كتلة من 20 نائباً تتحول إلى «بيضة قبان» جلسة انتخاب الرئيس اللبناني

من أول جلسة عقدها البرلمان اللبناني لانتخاب رئيس للجمهورية في 29 سبتمبر الماضي وتبعتها 10 جلسات فشلت في ذلك (رويترز)
من أول جلسة عقدها البرلمان اللبناني لانتخاب رئيس للجمهورية في 29 سبتمبر الماضي وتبعتها 10 جلسات فشلت في ذلك (رويترز)
TT

كتلة من 20 نائباً تتحول إلى «بيضة قبان» جلسة انتخاب الرئيس اللبناني

من أول جلسة عقدها البرلمان اللبناني لانتخاب رئيس للجمهورية في 29 سبتمبر الماضي وتبعتها 10 جلسات فشلت في ذلك (رويترز)
من أول جلسة عقدها البرلمان اللبناني لانتخاب رئيس للجمهورية في 29 سبتمبر الماضي وتبعتها 10 جلسات فشلت في ذلك (رويترز)

تتجه الأنظار قبل ساعات من موعد الجلسة الـ12، التي دعا إليها رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، إلى كتلة من النواب قد يصل عددهم إلى 20، قرروا أن يكونوا على مسافة واحدة من فريقي الصراع المتمثلَيْن بـ«الثنائي الشيعي» وحلفائه من جهة، وقوى المعارضة و«التيار الوطني الحر» من جهة أخرى.

وهناك من بين هؤلاء النواب من أعلن بوضوح أنه لن يصوت لمرشح الفريق الأول رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، أو لمرشح الفريق الثاني الوزير السابق جهاد أزعور، فيما آخرون ما زالوا مترددين. وقرر عدد من هؤلاء التصويت بشعار معين في الدورة الأولى وباسم مرشح لم يعلنوا عنه في الدورة الثانية، وإن كانوا يعلمون أن لا حظوظ لفوزه، وأنهم لو صبوا لمصلحة طرف معين فهم قادرون على حسم فوزه بهذه الدورة بـ65 صوتاً.

ويمارس داعمو فرنجية وأزعور، على حد سواء، ضغوطاً متزايدة على هؤلاء النواب لحضهم على التصويت لمرشحهم، خصوصاً أن المعارضة والتيار يعولان على حصول أزعور على 65 صوتاً من الدورة الأولى ما يُحرج «الثنائي الشيعي» الذي سيكون مضطراً لتعطيل نصاب الدورة الثانية التي تسمح بفوز من ينال هذا العدد من الأصوات، ويجعل بالتالي أزعور، حسب داعميه، رئيساً مع وقف التنفيذ.

وحسب آخر تعداد للأصوات التي يتوقع أن يحصل عليها كل مرشح، يلامس عدد الأصوات التي قد تصب لفرنجية الـ50، فيما يلامس عدد أصوات أزعور الـ60.

ويوم الثلاثاء، أعلن «اللّقاء النّيابي المستقل»، الّذي يضمّ 10 نواب بينهم نواب تكتّل «الاعتدال الوطني» أنهم قرروا ألا يكونوا جزءاً من «اصطفاف التّحدّي والتّحدّي المضاد، الّذي يصعّب إنجاز انتخاب الرئيس، والدّعوة إلى التّلاقي على خيار رئيس قادر على التّخاطب والتّحاور مع جميع اللّبنانيّين بمختلف توجّهاتهم، يمتلك رؤيةً إصلاحيّةً واقتصاديّةً واضحةً، وحريص على تمتين علاقات لبنان العربيّة والدّوليّة». وذكر اللّقاء أنّ «هذا الموقف سيُترجم في الدّورة الأولى بالتّصويت بشعار معبّر عن هذا التّوجّه، وعدم المشاركة في أيّ محاولة لتعطيل النّصاب، سواء في الدّورة الأولى أو أي دورة تاليّة، والتّصويت باسم واضح في الدّورة الثّانية وأيّ دورة تليها؛ وصولاً لإنجاز الاستحقاق».

ومن بين نواب «التغيير» الـ12 قرر 5 منهم التصويت لأزعور.

أما كتلة النواب الذين يوجدون حالياً في الوسط بين معسكري فرنجية وأزعور، فهم: وليد البعريني، محمد سليمان، أحمد الخير، عبد العزيز الصمد، أحمد رستم وسجيع عطية. إضافة للنواب عماد الحوت، نبيل بدر، إيهاب مطر، عبد الكريم كبارة، عبد الرحمن البزري، أسامة سعد، شربل مسعد، جان طالوزيان. ونواب «التغيير»: إبراهيم منيمنة، ياسين ياسين، إلياس جرادة، فراس حمدان، حليمة قعقور، وسينتيا زرازير وملحم خلف. إضافة لخمسة أو ستة من كتلة «التيار الوطني الحر» ونائبي «الطاشناق» أغوب بقرادونيان وهاغوب ترزنيان.

