرام الواحد، والسبب حسب مصدر في السوق: «تأخر صدور النشرة الرسمية، في الوقت الذي ترتفع فيه تكاليف الذبائح والتبريد بسبب غياب الكهرباء واستخدام المولدات، وارتفاع أجور النقل والذبح».

ويتطلب ذبح الأضاحي الحصول على ترخيص من جمعية اللحامين التي تحدد المكان، والشروط الصحية للذبح التي تحددها مديرية الشؤون الصحية في محافظة دمشق، وعادة تمنع استخدام الأرصفة والشوارع لذبح الأضاحي. كما تم تحديد سعر كيلوغرام لحم الغنم الحي بين 44 و45 ألف ليرة، بزيادة تتجاوز الضعفين عن سعره العام الماضي، وكان 16 ألف ليرة، في حين كان في الأعوام التي سبقت نحو 4 آلاف ليرة، بارتفاع عشرة أضعاف خلال العامين الماضيين، مع ملاحظة التراجع الكبير في الليرة السورية أمام الدولار خلال السنوات الأخيرة.

راعٍ يقود قطيع غنم في ضواحي مدينة الرقة شمال سوريا (أ.ف.ب)

كانت الأضحية قبل 3 أعوام تكلف بين 120 ألفاً و160 ألفاً. وفي أرقام تقريبية كانت قيمة الأضحية بين 50 و70 دولاراً، بينما اليوم تكلف بين مليونين ومليونين ونصف مليون ليرة سورية. أي ما يعادل 280 دولاراً.

وانعكس ارتفاع أسعار الأضاحي وسوء الأحوال الاقتصادية في سوريا على ممارسة السوريين لشعيرة النحر، أو التضحية التي يقيمها المسلمون في أنحاء العالم في عيد الأضحى.

أبو عاصم -وهو صاحب أحد أقدم محال بيع اللحوم وأشهرها في دمشق- يقول لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «هذا العام هو الأسوأ في مصلحتنا بسبب الغلاء الفاحش». أضاف: «حتى البيع اليومي في الأيام العادية انخفض من 6 رؤوس ماشية إلى واحد أو اثنين فقط... خلال هذه الأيام، وحدهم الميسورون هم من يدقون بابنا ويوزِّعون على الفقراء، ويبحثون عن الماشية الصغيرة من باب التوفير».

سوق للماشية في معرة مصرين بمحافظة إدلب في 20 يونيو 2023 قبل عيد الأضحى (أ.ف.ب)

رواتب الموظفين

عمر الزيبق الذي عاد لتوه من بلد خليجي لقضاء إجازته في بلده، كان له رأي آخر؛ حيث قال وهو واقف أمام أحد محال بيع الأضاحي في حي الميدان الدمشقي، وسط العاصمة، لانتقاء عدد من الأضاحي: «أسعار الماشية مقبولة وغير مرتفعة»، مضيفاً: «رواتب الموظفين في سوريا هي المشكلة الأساسية؛ حيث انخفضت قيمتها مقابل ارتفاع في الدولار، مما أثر على القدرة الشرائية».

وفي سوق الزاهرة، أحد تجمعات بيع الأضاحي جنوب دمشق، قال أحد الزبائن إنه تقاسم مع إخوته الثلاثة وصهر العائلة تكلفة شراء كبش واحد للتضحية به في العيد، وتوزيعه على المحتاجين.

وأكدت رويدا العلي -وهي أم لستة أبناء من مدينة اللاذقية وتعمل في مؤسسة حكومية- إنها لو جمعت مرتبها لمدة عام كامل (من العيد إلى العيد)، فلن تستطيع جمع ثمن عجل، إلا كل 5 سنوات مرة. وأضافت: «لو لم يرسل أولادي المغتربين ثمن الأضحية، لما استطعت تقديمها هذا العام».

ووفقاً لمحمود الحايك، أمين سر جمعية اللحامين، فإن ضعف الإقبال على شراء الأضاحي هذا العام، يرجع إلى الغلاء وضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين السوريين. وتوقع انخفاض الأسعار في خامس أيام عيد الأضحى بنسبة 33 في المائة.

توقع أمين سر جمعية اللحامين أيضاً ذبح من 30 إلى 50 ألف كبش في محافظة دمشق خلال عيد الأضحى هذا العام، مبيناً أن الخراف التي كان يتم ذبحها عادة في السنوات السابقة كان عددها يصل إلى 200 ألف رأس من الخراف. وأرجع الحايك ارتفاع أسعار الماشية إلى توقف 70 في المائة من المربين عن الخدمة في كافة قطاعات تربية اللحوم الحية، والتي تشمل الأغنام والأبقار والطيور والإبل. وقال إن تربية الماشية أصبحت تشكل «معاناة للمربين»، بسبب غلاء الأعلاف والتكلفة التي يتحملونها لرعاية تلك الماشية: «مقارنة مع الجدوى الاقتصادية التي ينتظرونها من الاتجار بها».


