حذّر مسؤول بارز في «الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا» من مخرجات اجتماعات «آستانة» الأخيرة التي ناقشت خريطة طريق لتطبيع العلاقات بين تركيا والحكومة السورية، معتبراً أنها تشكل خطراً كبيراً على مناطق خفض التصعيد في سوريا كونها تشمل تفعيل الجوانب العسكرية والأمنية والاستخباراتية بين أنقرة ودمشق.
وجاء كلام المسؤول في وقت دعا «مجلس سوريا الديمقراطية» (الهيئة السياسية لـ«قوات سوريا الديمقراطية») الدول العربية إلى القيام بدور فعال لإيجاد حل سياسي شامل في سوريا وفق القرارات الدولية، مشدداً على ضرورة أن يتماشى الانفتاح العربي على حكومة دمشق مع «تطلعات الشعب السوري لتحقيق مطالبه في التغيير والانتقال الديمقراطي».
في سياق متصل، كشف قيادي في «حزب الاتحاد الديمقراطي» السوري (حزب كردي) أن الحكومة السورية لم تتعاطَ مع مبادرة سياسية طرحتها «الإدارة الذاتية» مؤخراً لعقد حوارات مباشرة بين دمشق والقامشلي.
وقال بدران جيا كرد، رئيس دائرة العلاقات الخارجية في «الإدارة الذاتية»، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن مخرجات اجتماعات «آستانة» الأخيرة رسمت خريطة طريق للعمل والتنسيق بين دمشق وأنقرة على مستويات مختلفة، معتبراً أنها «ضامنة لمصالح كل أطراف هذا المسار ولتقاسم النفوذ (بينها) والشروع بالعمل ضدّ المصالح الوطنية»، بحسب رأيه. وتابع أن هذا المسار «دخل مرحلة جديدة خطيرة بهدف ترميم العلاقات البينية بين تركيا والنظام السوري، وتمرير صفقات متبادلة على حساب مصلحة الشعب السوري، والعمل على قضايا أمنية واستخباراتية لزعزعة الاستقرار في مناطق خفض التصعيد المستقرة».
ويعبّر كلامه عن قلق المكوّن الكردي السوري من أن يأتي التطبيع بين أنقرة ودمشق على حساب الأكراد الذين تتهمهم حكومة الرئيس بشار الأسد بنزعة انفصالية، بينما تتهمهم تركيا بالارتباط بحزب العمال الكردستاني المصنف على قوائم الإرهاب.
واعتبر بدران جيا كرد أن تعاون الحكومة السورية مع الحكومة التركية سيمثّل «خطراً كبيراً وخطأ جسيماً ترتكبه حكومة دمشق. فإذا تعاونت مع تركيا، ستعرّض سوريا سيادتها ووحدة أراضيها لخطرٍ كبير». وشدد المسؤول الكردي على أن «مسار آستانة بعيد كل البعد عن لغة الحوار والتصالح والتوافق بين السوريين، ونقل الأزمة السورية إلى مرحلةٍ جديدة أكثر تعقيداً وسوءاً، تحتوي على التصعيد والاتهام والتصادم، وهذه إشارة إلى أن التطبيع بين دمشق وأنقرة سيحمل التصعيد وسيدفع المنطقة باتجاه المجهول، واختلاق أزمات طويلة الأمد وترسيخ الشرخ بين أطياف المجتمع السوري».
وتعرضت «الإدارة الذاتية» المدعومة من تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم «داعش» الإرهابي شرقي سوريا، نهاية الأسبوع الفائت، لضربة موجعة بعد قصف طائرة تركية مسيّرة موكب قياديات من الصف الأول كنّ في جولة تفقدية بين مدينتي القامشلي والمالكية (ديريك بالكردية)، في أقصى شمال شرقي سوريا. وراحت ضحية الضربة رئيسة مقاطعة القامشلي يسرى درويش ونائبتها ليمان شويش. ووثقت وكالة «نورث برس» الإخبارية ومنظمات حقوقية كردية محلية تزايد الهجمات التركية ضد مناطق نفوذ «الإدارة الذاتية» وسقوط ضحايا مدنيين بينهم نساء، حيث تعرضت المنطقة منذ بداية العام الجاري للقصف من مسيّرات حربية، ما تسبب في مقتل 44 شخصاً وجرح 27 آخرين. وتشمل هذه الحصيلة مدنيين ومقاتلين من «قوات سوريا الديمقراطية» والقوات الحكومية السورية، بالإضافة إلى جندي روسي.
من جانبها، أوضحت أمينة عمر، رئيسة «مجلس سوريا الديمقراطية» (مسد)، أنهم مع تفعيل الدور العربي في حل الملف السوري، على أن يسهم في إيجاد حل سياسي للأزمة السورية من جهة؛ ومراعاة تطلعات الشعب السوري وتحقيق مطالبه في التغيير والانتقال الديمقراطي من جهة ثانية. وقالت في حديث نُشر اليوم (الجمعة) على موقع المجلس الرسمي: «لا يوجد أي معارضة للتطبيع بين الدول العربية وحكومة دمشق إذا كان هذا التطبيع سيسهم في الحل، ويدفع بالحل السياسي وفق القرارات الأممية».
وأضافت القيادية السياسية أنه من الطبيعي عودة سوريا إلى محيطها العربي، و«نحن نؤيد التطبيع إذا كان لصالح الشعب السوري، وليس مع النظام والمناطق التي يسيطر عليها ويستفاد منها سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً».
بدوره؛ أكد سيهانوك ديبو، رئيس مكتب العلاقات العامة في «حزب الاتحاد الديمقراطي» السوري، عدم قدرة أي جهة سورية بما فيها حكومة دمشق، على إحداث اختراق مباشر في حل الأزمة. وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن هياكل الإدارة الذاتية المدنية التي تدير مناطق عدة شمال شرقي البلاد «أفضل ترجمة للقرار الدولي الخاص بسوريا 2254، لأن استراتيجية الإدارة هي حل الأزمة السورية وفق الحوار السوري، ولتطبيق ذلك كانت هناك سلسلة لقاءات من جلسات الحوار بين الإدارة ودمشق منذ 2016، ونحن لا نتحمل مسؤولية تعثرها».
وكانت الإدارة الذاتية التي يقودها «حزب الاتحاد» (الكردي) طرحت في أبريل (نيسان) الماضي مبادرة سياسية تهدف إلى حل سلمي للأزمة السورية، وعرضت استعدادها لإجراء لقاءات مباشرة مع الحكومة السورية وجميع الأطراف المعارضة بهدف دفع المبادرة، وإيجاد حل سياسي شامل للأزمة الدائرة منذ عام 2011. لكن ديبو قال إن الحكومة السورية لم تتجاوب ولم تعلق على هذه المبادرة «سواءً إيجاباً أو سلباً». لكنه أضاف أنهم تلقوا ردوداً من قوى وحركات سياسية «بعضها أثنى عليها (المبادرة) ويريد أن يكون جزءاً منها، بينما انتقدها آخرون وطلبوا تطويرها وتفعيلها وطنياً».