ويرفض النائب عبد الرحمن البزري، الذي يلعب دوراً أساسياً بالتنسيق مع باقي النواب «الوسطيين» تسميتهم «النواب الرماديين»، لافتاً إلى أنهم ليسوا مترددين، واتخذوا خيارهم بوجوب «إعطاء الاستحقاق الرئاسي عمقه وطابعه الوطني من خلال دعم مرشح يعيد بناء الدولة، ويملك رؤية إصلاحية، وذلك لا يحصل لا من خلال رئيس لا تريده غالبية الكتل المسيحية، ولا من خلال رئيس ترفضه مجموعة أخرى وازنة». ويعتبر البزري في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «هدف الكتل المتصارعة من انتخابات الأربعاء هو إظهار الأحجام من دون الوصول إلى نتيجة ما سيؤدي لمزيد من الانقسام، لذلك قررنا أن نسير بواحد من 3 خيارات، فإما ندعم مرشحاً نختاره من الدورة الأولى، أو نضع اسمه في دورات لاحقة، أو نصوت بورقة بيضاء أو بشعار معين»، مشيراً إلى أن «هناك ما بين 15 و20 نائباً وحتى أكثر يتلاقون ويتشاورون بهذه الخيارات، ويرفضون الصدام البرلماني»، مضيفاً: «الخيار لم يُحسم بعد لكننا قد نترك اسم مرشحنا لجلسات لاحقة».

وينتقد البزري بشدة الاتهامات التي توجهها إليهم قوى في المعارضة، مشدداً على أنهم ليسوا بحاجة لشهادة حسن سلوك من أحد، «نحن وطنيون وسياديون ومرتاحون بخياراتنا ونمارس قناعاتنا ويُفترض بمن يوجه إلينا الاتهامات أن يكون مرتاحاً لوضعه بالرئاسة ويتعاطى بإيجابية مع الآخرين وليس بمنطق الاتهامات والتخوين».

ويتصدر حزب «القوات اللبنانية»، القوى التي تضغط على النواب المترددين للانضمام لصفوف من سيصوتون لأزعور. وشدّد رئيس حزب «القوات» سمير جعجع مؤخراً على أنّ «تاريخ (14 حزيران) مفصلي، وكل من يضع ورقة بيضاء أو اسماً من غير المرشحَين المطروحين أو شعارات فهو سيساهم مع (محور الممانعة) في تعطيل الاستحقاق الرئاسي».

وقالت مصادر «القوات» لـ«الشرق الأوسط»: «يحاول البعض التلطي بالدستور بأنه يتيح له التصويت بورقة بيضاء أو غيره، علماً بأن الدستور واضح، وينص على مهلة ملزمة لانتخاب رئيس، وبالتالي لو كانوا حريصين على الدستور لما ساهموا بإطالة أمد الشغور»، مشددة على أن «من لن يقترع لأحد المرشحين في جلسة الأربعاء إنما يؤكد أنه حليف لـ(حزب الله) عن اقتناع أو عن خوف، وعليه أن يتحمل المسؤولية أمام ناخبيه؛ مسؤولية الشغور والكارثة واستمرار الانهيار وعلى الرأي العام اللبناني أن يحاسب هؤلاء».



«داريا»... سُمّيت «أيقونة الثورة» وفيها تشكل أول مجلس عسكري

صاحب محل تجاري وسط داريّا يطلي واجهة محله بألوان العلم السوري الجديد (الشرق الأوسط)
صاحب محل تجاري وسط داريّا يطلي واجهة محله بألوان العلم السوري الجديد (الشرق الأوسط)
TT

«داريا»... سُمّيت «أيقونة الثورة» وفيها تشكل أول مجلس عسكري

صاحب محل تجاري وسط داريّا يطلي واجهة محله بألوان العلم السوري الجديد (الشرق الأوسط)
صاحب محل تجاري وسط داريّا يطلي واجهة محله بألوان العلم السوري الجديد (الشرق الأوسط)

سُمّيت بـ«أيقونة الثورة»، وفيها تشكَّل أول مجلس عسكري للثورة، مقاتلوها أول مَن استهدف بالصواريخ قصر بشار الأسد رداً على استهدافه المدنيين وحراكهم السلمي... إنها «داريا» حيث تتواصل عودة الأهالي المهجَّرين إلى منازلهم بعد الخلاص من النظام ورموزه.