مقالات ذات صلة

أنقرة تكرر مطالبتها لواشنطن بوقف دعم «الوحدات الكردية»

شؤون إقليمية أرشيفية لتدريبات مشتركة بين «قسد» و«التحالف الدولي» ضد «داعش» في ريف الحسكة (أ.ف.ب)

أنقرة تكرر مطالبتها لواشنطن بوقف دعم «الوحدات الكردية»

عبّرت تركيا عن تطلعها لتعاون إيجابي من جانب الولايات المتحدة، وقطع الدعم الذي تقدمه لوحدات حماية الشعب الكردية، التي تقود «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)».

سعيد عبد الرازق (أنقرة )
يوميات الشرق شواطئ الساحل الشمالي ازدحمت بالمصطافين خلال العيد (الشرق الأوسط)

مصريون يحتفلون بعيد الأضحى على الشواطئ

ازدحمت الطرق السريعة المؤدية إلى الشواطئ والمصايف الشهيرة على الساحل الشمالي في مصر بمئات السيارات، حيث اجتذبت الشواطئ آلاف الأسر المصرية.

محمد الكفراوي (القاهرة )
المشرق العربي امرأة فلسطينية بالقرب من قبر أحد أقاربها الذي قُتل في الصراع المستمر بين إسرائيل وحركة «حماس» بالبريج وسط قطاع غزة 16 يونيو 2024 (أ.ف.ب)

هدوء نسبي في قطاع غزة لليوم الثاني على التوالي

شنّت إسرائيل، الاثنين، ضربات على شمال قطاع غزة، وأشار شهود إلى انفجارات في الجنوب، لكنّ الوضع هناك يشهد هدوءاً نسبياً لليوم الثاني على التوالي.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)

بايدن يحض في رسالة بمناسبة عيد الأضحى على وقف النار في غزة

استغل الرئيس الأميركي رسالته للمسلمين بمناسبة عيد الأضحى للحض على تبني اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة تدعمه واشنطن، قائلاً إنه يمثل أفضل وسيلة لمساعدة المدنيين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي أرشيفية للواء القدس المدعوم من الجيش السوري وإيران الذي فقد الاتصال مؤخراً بإحدى مجموعاته في بادية السخنة شرق حمص

هجمات لـ«داعش» تستهدف رعاة ومواشيهم ببادية حمص

سقط قتلى وجـرحى في هجوم مسلح استـهدف رعاة أغنام من قبيلة «الفواعرة» قرب منطقة الفرقلس بريف حمص الشرقي، أول أيام عيد الأضحى في سوريا

«الشرق الأوسط» (دمشق)

إسرائيل تقصف طرق إمداد لـ«حزب الله» في القصير السورية

ضربات إسرائيلية تستهدف جسوراً في منطقة القصير قرب الحدود السورية - اللبنانية (المرصد السوري)
ضربات إسرائيلية تستهدف جسوراً في منطقة القصير قرب الحدود السورية - اللبنانية (المرصد السوري)
TT

إسرائيل تقصف طرق إمداد لـ«حزب الله» في القصير السورية

ضربات إسرائيلية تستهدف جسوراً في منطقة القصير قرب الحدود السورية - اللبنانية (المرصد السوري)
ضربات إسرائيلية تستهدف جسوراً في منطقة القصير قرب الحدود السورية - اللبنانية (المرصد السوري)

اختارت إسرائيل وقت ذروة الحركة في منطقة القصير عند الحدود مع لبنان، لتعيد قصف المعابر التي دمرتها بغارات سابقة، بينما أكدت مصادر أهلية في المنطقة لـ«الشرق الأوسط» أن الضربات الإسرائيلية تفاقم المعاناة المعيشية لسكان المنطقة على جانبي الحدود؛ لأنها تغلق المتنفس المتاح لحصولهم على المواد المعيشية الأساسية.

واستهدفت غارات إسرائيلية، مساء الاثنين، جسور الحوز ومطربة والجوبانية وجوسيه في منطقة القصير جنوب غربي حمص، وقال مصدر عسكري سوري إن إسرائيل شنت «عدواناً جوياً» من اتجاه الأراضي اللبنانية مستهدفة نقاط عبور على الحدود بين سوريا ولبنان، وهي نفسها التي استهدفتها إسرائيل سابقاً على الحدود السورية - اللبنانية في منطقة القصير بريف حمص. وحسبما نقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) أسفرت الضربة عن إصابة مدنيين اثنين بجروح، ووقوع خسائر مادية.

قطع طرق إمداد

قال المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، إن الغارة استهدفت طرق استخدمها «حزب الله» اللبناني لنقل وسائل قتالية من سوريا إلى لبنان، وقال إن «حزب الله» وبدعم من السلطات السورية، يواصل استغلال بنى تحتية مدنية لـ«أغراض إرهابية»، مؤكداً أن الضربات الأخيرة تمت في إطار الجهود المستمرة الهادفة إلى «عرقلة القدرات العملياتية لـ(حزب الله)، وضمان أمن إسرائيل».

ورأى أدرعي أن الغارات الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة ركزت على إحباط قدرات «الوحدة 4400» التابعة لـ«حزب الله» والمسؤولة عن نقل الأسلحة المستخدمة في شن عمليات ضد إسرائيل.

تدمير للجسور الفرعية في القصير السورية (الشرق الأوسط)

المصادر الأهلية في القصير قالت إن الجسور والبنى التحتية سبق أن تم تدميرها بالكامل، ولا يمكن للآليات والسيارات عبورها، وتكرار ضربها يؤذي المدنيين الذين يستخدمونها مضطرين للحصول على أساسيات العيش على جانبي الحدود. وأكدت المصادر أن الغارات، مساء الاثنين، حصلت في وقت ذروة الحركة للحصول على المواد الأساسية للمعيشة، حيث يتوجه الأهالي على الجانبين قبل مغيب الشمس لتأمين حاجتهم من الوقود اللازم للتدفئة والغاز المنزلي اللبناني، بسبب أزمة المحروقات على الجانب السوري، وازدياد الحاجة إليها مع تدني حرارة الطقس والبرودة الشديدة. وفي المقابل، يحصل سكان الجانب اللبناني على مواد غذائية أرخص ثمناً كالألبان والأجبان وبعض الأصناف الأخرى.

وأشارت المصادر إلى أنه في ظل التأزم المعيشي جراء الحرب تمثل الحدود متنفساً لسكان المنطقة، وقطع تلك الطرقات وتدميرها بشكل كامل يزيد معاناتهم، ويعرضهم للخطر الدائم حيث يقومون ببناء جسور مؤقتة خطيرة، أو يضطرون لعبور مياه نهر العاصي في أجواء شديدة البرودة.

القصير معقل لـ«حزب الله»

تقع منطقة القصير على الحدود مع لبنان، وتضم نحو 80 قرية وبلدة، يعيش فيها خليط ديني غالبية من السنة وأقليات من الشيعة والمرشديين والعلويين والمسيحيين، ومعظم سكان تلك المناطق من المزارعين الفقراء، حيث ترتبط القصير بمناطق الهرمل ـ بعلبك بعدة معابر منها جوسية ومطربا كمعبرين شرعيين والكثير من المعابر غير الشرعية كحوش السيد علي وجرماش والقصر وغيرها.

تبادل سلع ومحروقات عند جانبي الحدود السورية - اللبنانية لجهة المصنع في البقاع (أ.ف.ب)

ومنذ عام 2013 سيطر «حزب الله «على القصير بعد تهجير أهلها، وأصبحت أحد أبرز معاقله في سوريا، ثم استغل فقر أهالي القرى الشيعية لتجنيدهم في صفوفه، ومنحهم امتيازات مالية وسلطوية. وحسب مصادر محلية، تكتسب منطقة القصير أهمية استراتيجية كبيرة لدى «حزب الله»، وإن حركة الامداد فيها شهدت تراجعاً جراء التصعيد الإسرائيلي، مع الإشارة إلى عدم إمكانية قطعها تماماً لوجود طرق بديلة في جغرافية ممتدة على طول الحدود.

ومنذ بداية التصعيد الإسرائيلي على لبنان، استهدفت إسرائيل المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان 36 مرة، بحسب تقرير «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الذي أفاد، الثلاثاء، بأن الضربات الإسرائيلية على المناطق الحدودية جاءت في سياق تعطيل عودة النازحين إلى لبنان ومنع وصول الإمدادات والمساعدات إلى الداخل اللبناني، وقطع طرق إمداد «حزب الله»، ومنعه من نقل سلاحه من داخل الأراضي السورية باتجاه لبنان. وتركز القصف على المعابر الرسمية وغير الرسمية، بالإضافة إلى الطرق الترابية والفرعية في منطقة الحدود السورية - اللبنانية، مع استمرار المراقبة المكثفة للمنطقة الحدودية.

تدمير ممرات وجسور صغيرة بين لبنان وسوريا قرب القصير (الشرق الأوسط)

وحسب توثيقات المرصد، بدأت أولى الغارات في 26 سبتمبر (أيلول) الماضي، وأسفرت عن تدمير مواقع عدة، وخروج معابر رسمية وغير رسمية عن الخدمة، ما أعاق حركة عبور النازحين من لبنان إلى سوريا والعكس. كذلك تسببت هذه الضربات بمقتل 30 شخصاً، بينهم 4 من عناصر «حزب الله»، وشخص لبناني الجنسية، و6 من السوريين العاملين مع «حزب الله»، و8 مدنيين، إلى جانب ذلك، أصيب 22 آخرون، هم: 8 من قوات النظام وأجهزته الأمنية، و12 من العاملين مع الحزب، بالإضافة إلى إصابة مدنيين اثنين.