كغيرها من المدن السورية، شهدت داريا، التي تقع على بُعد 8 كلم جنوب العاصمة دمشق وتُعد أكبر مدن غوطتها الغربية، إزالة آثار نظام الأسد بعد سقوطه في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي. على مدخلها الشمالي الذي يمكن الوصول إليه من طريق الجسر المتحلق الجنوبي يُوجَد عدد من أفراد فصائل المعارضة، بينما رُفِعت الأعلام الجديدة في المكان، وبدت صور الأسد ممزقة.

دوار غياث مطر الذي سُمي تخليداً لناشط سلمي في داريا قُتِل تحت التعذيب (الشرق الأوسط)

وجود الفصائل على الحاجز السابق للنظام ليس لفرض الإتاوات على القادمين للمدينة أو اعتقال الشبان وسَوْقهم للمعارك، كما كان تفعل حواجز النظام السابق، بل بهدف فرض الأمن، ويتعاملون مع الأهالي باحترام ولباقة.

وبينما لا يزال مشهد الدمار طاغياً على جانبَي الطريق جراء غارات وقصف خلال سنوات الأزمة السورية، يلفت الانتباه تزايد عدد السيارات المارة مع رؤية أشخاص متوجهين إلى منازلهم، بعضهم يستقل دراجات هوائية أو نارية.

دوار غياث مطر

ومع الاقتراب من مركز المدينة يتراجع حجم الدمار نوعاً ما، ويظهر دوار تتفرع منه طرقات رئيسية تؤدي إلى أحياء عدة، منها «الثورة» و«النكاشات» و«الشاميات» و«شريدي».

مدخل داريا شرقاً من أوتوتستراد دمشق - درعا (الشرق الأوسط)

مراسل «الشرق الأوسط»، وبعد أن عرَّف عنه نفسه لمجموعة من الشبان كانوا متجمعين عند الدوار، استفسر عن الوضع في داريا بعد سقوط الأسد، ليقول أحدهم بفرح: «هذا الدوار أصبح اسمه (دوار الشهيد غياث مطر)، ابن داريا، وليس (دوار الباسل) كما كان يسميه النظام»، في حين علّق آخر: «أهم شيء أننا تخلصنا من النظام، وسوريا وُلِدت من جديد».

يُذكر أن غياث مطر كان ناشطاً سلمياً اعتقلته أجهزة النظام الأمنية في 6 سبتمبر (أيلول) 2011، إثر مشاركته في تنظيم المظاهرات المطالبة بالحرية، رافعاً اللافتات وموزعاً الورود على رجال الأمن في داريا الذين شاركوا في المظاهرات التي عمت سوريا منذ مارس (آذار)، العام ذاته. وفي يوم الـ10 من سبتمبر (أيلول)، سُلّم جثمان غياث لذويه بعد وفاته جراء التعذيب أثناء الاعتقال.

عودة المهجرين

شهدت دارّيا تزايداً ملحوظاً في عودة الأهالي إلى منازلهم، بعد تهجيرهم قسراً من قِبَل نظام الأسد. يبدو ذلك واضحاً من خلال المشهد اليومي لشاحنات محمَّلة بالأثاث المنزلي في الشوارع. يقول أحد السكان لـ«الشرق الأوسط»: «منذ سقوط النظام تتزايد تدريجياً أعداد العائلات التي تعود إلى منازلها؛ خصوصاً التي نزحت إلى مناطق قريبة، مثل، صحنايا، المعضمية وجديدة».

مقاتل من الفصائل عائد من الشمال يعانق قريباً له في شارع الثورة بداريا (الشرق الأوسط)

يضيف: «يرمِّمون المنازل بحدها الأدنى الذي يساعد الآن على السكنى فيها. المهم بالنسبة لهم حالياً التخلص من أعباء الإيجارات التي أنهكتهم». الحال نفسها تُشاهد في الجادات المحيطة بمنطقة ثانوية البنات؛ إذ تشاهد في الطرقات مواد ومعدات بناء (رمل، بحص، بلوك، حديد) يقوم عمال بنقلها إلى الشقق السكنية.

لكن عودة المهجرين في الشمال السوري من أبناء داريا لا تزال «أبطأ من المتوقَّع»، وفق صاحب محل لبيع الأثاث المنزلي في شارع الثانوية، الذي يوضح أن قسماً كبيراً من منازل الأهالي دمره النظام، خصوصاً منازل مقاتلي المعارضة. ويضيف: «من عاد سيسكن عند أهله وأقاربه، وهناك مَن عاد لاستطلاع وضع منزله، ومعرفة ما يحتاج إليه من تكاليف».

كراج لإصلاح السيارات وقد رُفع العلم السوري الجديد على مدخله (الشرق الأوسط)

في منطقة الخطيب (وسط المدينة)، وبينما كان صاحب محل تجاري منهمكاً بطلاء واجهة المحل بالعلَم السوري الجديد بعدما كان مطلياً بالعلم السابق الذي يرمز إلى حقبة نظام الأسد، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «متفائلون خيراً بانتصار الثورة، ونطالب الحكومة الجديدة بدعم إعادة إعمار البلد».

في الجهة الجنوبية من منطقة الخطيب مقام «السيدة سكينة» (الذي لم يكن موجوداً قبل عام 2003، وفقا لتأكيدات كثير من الأهالي)، وقد بدا مُدمّراً. وسبق للنظام أن اتهم المعارضة بتدميره، لكن شخصاً من آل الخطيب لم يغادر المنطقة في السنوات الماضية يؤكد، لـ«الشرق الأوسط»، أن «النظام هو من دمره بالبراميل المتفجرة».

دمار الحقه قصف نظام الأسد بأحد مناطق شرق داريّا (الشرق الأوسط)

خلال الحرب كثف نظام الأسد من قصفه على داريا، ودمَّر مناطق كثيرة فيها، مثل «منطقة الخليج» في شمالها الغربي المجاور لمطار المزة العسكري، وكانت تشتهر بمزارعها الجميلة. رجل سبعيني من أهالي «منطقة الخليج» عاد إلى منزله رغم الدمار الهائل المحيط به، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «الله أكرم الناس بالخلاص من الظلم والقهر، وحالياً الوضع تحسَّن، وأياً كان من سيحكم، فسيكون أفضل من النظام المجرم».

عدد من عناصر الفصائل أمام مقر قسم شرطة داريا (الشرق الأوسط)

تلفت الانتباه قلة أعداد عناصر الفصائل المنتشرين في درايا حالياً، ولا يتجاوزون العشرات، وهم من أهالي المدينة الذين انتموا إلى «الجيش الحر» قبل تهجيرهم منها. ويوضح مقاتل منهم لـ«الشرق الأوسط»، أن معظم المقاتلين المَوجودين حالياً عادوا من إدلب ويتبعون «إدارة العمليات العسكرية»، مؤكداً أن الأخيرة ستعزز من وجودها في مدينة داريا قريباً.

القائم على تسيير أمور قسم شرطة مدينة داريّا عامر خشيني (الشرق الأوسط)

ويتخذ هؤلاء المقاتلون من قسم الشرطة في «شارع الثورة» مقراً لهم. ويشرح القائم حالياً على تسيير أموره، عامر خشيني، أنه «بعد 13 عاماً، تمكنّا من إسقاطه (نظام الأسد)، وعدنا نحن أبناء سوريا لنعمل من أجلها».

ويقول خشيني الذي كان مسؤولاً في مكتب مهجَّري دمشق وريفها بادلب، لـ«الشرق الأوسط»: «المرحلة الحالية أصعب من المرحلة السابقة، لأن البلد مدمّر، وشبابه أغلبيتهم في الخارج، ونتمنى على السوريين في الخارج العودة، ونحن متفائلون، وإن شاء الله سوريا بفترة قصيرة ستصبح من أفضل الدول».

خلفية لا بد منها

انضمَّت داريا إلى الحراك السلمي بعد أيام من اندلاع المظاهرات، منتصف مارس (آذار) 2011، وسُمّيت حينها بـ«أيقونة الثورة». وقد دفع عنف النظام ضد المشاركين في الحراك وارتكابه المجازر، فصائل «الجيش الحر»، الذي كانت نواته قد تشكَّلت في المدينة، إلى الدفاع عن داريا وأهلها، وطَرْد قوات النظام منها.

احد حواجز النظام على المدخل الشرقي لداريّا خاليا من عناصره الذين فروا مبكرا بعد هروب الأسد (الشرق الأوسط)

تلا ذلك شن حملة عسكرية مسعورة ضدها، وسيطر عليها في أغسطس (آب) 2016، عندما هُجِّر نحو ألفي مقاتل وعائلاتهم إلى الشمال السوري، بينما بلغ عدد الضحايا 2712 شخصاً، بحسب فريق التوثيق في داريا.

وما خلق حساسية مفرطة لدى النظام من انضمام داريا البالغ عدد سكانها قبل 2011 نحو 250 ألف نسمة إلى الحراك السلمي، موقعها الاستراتيجي؛ إذ إنها على تماس مباشر من الشمال مع حي المزة في دمشق الذي يُسمى حي السفارات، ومع مطار المزة العسكري، ومقرات الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة من الشمال الغربي.